المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترغيب في الرفق والأناة والحلم] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١١

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترغيب في الخلق الحسن وفضله والترهيب من الخلق السيئ وذمه]

- ‌[الترغيب في الرفق والأناة والحلم]

- ‌[الترغيب في طلاقة الوجه وطيب الكلام وغير ذلك مما يذكر]

- ‌[الترغيب في إفشاء السلام وما جاء في فضله وترهيب المرء من حب القيام له]

- ‌فصل

- ‌[الترغيب في المصافحة والترهيب من الإشارة في السلام وما جاء في السلام على الكفار]

- ‌[الترهيب أن يطلع الإنسان في دار قبل أن يستأذن]

- ‌[الترهيب أن يتسمع حديث قوم يكرهون أن يسمعه]

- ‌[الترغيب في العزلة لمن لا يأمن على نفسه عند الاختلاط]

- ‌[الترهيب من الغضب والترغيب في دفعه وكظمه وما يفعل عند الغضب]

- ‌[الترهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر]

- ‌[الترهيب من قوله لمسلم يا كافر]

- ‌[الترهيب من السباب واللعن لا سيما لمعين آدميا كان أو دابة وغيرهما وبعض ما جاء في النهي عن سب الديك والبرغوث والريح والترهيب من قذف المحصنة والمملوك]

- ‌الترهيب من السباب واللعن لاسيما لمعين آدميًّا كان أو دابةً وغيرهما، وبعض ما جاء في النهي عن سب الديك والبرغوث والريح، والترهيب من قذف المحصنة والمملوك

- ‌[الترهيب من سبّ الدهر]

- ‌الترهيب من ترويع المسلم ومن الإشارة إليه بسلاح ونحوه

- ‌[النهى عن حمل السلاح على المسلم]

- ‌الترغيب في الإصلاح بين الناس

- ‌الترهيب من النميمة

- ‌الترهيب من الغيبة والبهت وبيانهما والترغيب في تركهما

- ‌الترغيب في الصمت إلا عن خير والترهيب من كثرة الكلام

- ‌التَّرْهِيب من الْحَسَد وَفضل سَلامَة الصَّدْر

- ‌الترغيب في التواضع والترهيب من الكبر والعُجْب والافتخار

- ‌الترهيب من القول للفاسق والمبتدع يا سيدي ونحوها من الكلمات الدالة على التعظيم

- ‌الترغيب في الصدق والترهيب من الكذب

- ‌ترهيب ذي الوجهين واللسانين

- ‌[الترهيب من الحلف بغير الله سبحانه وتعالى سيما بالأمانة ومن قوله أنا بريء من الإسلام أو كافر أو نحو ذلك]

- ‌الترهيب من احتقار المسلم وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى

- ‌الترغيب في إماطة الأذى عن الطريق وغير ذلك مما يذكر

الفصل: ‌[الترغيب في الرفق والأناة والحلم]

[الترغيب في الرفق والأناة والحلم]

4047 -

عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِن اللَّه رَفِيق يحب الرِّفْق فِي الْأَمر كُله رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم

(1)

.

4048 -

وَفِي رِوَايَة لمُسلم إِن اللَّه رَفِيق يحب الرِّفْق وَيُعْطِي على الرِّفْق مَا لَا يُعْطي على العنف وَمَا لَا يُعْطي على سواهُ

(2)

.

قوله: عن عائشة رضي الله عنها، تقدم الكلام عليها.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه رفيق يحب الرفق في الأمر كله" وفي رواية لمسلم: "إن اللَّه رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف" الحديث.

الرفق ضد العنف وهو لطافة الفعل ولين الجانب واللطف والأذى بالأسهل وما فيه اللطف ونحوه واللَّه تعالى رفيق بعباده من الرفق والرأفة وهو فعيل بمعنى فاعل والمعنى أن اللَّه سبحانه وتعالى يريد لعباده اليسر ولا يريد بهم العسر فلا يكلفهم فوق طوقهم بل يسامحهم ويلطف بهم

(3)

.

[قوله صلى الله عليه وسلم ياعائشة إن اللَّه يحب الرفق في الأمر كله] وهذا من عظيم خلقه صلى الله عليه وسلم وكمال حلمه

(4)

.

(1)

أخرجه البخاري (6256) و (6927)، ومسلم (10 - 2165)، والترمذي (2701)، وابن ماجه (3689).

(2)

أخرجه مسلم (77 - 2593).

(3)

انظر النهاية (2/ 246)، وشرح النووي على مسلم (15/ 208)، والميسر (3/ 1088).

(4)

شرح النووي على مسلم (14/ 145) وما بين المعكوفين منه حتى يستقيم الكلام.

ص: 54

وفي الحديث فضل الرفق والحث على التخلق به والصبر والحلم وملاطفة الناس ما لم تدع حاجة إلى المخاشنة وفيه ذم العنف فالرفق سبب لكل خير ومعنى يعطي على الرفق أي يثيب عليه ما لا يثيب على غيره، وقال القاضي عياض: معناه يتأتي به من الأغراض ويسهل به من المطالب ما لا يتأتي بغيره ومعناه أن من حرم الرفق يقضي به لك إلى أن يحرم خير الدنيا والآخرة

(1)

، أ. هـ.

فكل أمر لا يوصل إليه العنف أو يوصل إليه بشدة فاللَّه تعالى يجعل الرفق موصلا إليه أتم اتصال وأجمله، أ. هـ، قاله في الحدائق

(2)

.

تنبيه: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه رفيق" ففيه تصريح بتسمية سبحانه وتعالى ووصفه برفيق، قال الإمام المازري: لا يوصف اللَّه سبحانه وتعالى إلا بما سمى به نفسه أو سماه به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أو أجمعت الأمة عليه وأما إذا لم يرد إذن في إطلاقه ولا ورد منع منه ولا يستحيل وصف اللَّه تعالى ففيه خلاف منهم من قال: يبقى على ما كان قبل ورود الشرع فلا يوصف بحل ولا حرمة ومنهم من منعه وفيه كلام للأصوليين المتأخرين، قال النووي: والصحيح جواز تسميته تعالى رفيقا وغيره مما يثبت بخبر الآحاد واللَّه أعلم

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف" والعنف بضم العين وفتحها وكسرها حكاهن القاضي عياض وغير الضم أفصح وأشهر

(4)

.

(1)

شرح النووي على مسلم (16/ 145).

(2)

حدائق الأولياء (1/ 575).

(3)

شرح النووي على مسلم (16/ 145 - 146).

(4)

المصدر السابق (16/ 145).

ص: 55

وهو الشدة والمشقة وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف من الشر مثله

(1)

، أ. هـ، واللَّه أعلم.

قال البيهقي: معنى إن اللَّه رفيق يعني أنه ليس بعجول فإنما يعجل من يخاف الفوت فأما من كانت الأشياء في قبضته وملكه فليس يعجل وأما قوله: "يحب الرفق" فمعناه يحب ترك العجلة في الأعمال والأمور

(2)

.

4049 -

وعنها أَيْضًا رضي الله عنها عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الرِّفْق لَا يكون فِي شَيْء إِلَّا زانه وَلَا ينْزع من شَيْء إِلَّا شانه رَوَاهُ مُسلم

(3)

.

قوله: وعن عائشة أيضًا، تقدم الكلام عليها.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه" الحديث، وفي حديث آخر:"من خير أعمالكم الرفق" أي: اللطف والرفق لين الجانب وهو خلاف العنف يقال رفق يرفِق ويرفُق، ومنه الحديث الآخر:"أنت رفيق واللَّه الطبيب" أي: أنت ترفق بالمريض وتتطلفه واللَّه يعافيه ويبرئه

(4)

.

