الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهِيَ السُّورَةُ السَّادِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ فِي تَرْتِيبِ نُزُولِ السُّوَرِ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ طه وَقَبْلَ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ.
وَقَدْ عَدَّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ آيُّهَا تِسْعًا وَتِسْعِينَ وَعَدَّهَا أَهَّلُ الْبَصْرَةِ سَبْعًا وَتِسْعِينَ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ سِتًّا وَتِسْعِينَ.
وَهَذِهِ السُّورَةُ جَامِعَةٌ لِلتَّذْكِيرِ قَالَ مَسْرُوقٌ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ نَبَأً الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَنَبَأً أَهْلِ الْجَنَّةِ وَنَبَأً أَهْلِ النَّارِ وَنَبَأً أَهْلِ الدُّنْيَا وَنَبَأً أَهْلِ الْآخِرَةِ فَلْيَقْرَأْ سُورَةَ الْوَاقِعَة» اه.
أغراض هَذِه السُّورَة
التَّذْكِيرُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَتَحْقِيقُ وُقُوعِهِ.
وَوَصْفُ مَا يُعْرَضُ وَهَذَا الْعَالِمِ الْأَرْضِيِّ عِنْدَ سَاعَةِ الْقِيَامَةِ.
ثُمَّ صِفَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَبَعْضُ نَعِيمِهِمْ.
وَصِفَةُ أَهْلِ النَّارِ وَمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ وَأَنَّ ذَلِكَ لِتَكْذِيبِهِمْ بِالْبَعْثِ. وَإِثْبَاتُ الْحَشْرِ وَالْجَزَاءِ وَالْاِسْتِدْلَالِ عَلَى إِمْكَانِ الْخَلْقِ الثَّانِي بِمَا أَبْدَعَهُ اللَّهُ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ.
وَالْاِسْتِدْلَالُ بِدَلَائِلِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالْاِسْتِدْلَالُ بِنَزْعِ اللَّهِ الْأَرْوَاحَ مِنَ الْأَجْسَادِ وَالنَّاسُ كَارِهُونَ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مَنَعَهَا مِنَ الْخُرُوجِ، عَلَى أَنَّ الَّذِي قَدِرَ عَلَى نَزْعِهَا بِدُونِ مُدَافِعٍ قَادِرٌ عَلَى إِرْجَاعِهَا مَتى أَرَادَ على أَنْ يُمِيتَهُمْ.
وَتَأْكِيدُ أَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَأَنَّهُ نعْمَة أنعم الله بِهَا عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَشْكُرُوهَا وَكَذَّبُوا بِمَا فِيهِ.
[1، 2]
[سُورَة الْوَاقِعَة (56) : الْآيَات 1 إِلَى 2]
بسم الله الرحمن الرحيم
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2)
افْتِتَاحُ السُّورَةِ بِالظَّرْفِ الْمُتَضَمِّنِ الشَّرْطَ، افْتِتَاحٌ بَدِيعٌ لِأَنَّهُ يَسْتَرْعِي الْأَلْبَابَ لِتَرَقُّبِ مَا بَعْدَ هَذَا الشَّرْطِ الزَّمَانِيِّ مَعَ مَا فِي الْاِسْمِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ مِنَ التَّهْوِيلِ بِتَوَقُّعِ حَدَثٍ عَظِيمٍ يَحْدُثُ.
وإِذا ظَرْفُ زَمَانٍ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْكَوْنِ الْمُقَدَّرِ فِي قَوْلِهِ: فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الْوَاقِعَة:
12] إِلَخْ وَقَوْلُهُ: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ [الْوَاقِعَة: 28] إِلَخْ وَقَوْلُهُ: فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ [الْوَاقِعَة:
42] إِلَخْ. وَضَمَّنَ إِذا مَعْنَى الشَّرْطِ.
وَجُمْلَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ اسْتِئْنَاف بياني ناشىء عَنْ قَوْلِهِ: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ إِلَخْ وَهُوَ اعْتِرَاض بَين جملى إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ وَبَيْنَ جُمْلَةِ فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ [الْوَاقِعَة:
8] إِلَخْ.
وَالْجَوَابُ قَوْلُهُ: فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ مَا أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ [الْوَاقِعَة: 8، 9]، فيفد جَوَابًا لِلشَّرْطِ وَيُفِيدُ تَفْصِيلَ جُمْلَةِ وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً [الْوَاقِعَة: 7] ، وَتَكُونُ الْفَاءُ مُسْتَعْمَلَةً فِي مَعْنَيَيْنِ: رَبَطِ الْجَوَابِ، وَالتَّفْرِيعِ، وَتَكُونُ جُمْلَةً لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ وَمَا بَعْدَهُ اعْتِرَاضًا.
وَالْوَاقِعَةُ أَصْلُهَا: الْحَادِثَةُ الَّتِي وَقَعَتْ، أَيْ حَصَلَتْ، يُقَالُ: وَقَعَ أَمْرٌ، أَيْ حَصَلَ كَمَا يُقَالُ: صَدَقُ الْخَبَرِ مُطَابَقَتُهُ لِلْوَاقِعِ، أَيْ كَوْنِ الْمَعْنَى الْمَفْهُومِ مِنْهُ مُوَافِقًا لِمُسَمَّى ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الْوُجُودِ الْحَاصِل أَو المتوقع عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَمِنْ ذَلِكَ حَادِثَةُ الْحَرْبِ يُقَالُ: وَاقِعَةُ ذِي قَارٍ، وَوَاقِعَةُ الْقَادِسِيَّةِ.
