الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَإِيمَانِهِمْ بِعِيسَى وَهُوَ مُتَمِّمٌ لِلْإِيمَانِ بِعِيسَى وَإِنَّمَا ضُوعِفَ أَجْرُهُمْ لِمَا فِي النُّفُوسِ مِنَ التَّعَلُّقِ بِمَا تَدِينُ بِهِ فَيَعْسُرُ عَلَيْهَا تَرْكُهُ، وَأَمَّا فِي جَانِبِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ إِكْرَامٌ لَهُمْ لِئَلَّا يَفُوقَهُمْ بَعْضُ مَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنَ النَّصَارَى.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَحْمَتِهِ صِفَةً لِ كِفْلَيْنِ وَتَكُونُ (مِنْ) بَيَانِيَّةً، وَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَاف، تَقْدِيره: من أثر رَحمته، وَهُوَ ثَوَابُ الْجَنَّةِ وَنَعِيمُهَا.
وَقَوْلُهُ: وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ تَمْثِيل لحالة الْقَوْمِ الطَّالِبِينَ التَّحْصِيلَ عَلَى رِضَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْفَوْزِ بِالنَّعِيمِ الْخَائِفِينَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي ضِدِّ ذَلِكَ بِحَالَةِ قَوْمٍ يَمْشُونَ فِي طَرِيقٍ بِلَيْلٍ يَخْشَوْنَ الْخَطَأَ فِيهِ فَيُعْطَوْنَ نُورًا يَتَبَصَّرُونَ بِالثَّنَايَا فَيَأْمَنُونَ الضَّلَالَ فِيهِ. وَالْمَعْنَى:
وَيَجْعَلْ لَكُمْ حَالَةً كَحَالَةِ نُورٍ تَمْشُونَ بِهِ، وَالْبَاءُ لِلِاسْتِعَانَةِ مِثْلُ: كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ.
وَالْمَعْنَى: وَيُيَسِّرْ لَكُمْ دَلَالَةً تَهْتَدُونَ بِهَا إِلَى الْحَقِّ.
وَجَمِيعُ أَجْزَاءِ هَذَا التَّمْثِيلِ صَالِحَةٌ لتَكون استعارات مُفْردَة، وَهَذَا أَبْلَغُ أَحْوَالِ التَّمْثِيلِ، وَقد عرف فِي الْقُرْآن تَشْبِيهُ الْهُدَى بِالنُّورِ، وَالضَّلَالِ بِالظُّلْمَةِ، وَالْبُرْهَانِ بِالطَّرِيقِ، وَإِعْمَالِ النَّظَرِ بِالْمَشْيِ، وَشَاعَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقُرْآنِ فِي كَلَامِ أُدَبَاءِ الْعَرَبِيَّةِ.
وَالْمَغْفِرَةُ: جَزَاءٌ عَلَى امْتِثَالِهِمْ مَا أُمِرُوا بِهِ، أَيْ يَغْفِرْ لَكُمْ مَا فَرَطَ مِنْكُمْ مِنَ الْكفْر والضلال.
[29]
[سُورَة الْحَدِيد (57) : آيَة 29]
لِئَلَاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَاّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
اسْمُ أَهْلُ الْكِتابِ لَقَبٌ فِي الْقُرْآنِ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ لَمْ يَتَدَيَّنُوا بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِتَابِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِذَا أُضِيفَ إِلَيْهِ (أَهْلُ)، فَلَا يُطْلَقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ: أَهْلُ الْكِتَابِ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ، فَمَنْ صَارَ مُسْلِمًا مِنَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ، وَلِذَلِكَ لَمَّا وُصِفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فِي الْقُرْآنِ وُصِفَ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [الرَّعْد: 43] وَقَوْلِهِ: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ [الْأَحْقَاف: 10] ، فَلَمَّا كَانَ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُمْ آنِفًا صَارُوا مُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَقَدِ انْسَلَخَ عَنْهُمْ وَصْفُ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَبَقِيَ الْوَصْف بذلك خَاصّا بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَلَمَّا دَعَا اللَّهُ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الْمَسِيحَ إِلَى الْإِيمَانِ بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَوَعَدَهُمْ بِمُضَاعَفَةِ ثَوَابِ ذَلِكَ الْإِيمَانِ، أَعْلَمَهُمْ أَنَّ إِيمَانَهُمْ يُبْطِلُ مَا يَنْتَحِلُهُ أَتْبَاعُ الْمَسِيحِيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ وَالشَّرَفِ لِأَنْفُسِهِمْ بِدَوَامِهِمْ عَلَى مُتَابَعَةِ عِيسَى عليه السلام فَيُغَالِطُوا النَّاسَ بِأَنَّهُمْ إِنْ فَاتَهُمْ فَضْلُ الْإِسْلَامِ لَمْ يَفُتْهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْفَضْلِ بِاتِّبَاعِ عِيسَى مَعَ كَوْنِهِمْ لَمْ يُغَيِّرُوا دِينَهُمْ.
