الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الَّذِي تَحْرُثُونَ الْأَرْضَ لِأَجْلِهِ، وَهُوَ النَّبَاتُ مَا أَنْتُمْ تُنْبِتُونَهُ بَلْ نَحْنُ نُنْبِتُهُ.
وَجُمْلَةُ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ إِلَخْ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ [الْوَاقِعَة: 59] وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ إِنْكَارِيٌّ كَالَّذِي فِي قَوْلِهِ: أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ.
وَالْقَوْلُ فِي مَوْقِعِ أَمْ مِنْ قَوْلِهِ: أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ كَالْقَوْلِ فِي مَوْقِعِ نَظِيرَتِهَا مِنْ قَوْلِهِ: أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ [الْوَاقِعَة: 59] أَيْ أَنَّ (أَمْ) مُنْقَطِعَةٌ لِلْإِضْرَابِ.
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي تَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ فِي قَوْلِهِ: أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ مِثْلُ مَا فِي قَوْلِهِ: أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ [الْوَاقِعَة: 59] .
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي نَفْيِ الزَّرْعِ عَنْهُمْ وَإِثْبَاتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى يُفِيدُ مَعْنَى قَصْرِ الزَّرْعِ، أَيِ الْإِنْبَاتِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ دُونَهُمْ، وَهُوَ قَصْرُ مُبَالَغَةٍ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِزَرْعِ النَّاسِ.
وَيُؤْخَذُ مِنَ الْآيَةِ إِيمَاءٌ لِتَمْثِيلِ خَلْقِ الْأَجْسَامِ خَلْقًا ثَانِيًا مَعَ الِانْتِسَابِ بَيْنَ الْأَجْسَامِ الْبَالِيَةِ وَالْأَجْسَامِ الْمُجَدَّدَةِ مِنْهَا بِنَبَاتِ الزَّرْعِ مِنَ الْحَبَّةِ الَّتِي هِيَ مُنْتَسِبَةٌ إِلَى سُنْبُلَةِ زَرْعٍ أُخِذَتْ
هِيَ مِنْهَا فَتَأْتِي هِيَ بسنبلة مثلهَا.
[65- 67]
[سُورَة الْوَاقِعَة (56) : الْآيَات 65 إِلَى 67]
لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)
جُمْلَةُ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً، مَوْقِعُهَا كَمَوْقِعِ جُمْلَةِ: نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ [الْوَاقِعَة: 60] فِي أَنَّهَا اسْتِدْلَالٌ بِإِفْنَائِهِ مَا أَوْجَدَهُ عَلَى انْفِرَادِهِ بِالتَّصَرُّفِ إيجادا وإعداما، تكلمة لِدَلِيلِ إِمْكَانِ الْبَعْثِ.
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لَجَعَلْناهُ مُفِيدَةٌ لِلتَّأَكِيدِ. وَيَكْثُرُ اقْتِرَانُ جَوَابِ (لَوْ) بِهَذِهِ اللَّامِ إِذَا كَانَ مَاضِيًا مُثْبَتًا كَمَا يَكْثُرُ تَجَرُّدُهُ عَنْهَا كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْآيَةِ الْمُوَالِيَةِ لِهَذِهِ.
وَالْحُطَامُ: الشَّيْءُ الَّذِي حَطَّمَهُ حَاطِمٌ، أَيْ كَسَّرَهُ وَدَقَّهُ فَهُوَ بِمَعْنَى الْمَحْطُومِ،
كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ زِنَةُ فُعَالٍ مثل الفتات والجذاذ وَالدُّقَاقِ، وَكَذَلِكَ الْمُقْتَرِنُ مِنْهُ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ كَالْقُصَاصَةِ وَالْقُلَامَةِ وَالْكُنَاسَةِ وَالْقُمَامَةِ.