وقوله: "إلا زانه" والزينة التحسين.

وقوله: "ولا ينزع من شيء إلا شانه" الحديث، الشين خلاف الزين، يقال: شانه ويشينه والمشاين المعايب والقبائح

(5)

، أ. هـ.

(1)

النهاية (3/ 309).

(2)

الأسماء والصفات (1/ 141).

(3)

أخرجه مسلم (78 - 2594)، وأبو داود (2478) و (4808).

(4)

النهاية (2/ 246).

(5)

الصحاح (5/ 2146 - 2147).

ص: 56

4050 -

وَعَن جرير بن عبد اللَّه رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن اللَّه عز وجل ليعطي على الرِّفْق مَا لَا يُعْطي على الْخرق وَإِذا أحب اللَّه عبدا أعطَاهُ الرِّفْق مَا من أهل بَيت يحرمُونَ الرِّفْق إِلَّا حرمُوا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَرُوَاته ثِقَات وَرَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد مُخْتَصرا من يحرم الرِّفْق يحرم الْخَيْر زَاد أَبُو دَاوُد كُله

(1)

.

قوله: وعن جرير بن عبد اللَّه رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه عز وجل ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق" والخرق بضم الخاء المعجمة وسكون الراء ضد الرفق دل الحديث على فضيلة الرفق وشرفه فينبغي للمسلم أن يستعمل الرفق في كل شيء.

قوله: في رواية مسلم وأبي داود: "من يحرم الرفق يحرم الخير كله" الحديث وهو منفر لتركه وأكده بقوله "كله" قاله في الحدائق

(2)

.

4051 -

وَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من أعطي حَظه من الرِّفْق فقد أعطي حَظه من الْخَيْر وَمن حرم حَظه من الرِّفْق فقد حرم حَظه من الْخَيْر رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح

(3)

.

قوله: وعن أبي الدرداء رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 306 رقم 2274). قال الهيثمي في المجمع 8/ 18: رواه الطبراني، ورجاله ثقات. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2666). وأخرجه مسلم (74 و 75 و 76 - 2592)، وأبو داود (4809)، وابن ماجه (3687) مختصرا.

(2)

حدائق الأولياء (1/ 575).

(3)

أخرجه الحميدى (397)، وأحمد 6/ 451 (27553)، والبخارى في الأدب المفرد (464)، والترمذي (2013). وقال الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في الصحيحة (515 و 874)، وصحيح الترغيب (2667).

ص: 57

قوله صلى الله عليه وسلم: "من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير" الحديث، الحظ هو النصيب.

4052 -

وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِن اللَّه عز وجل يحب الرِّفْق ويرضاه ويعين عَلَيْهِ مَا لَا يعين على العنف رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة صَدَقَة بن عبد اللَّه السمين وَبَقِيَّة إِسْنَاده ثِقَات

(1)

.

قوله: وعن أبي أمامة رضي الله عنه تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه تعالى عز وجل يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على العنف" الحديث، تقدم.

قوله: رواه الطبراني من رواية صدقة بن عبد اللَّه السمين، صدقة [ضعفه أحمد والبخاري، وابن نمير، والنسائي والدارقطني، وقال أبو زرعة: كان قدريًا لينًا، وقال ابن عدي: أكثر حديثه مما لا يتابع عليه وهو إلى الضعف أقرب ووثقه دحيم وأبو حاتم وأحمد بن صالح المصري].

4053 -

وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا يَا عَائِشَة ارفقي فَإِن اللَّه إِذا أَرَادَ بِأَهْل بَيت خيرا أَدخل عَلَيْهِم الرِّفْق رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار من حَدِيث جَابر ورواتهما رُوَاة الصَّحِيح

(2)

.

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 95 رقم 7477)، والشاميين (421). قال الهيثمي في المجمع 8/ 19: رواه الطبراني، وفيه صدقة بن عبد اللَّه السمين وثقه أبو حاتم الرازي وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2668).

(2)

أخرجه أحمد 6/ 71 (72442) و 6/ 104 (24734)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 416)، وأبو عوانة في المستخرج (11313)، والبغوى في الجعديات (3453)، والحكيم =

ص: 58

قوله: وعن عائشة رضي الله عنها، تقدم ذكرها.

قوله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة ارفقي فإن اللَّه إذا أراد بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق" تقدم ذكر الرفق في الأحاديث قبله.

4054 -

وَرُوِيَ عَن عبد اللَّه بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم الرِّفْق يمن والخرق شُؤْم رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط

(1)

.

قوله: وعن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه تقدم ذكره.

قوله صلى الله عليه وسلم: "الرفق يمن والخرق شؤم" الحديث، اليمن الخير والخرق الشؤم بالضم الجهل والحمق وقد خرق ويخرق خرقا فهو أخرق والسم الخرق بالضم ومنه الحديث:"يعين صانعا أو يصنع لأخرق" أي: جاهل بما

= الترمذي في نوادر الأصول (537)، والخرائطي في المكارم (693) و (694) و (696) و (698) و (699)، والطبرانى في المكارم (26)، والبيهقي في الشعب (8/ 197 - 498 رقم 6140) و (10/ 163 رقم 7326) والأسماء والصفات (321 و 322). وقال الهيثمي في المجمع 8/ 19: رواه أحمد ورجال الثانية رجال الصحيح. وصححه الألباني في الصحيحة (1219)، وصحيح الترغيب (2669).

وأما حديث جابر: أخرجه البزار كشف الأستار (1965). قال البزار: لا نعلمه يروى هكذا إلا بهذا الإسناد. وقال الهيثمي في المجمع 8/ 19: رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2670).

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 241 - 242 رقم 4087). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن المعلى إلا محمد، تفرد به: إسماعيل. وقال الهيثمي في المجمع 8/ 19: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه المعلى بن عرفان وهو متروك. وضعفه الألباني جدا في الضعيفة (5404) وضعيف الترغيب (1614).

ص: 59

يجب أن يعمله ولم يكن في يديه صنعته يكتسب بها قاله في النهاية

(1)

.

4055 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما أَن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا أعطي أهل بَيت الرِّفْق إِلَّا نفعهم رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد جيد

(2)

.

قوله: وعن ابن عمر رضي الله عنهما، تقدم ذكره.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم" تقدم ذكر الرفق.

4056 -

وَرُوِيَ عَن جَابر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثَلَاث من كن فِيهِ نشر اللَّه عَلَيْهِ كنفه وَأدْخلهُ جنته رفق بالضعيف وشفقة على الْوَالِدين وإحسان إِلَى الْمَمْلُوك رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث غَرِيب

(3)

.

قوله: وروي عن جابر رضي الله عنه تقدم ذكره.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه نشر اللَّه عليه كنفه" الحديث، والكنف بالتحريك الجانب والناحية فمعنى قوله:"نشر اللَّه عليه كنفه" أي: يصونه عن الخزي بما يستر به عن أعين أهل الموقف كذا في الميسر

(4)

، وقيل: معناه

(1)

النهاية (2/ 26).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 330 رقم 13261)، والبيهقي في الشعب (8/ 496 رقم 6138). وقال الهيثمي في المجمع 8/ 19: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن الحجاج السامي وهو ثقة. وصححه الألباني في الصحيحة (942)، وصحيح الترغيب (2671).

(3)

أخرجه الترمذي في السنن (2494)، والأصبهاني في الترغيب والترهيب (149). وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وأبو بكر بن المنكدر هو أخو محمد بن المنكدر. وقال الألباني في الضعيفة (92)، وضعيف الترغيب (559) و (1380) و (1615): موضوع.

(4)

الميسر (4/ 1194).