وَقَدْ أَفَادَ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ.
قَالَ الْفَخْرُ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: هَذِهِ آيَةٌ مُشْكِلَةٌ وَلَيْسَ لِلْمُفَسِّرِينَ كَلَامٌ وَاضِحٌ فِي اتِّصَالِهَا بِمَا قبلهَا اه أَي هَلْ هِيَ مُتَّصِلَةٌ بِقَوْلِهِ: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الْحَدِيد: 28] الْآيَةَ، أَوْ مُتَّصِلَةُ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ إِلَى قَوْلِهِ: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الْحَدِيد:
27، 28] . يُرِيدُ الْوَاحِدِيُّ أَنَّ اتِّصَالَ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ.
فَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ تَعْلِيلِيَّةً فَيَكُونُ مَا بَعْدَهَا مَعْلُولًا بِمَا قَبْلَهَا، وَعَلَيْهِ فَحَرْفُ (لَا) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا لِلتَّأْكِيدِ وَالتَّقْوِيَةِ.
وَالْمُعَلَّلُ هُوَ مَا يَرْجِعُ إِلَى فَضْلِ اللَّهِ لَا مَحَالَةَ وَذَلِكَ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ أَوْ قَوْلُهُ: فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ إِلَى غَفُورٌ رَحِيمٌ [الْحَدِيد: 27، 28] .
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى جَعْلِ (لَا) زَائِدَةً. وَأَنَّ الْمَعْنَى عَلَى الْإِثْبَاتِ، أَيْ لِأَنْ
يَعْلَمَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَرَأَ لِيَعْلَمَ، وَقَرَأَ أَيْضًا لِكَيْ يَعْلَمَ (وَقِرَاءَتُهُ تَفْسِيرٌ) .
وَهَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَالْأَخْفَشِ، وَدَرَجَ عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي
«الْكَشَّافِ» وَابْنُ عَطِيَّةَ وَابْنُ هِشَامٍ فِي «مُغْنِي اللَّبِيبِ» ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ (لَا) قَدْ تَقَعُ زَائِدَةً وَهُوَ مَا أَثْبَتَهُ الْأَخْفَشُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ [طه: 92، 93] وَقَوْلُهُ: مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ [الْأَعْرَاف: 12] وَقَوْلُهُ: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ [الْوَاقِعَة: 75] وَنَحْوُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ [الْأَنْبِيَاء: 95] عَلَى أَحَدِ تَأْوِيلَاتٍ، وَرُوِيَ أَنَّ الْعَرَبَ جَعَلَتْهَا حَشْوًا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ أَنْشَدَهُ أَبُو عُمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ:
أَبَى جُودُهُ لَا الْبُخْلَ وَاسْتَعْجَلَتْ بِهِ
…
«نَعَمْ» مِنْ فَتًى لَا يَمْنَعُ الْجُودَ قَائِلُهُ
فِي رِوَايَةٍ بِنَصْبِ (الْبُخْلَ) ، الْبُخْلَ وَأَنَّ الْعَرَبَ فَسَّرُوا الْبَيْتَ بِمَعْنَى أَبَى جُودُهُ الْبُخْلَ (1) .
وَالْمَعْنَى: عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ الْمُعَلَّلَ هُوَ تَبْلِيغُ هَذَا الْخَبَرِ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ لِيَعْلَمُوا أَنَّ فَضْلَ اللَّهِ أُعْطِيَ غَيْرَهُمْ فَلَا يَتَبَجَّحُوا بِأَنَّهُمْ عَلَى فَضْلٍ لَا يَنْقُصُ عَنْ فضل غَيرهم إِذا كَانَ لِغَيْرِهِمْ فَضْلٌ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِتَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ.
وَعِنْدِي: أَنَّهُ لَا يُعْطِي مَعْنًى لِأَنَّ إِخْبَارَ الْقُرْآن بِأَن الْمُسلمين أَجْرَيْنِ لَا يُصَدِّقُ بِهِ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا يَسْتَقِرُّ بِهِ عِلْمُهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا فَضْلَ لَهُمْ فَكَيْفَ يُعَلَّلُ إِخْبَارُ اللَّهِ بِهِ بِأَنَّهُ يُزِيلُ عِلْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِفَضْلِ أَنْفُسِهِمْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ لَا فَضْلَ لَهُمْ.
