الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ مَا فَسَّرَهُ
قَوْلُ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم: «وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطَايَا كَمَا يطفىء الْمَاءُ النَّارَ»
، أَيْ زِيَادَةٌ عَلَى مُضَاعَفَتِهَا مِثْلُ الْحَسَنَات كلهَا.
[12]
[سُورَة الْحَدِيد (57) : آيَة 12]
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ وَإِعْطَاءَ الْأَجْرِ يَكُونُ فِي يَوْمِ الْجَزَاءِ، تَرَجَّحَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: اذْكُرْ تَنْوِيهًا بِمَا يَحْصُلُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ ثَوَابٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَمِنْ حِرْمَانٍ لِلْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ، وَلِذَلِكَ كَرَّرَ يَوْمَ لِيَخْتَصَّ كُلُّ فَرِيقٍ بِذِكْرِ مَا هُوَ من شؤونه فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وَعَلَى هَذَا فَالْجُمْلَةُ مُتَّصِلَةٌ بِالَّتِي قَبْلَهَا بِسَبَبِ هَذَا التَّعَلُّقِ، عَلَى أَنَّهُ فِي نَظْمِ الْكَلَامِ يَصِحُّ جَعْلُهُ ظَرْفًا مُتَعَلقا ب فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الْحَدِيد: 11] عَلَى طَرِيقَةِ التَّخَلُّصِ لِذِكْرِ مَا يَجْرِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْخَيْرَاتِ لِأَهْلِهَا وَمِنَ الشَّرِّ لِأَهْلِهِ.
وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا لِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ أَجْرِ الْمُنْفِقِينَ فَعَقَّبَ
بِبَيَانِ بَعْضِ مَزَايَا الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِالَّتِي قَبْلَهَا بِسَبَبِ التَّعَلُّقِ.
وَالْخِطَابُ فِي تَرَى لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لِيَكُونَ عَلَى مِنْوَالِ الْمُخَاطَبَاتِ الَّتِي قَبْلَهُ، أَيْ يَوْمُ يَرَى الرَّائِي، وَالرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ، ويَوْمَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إِلَى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ، وَيَجُوزُ كَوْنُهَا فَتْحَةَ إِعْرَابٍ الْمُضَافَ إِلَى الْمُضَارِعِ يَجُوزُ فِيهِ الْوَجْهَانِ.
وَوَجْهُ عَطْفِ الْمُؤْمِناتِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ هُنَا، وَفِي نَظَائِرِهِ مِنَ الْقُرْآنِ الْمَدَنِيِّ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ حُظُوظَ النِّسَاءِ فِي هَذَا الدِّينِ مُسَاوِيَةٌ حُظُوظَ الرِّجَالِ إِلَّا فِيمَا خُصِّصْنَ
بِهِ مِنْ أَحْكَامٍ قَلِيلَةٍ لَهَا أَدِلَّتُهَا الْخَاصَّةِ وَذَلِكَ لِإِبْطَالِ مَا عِنْدَ الْيَهُودِ مِنْ وَضْعِ النِّسَاءِ فِي حَالَةِ مَلْعُونَاتٍ وَمَحْرُومَاتٍ مِنْ مُعْظَمِ الطَّاعَاتِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [178] .
وَالنُّورُ الْمَذْكُورُ هُنَا نُورٌ حَقِيقِيٌّ يَجعله الله للْمُؤْمِنين فِي مَسِيرِهِمْ مِنْ مَكَانِ الْحَشْرِ إِكْرَامًا لَهُمْ وَتَنْوِيهًا بِهِمْ فِي ذَلِكَ الْمَحْشَرِ.
وَالْمَعْنَى: يَسْعَى نُورُهُمْ حِينَ يَسْعَوْنَ، فَحَذَفَ ذَلِكَ لِأَنَّ النُّورَ إِنَّمَا يَسْعَى إِذَا سَعَى صَاحبه وَإِلَّا لَا نفصل عَنْهُ وَتَرَكَهُ.
وَإِضَافَةُ (نُورٍ) إِلَى ضَمِيرِهِمْ وَجَعْلُ مَكَانِهِ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يُبَيِّنُ أَنَّهُ نُورٌ لِذَوَاتِهِمْ أُكْرِمُوا بِهِ.
وَانْظُرْ مَعْنَى هَذِهِ الْإِضَافَةِ لِضَمِيرِهِمْ، وَمَا فِي قَوْلِهِ: يَسْعى مِنَ الِاسْتِعَارَةِ، وَوَجْهَ تَخْصِيصِ النُّورِ بِالْجِهَةِ الْأَمَامِ وَبِالْأَيْمَانِ كُلَّ ذَلِكَ فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ.
وَالْبَاءُ فِي وَبِأَيْمانِهِمْ بِمَعْنَى (عَنْ) وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْأَيْمَانِ تَشْرِيفًا لَهَا وَهُوَ مِنَ الِاكْتِفَاءِ، أَيْ وَبِجَانِبَيْهِمْ.
وَيجوز أَن تكون الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ، وَيَكُونُ النُّورُ الْمُلَابِسُ لِلْيَمِينِ نُورَ كِتَابِ الْحَسَنَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً [الانشقاق: 7، 8] فَإِنَّ كِتَابَ الْحَسَنَاتِ هُدًى فَيَكُونُ لَفْظُ «النُّورِ» قَدِ اسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَيَيْهِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ وَهُوَ الْهُدَى وَالْبَرَكَةُ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: «وَمِنْ هَذِهِ الْآيَةِ انْتُزِعَ حَمْلُ الْمُعْتَقِ لِلشَّمْعَةِ» اه. (لَعَلَّهُ يُشِيرُ إِلَى عَادَةٍ كَانَتْ مَأْلُوفَةً عِنْدَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا بِيَدِ الْعَبْدِ الَّذِي يَعْتِقُونَهُ شَمْعَةً مُشْتَعِلَةً يَحْمِلُهَا سَاعَةَ
عِتْقِهِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا فِي كَلَامِ غَيْرِهِ) .
وَالْبُشْرَى: اسْمُ مَصْدَرِ بَشَّرَ وَهِيَ الْإِخْبَارُ بِخَبَرٍ يَسُرُّ الْمُخْبَرَ، وَأَطْلَقَ الْمَصْدَرَ عَلَى الْمَفْعُولِ وَهُوَ إِطْلَاقٌ كَثِيرٌ مِثْلُ الْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ، أَيِ الَّذِي تُبَشَّرُونَ بِهِ