ص: 60

يرحمه ويلطف به وهذا تمثيل أي يجعله تحت ظل رحمته يوم القيامة كذا في النهاية

(1)

.

4057 -

وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ الرِّفْق فِي شَيْء قطّ إِلَّا زانه وَلَا كَانَ الْخرق فِي شَيْء قطّ إِلَّا شانه وَإِن اللَّه رَفِيق يحب الرِّفْق رَوَاهُ الْبَزَّار بِإِسْنَاد لين وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَعِنْده الْفُحْش مَكَان الْخرق وَلم يقل وَإِن اللَّه إِلَى آخِره

(2)

.

قوله: وعن أنس رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ما كان الرفق في شيء قط إلا زانه ولا كان الخرق في شيء قط إلا شانه" تقدم الكلام على ذلك، وعلى الخرق والشين، قال في الصحاح: الشين خلاف الزين يقال شانه يشينه والمشاين المعايب فالشين هو العيب

(3)

.

(1)

النهاية (4/ 205).

(2)

أخرجه البزار (7002)، والطبرانى في المكارم (25)، وأبو الطاهر المخلص في المخلصيات (2381)، والقضاعى في مسند الشهاب (793)، والضياء في المختارة 5/ 140 (1763) و 5/ 154 (1778). قال البزار: وهذا الحديث قد روي بعضه معمر، عن ثابت وزاد فيه كثير بن حبيب زيادة قد ذكرناه لذلك. قال الضياء: إسناده صحيح. قال الألباني: صحيح المشكاة (4854) وقال: حسن صحيح صحيح الترغيب (2672). وقال الهيثمي في المجمع 8/ 18: رواه البزار، وفيه كثير بن حبيب وثقه ابن أبي حاتم وفيه لين، وبقية رجاله ثقات. وأخرجه ابن حبان (551) ومن طريقه الضياء في المختارة 7/ 112 - 113 (2534). وقال الألباني: صحيح - "المشكاة"(4854)، "الروض"(36).

(3)

الصحاح (5/ 2146 - 2147).

ص: 61

قوله: "وإن اللَّه رفيق يحب الرفق" فهو من صفاته وما أجلها

(1)

، وعن عائشة قالت: قال رسول اللَّه: "إن اللَّه رفيق يحب الرفق في الأمر كله" هذا من عظيم خلقه وكمال حلمه وفيه الحث على الرفق والصبر والحلم وملاطفة الناس ما لم تدع حاجة إلى المخاشنة

(2)

.

تتمة: قال إبراهيم بن عبد اللَّه الزيني سمعت نصر بن علي الجهضمي يقول: دخلت على المتوكل فإذا هو يمدح الرفق فأكثر منه فقلت: يا أمير المؤمنين أنشدني الأصمعي:

لم أر مثل الرفق في زينه

أخرج للعذراء من خدرها

من يستعن بالرفق في أمره

يستخرج الحية من حجرها

فقال: يا غلام الدواة والقرطاس فكتبها، وقال أبو بكر بن أبي داود: كان المستعين باللَّه بعث إلى نصر بن علي يستحضه للقاء فدعاه عبد الملك أمير البصرة يأمره بذلك فقال ارجع فاستخير اللَّه تعالى، فرجع إلى بيته نصف النهار فصلى ركعتين وقال: اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك فنام فأنبهوه فإذا هو ميت في ربيع الآخر سنة خمسين ومائتين انتهى

(3)

.

والرفق في صفة اللَّه تعالى وأسمائه بمعنى اللطيف الذي في القرآن واللطف المبالغة في البر على أحسن وجوهه وكذلك في كل شيء وهو ضد العنف منه الحديث: "إن اللَّه يحب الرفق في الأمر كله" وهو أخذه بأحسن وجوهه

(1)

حدائق الأولياء (1/ 575).

(2)

شرح النووي على مسلم (14/ 145).

(3)

تاريخ بغداد (15/ 389).

ص: 62

واسترفقه أي طلب منه الرفق والإحسان انتهى قاله عياض

(1)

.

4058 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ بَال أَعْرَابِي فِي الْمَسْجِد فَقَامَ النَّاس إِلَيْهِ ليقعوا فِيهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم دَعوه وأريقوا على بَوْله سجلا من مَاء أَو ذنوبا من مَاء فَإِنَّمَا بعثتم ميسرين وَلم تبعثوا معسرين رَوَاهُ البُخَارِيّ السّجل بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم هِيَ الدَّلْو الممتلئة مَاء والذنُوب بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة مثل السّجل وَقيل هِيَ الدَّلْو مُطلقًا سَوَاء كانَ فِيهَا مَاء أَو لم يكن وَقيل دون الملاى

(2)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم ذكره.

قوله: بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" الحديث، اعتقد هذا الأعرابي جواز البول في المسجد والأعرابي هو الذي يسكن البادية، قال الجوهري: العرب جيل من الناس والنسبة إليهم عربي وهم أهل الأمصار والأعراب سكان البادية خاصة والنسبة إلى الأعراب أعرابي لأنه لا واحد له وليس الأعراب جمعا للعرب

(3)

، أ. هـ.

(1)

مشارق الأنوار (1/ 296).

(2)

أخرجه البخاري (220) و (6128)، والترمذي (147)، والنسائي في المجتبى 1/ 356 (56) و 1/ 468 (334) والكبرى (54)، وابن خزيمة (297) و (298)، وابن حبان (1399) و (1400).

(3)

الصحاح (1/ 178).

ص: 63

والعرب أولاد إسماعيل فهو أبو العرب

(1)

.

قوله: "وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء" الحديث، السجل قد ضبطه الحافظ وفسره فقال هو الدلو الممتلئة ماء والذنوب أيضًا قد ضبطه الحافط وفسره فقال هي مثل السجل أو قيل هي الدلو مطلقا سواء كان فيها ماء أو لم يكن، وقيل دون المليء، أ. هـ.

وقال غيره: الذنوب بفتح الذال المعجمة هو الدلو الكبير إذا كان مليئا كذا قال جماعة أنها لا تسمى ذنوبا حتى يكون فيها الماء، ذكر ابن الأحدب في كفاية المتحفظ خلاف ذلك

(2)

.

واشترط بعض الأصحاب في الماء المصبوب أن يكون سبعة أضعاف البول لأن ماء الدلو فوق سبعة أضعاف بول الأعراب والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر الذنوب على سبيل الاشتراط بل لأن الذنوب كان معدة عندهم للاستقاء من البئر فذكرت انتهى.

وقوله: "سجلا أو ذنوبا من ماء" يحتمل أن يكون شكا من الراوي وهو ظاهر وأن يكون على معنى التخيير من الرسول صلى الله عليه وسلم، وجهه أن بين اللفظين فرقا فخيرهم بين الأمرين والأولى أصح كذا في الميسر

(3)

وفيه الترفق

(1)

الاعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 693).

(2)

هو إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد بن عبد اللَّه اللواتي الأَجْدَابي، أبو إسحاق الطرابلسي (المتوفى: نحو 470 هـ) وكتابه اسمه كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ وكلامه في الفرق بين الدلو والغرب والسجل والذنوب (ص 237 - 238).

(3)

الميسر (1/ 163).

ص: 64

بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا إيذاء إذا لم يأت بالمخالفة استخفافا أو عنادا وفيه دفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما لقوله صلى الله عليه وسلم "دعوه"

(1)

.

