الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَقْرَضُوا اللَّهَ
قَرْضاً حَسَناً
مِنْ عَطْفِ الْمُرَادِفِ فِي الْمَعْنَى لِمَا فِي الْمَعْطُوفِ مِنْ تَشْبِيهِ فِعْلِهِمْ بِقَرْضٍ لِلَّهِ تَنْوِيهًا بِالصَّدَقَاتِ.
وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ عَلَى أَنَّهُ مِنَ التَّصْدِيقِ، أَيِ الَّذِينَ صَدَّقُوا الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم، أَيْ آمَنُوا وَامْتَثَلُوا أَمْرَهُ فَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يُضاعَفُ لَهُمْ بِأَلِفٍ بَعْدَ الضَّادِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ يُضَعَّفُ بِدُونِ أَلِفٍ وَبِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ.
وَعَطَفَ وَأَقْرَضُوا وَهُوَ جُمْلَةٌ عَلَى الْمُصَّدِّقِينَ وَهُوَ مُفْرَدٌ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ فِي حُكْمِ الْفِعْلِ حَيْثُ كَانَتِ اللَّامُ فِي مَعْنَى الْمَوْصُولِ فَقُوَّةُ الْكَلَامِ: إِنَّ الَّذِينَ اصَّدَّقُوا وَاللَّائِي تَصَدَّقْنَ وَأَقْرَضُوا، عَلَى التَّغْلِيبِ وَلَا فَصْلَ بِأَجْنَبِيٍّ عَلَى أَنَّ الْفَصْلَ لَا يُمْنَعُ إِذَا لَمْ يُفْسِدِ الْمَعْنَى.
وَوَجْهُ الْعُدُولِ عَنْ تَمَاثُلِ الصِّلَتَيْنِ فَلَمْ يَقُلْ: إِنَّ الْمُصَدِّقِينَ وَالْمُقْرِضِينَ، هُوَ تَصْوِيرُ مَعْنَى كَوْنِ التَّصَدُّقِ إِقْرَاضًا لِلَّهِ.
وَتَقَدَّمَ مَعْنَى يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ فِي قَوْلِهِ: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ [الْحَدِيد: 11] الْآيَةَ.
[19]
[سُورَة الْحَدِيد (57) : آيَة 19]
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (19)
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ.
لَمَّا ذُكِرَ فَضْلُ الْمُتَصَدِّقِينَ وَكَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا مَالَ لَهُ لِيَتَصَدَّقَ مِنْهُ أَعْقَبَ ذِكْرَ الْمُتَصَدِّقِينَ بِبَيَانِ فَضْلِ الْمُؤْمِنِينَ مُطْلَقًا، وَهُوَ شَامِلٌ لِمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ عَلَى نَحْوِ التَّذْكِيرِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى [النِّسَاء: 95] .
وَ (الَّذِينَ آمَنُوا) يَعُمُّ كُلَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ مَضْمُونُ هَذِهِ الصِّلَةِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا.
وَفِي جَمْعِ وَرُسُلِهِ تَعْرِيضٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ قَالُوا: نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ، فَالْيَهُودُ آمَنُوا بِاللَّهِ وَبِمُوسَى، وَكَفَرُوا بِعِيسَى وَبِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَالنَّصَارَى آمَنُوا بِاللَّهِ وَكَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنُونَ آمَنُوا بِرُسُلِ اللَّهِ كُلِّهِمْ، وَلِذَلِكَ وُصِفُوا بِأَنَّهُمُ الصِّدِّيقُونَ.
وَالصِّدِّيقُ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ مُبَالَغَةٌ فِي الْمُصَدِّقِ مِثْلَ الْمَسِّيكِ لِلشَّحِيحِ، أَيْ كَثِيرُ الْإِمْسَاكِ لِمَالِهِ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ يُشْتَقَّ هَذَا الْوَزْنُ مِنَ الثُّلَاثِيِّ مِثْلَ: الضِّلِّيلُ، وَقَدْ يُشْتَقُّ مِنَ الْمَزِيدِ، وَذَلِكَ أَنَّ الصِّيَغَ الْقَلِيلَةَ الِاسْتِعْمَالِ يَتَوَسَّعُونَ فِيهَا كَمَا تُوُسِّعَ فِي السَّمِيعِ بِمَعْنَى الْمُسْمِعِ فِي بَيْتِ عَمْرو بن معد يكرب، وَالْحَكِيمُ بِمَعْنَى الْمُحَكِّمِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا وُصِفُوا بِأَنَّهُمْ صِدِّيقُونَ لِأَنَّهُمْ صَدَّقُوا جَمِيعَ الرُّسُلِ الْحَقِّ وَلَمْ تَمْنَعْهُمْ عَنْ ذَلِكَ عَصَبِيَّةٌ وَلَا عِنَادٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ يُوسُفَ وَصْفَهُ بِالصِّدِّيقِ وَوُصِفَتْ مَرْيَمُ بِالصِّدِّيقَةِ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ.