وَالْمَعْنَى: لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مَا يَنْبُتُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الْأَرْضِ حُطَامًا بِأَنْ نُسَلِّطَ عَلَيْهِ مَا يُحَطِّمُهُ مِنْ بَرَدٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ حَشَرَاتٍ قَبْلَ أَنْ تَنْتَفِعُوا بِهِ، فَالْمُرَادُ جَعْلُهُ حُطَامًا قَبْلَ الِانْتِفَاعِ بِهِ. وَأَمَّا أَنْ يُؤَوَّلَ إِلَى الْكَوْنِ حُطَامًا فَذَلِكَ مَعْلُومٌ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوطًا بِحَرْفِ (لَوِ) الِامْتِنَاعِيَّةِ.
وَقَوْلُهُ: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ لَجَعَلْناهُ حُطاماً أَيْ يَتَفَرَّعُ عَلَى جَعْلِهِ حُطَامًا أَنْ تَصِيرُوا تَقُولُونَ: إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ، فَفِعْلُ (ظَلْتُمْ) هُنَا بِمَعْنَى: صِرْتُمْ، وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ جَمِيعُ الْمُفَسِّرِينَ.
وَأَعْضَلَ وَقْعُ فِعْلِ تَفَكَّهُونَ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَابْنِ زَيْدٍ: تَفَكَّهُونَ تَعْجَبُونَ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ: تَتَلَاوَمُونَ، وَعَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ: تَنْدَمُونَ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ:
تَحْزَنُونَ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ تَلَهُّفٌ عَلَى مَا فَاتَ، وَهُوَ- أَيْ فِعْلُ تَفَكَّهُونَ- مِنَ الْأَضْدَادِ تَقُولُ الْعَرَبُ: تَفَكَّهْتُ، أَيْ تَنَعَّمْتُ، وَتَفَكَّهْتُ، أَيْ حَزِنْتُ اه.
ذَلِكَ أَنَّ فِعْلَ تَفَكَّهُونَ مِنْ مَادَّةِ فَكِهَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ هَذِهِ الْمَادَّةَ تَدُلُّ عَلَى الْمَسَرَّةِ
وَالْفَرَحِ وَلَكِنَّ السِّيَاقَ سِيَاقُ ضِدِّ الْمَسَرَّةِ، وَبَيَانُهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ، فَالْفُكَاهَةُ: الْمَسَرَّةُ وَالِانْبِسَاطُ، وَادَّعَى الْكِسَائِيُّ أَنَّهَا مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ وَاعْتَمَدَهُ فِي «الْقَامُوسِ» إِذْ قَالَ: وَتَفَكَّهَ، أَكَلَ الْفَاكِهَةَ وَتَجَنَّبَ عَنِ الْفَاكِهَةِ ضِدُّهُ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا كُلُّهُ- أَيْ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فِي تَفْسِيرِ فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ- لَا يَخُصُّ اللَّفْظَةَ (أَيْ هُوَ تَفْسِيرٌ بِحَاصِلِ الْمَعْنَى دُونَ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ) وَالَّذِي يَخُصُّ اللَّفْظَةَ هُوَ تَطْرَحُونَ الْفَاكِهَةَ (كَذَا وَلَعَلَّ صَوَابَهُ الْفُكَاهَةُ) عَنْ أَنْفُسِكُمْ وَهِيَ الْمَسَرَّةُ وَالْجَذَلُ، وَرَجُلٌ فَكِهٌ، إِذَا كَانَ مُنْبَسِطَ النَّفْسِ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِشَيْءٍ اه. يَعْنِي أَنَّ صِيغَةَ التَّفَعُّلِ فِيهِ مُطَاوَعَةُ فَعَّلَ الَّذِي تَضْعِيفُهُ لِلْإِزَالَةِ مِثْلَ قَشَّرَ الْعُودَ وَقَرَّدَ الْبَعِيرَ وَأَثْبَتَ صَاحِبُ «الْقَامُوسِ» هَذَا الْقَوْلَ وَنَسَبَهُ إِلَى ابْنِ عَطِيَّةَ.