قال العلماء: كان قوله صلى الله عليه وسلم لمصلحتين أحداهما: لأنه لو قطع بوله تضرر وأصل التنجيس قد حصل فكان احتمال زيادته أولى من إيقاع الضرر به، والثانية: أن التنجيس قد حصل في جزء يسير فلو أقاموه في أثناء بوله لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد غير ذلك الموضع الذي تنجس فكان إكمال للبول في المكان الذي تنجس أخف ضررا وفيه أن في ذلك تنفيرا له عن الإسلام سيما في القريب العهد بالإسلام

(2)

.

قال ابن بطال

(3)

: فعل صلى الله عليه وسلم ذلك استئلافا للأعراب وتخفيفا لمقتضي قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)}

(4)

وفيه دليل على جميل أخلاق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولطفه ورفقه بالجاهل وتأليف قلبه على الإسلام.

فائدة: ذكر أن هذا الأعرابي هو الذي قال [يا محمد متى الساعة؟ قال: "ما أعددت لها" وفيه أنت مع من أحببت، رواه الدارقطني وغيره، وهو الذي قال] بعد ذلك: اللهم اغفر لي ومحمدًا ولا تشرك معنا أحدًا، فقال له رسول

(1)

الكواكب الدرارى (2/ 70).

(2)

شرح النووي على مسلم (3/ 191)، وشرح الإلمام (1/ 523 - 524)، والعدة شرح العمدة (1/ 189).

(3)

شرح الصحيح (1/ 327).

(4)

سورة القلم، الآية:4.

ص: 65

اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لقد تحجرت واسعًا" يريد رحمة اللَّه تعالى

(1)

، أ. هـ قاله ابن العماد.

تتمة: هذا الأعرابي الذي بال في المسجد، قال الحافظ أبو موسى الأصبهاني في كتاب معرفة الصحابة أنه ذو الخويصرة اليماني فإنه روي بإسناده من حديث سلمان بن يسار قال: اطلع ذو الخويصرة اليماني وكان رجلا جافيا على رسول اللَّه في المسجد وساق الحديث.

وفى هذا الحديث دليل على أن الماء إذا كان واراد على النجاسة طهرها، وأما أحكام الحديث ففيه إثبات نجاسة بول الآدمي وهو مجمع عليه ولا فرق بين الكبير والصغير بإجماع من يعتد به لكن بول الصبي الصغير الذي لم يستقل بالطعام يكفي فيه النضح، وفيه أنه يجب احترام المسجد وتنزيهه عن الأقذار وسائر النجاسات وهو كذلك إذا أدى ذلك إلى تلويثها بالنجاسة فإن لم يتلوث المسد كأن بال في إناء أو افتصد في إناء في المسجد فالأصح تحريم البول وكراهة الاقتصاد دون تحريمه وفيه أن الأرض تطهر بصب الماء عليها ولا يشترط حفرها وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور وقال أبو حنيفة: لا تطهر إلا بحفرها، وهذا إذا كانت النجاسة تغيب في آخر الماء فإن كانت النجاسة عينية كرماد النجاسة وتراب العذرة وصديد الموتى إذا اختلط بتراب المقبرة فهذا كله لا يطهر بالصب عليه وإنما يطهر بنقل التراب والمقبرة المنبوشة لا تصح الصلاة عليها وإن وقع عليها سيل أو صب عليها ماء ولهذا نقل النبي صلى الله عليه وسلم التراب النجس من مسجده حين بناه أمر بقبور

(1)

الاعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 693).

ص: 66

المشركين فنبشت وأخرج ترابها.

وفيه أن غسالة النجاسة طاهرة، وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء ولأصحابنا فيها ثلاثة أوجه، أحدها أنها طاهرة والثاني نجسة والثالث إن انفصلت وقد طهر المحل فهي طاهرة وإن انفصلت ولم يطهر المحل فهي نجسة وهذا الثالث هو الصحيح وهذا الخلاف إذا انفصلت غير معتبرة وأما إذا انفصلت متغيرة فهي نجسة بإجماع المسلمين سواء تغير طعمها أو لونها أو ريحها وسواء كان التغير قليلا أو كثيرا وسواء كان الماء قليلا أو كثيرا

(1)

.

وفيه دليل على وجوب تطهير المسجد عن النجاسة على الفور وهو كذلك ولا يجب إزالة النجاسة على الفور إلا في هذه المسألة وفيمن تعدي بتلطيخ بدنه بها ولا يجب غسل الجنابة على الفور إلا على الزاني وفد يستدل بالحديث على أن من نجس المسجد لا يجب عليه مؤنة تطهيره لكنه واجب قياسا على من نجس ثوب إنسان أو بدنه ولعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما لم يأمر بها الأعرابي لقيام من تبرع عنه بذلك

(2)

، أ. هـ قاله ابن العماد.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" قاله لما جاء الأعرابي فبال في المسجد فهم عمر رضي الله عنه والناس بضربه، يقال: هم بالأمر إذا عزم

(1)

"شرح النووي على مسلم"(3/ 191)، ورياض الأفهام (1/ 342 - 343)، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 697).

(2)

انظر مجموع هذه الفوائد في شرح النووي على مسلم (3/ 191 - 192)، والعدة شرح العمدة (1/ 189) ورياض الأفهام (1/ 342 - 344) الاعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 695 - 700).

ص: 67

عليه، والتيسير التسهيل وخلافه التعسير، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهي عن التعسير ويأمر بالتيسير ودينه الذي بعث به يسر وكان يقول:"خير دينكم أيسره" ورأى رجلا يكثر الصلاة فقال: إنكم أمة أريد بكم اليسر ولم يكن أكثر تطوع النبي صلى الله عليه وسلم وخواص أصحابه بكثرة الصوم والصلاة بل ببر القلوب وطهارتها وسلامتها وقوة تعلقها باللَّه خشية له ومحبة وإجلالا وتعظيما ورغبة فيما عنده وزهدا فيما بقى

(1)

.

4059 -

وَعَن أنس رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ يسروا وَلَا تُعَسِّرُوا وبشروا وَلَا تنفرُوا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم

(2)

.

قوله: وعن أنس رضي الله عنه هو: أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن حرام بفتح الحاء والراء المهملتين بن حبيب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري النجاري، كنيته أبو حمزة خادم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أمه أم سليم بنت ملحان الأنصارية قدمت به أمه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر سنين وقيل ابن تسع وقيل ابن ثمان وخدمه عشرا وتوفي سنة احدى وتسعين وقيل ثلاث وقيل وهو ابن مائة سنة وعشر سنين وقيل مائة وسبع وقيل ثلاث وقيل مائة إلا سنة، قال أبو عمر: قدم قبل موته من ولده وولد ولده مائة أو مائة وعشرين للدعوة النبوية وهي اللهم ارزقه مالا وولدا ويقال ولد له ثمانية وسبعون ذكرا وابنتان ويقال إنه آخر الصحابة موتا بالبصرة، أ. هـ وتقدم الكلام عليه أيضًا مبسوطا.

(1)

لطائف المعارف (ص 254).

(2)

أخرجه البخاري (69) و (6125)، ومسلم (8 - 1734).

ص: 68

قوله صلى الله عليه وسلم: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" الحديث، وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ وأبي موسى الأشعري:"يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا" وفي حديا أنس أيضًا: "يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا" أي لا تخيفوهم بما يحملهم على النفار قاله صاحب المغيث

(1)

.

