الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَفَادَ تَعْلِيقُ مَجْرُورِهِ بِهِ بِوَاسِطَةِ (إِلَى) أَنَّهُ مُسَيَّرٌ إِلَيْهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَيْهِ، فَدَلَّ عَلَى مَكَانٍ.
وَهَذَا مِنَ الْإِيجَازِ.
وَإِضَافَةُ مِيقاتِ إِلَى يَوْمٍ مَعْلُومٍ لِأَنَّ التَّجَمُّعَ وَاقِعٌ فِي ذَلِك الْيَوْم. وَإِذ كَانَ التَّجَمُّعُ الْوَاقِعُ فِي الْيَوْمِ وَاقِعًا فِي ذَلِكَ الْمِيقَاتِ كَانَتْ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَالْيَوْمِ مُلَابَسَةٌ صَحَّحَتْ إِضَافَةَ الْمِيقَاتِ إِلَيْهِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهَذَا أَدَقُّ مِنْ جَعْلِ الْإِضَافَةِ بَيَانِيَّةٌ. وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالْوَعِيدِ بِمَا يَلْقَوْنَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي جحدوه.
[51- 55]
[سُورَة الْوَاقِعَة (56) : الْآيَات 51 إِلَى 55]
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55)
هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا أَمَرَ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ.
وثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الرُّتَبِيِّ فَإِن فِي التَّصْرِيح بتفصيل جَزَائِهِمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَا هُوَ أَعْظَمُ وَقْعًا فِي النُّفُوسِ مِنَ التَّعْرِيضِ الْإِجْمَالِيِّ بِالْوَعِيدِ الَّذِي اسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ [الْوَاقِعَة: 49، 50] .
وَهَذَا التَّرَاخِي الرُّتَبِيُّ مِثْلُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ [التغابن: 7] بِمَنْزِلَةِ الْاِعْتِرَاضِ بَيْنَ جُمْلَةِ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ [الْوَاقِعَة: 49] وَجُمْلَةِ: خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ [الْوَاقِعَة: 57] .
وَالْخِطَابُ مُوَجَّهٌ لِلْمَقُولِ إِلَيْهِمْ مَا أُمِرَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ فَلَيْسَ فِي هَذَا الْخِطَابِ الْتِفَاتٌ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ، وَفِي نِدَائِهِمْ بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُمَا سَبَبُ مَا
لَحِقَهُمْ مِنَ الْجَزَاءِ السَّيِّئِ، وَوَصْفُهُمْ بِأَنَّهُمْ: ضَالُّونَ مُكَذِّبُونَ، نَاظِرٌ إِلَى قَوْلهم: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً [الْوَاقِعَة: 47] إِلَخ.
وَقدم وَصَفَ الضَّالُّونَ عَلَى وَصْفِ الْمُكَذِّبُونَ مُرَاعَاةً لِتَرْتِيبِ الْحُصُولِ لِأَنَّهُمْ ضَلُّوا عَنِ الْحَقِّ فَكَذَّبُوا بِالْبَعْثِ لِيَحْذَرُوا مِنَ الضَّلَالِ وَيَتَدَبَّرُوا فِي دَلَائِلِ الْبَعْثِ وَذَلِكَ مُقْتَضَى خِطَابِهِمْ بِهَذَا الْإِنْذَارِ بِالْعَذَابِ الْمُتَوَقَّعِ.
وَشَجَرُ الزَّقُّومِ: مِنْ شَجَرِ الْعَذَابِ، تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الدُّخَّانِ.
وَالْحَمِيمُ: الْمَاءُ الشَّدِيدُ الْغَلَيَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [70] وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي هَذِهِ السُّورَةِ.
وَالْمَقْصُودُ من قَوْله: فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ تَفْظِيعُ حَالِهِمْ فِي جَزَائِهِمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ من الترف فِي الدُّنْيَا بِمَلْءِ بُطُونِهِمْ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَلْئًا أَنْسَاهُمْ إِقْبَالَهُمْ عَلَيْهِ وَشُرْبَهُمْ مِنَ التَّفَكُّرِ فِي مَصِيرِهِمْ.
وَقَدْ زيد تفظيعا بالتشبيه فِي قَوْلِهِ: فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ، كَمَا سَيَأْتِي، وَإِعَادَةُ فِعْلِ (شَارِبُونَ) لِلتَّأْكِيدِ وَتَكْرِيرِ اسْتِحْضَارِ تِلْكَ الصُّورَةِ الفظيعة. وَمعنى فَشارِبُونَ عَلَيْهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (عَلَى) فِيهِ لِلْاِسْتِعْلَاءِ، أَيْ شَارِبُونَ فَوْقَهُ الْحَمِيمَ، وَيَجُوزُ مَعَ ذَلِكَ اسْتِفَادَةُ مَعْنَى (مَعَ) مِنْ حَرْفِ (عَلَى) تعجيبا من فظاعة حَالِهِمْ، أَيْ يَشْرَبُونَ هَذَا الْمَاءَ الْمُحْرِقَ مَعَ مَا طَعِمُوهُ مِنْ شَجَرِ الزَّقُّومِ الْمَوْصُوفَةِ فِي آيَةٍ أُخْرَى بِأَنَّهَا يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [الدُّخان:
45، 46] فَيُفِيدُ أَنَّهُمْ يَتَجَرَّعُونَهُ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ امْتِنَاعًا.
ومِنْ الدَّاخِلَةُ عَلَى شَجَرٍ ابْتِدَائِيَّةٌ، أَيْ آكِلُونَ أَكْلًا يُؤْخَذُ مِنْ شَجَرِ الزَّقُّومِ، ومِنْ الثَّانِيَة الدَّاخِلَة عَلَى زَقُّومٍ بَيَانِيَّةٌ لِأَنَّ الشَّجَرَ هُوَ الْمُسَمَّى بِالزَّقُّومِ.
وَتَأْنِيثُ ضَمِيرِ الشَّجَرِ فِي قَوْله: فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ لِأَنَّ ضَمَائِرَ الْجَمْعِ لِغَيْرِ الْعَاقِلِ تَأْتِي مُؤَنَّثَةً غَالِبًا.
وَأَمَّا ضَمِيرُ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا جَاءَ بِصِيغَةِ الْمُذَكَّرِ لِأَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْأَكْلِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ: لَآكِلُونَ، أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْأَكْلِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ مِثْلِ الْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ.
وَالْهِيمُ: جَمْعُ أَهْيَمَ، وَهُوَ الْبَعِيرُ الَّذِي أَصَابَهُ الْهُيَامُ بِضَمِّ الْهَاءِ، وَهُوَ دَاءٌ يُصِيبُ
الْإِبِلَ يُورِثُهَا حُمَّى فِي الْأَمْعَاءِ فَلَا تَزَالُ تَشْرَبُ وَلَا تُرْوَى، أَيْ شَارِبُونَ مِنَ الْحَمِيمِ شُرْبًا لَا يَنْقَطِعُ فَهُوَ مُسْتَمِرَّةُ آلَامَهُ.