فَرَاعَوْا فِي تأنيثها معنى الْحَادِث أَوِ الْكَائِنَةِ أَوِ السَّاعَةِ، وَهُوَ تَأْنِيثٌ كَثِيرٌ فِي اللُّغَةِ جَارٍ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَرَبِ لَا يَكُونُونَ رَاعَوْا فِيهِ إِلَّا مَعْنَى الْحَادِثَةِ أَوِ السَّاعَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُهُمْ: دَارَتْ عَلَيْهِ الدَّائِرَةُ، قَالَ تَعَالَى: يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ [الْمَائِدَة: 52] وَقَالَ: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ [التَّوْبَة: 98] .
وَالْمُرَادُ بِالْوَاقِعَةِ هُنَا الْقِيَامَةُ فَجُعِلَ هَذَا الْوَصْفُ عَلَمًا لَهَا بِالْغَلَبَةِ فِي اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى: فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ [الحاقة: 15] كَمَا سُمِّيَتِ الصَّاخَّةُ وَالطَّامَّةُ وَالْآزِفَةُ،
أَيِ السَّاعَةِ الْوَاقِعَةِ. وَبِهَذَا الْاِعْتِبَارِ صَارَ فِي قَوْلِهِ: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ مُحْسِنُ التَّجْنِيسِ.
والْواقِعَةُ: الْمَوْصُوفَةُ بِالْوُقُوعِ، وَهُوَ الْحُدُوثُ.
وكاذِبَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ فَاعِلٍ مِنْ كَذَبَ الْمُجَرَّدُ، جَرَى عَلَى التَّأْنِيثِ لِلدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ وَصْفٌ لِمَحْذُوفٍ مُؤَنَّثِ اللَّفْظِ. وَتَقْدِيرُهُ هُنَا نَفْسٌ، أَيْ تَنْتَفِي كُلُّ نَفْسٍ كَاذِبَةٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَذَبَ اللَّازِمِ إِذَا قَالَ خِلَافَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَذَلِكَ أَنَّ مُنْكِرِي الْقِيَامَةِ يَقُولُونَ: لَا تَقَعُ الْقِيَامَةُ فَيَكْذِبُونَ فِي ذَلِكَ فَإِذَا وَقَعَتِ آمَنَتِ النُّفُوسُ كُلُّهَا بِوُقُوعِهَا فَلَمْ تَبْقَ نَفْسٌ تُكَذِّبُ، أَيْ فِي شَأْنِهَا أَوْ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهَا. وَذَلِكَ التَّقْدِيرُ كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَذَبَ الْمُتَعَدِّي مِثْلَ الَّذِي فِي قَوْلِهِمْ كَذَبَتْ فَلَانَا نَفْسُهُ، أَيْ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ، أَيْ رَأْيُهُ بِحَدِيثِ كَذِبٍ وَذَلِكَ أَنَّ اعْتِقَادَ الْمُنْكِرِ لِلْبَعْثِ اعْتِقَادٌ سَوَّلَهُ لَهُ عَقْلُهُ الْقَاصِرُ فَكَأَنَّ نَفْسَهْ حَدَّثَتْهُ حَدِيثًا كَذَّبَتْهُ بِهِ، وَيَقُولُونَ: كَذَبَتْ فَلَانَا نَفْسُهُ فِي الْخَطْبِ الْعَظِيمِ،
إِذَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ فَأَخْفَقَ كَأَنَّ نَفْسَهُ لَمَّا شَجَّعَتْهُ عَلَى اقْتِحَامِهِ قَدْ قَالَتْ لَهُ: إِنَّكَ تُطِيقُهُ فَتَعْرِضُ لَهُ وَلَا تُبَالِ بِهِ فَإِنَّكَ مُذَلِّلُهُ فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ عَجْزُهُ فَكَأَنَّ نَفْسَهُ أَخْبَرَتْهُ بِمَا لَا يَكُونُ فَقَدْ كَذَّبَتْهُ، كَمَا يُقَالُ: كَذَّبَتْهُ عَيْنُهُ إِذَا تَخَيَّلَ مَرْئِيًّا وَلَمْ يَكُنْ.
وَالْمَعْنَى: إِذَا وَقَعَتِ الْقِيَامَةُ تَحَقَّقَ مُنْكِرُوهَا ذَلِكَ فَأَقْلَعُوا عَنِ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّهَا لَا تَقَعُ وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ ضَلُّوا فِي اسْتِدْلَالِهِمْ وَهَذَا وَعِيدٌ بِتَحْذِيرِ الْمُنْكِرِينَ لِلْقِيَامِةِ مِنْ خِزْيِ الْخَيْبَةِ وَسَفَاهَةِ الرَّأْيِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَشْر.
وَإِطْلَاق وصف الْكَذِبِ فِي جَمِيعِ هَذَا اسْتِعَارَةٌ بِتَشْبِيهِ السَّبَبِ لِلْفِعْلِ غَيْرِ الْمُثْمِرِ بِالْمُخْبِرِ بِحَدِيثِ كَذِبٍ أَوْ تَشْبِيهِ التَّسَبُّبِ بِالْقَوْلِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: الْكَذِبُ ضَرْبٌ مِنَ الْقَوْلِ فَكَمَا جَازَ أَنْ يَتَّسِعَ فِي الْقَوْلِ فِي غَيْرِ نُطْقٍ نَحْوِ قَوْلِ أَبِي النَّجْمِ:
قَدْ قَالَتِ الْأَنْسَاعُ لِلْبَطْنِ الْحَقِّ (1)
(1) تَمَامه: قدما فآضت كالفنيق المحنق.
النسع: حزَام يشد على بطن الدَّابَّة.