قال النووي

(2)

: وإنما جمع النبي صلى الله عليه وسلم في ألفاظ هذا الحديث بين الشيء وضده لأنه قد يفعلهما في وقتين فلو اقتصر على يسروا لصدق ذلك على من يسر مرة أو مرات وعسر في معظم الحالات، فإذا قال:"ولا تعسروا" انتفى التعسير في جميع الأحوال من جميع وجوهه وهذا هو المطلوب وكذا يقال في: "بشروا ولا تنفروا وتطواعا ولا تختلفا" لأنها قد يتطاوعان في وقت ويختلفان في وقت وقد يتطاوعان في شيء ويختلفان في شيء وفي هذه الأحاديث الأمر بالتبشير بفضل اللَّه تعالى وعظيم ثوابه وجزيل عطائه وسعة رحمته والنهي عن التنفير بذكر التخويف وأنواع الوعيد محضة من غير ضمها إلى التبشير وقد كانت أمور الإسلام في التكلف على التدريح فمتى يسرت على الداخل في الطاعة أو المريد الدخول فيها سهلت عليه وكانت عاقبته غالبا التزايد منها ومتى عثرت عليه أو شك أن لا يدخل فيها وإن دخل أوشك أن يقطع فلا يدوم أو لا يستحليها.

(1)

المجموع المغيث (3/ 328).

(2)

شرح النووي على مسلم (12/ 41).

ص: 69

فقوله: "بشروا" من البشارة أي الإخبار بالخير نقيض الإنذار بالشر وهذا الحديث من جوامع الكلم لاشتماله على خير الدنيا والآخرة لأن الدنيا دار الأعمال والآخرة دار الجزاء فأمر صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالدنيا بالتسهيل وفيما يتعلق بالآخرة بالوعد بالخير والإخبار بالشر تخفيفا لكونه رحمة للعالمين في الدارين

(1)

. وفيه: أمر الولاة بالرفق، وفيه: تأليف من قرب إسلامه وترك التشديد عليهم وكذلك من قارب البلوغ من الصبيان ومن بلغ ومن تاب من المعاصي كلهم يتلطف بهم ويدرجون في أنواع الطاعة قليلا قليلا

(2)

.

4060 -

وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت مَا خير رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بَين أَمريْن قطّ إِلَّا أَخذ أيسرهما مَا لم يكن إِثْمًا فَإن كَانَ ثمَّ إِثْم كَانَ أبعد النَّاس مِنْهُ وَمَا انتقم رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لنَفسِهِ فِي شَيْء قطَّ إِلَّا أَن تنتهك حُرْمَة اللَّه فينتقم للَّه تَعَالَى رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم

(3)

.

قوله: وعن عائشة رضي الله عنها، تقدم الكلام عليها.

قولها: ما خير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان ثم إثم كان أبعد الناس منه" الحديث، [أي: أسهلهما]

(4)

وفي

(1)

الكواكب الدرارى (2/ 34).

(2)

شرح النووي على مسلم (12/ 41).

(3)

أخرجه البخاري (3560) و (6126) و (6786) و (6853)، ومسلم (77 و 78 و 79 - 2327).

(4)

الكواكب الدرارى (14/ 144).

ص: 70

هذا الحديث استحباب الأخذ بالأيسر والأرفق ما لم يكن حراما أو مكروها، قال القاضي عياض رحمه اللَّه تعالى: ويحتمل أن يكون تخييره صلى الله عليه وسلم هنا من اللَّه تعالى فخيره بما فيه عقوبتان أو فيما بينه وبين الكفار من القتال وأخذ الجزية أو في حق أمته من المجاهدة في العبادة أو الاقتصاد فكان يختار الأيسر في كل هذا

(1)

.

قال: وأما قولها "ما لم يكن إثما" فيتصور إذا خيره الكفار والمنافقون، فأما إذا كان التخيير من اللَّه تعالى أو من المسلمين فيكون الاستثناء منقطعا وسيأتي معناه بعد.

قوله: "فإن كان ثم إثم كان أبعد الناس منه" [التخيير إن كان من الكفار فظاهر، وإن كان من اللَّه تعالى أو من المسلمين فمعناه ما لم يؤد إلى إثم، كالتخيير بين المجاهدة في العبادة والإقتصاد فيها، فإن المجاهدة بحيث ينجر إلى الهلاك غير جائز

(2)

].

قوله: "وما انتقم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط" أي: ما عاقب أحدا على مكروه أتاه من قبله، يقال: نقم ينقم ونقم ينقم ونقم من فلان الإحسان إذا جعله مما يؤديه إلى كفر النعمة

(3)

يعني: لم يعاقب ولم يكافئ على السوء المختص به

(4)

.

(1)

إكمال المعلم (7/ 291)، وشرح النووي على مسلم (15/ 83).

(2)

الكواكب الدرارى (22/ 3).

(3)

النهاية (5/ 110 - 111).

(4)

مطالع الأنوار (4/ 205).

ص: 71

قوله: "إلا أن تنتهك حرمة اللَّه فينتقم للَّه تعالى" الحديث، انتهاك الحرمة تناولها بما لا يحل يقال فلان انتهك محارم اللَّه أي فعل ما حرم اللَّه تعالى فعله

(1)

. فالانتهاك الاستباحة بما لا يحل بنوع من الاستهزاء وقلة المبالاة، والنهك المبالغة في كل شيء

(2)

. وانتهاك حرمة اللَّه تعالى هو ارتكاب ما حرمه اللَّه تعالى وقوله: "إلا أن تنتهك حرمة اللَّه" استثناء منقطع معناه: لكن إذا انتهكت حرمة اللَّه تعالى انتصر للَّه تعالى وانتقم ممن ارتكب ذلك

(3)

، أ. هـ.

وفي هذا الحديث الأخذ بالأسهل والحث على العفو والحلم واحتمال الأذى والانتصار لدين اللَّه تعالى ممن فعل محرما أو نحوه، وفيه: أنه يستحب للأئمة والقضاة وسائر ولاة الأمور التخلق بهذا الخلق فلا ينتقم لنفسه ولا يهمل حق اللَّه تعالى، قال القاضي عياض رحمه اللَّه تعالى: وقد أجمع العلماء على أن القاضي لا يقضي لنفسه ولا لمن لا تجوز شهادته له

(4)

.

تنبيه: ما انتقم أحد لنفسه قط إلا أعقبه ذلك ندامة وعلم أنه إن لم يصبر على هذا اختيارا وهو محمود صبر اضطرارا على أكثر منه وهو مذموم

(5)

، أ. هـ.

(1)

المفاتيح (6/ 146).

(2)

مطالع الأنوار (4/ 227).

(3)

شرح النووي على مسلم (15/ 84).

(4)

شرح النووي على مسلم (15/ 84).

(5)

مدارج السالكين (2/ 303).

ص: 72

4061 -

وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَلا أخْبركُم بِمن يحرم على النَّار أَو بِمن تحرم عَلَيْهِ النَّار تحرم على كل هَين لين سهل رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَلَفظه فِي إِحْدَى رواياته إِنَّمَا تحرم النَّار على كل هَين لين قريب سهل

(1)

.

قوله: وعن ابن مسعود رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار تحرم على كل هين لين" تقدم الكلام على هذا الحديث في البيع.

4062 -

وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ التأني من اللَّه والعجلة من الشَّيْطَان وَمَا أحد أَكثر معاذير من اللَّه وَمَا من شَيْء أحب إِلَى اللَّه من الْحَمد رَوَاهُ أَبُو يعلى وَرُوَاته رُوَاة الصَّحِيح

(2)

.

(1)

أخرجه يحيى بن معين في الثانى من حديثه (30)، وأحمد 1/ 415 (3938)، والترمذي (2488)، وأبو يعلى (5053)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (67) و (145)، وابن حبان (469) و (470)، والطبراني في الكبير (10/ 231 رقم 10562)، والبغوي في شرح السنة (3505). قال الترمذي والبغوي: هذا حديث حسن غريب. وقال الألباني: صحيح لغيره - "المشكاة"(5084)، "الصحيحة"(938)، صحيح الترغيب (1744) و (2676).

