الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سُورَة الطّور (52) : الْآيَات 13 إِلَى 16]
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)
يَوْمَ يُدَعُّونَ بَدَلٌ مِنْ يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَهُوَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ.
وَالدَّعُّ: الدَّفْعُ الْعَنِيفُ، وَذَلِكَ إِهَانَةٌ لَهُمْ وَغِلْظَةٌ عَلَيْهِمْ، أَيْ يَوْمَ يُسَاقُونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ سَوْقًا بِدَفْعٍ، وَفِيهِ تَمْثِيلُ حَالِهِمْ بِأَنَّهُمْ خَائِفُونَ مُتَقَهْقِرُونَ فَتَدْفَعُهُمُ الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِإِزْجَائِهِمْ إِلَى النَّارِ.
وَتَأْكِيدُ يُدَعُّونَ بِ دَعًّا لِتُوَصِّلَ إِلَى إِفَادَةِ تَعْظِيمِهِ بِتَنْكِيرِهِ.
وَجُمْلَةُ هذِهِ النَّارُ إِلَى آخِرِهَا مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ. وَالْقَوْلُ الْمَحْذُوفُ يُقَدَّرُ بِمَا هُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرٍ يُدَعُّونَ. وَتَقْدِيرُهُ: يُقَالُ لَهُمْ، أَوْ مَقُولًا لَهُمْ، وَالْقَائِلُ هُمُ الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِإِيصَالِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ. وَالْإِشَارَةُ بِكَلِمَةِ هذِهِ الَّذِي هُوَ لِلْمُشَارِ إِلَيْهِ الْقَرِيب الْمُؤَنَّث تومىء إِلَى أَنَّهُمْ بَلَغُوهَا وَهُمْ عَلَى شِفَاهَا، وَالْمَقْصُودُ بِالْإِشَارَةِ التَّوْطِئَةُ لِمَا سَيَرِدُ بَعْدَهَا مِنْ قَوْلِهِ: الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ إِلَى لَا تُبْصِرُونَ.
وَالْمَوْصُولُ وَصِلَتُهُ فِي قَوْلِهِ: الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ لِتَنْبِيهِ الْمُخَاطَبِينَ عَلَى فَسَادِ رَأْيِهِمْ إِذْ كَذَّبُوا بِالْحَشْرِ وَالْعِقَابِ فَرَأَوْا ذَلِكَ عِيَانًا.
وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا التَّنْبِيهِ تَنْبِيهٌ آخر على ضلالهم فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِهِ: أَفَسِحْرٌ هَذَا إِذْ كَانُوا حِينَ يَسْمَعُونَ الْإِنْذَارَ يَوْمَ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ يَقُولُونَ: هَذَا سِحْرٌ، وَإِذَا عُرِضَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ قَالُوا: قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ، فَلِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ مَا فِي صِلَةِ الْمَوْصُولِ مِنْ مَعْنَى التَّوْقِيفِ عَلَى خَطَئِهِمْ وَبَيْنَ التَّهَكُّمِ عَلَيْهِمْ بِمَا كَانُوا يَقُولُونَهُ دَخَلَتْ فَاءُ التَّفْرِيعِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُقَالُ لَهُمُ الْمَحْكِيِّ بِالْقَوْلِ الْمُقَدَّرِ.
وَ (أَمْ) مُنْقَطِعَةٌ، وَالِاسْتِفْهَامُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ أَمْ بَعْدَهَا مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّوْبِيخِ وَالتَّهَكُّمِ.
وَالتَّقْدِير: بل أأنتم لَا تُبْصِرُونَ.
وَمَعْنَى لَا تُبْصِرُونَ: لَا تُبْصِرُونَ الْمَرْئِيَّاتِ كَمَا هِيَ فِي الْوَاقِعِ فَلَعَلَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ نَارًا كَمَا كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَقُولُونَ: بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ [فصلت: 5] أَيْ فَلَا نَرَاكَ، وَتَقُولُونَ: إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا [الْحجر: 15] .
وَجِيءَ بِالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ مُخْبَرًا عَنْهُ بِخَبَر فعلي منفي لِإِفَادَةِ تَقَوِّيِ الْحُكْمِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ:
أَمْ لَا تُبْصِرُونَ، لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ تَقَوِيًّا، وَلَا: أَمْ لَا تُبْصِرُونَ أَنْتُمْ، لِأَنَّ مَجِيءَ الضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ
بَعْدَ الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ يُفِيدُ تَقْرِيرَ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ تَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ تَأْكِيدَ الْحُكْمِ وَتَقْوِيَتَهُ وَهُوَ أَشَدُّ تَوْكِيدًا، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي طَرِيقَةِ التَّهَكُّمِ.
وَجُمْلَةُ اصْلَوْها مُسْتَأْنَفَةٌ هِيَ بِمَنْزِلَةِ النَّتِيجَةِ الْمُتَرَقَّبَةِ مِنَ التَّوْبِيخِ وَالتَّغْلِيظِ السَّابِقَيْنِ، أَيْ ادْخُلُوهَا فَاصْطَلُوا بِنَارِهَا يُقَالُ: صَلِيَ النَّارَ يَصْلَاهَا، إِذَا قَاسَى حَرَّهَا.
وَالْأَمْرُ فِي اصْلَوْها إِمَّا مُكَنًّى بِهِ عَنِ الدُّخُولِ لِأَنَّ الدُّخُولَ لَهَا يَسْتَلْزِمُ الِاحْتِرَاقَ بِنَارِهَا، وَإِمَّا مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا فِي التَّنْكِيلِ. وَفُرِّعَ عَلَى اصْلَوْها أَمْرٌ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ صَبْرِهِمْ عَلَى حَرِّهَا وَبَيْنَ عَدَمِ الصَّبْرِ وَهُوَ الْجَزَعُ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا لَا يُخَفَّفَانِ عَنْهُمْ شَيْئًا مِنَ الْعَذَابِ، أَلَّا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ [إِبْرَاهِيم: 21] لِأَنَّ جُرْمَهُمْ عَظِيمٌ لَا مَطْمَعَ فِي تَخْفِيفِ جَزَائِهِ.
وسَواءٌ عَلَيْكُمْ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: ذَلِكَ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ.
وَجُمْلَةُ سَواءٌ عَلَيْكُمْ مُؤَكِّدَةٌ لِجُمْلَةِ فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عَنْهَا وَلَمْ تُعْطَفْ.
وَجُمْلَةُ إِنَّما تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ اصْلَوْها إِذْ كَلِمَةُ إِنَّما مُرَكَّبَةٌ من (إنّ) و (مَا) الْكَافَّةِ، فَكَمَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِ (إِنَّ) وَحْدَهَا كَذَلِكَ يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهَا مَعَ (مَا) الْكَافَّةِ، وَعَلَيْهِ فَجُمْلَتَا