وَضَمِيرُ الْفَصْلِ لِلْقَصْرِ وَهُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ، أَيْ هُمُ الصِّدِّيقُونَ لَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بَعْضَ الرُّسُلِ وَهَذَا إِبْطَالٌ لِأَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْكِتَابِ صِدِّيقِينَ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُمْ رَسُولَهُمْ لَا جَدْوَى لَهُ إِذْ لَمْ يُصَدِّقُوا بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
وَاسْمُ الْإِشَارَةِ لِلتَّنْوِيهِ بِشَأْنِهِمْ وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِمُ اسْتَحَقُّوا مَا يَرِدُ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنْ أَجْلِ الصِّفَاتِ الَّتِي قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ.
وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ.
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى الصِّدِّيقُونَ عَطَفَ الْمُفْرَدَ عَلَى الْمُفْرَدِ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى الْخَبَرِ، أَيْ وَهُمُ الشُّهَدَاءُ. وَحُكِيَ هَذَا التَّأْوِيلُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَجَمَاعَةٍ. فَقِيلَ: مَعْنَى كَوْنِهِمْ شُهَدَاءَ: أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ عَلَى الْأُمَمِ يَوْمَ الْجَزَاءِ، قَالَ تَعَالَى:
وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [الْبَقَرَة: 143] ، فَالشَّهَادَةُ تَكُونُ بِمَعْنَى الْخَبَرِ بِمَا يُثْبِتُ حَقًّا يُجَازَى عَلَيْهِ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ.
وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَنَّ مُؤْمِنِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَشُهَدَاءِ الْأُمَمِ، أَيْ كَقَتْلَاهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم.
فَتَكُونُ جُمْلَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا نَشَأَ عَنْ وَصْفِهِمْ بِتَيْنِكَ الصِّفَتَيْنِ فَإِنَّ السَّامِعَ يَتَرَقَّبُ مَا هُوَ نَوَالُهُمْ مِنْ هَذَيْنِ الْفَضْلَيْنِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَالشُّهَداءُ مُبْتَدَأً وَجُمْلَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ خَبَرٌ عَنِ الْمُبْتَدَأِ، وَيَكُونُ الْعَطْفُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ فَيُوقَفُ عَلَى قَوْلِهِ: الصِّدِّيقُونَ.
وَحُكِيَ هَذَا التَّأْوِيلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَسْرُوقٍ وَالضَّحَّاكِ فَيَكُونُ انْتِقَالًا مِنْ وَصْفِ مَزِيَّةِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى وَصْفِ مَزِيَّةِ فَرِيقٍ مِنْهُمُ اسْتَأْثَرُوا بِفَضِيلَةِ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهَذَا مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِهِ: وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الْحَدِيد: 10] فَإِنَّهُ لَمَّا نَوَّهَ بِوَعْدِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُصَدِّقِينَ الْمَعْفِيِّينَ مِنْ قَوْلِهِ: وَما لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ [الْحَدِيد: 8] إِلَخْ فَأَوْفَاهُمْ حَقَّهُمْ بِقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ أَقْبَلَ عَلَى وَعْدِ الشُّهَدَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ تَضَمَّنَ ذِكْرَهُمْ قَوْلُهُ: وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الْحَدِيد: 10] الْآيَاتِ، فَالشُّهَدَاءُ إِذَنْ هُمُ الْمَقْتُولُونَ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَالْمَعْنَيَانِ مِنَ الشُّهَدَاءِ مُمْكِنٌ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَتُحْمَلُ الْآيَةُ عَلَى إِرَادَتِهِمَا عَلَى طَرِيقَةِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ. وَقَدْ قَرَّرْنَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ جَرَى اسْتِعْمَالُ الْقُرْآن عَلَيْهِ.
وضميرا أَجْرُهُمْ ونُورُهُمْ يَعُودَانِ إِلَى الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ أَوْ إِلَى الشُّهَدَاءِ فَقَطْ عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ آنِفًا فِي الْعَطْفِ.