(2)

أخرجه ابن أبى شيبة كما في اتحاف الخيرة (5261/ 1) والمطالب (2814/ 1)، وابن منيع كما في اتحاف الخيرة (5261/ 2) والمطالب (2814/ 2)، والحارث (868)، وأبو يعلى (4256)، والخرائطي في المكارم (686)، وابن عدي في الكامل (5/ 439)، والبيهقي في الشعب (6/ 211 رقم 4058) والكبرى (10/ 178 رقم 20270) والمدخل (819). قال الهيثمي في المجمع 8/ 19 رواه أبو يعلى، ورجاله رجال =

ص: 73

قوله: وعن أنس بن مالك رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "التأني من اللَّه والعجلة من الشيطان" الحديث، ليس معنى الحديث أن اللَّه يتأني والشيطان يعجل لكن المعنى: أن الأناة بإذن اللَّه تعالى وإرشاده وكأن العجلة من الشيطان أي بتسويله وترتيبه فحث النبي صلى الله عليه وسلم على الأناة لأن السلامة معها ونهى عن العجلة لأن الذلة معها واللَّه أعلم، وفي حديث آخر:"التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة" التؤدة بضم التاء وفتح الهمزة التأني في الأمور.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وما أحد أكثر معاذير من اللَّه تعالى" المعاذير جمع معذرة.

4063 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم للأشج إِن فِيك لخصلتين يحبهما اللَّه وَرَسُوله الْحلم والأناة رَوَاهُ مُسلم

(1)

.

قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم للأشج: "إن فيك لخصلتين يحبهما اللَّه ورسوله الحلم والأناة" الحديث، تقدم الكلام على وفد عبد القيس، والوفد واحده وافد وجمع الوفد أوفاد ووفود والمراد منه الجماعة المختارة من القوم يتقدموهم في لقى العظماء والمصير إليهم [في المهمات]

(2)

وكان رئيس هذا الوفد أشج عبد القيس واسمه المنذر بن عائذ بالذال المعجمة العصري بفتح العين والصاد

= الصحيح. وقال البوصيرى: هذا إسناد رجاله ثقات. وحسنه الألباني في الصحيحة (1795) وصحيح الترغيب (1572) و (2677).

(1)

أخرجه مسلم (25 - 17).

(2)

المحكم 10/ 140، وشرح النووي (1/ 181).

ص: 74

المهملتين هذا هو الصحيح المشهور الذي قاله ابن عبد البر والأكثرون أو الكثيرون وقال ابن الكلبي: اسمه المنذر بن الحارث بن النعمان بن زياد بن عصر وإليه ينسب وقيل اسمه المنذر بن عامر وقيل المنذر بن عبيد وقيل اسمع عائذ بن المنذر وقيل ابن عوف

(1)

، روى عنه: عبد اللَّه بن عباس وابن عمر وهو الذي قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن فيك خصلتين يحبهما اللَّه ورسوله" وكفى بذلك شرفا، والخصلة: الخلة.

وسبب قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك له ما جاء في حديث الوفد أنهم لما وصلوا المدينة بادروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقام الأشج عند رحالهم فجمعها وعقل ناقته ولبس أحسن ثيابه ثم أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقربه النبي صلى الله عليه وسلم وأجلسه إلى جانبه ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم تبايعون على أنفسكم وقومكم فقال القوم: نعم، فذكر الحديث إلى أن قال:"صدقت، إن فيك خصلتين يحبهما اللَّه ورسوله" فقال: أخلقين تخلقت بهما أم جبلني اللَّه عليهما، فقال:"بل جبلك اللَّه عليهما" فقال: الحمد للَّه الذي جبلني على خلقين يحبهما اللَّه ورسوله

(2)

، فدل على أن من الخلق ما هو كطبيعة وجبلة وما هو مكتسب وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعاء الاستفتاح:"اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئ الأخلاق لا يصرف عني سيئها إلا أنت" فذكر الكسب والقدر

(3)

.

(1)

شرح النووي على مسلم (1/ 189).

(2)

المصدر السابق.

(3)

مدارج السالكين (2/ 300).

ص: 75

قال الشيخ محي الدين النووي: ولا يخالف هذا ما جاء في مسند أبي يعلى أنه لما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "إن فيك خصلتين يحبهما اللَّه ورسوله" قال: يا رسول اللَّه: كانا فيَّ أم حدثا، قال:"بل قديم" قلت: الحمد للَّه الذي جبلني على خلقين يحبهما اللَّه ورسوله

(1)

.

وعبد القيس أبو قبيلة عظيمة من قبائل العرب معروفة والأشج سيدهم والأشج هم ثلاثة أشج عبد القيس وبكير بن الأشج وأبو سعيد الأشج واسمه عبد اللَّه بن سعيد الكندي

(2)

، أ. هـ قاله عياض فأشج عبد القيس صوابه هكذا على سبيل الإضافة.

قوله: "إن فيك خصلتين يحبهما اللَّه ورسوله الحلم والأناة" أي: وهو من شعار الصالحين أما الحلم فهو ترك الإعجال بالعقوبة وترك الطيش

(3)

، وذلك من شعار العقلاء ومن أسماء اللَّه تعالى الحليم وهو الذي لا يستخفه شيء من عصيان العباد ولا يستفزه الغضب عليهم ولكنه جعل لكل شيء مقدارا فهو منتهي إليه

(4)

.

تنبيه: الحلم تأخير مكافأة من ظلمك هذا هو الأصل ويستعمل في العفو عن الذنب

(5)

.

(1)

شرح النووي على مسلم (1/ 189).

(2)

مطالع الأنوار (1/ 382).

(3)

مجمل اللغة (1/ 246 - 247).

(4)

النهاية (1/ 433 - 434).

(5)

المفاتيح (5/ 244).

ص: 76

وقال النووي في شرح مسلم: الحلم هو العقل

(1)

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الناس يرزقون في الجنة على قدر عقولهم لا على قدر أعمالهم، فمن كان أعقل كان أفضل"

(2)

وقال علي رضي الله عنه: لما أهبط آدم عليه السلام من الجنة أتى جبريل عليه السلام فقال: إني أمرت أن أخيرك في ثلاث فاختر واحدة ودع اثنتين، فقال آدم عليه السلام: وما الثلاث؟ قال: الحياء والدين والعقل، فقال آدم عليه السلام: فإني قد اخترت العقل، فقال جبريل عليه السلام للحياء والدين: انصرفا ودعاه، فقالا إنا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان ثم عرج جبريل وقال: شأنكم

(3)

، وقال معاوية بن قرة الصحابي رضي الله عنه: إن القوم ليحجبون ويعتمرون ويجاهدون ويصلون ويصومون ويعطون يوم القيامة على قدر عقولهم

(4)

، وأنشد محمد بن علي البسامي:

إن المكارم أبواب مصنفة

فالعقل أولها والصمت ثانيها

والعلم ثالثها والحلم رابعها

والجود خامسها والصدق ساديها

والصبر تاسعها والشكر ثامنها

والين تاسعها والرفق عاشرها

(5)

قاله صاحب تهذيب النفوس.

(1)

شرح النووي على مسلم (1/ 189).

(2)

أخرجه بمعناه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (1043) عن عائشة، ورواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 122)، وقال: هذا حديث لا يصح، كما رواه في ذم الهوى (ص 14).

(3)

روضة العقلاء (ص 20).

(4)

المصدر السابق ص 21.

(5)

المصدر السابق ص 24.

ص: 77

تنبيه: والاختلاف في حقيقة العقل وأقسامه كثير معروف لا حاجة هنا إلى الإطالة به، واختلف في محله فقال أصحابنا المتكلمون: هو في القلب، قال بعض العلماء: هو في الرأس واللَّه أعلم، وتقدم الكلام عليه في مواضع مبسوطا.