وَذَهَبَ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ (لَا) نَافِيَةٌ، وَقَرَّرَهُ الْفَخْرُ بِأَنَّ ضَمِيرَ يَقْدِرُونَ عَائِدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ (أَيْ عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ وَأَصْلُهُ أَنْ لَا تَقْدِرُوا) وَإِذَا انْتَفَى عِلْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ثَبَتَ ضِدُّ ذَلِكَ فِي عِلْمِهِمْ أَيْ كَيْفَ أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِينَ يَقْدِرُونَ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ، وَيَكُونُ يَقْدِرُونَ مُسْتَعَارًا لِمَعْنَى: يَنَالُونَ، وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ، فَهُوَ الَّذِي فَضَّلَهُمْ، وَيَكُونُ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنِ انْتِفَاءِ الْفَضْلِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم.
(1) وَرُوِيَ الْبَيْت بخفض الْبُخْل فَيكون (لَا) محكية وَهِي مُضَافَة إِلَى الْبُخْل، أَي لَا الَّتِي تقال عِنْد الْبُخْل بالبذل وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر لِأَنَّهُ مُنَاسِب لمقابلته بِكَلِمَة «نعم» .
وَيَرُدُّ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ مَا وَرَدَ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّ عِلْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَحْصُلُ بِإِخْبَارِ.
الْقُرْآنِ لِأَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ بِهِ.
وَأَنَا أَرَى أَنَّ دَعْوَى زِيَادَةِ (لَا) لَا دَاعِيَ إِلَيْهَا، وَأَنَّ بَقَاءَهَا عَلَى أَصْلِ مَعْنَاهَا وَهُوَ النَّفْيُ مُتَعَيِّنٌ، وَتُجْعَلُ اللَّامَ لِلْعَاقِبَةِ، أَيْ أَعْطَيْنَاكُمْ هَذَا الْفَضْلَ وَحُرِمَ مِنْهُ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَبَقِيَ أَهْلُ الْكِتَابِ فِي جَهْلِهِمْ وَغُرُورِهِمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْفَضْلَ الْمُسْتَمِرَّ وَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ عِلْمٌ بِانْتِفَاءِ أَنْ يَكُونُوا يَمْلِكُونَ فَضْلَ اللَّهِ وَلَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى الْفَضْلَ قَوْمًا آخَرِينَ وَحَرَمَهُمْ إِيَّاهُ فَيَنْسَوْنَ أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّهُ بِالذَّاتِ.
وَبِهَذَا الْغُرُورِ اسْتَمَرُّوا عَلَى التَّمَسُّكِ بِدِينِهِمُ الْقَدِيمِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ لَامَ الْعَاقِبَةِ أَصْلُهَا التَّعْلِيلُ الْمَجَازِيُّ كَمَا عَلِمْتَهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً فِي سُورَةِ الْقَصَصِ [8] .
وَقَوْلُهُ: أَهْلُ الْكِتابِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا عَلَى الْيَهُودِ خَاصَّةً إِنْ جُعِلَ التَّعْلِيلُ تَعْلِيلًا لِمَجْمُوعِ قَوْلِهِ: فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ [الْحَدِيد: 27] وَقَوْلِهِ: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الْحَدِيد: 28] .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى إِنْ جُعِلَ لَامُ التَّعْلِيلِ عِلَّةً لِقَوْلِهِ:
يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ.
وَ (أَنْ) من قَوْله: أَلَّا يَقْدِرُونَ مُخَفَّفَةٌ مِنْ (أَنَّ) وَاسْمُهَا ضَمِيرُ شَأْنٍ مَحْذُوفٌ.
وَالْمَعْنَى: لَا تَكْتَرِثُوا بِعَدَمِ عِلْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَبِأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، أَيْ لَا تَكْتَرِثُوا بِجَهْلِهِمُ الْمُرَكَّبِ فِي اسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى الِاغْتِرَارِ بِأَنَّ لَهُمْ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِذَلِكَ وَهُوَ خُلُقُهُمْ فَهُمْ لَا يُقْلِعُونَ عَنْهُ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ
وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ تَذْيِيلٌ يَعُمُّ الْفَضْلَ الَّذِي آتَاهُ اللَّهُ أَهْلَ الْكِتَابِ الْمُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرَهُ مِنَ الْفَضْلِ.