وعِنْدَ رَبِّهِمْ مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِقْرَارِ الَّذِي فِي الْمَجْرُورِ الْمُخْبَرِ بِهِ عَنِ الْمُبْتَدَأِ، وَالتَّقْدِيرُ:
لَهُمْ أَجْرُهُمْ مُسْتَقِرٌّ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَالْعِنْدِيَّةُ مَجَازِيَّةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْعِنَايَةِ وَالْحُظْوَةِ.
وَالظَّاهِرُ فِي عَوْدِ الضَّمِيرِ إِلَى أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى مَذْكُورٍ فِي اللَّفْظِ بِمَعْنَاهُ الْمَذْكُورِ فَظَاهِرُ مَعْنَى أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ أَنَّهُ أَجْرُ أُولَئِكَ الْمَذْكُورِينَ، وَمَعْنَى إِضَافَةِ أَجْرٍ وَنُورٍ إِلَى ضَمِيرِهِمْ أَنَّهُ أَجْرٌ يُعَرَّفُ بِهِمْ وَنُورٌ يُعَرَّفُ بِهِمْ.
وَإِذْ قَدْ كَانَ مُقْتَضَى الْإِضَافَةِ أَنْ تُفِيدَ تَعْرِيفَ الْمُضَافِ بِنِسْبَتِهِ إِلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ وَكَانَ الْأَجْرُ وَالنُّورُ غَيْرَ مَعْلُومَيْنِ لِلسَّامِعِ كَانَ فِي الْكَلَامِ إِبْهَامٌ يُكَنَّى بِهِ عَنْ أَجْرٍ وَنُورٍ عَظِيمَيْنِ، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ التَّنْوِيهِ بِذَلِكَ الْأَجْرِ وَذَلِكَ النُّورِ، أَيْ أَجْرٌ وَنُورٌ لَا يُوصَفَانِ إِلَّا أَجْرَهُمْ وَنُورَهُمْ، أَيْ أَجْرًا وَنُورًا لَائِقَيْنِ بِمَقَامٍ، مَعَ ضَمِيمَةِ مَا أَفَادَتْهُ الْعِنْدِيَّةُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: عِنْدَ رَبِّهِمْ مِنْ مَعْنَى الزُّلْفَى وَالْعِنَايَةِ بِهِمُ الْمُفِيدُ عَظِيمَ الْأَجْرِ وَالنُّورِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَا أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ عَائِدَيْنِ إِلَى لَفْظَيِ الصِّدِّيقُونَ والشُّهَداءُ أَوْ إِلَى لَفْظِ الشُّهَداءُ خَاصَّةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَكِنْ بِمَعْنًى آخَرَ غَيْرَ الْمَعْنَى
الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ آنِفًا بَلْ بِمَعْنَى الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ مِمَّنْ كَانُوا قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ، قَالَهُ فِي «الْكَشَّافِ» .
وَمَعْنَى الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ حِينَئِذٍ مُغَايِرٌ لِلْمَعْنَى السَّابِقِ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِخْدَامِ فِي الضَّمِيرِ. وَطَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ فِي حَمْلِ الْخَبَرِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ فِي قَوْلِهِ:
لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ بِتَقْدِيرِ: لَهُمْ مِثْلُ أَجْرِهِمْ وَنُورِهِمْ، وَلَا تَأْوِيلَ فِي إِضَافَةِ الْأَجْرِ وَالنُّورِ إِلَى الضَّمِيرَيْنِ بِهَذَا الْمَحْمَلِ فَإِنَّ تَعْرِيفَ الْمُضَافِ بَيِّنٌ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّاسِ مَا وُعِدَ بِهِ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ قَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِهِمْ: وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ [الْمَائِدَة: 44] وَقَالَ: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النبيئين وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النِّسَاء: 69] .
وَفَائِدَةُ التَّشْبِيهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَصْوِيرُ قُوَّةِ الْمُشَبَّهِ وَإِنْ كَانَ أَقْوَى مِنَ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِأَنَّ لِلْأَحْوَالِ السَّالِفَةِ مِنَ الشُّهْرَةِ وَالتَّحَقُّقِ مَا يُقَرِّبُ صُورَةَ الْمُشَبَّهِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ، وَمِنْهُ مَا فِي لَفْظِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم مِنَ التَّشْبِيهِ
بِقَوْلِهِ: «كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ»
. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ.
تَتْمِيمٌ اقْتَضَاهُ ذِكْرُ أَهْلِ مَرَاتِبِ الْإِيمَانِ وَالتَّنْوِيهِ بِهِمْ، فَأَتْبَعَ ذَلِكَ بِوَصْفِ