وأما الأناة فهى على وزن القناة بفتح الهمزة وهي مقصورة وهي التأني والتثبت في الأمور وترك العجلة والتأني المكث والإبطاء قاله عياض

(1)

والأناة ضد العجلة والأناة أيضًا التثبت في الأمور يعني الثبات في الطاعات

(2)

.

فائدة: وفد عبد القيس هؤلاء كانوا أربعة عشر راكبا الأشج العصري رئيسهم ومزيدة بن مالك المحاربي وعبيدة بن همام المحاربي وصحار بن العباس المري وعمرو بن مرحوم العصري والحارث بن شعيب العصري والحارث بن جندب من بني عايش ولم نعثر بعد التتبع على أكثر من أسماء هؤلاء واللَّه أعلم

(3)

قاله في الديباجة.

4064 -

وَرُوِيَ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده رضي الله عنهم قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِذا جمع اللَّه الْخَلَائق نَادَى مُنَاد أَيْن أهل الْفضل قَالَ فَيقوم نَاس وهم يسير فَيَنْطَلِقُونَ سرَاعًا إِلَى الْجنَّة فتتلقاهم الْمَلَائِكَة فَيَقُولُونَ إِنَّا نَرَاكُمْ سرَاعًا إِلَى الْجنَّة فَمن أَنْتُم فَيَقُولُونَ نَحن أهل الْفضل فَيَقُولُونَ وَمَا فَضلكُمْ

(1)

مشارق الأنوار (1/ 45).

(2)

المفاتيح (5/ 244).

(3)

شرح النووي على مسلم (1/ 181).

ص: 78

فَيَقُولُونَ كُنَّا إِذا ظلمنَا صَبرنَا وَإِذا أُسِيء إِلَيْنَا حلمنا فَيُقَال لَهُم ادخُلُوا الْجنَّة فَنعم أجر العاملين رَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيّ

(1)

.

قوله: وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا جمع اللَّه الخلائق نادى مناد: أين أهل الفضل؟ قال: فيقوم ناس وهم يسير فينطلقون سراعا إلى الجنة" سراعا أي مسرعين.

4065 -

وَرُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِن العَبْد ليدرك بالحلم دَرَجَة الصَّائِم الْقَائِم زَاد بعض الروَاة فِيهِ وَإنَّهُ ليكتب جبارا وَمَا يملك إِلَّا أهل بَيته رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ ابْن حيّان فِي كتاب الثَّوَاب

(2)

.

(1)

أخرجه ابن أبى الدنيا في الحلم (56) ومداراة الناس (11)، وأبو يعلى كما في اتحاف الخيرة (7786) والمطالب (4588)، والبيهقي في الشعب (10/ 422 رقم 7731)، والأصبهاني في الترغيب والترهيب (2401). قال العراقي في تخريج الإحياء (1075): أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال البيهقي في إسناد ضعيف. وقال البوصيري: رواه أبو يعلى الموصلي، وفي سنده العرزمي وهو ضعيف، واسمه محمد بن عبيد اللَّه. وقال ابن حجر: ضعيف. وقال الألباني في الضعيفة (6662) وضعيف الترغيب (1616): ضعيف جدا.

(2)

أخرجه أحمد بن منيع كما في اتحاف الخيرة (5207/ 1)، والمعافى بن عمران في الزهد (103)، والحارث كما في اتحاف الخيرة (5207/ 2)، وابن أبى الدنيا في الحلم (8)، والطبراني في الأوسط (6/ 232 - 233 رقم 6273)، وابن شاهين في الفضائل (239)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 289). قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن علي رضي الله عنه إلا بهذا الإسناد، تفرد به إسماعيل بن عياش. وقال العراقي في تخريج الإحياء (1073): أخرجه الطبراني في الأوسط بسند ضعيف. قال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد الحميد بن عبيد اللَّه بن حمزة وهو ضعيف جدا. وضعفه الألباني في الضعيفة (3002) وضعيف الترغيب (1617).

ص: 79

قوله: وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه تقدمت ترجمته.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم" زاد في رواية "وإنه ليكتب جبارا وما يملك إلا أهل بيته" الجبار معناه [المتمرد العاتي].

فائدة: فالحليم عظيم الشأن رفيع المكان محمود الأمر مرضى الفعل والعقل والحلم يشتمل على المعرفة والصبر والأناة والتثب والحلم أرفع من العقل لأن اللَّه تعالى تسمى به، قال أبو حاتم إن من نفاسة اسم الحلم وارتفاع قدره أن اللَّه تعالى تسمى به ثم لم يسم بالحلم في كتابه إلا إبراهيم خليله وإسحاق ذبيحه قال اللَّه تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}

(1)

وقال: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)}

(2)

وكتب رجل إلى أخيه: الحلم لباس العلم فلا تعرين منه

(3)

.

4066 -

وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ كنت أَمْشِي مَعَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَعَلِيهِ برد نجراني غليظ الْحَاشِيَة فأدركه أَعْرَابِي فَجَذَبَهُ بردائه جذبة شَدِيدَة فَنَظَرت إِلَى صفحة عنق رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَقد أثر بهَا حَاشِيَة الرِّدَاء من شدَّة جذبته ثمَّ قَالَ يَا مُحَمَّد مر لي من مَال اللَّه الَّذِي عنْدك فَالْتَفت إِلَيْهِ فَضَحِك ثمَّ أَمر لَهُ بعطاء رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم

(4)

.

قوله: وعن أنس رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

(1)

سورة التوبة، الآية:114.

(2)

سورة الصافات، الآية:101.

(3)

روضة العقلاء (ص 208 - 210).

(4)

أخرجه البخاري (3149) و (5809) و (6088)، ومسلم (128 - 1057).

ص: 80

قوله: كنت أمشي مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، الحديث، أي من عمل نجران، ونجران بفتح النون وإسكان الجيم بلدة معروفة بين الحجاز والشام واليمن على سبع مراحل من مكة كانت منزلا للأنصار قاله ابن الأثير وغيره

(1)

.

قوله: فأدركه أعرابي فجذبه بردائه جذبة شديدة فنظرت إلى صفحة عنق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقد أثر بها حاشية الرداء من شدة جذبته" الحديث، وفي رواية: "فجاذبه حتى انشق البرد وحتى بقيت حاشيته في عنق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم".

قوله: "فجاذبه" هو بمعنى جبذه يقال جبذ وجذب لغتان مشهورتان

(2)

.

وقوله: "حتى انشق البرد وحتى بقيت حاشيته في عنق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم" قال القاضي: يحتمل أنه على ظاهره وأن الحاشية انقطعت وبقيت في العنق ويحتمل أن يكون معناه بقى أثرها لقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى: "أقرت به حاشية الرداء" والأعرابي هو الذي يسكن البادية وتقدم الكلام عليه، والجذب والجبذ معناهما واحدها مقلوب جذبه وهما لغتان مشهورتان

(3)

كما تقدم.

قوله: ثم قال يا محمد مر لي من مال اللَّه الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء" الحديث، فانظر يا أخي ما قابل الإساءة بها وهو الإحسان

(1)

النهاية (5/ 21)، والمجموع المغيث (3/ 263).

(2)

شرح النووي على مسلم (7/ 147).

(3)

إكمال المعلم (2/ 618)، وشرح النووي (7/ 147).

ص: 81

قال النووي

(1)

: ففي هذا الحديث احتمال الجاهلين والإعراض عن ما قبلتهم ودفع السيئة بالحسنة وإعطاء من يتألف قلبه والعفو عن مرتكب كبيرة لا حد فيها لجهله وإباحة الضحك عن الأمور التي يتعجب منها في العادة وفيه كمال خلق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وحلمه وصفحه الجميل.

