الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَعْنَى يُصِرُّونَ: يَثْبُتُونَ عَلَيْهِ لَا يَقْبَلُونَ زَحْزَحَةً عَنْهُ، أَيْ لَا يَضَعُونَ لِلدَّعْوَةِ إِلَى النَّظَرِ فِي بُطْلَانِ عَقِيدَةِ الشِّرْكِ.
وَصِيغَةُ الْمُضَارِعِ فِي يُصِرُّونَ ويَقُولُونَ تُفِيدُ تَكَرُّرَ الْإِصْرَار وَالْقَوْل مِنْهُم. وَذِكْرُ فِعْلِ كانُوا لِإِفَادَةِ أَنَّ ذَلِكَ دَيْدَنُهُمْ.
وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً إِلَخْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ اسْتِحَالَةَ الْبَعْثِ بَعْدَ تِلْكَ الْحَالَةِ. وَيُنَاظِرُونَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَوْلَ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ اسْتِحَالَةَ الْبَعْثِ.
وَالْاِسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِحَالَةِ وَالْاِسْتِبْعَادِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً إِلَخْ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أَإِذا مِتْنا بِإِثْبَاتِ الْاِسْتِفْهَامِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، أَيْ إِذَا مِتْنَا أَإِنَّا. وَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِالْاِسْتِفْهَامِ فِي أَإِذا مِتْنا وَالْإِخْبَارُ فِي إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَوَآباؤُنَا، بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى أَنَّهَا وَاوَ عَطْفٍ عَطَفَتِ اسْتِفْهَامًا عَلَى اسْتِفْهَامٍ، وَقُدِّمَتْ هَمْزَةُ الْاِسْتِفْهَامِ على حرف الْعَطف لِصَدَارَةِ الْاِسْتِفْهَامِ، وَأُعِيدَ الْاِسْتِفْهَامُ تَوْكِيدًا لِلْاِسْتِبْعَادِ. وَالْمُرَادُ بِالْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ: وَكانُوا يَقُولُونَ إِلَخْ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ اسْتِجَابَةَ مَدْلُولِ ذَلِك الِاسْتِفْهَام.
[49، 50]
[سُورَة الْوَاقِعَة (56) : الْآيَات 49 إِلَى 50]
قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50)
لِمَا جَرَى تَعْلِيلُ مَا يُلَاقِيهِ أَصْحَابُ الشِّمَالِ مِنَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ كُفْرَانِ النِّعْمَةِ، وَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ وَعِيدَ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ إِنْكَارُهُمُ الْبَعْثَ أَدْخَلَ فِي اسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يُخَاطِبَهُمْ بِتَحْقِيقِ وُقُوعِ الْبَعْثِ وَشُمُولِهِ لَهُمْ وَلِآبَائِهِمْ وَلِجَمِيعِ النَّاسِ، أَيْ أَنْبِئْهُمْ بِأَنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، أَيْ هُمْ
وَآبَاؤُهُمْ يُبْعَثُونَ فِي الْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ عِنْدَ اللَّهِ، فَقَدِ انْتَهَى الْخَبَرُ عَنْ حَالِهِمْ يَوْمَ تُرَجُّ الْأَرْضُ وَمَا يَتْبَعُهُ.
وَافْتَتَحَ الكَّلَامَ بِالْأَمْرِ بِالْقَوْلِ لِلْاِهْتِمَامِ بِهِ كَمَا افْتَتَحَ بِهِ نَظَائِرَهُ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ لِيَكُونَ ذَلِكَ تَبْلِيغًا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى. فَيَكُونُ قَوْلُهُ: قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ إِلَخِ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا لِمُنَاسَبَةِ حِكَايَةِ قَوْلِهِمْ: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً [الْوَاقِعَة: 47] الْآيَةِ.
وَالْمُرَادُ بِ الْأَوَّلِينَ: مَنْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَصْفُ (أَوَّلِ) بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ بَعْدَهُمْ، وَالْمُرَادُ بِ الْآخِرِينَ: مَنْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَصْفٌ آخَرُ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ قبله.
وَمعنى لَمَجْمُوعُونَ: أَنَّهُمْ يُبْعَثُونَ وَيُحْشَرُونَ جَمِيعًا، وَلَيْسَ الْبَعْثُ عَلَى أَفْوَاجٍ فِي أَزْمَانٍ مُخْتَلِفَةٍ كَمَا كَانَ مَوْتُ النَّاسِ بَلْ يُبْعَثُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. وَهَذَا إِبْطَالٌ لِمَا اقْتَضَاهُ عَطْفُ أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ فِي كَلَامِهِمْ مِنِ اسْتِنْتَاجِ اسْتِبْعَادِ الْبَعْثِ لِأَنَّهُمْ عَدُّوا سَبْقَ مَنْ سُبِقَ مَوْتُهُمْ أَدُلُّ عَلَى تَعَذُّرِ بَعْثِهِمْ بَعْدَ أَنْ مَضَتْ عَلَيْهِمُ الْقُرُونُ وَلَمْ يُبْعَثْ فَرِيقٌ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ هَذَا الْقِيلِ، فَالْمَعْنَى: أَنَّكُمْ.
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ (أَنَّ) وَاللَّامِ لِرَّدِ إِنْكَارِهِمْ مَضْمُونَهُ.
وَالْمِيقَاتُ: هُنَا لِمَعْنَى الْوَقْتِ وَالْأَجَلِ، وَأَصْلُهُ اسْمُ آلَةٍ لِلْوَقْتِ وَتَوَسَّعُوا فِيهِ فَأَطْلَقُوهُ عَلَى الْوَقْتِ نَفْسِهِ بِحَيْثُ تُعْتَبَرُ الْمِيمُ وَالْأَلْفُ غَيْرَ دَالَّتَيْنِ عَلَى مَعْنًى، وَتَوَسَّعُوا فِيهِ تَوَسُّعًا آخَرَ فَأَطْلَقُوهُ عَلَى مَكَانٍ لِعَمَلٍ مَا. وَلَعَلَّ ذَلِكَ مُتَفَرِّعٌ عَلَى اعْتِبَارِ مَا فِي التَّوْقِيف مِنَ التَّحْدِيدِ وَالضَّبْطِ، وَمِنْهُ مَوَاقِيتُ الْحَجِّ، وَهِيَ أَمَاكِنٌ يُحْرِمُ الْحَاجُّ بِالْحَجِّ عِنْدَهَا لَا يَتَجَاوَزُهَا حَلَالًا. وَمِنْهُ
قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «لَمْ يُوَقِّتُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَمْرِ حَدًّا مُعَيَّنًا»
. وَيَصِحُّ حَمْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ على معنى الْمَكَان.
وَقد ضمن لَمَجْمُوعُونَ مَعْنَى مَسُوقُونَ، فَتَعَلَّقَ بِهِ مَجْرُورُهُ بِحَرْفِ إِلى لِلْاِنْتِهَاءِ، وَإِلَّا فَإِنَّ ظَاهِرَ مَجْمُوعُونَ أَنْ يُعَدَّى بِحَرْفِ (فِي) .