وهذا الحديث يدل على ما وصف اللَّه تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم من أنه على خلق عظيم وأنه رءوف رحيم فإن هذا الجفاء العظيم الذي صدر من هذا الأعرابي لا يصبر عليه ولا يحلم عنه مع القدرة إلا مثله ثم ضحكه صلى الله عليه وسلم عند هذه الجذبة الشديدة التي انشق البرد لها وتأثر عنقه الشريف بسببها حتى انقلب عن وجهته ورجع لحق الأعرابي دليل على أن الذي تم له من من مقام الصبر والحم ما تم لأحد وهذا نظير صبره وحلمه صلى الله عليه وسلم يوم أحد حيث كسرت رباعيته وشج في وجهه وصرع عن جنبه وهو في مثل هذه الحال يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم

(2)

. أ. هـ.

4067 -

وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ كَأَنِّي أنظر إِلَى رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَحْكِي نَبيا من الْأَنْبِيَاء ضربه قومه فأدموه وَهُوَ يمسح الدَّم عَن وَجهه وَيَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لقومي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم

(3)

.

قوله: وعن ابن مسعود رضي الله عنه تقدم.

(1)

شرح النووي على مسلم (7/ 147).

(2)

المفهم (9/ 68 - 69).

(3)

أخرجه البخاري (3477) و (6929)، ومسلم (105 - 1792).

ص: 82

قوله: كأني أنظر إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه، الحديث، وفي رواية:"وهو ينضح الدم عن جنبيه" وفي البخاري عن ابن عباس قال: اشتد غضب اللَّه على من قتله النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل اللَّه واشتد غضب اللَّه على قوم أدموا وجه نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال النووي

(1)

: في هذه الأحاديث وقوع الانتقام والابتلاء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لينالوا جزيل الأجر وليعرف أنه يطرأ على أجسامهم ما يطرأ على أجسام البشر ليتيقنوا أنهم مخلوقون مربوبون وحكاية النبي صلى الله عليه وسلم هذا النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه فيه بيان ما كان عليه الأنبياء من صلوات اللَّه وسلامه عليهم من الحلم والتصبر والعفو والشفقة على قومهم ودعائهم لهم بالهداية والغفران وعذرهم في جنايتهم على أنفسهم بأنهم لا يعلمون وهذا النبي المشار إليه من المتقدمين وقد جرى لنبينا صلى الله عليه وسلم نحو هذا يوم أحد

(2)

فروي عن أنس بن مالك قال: لما كان يوم كسرت رباعية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وشج فجعل يسيل الدم عن وجهه ويقول: "كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى اللَّه فأنزل اللَّه بـ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} "

(3)

انفرد به ابن ماجه.

قوله في الرواية التي في الصحيحين وهو ينضح الدم عن جبينه هو بكسر

(1)

شرح النووي على مسلم (12/ 148).

(2)

المصدر السابق (12/ 150).

(3)

سورة. . . .، الآية:

ص: 83

الضاد أي يغسله ويزيله

(1)

.

وقوله: "اشتد غضب اللَّه على رجل يقتله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في سبيل اللَّه" احترز بقوله "في سبيل اللَّه" عمن يقتله في حد أو قصاص لأن من يقتله في سبيل اللَّه كان قاصدا قتل النبي صلى الله عليه وسلم

(2)

.

4068 -

وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت سَمِعت رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُول وَجَبت محبَّة اللَّه على من أغضب فحلم رَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيّ وَفِي سَنَده أَحْمد بن دَاوُد بن عبد الْغفار الْمصْرِيّ شيخ الْحَاكِم وَقد وَثَّقَهُ الْحَاكِم وَحده

(3)

.

قوله: وعن عائشة رضي الله عنها، تقدم الكلام عليها. قوله صلى الله عليه وسلم:"وجبت محبة اللَّه على من أغضب فحلم" تقدم الكلام على الحلم.

4069 -

وَتقدم حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَلا أنبئكم بِمَا يشرف اللَّه بِهِ الْبُنيان وَيرْفَع بِهِ الدَّرَجَات قَالُوا نعم يَا رَسُول اللَّه قَالَ تحلم على من جهل عَلَيْك وَتَعْفُو عَمَّن ظلمك وَتُعْطِي من حَرمك وَتصل من قَطعك رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَالْبَزَّار

(4)

.

(1)

شرح النووي على مسلم (12/ 150).

(2)

المصدر السابق.

(3)

أخرجه ابن عدى (8/ 111 - 112)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 100)، والقضاعي في مسند الشهاب (569)، والخطيب في الجامع (822)، والأصبهاني في الترغيب والترهيب (1185). وقال الألباني: موضوع الضعيفة (752) و (1618).

(4)

أخرجه البزار كما في كشف الأستار (1947)، والطبراني في الأوسط (3/ 88 رقم 2579) والكبير (1/ 199 رقم 534). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن موسى إلا أبو أمية، تفرد به حجاج، ولا يروى عن أبي بن كعب إلا بهذا الإسناد. وقال الهيثمي في =

ص: 84

قوله في حديث عبادة بن الصامت: "وتعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك" وفي حديث آخر: "وأحسن إلى من أساء إليك" وفي الدعاء له وكذلك تنصح المسلم ولو أساء إليك بأن يتوصل إلى صلاحه وعوده إليك بالصلاح والمحبة لك وتدعو له وتسئل اللَّه المغفرة له كما حكى عن إبراهيم بن أدهم رحمة اللَّه عليه أنه كان في طريق فلقيه رجل جندي في الصحراء فقال له أين العمران فأشار إبراهيم إلى المغفرة فجعل الجندي يضربه حتى شج وجهه وظن أنه استهزأ به ثم مشى الجندي يطلب القرية فلقيه أناس من القرية فحكى لهم قصة إبراهيم وقوله وفعله به فقالوا له ضربت ولي اللَّه هذا إبراهيم بن أدهم فردوه إليه وسألوه أن يغفر له ما صنع في حقه فقال: إني سألت اللَّه لك الجنة حين ضربتني فإني ما رأيت أن يكون حظي الثواب إذا ضربتني وحظك العذاب على ما صنعت في حقي

(1)

، أ. هـ، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: الفتوة الصفح عن عثرات الإخوان، وسئل الجنيد عن الفتوة فقال: أن لا تنافر فقيرا ولا تعارض غنيا

(2)

.

4070 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ الشَّديد بالصرعة إِنَّمَا الشَّديد الَّذِي يملك نَفسه عِنْد الْغَضَب رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم

= المجمع 8/ 189: رواه البزار، وفيه يوسف بن خالد السمتي وهو كذاب. وقال: رواه الطبراني، وفيه أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف. وضعفه الألباني جدا في ضعيف الترغيب (1465) و (1498) و (1618).

(1)

سراج الملوك (ص 147).

(2)

الرسالة (2/ 380 و 381)، ومدارج السالكين (2/ 325).

ص: 85

قَالَ الْحَافِظ وَسَيَأْتِي بَاب فِي الْغَضَب وَدفعه إِن شَاءَ اللَّه تَعَالَى

(1)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" الصرعة بضم الصاد وفتح الراء هو الذي يصرع الناس كثيرا بقوته فنقله صلى الله عليه وسلم إلى الذي يغلب نفسه عند الغضب ويقهرها فإنه إذا ملكها كان قد قهر أعدائه وسيأتي الكلام على ذلك في بابه مبسوطا قريبا إن شاء اللَّه تعالى.

(1)

أخرجه البخاري (6114)، ومسلم (107 و 108 - 2609).

ص: 86