المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترهيب من قوله لمسلم يا كافر] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١١

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترغيب في الخلق الحسن وفضله والترهيب من الخلق السيئ وذمه]

- ‌[الترغيب في الرفق والأناة والحلم]

- ‌[الترغيب في طلاقة الوجه وطيب الكلام وغير ذلك مما يذكر]

- ‌[الترغيب في إفشاء السلام وما جاء في فضله وترهيب المرء من حب القيام له]

- ‌فصل

- ‌[الترغيب في المصافحة والترهيب من الإشارة في السلام وما جاء في السلام على الكفار]

- ‌[الترهيب أن يطلع الإنسان في دار قبل أن يستأذن]

- ‌[الترهيب أن يتسمع حديث قوم يكرهون أن يسمعه]

- ‌[الترغيب في العزلة لمن لا يأمن على نفسه عند الاختلاط]

- ‌[الترهيب من الغضب والترغيب في دفعه وكظمه وما يفعل عند الغضب]

- ‌[الترهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر]

- ‌[الترهيب من قوله لمسلم يا كافر]

- ‌[الترهيب من السباب واللعن لا سيما لمعين آدميا كان أو دابة وغيرهما وبعض ما جاء في النهي عن سب الديك والبرغوث والريح والترهيب من قذف المحصنة والمملوك]

- ‌الترهيب من السباب واللعن لاسيما لمعين آدميًّا كان أو دابةً وغيرهما، وبعض ما جاء في النهي عن سب الديك والبرغوث والريح، والترهيب من قذف المحصنة والمملوك

- ‌[الترهيب من سبّ الدهر]

- ‌الترهيب من ترويع المسلم ومن الإشارة إليه بسلاح ونحوه

- ‌[النهى عن حمل السلاح على المسلم]

- ‌الترغيب في الإصلاح بين الناس

- ‌الترهيب من النميمة

- ‌الترهيب من الغيبة والبهت وبيانهما والترغيب في تركهما

- ‌الترغيب في الصمت إلا عن خير والترهيب من كثرة الكلام

- ‌التَّرْهِيب من الْحَسَد وَفضل سَلامَة الصَّدْر

- ‌الترغيب في التواضع والترهيب من الكبر والعُجْب والافتخار

- ‌الترهيب من القول للفاسق والمبتدع يا سيدي ونحوها من الكلمات الدالة على التعظيم

- ‌الترغيب في الصدق والترهيب من الكذب

- ‌ترهيب ذي الوجهين واللسانين

- ‌[الترهيب من الحلف بغير الله سبحانه وتعالى سيما بالأمانة ومن قوله أنا بريء من الإسلام أو كافر أو نحو ذلك]

- ‌الترهيب من احتقار المسلم وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى

- ‌الترغيب في إماطة الأذى عن الطريق وغير ذلك مما يذكر

الفصل: ‌[الترهيب من قوله لمسلم يا كافر]

[الترهيب من قوله لمسلم يا كافر]

4198 -

عَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِذا قَالَ الرجل لِأَخِيهِ يَا كافِر فقد بَاء بهَا أَحدهمَا فَإِن كانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رجعت عَلَيْهِ رَوَاهُ مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ

(1)

.

قوله: عن ابن عمر رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه" الحديث.

قوله: "فقد باء بها أحدهما" باء بمعنى رجع، قال أبو بكر الأثرم: وجهه عندي أنه إن كان كافرا كان كما قال وإن كان مسلما فقد كفر من يعتقد المسلم كافرا قال: ويمكن أن يكون المعنى باء بإثمها

(2)

، أ. هـ.

وقال بعضهم: كون عمرو كافرا يعني إن كان عمرو كافر فقد صدق زيد فيما قال وإلا صار زيد كافرا إن اعتقد كون عمرو كافرًا بسبب ذنبه إذ المسلم لا يصير كافرا بالذنب

(3)

.

وقال بعضهم أيضًا في قوله: إذا قال لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما لأنه إما أن يصدق عليه أو يكذب عليه فإن صدق فهو كافر وإن كذب عاد الكفر إليه

(1)

أخرجه مالك (2814)، والبخاري (6104)، ومسلم (111 - 60)، وأبو داود (4687)، والترمذي (2637).

(2)

كشف المشكل (2/ 567).

(3)

المفاتيح (5/ 172).

ص: 269

بتكفيره أخاه المسلم والكفر صنفان أحدهما: الكفر بأصل الإيمان وهو ضده، والآخر: الكفر بفرع من فروع الإسلام ولا يخرج به عن أصل الإيمان، وقيل: الكفر على أربعة أنحاء كفر إنكار بأن لا يعرف اللَّه أصلا ولا يعترف به وكفر جحود ككفر إبليس يعرف اللَّه بقلبه ولا يقر بلسانه وكفر عناد وهو أن يعرف اللَّه بقلبه ويعترف بلسانه ولا يدينه به حسدا وبغيا ككفر أبي جهل وأضرابه وكفر نفاق وهو أن يقر بلسانه ولا يعتقد بقلبه، قال الهروي: سئل الأزهري عمر يقول بخلق القرآن أنسميه كافرا فقال: الذي يقوله كفر فأعيد عليه السؤال ثلاثا ويقول ما قال، ثم قال في الآخر قد يقول المسلم كفرا ومنه حديث ابن عباس قيل له:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}

(1)

قال: هم كفرة وليسوا كم كفر باللَّه واليوم الآخر، قال: ومنه أن الأوس والخزرج ذكروا ما [كان] منهم في الجاهلية فثار بعضهم إلى بعض بالسيوف فأنزل اللَّه عز وجل: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ}

(2)

ولم يكن ذلك على الكفر باللَّه ولكن على تغطيتهم ما كانوا عليه من الألفة والمودة

(3)

، أ. هـ ذكره النووي.

تنبيه: قال الشيخ تقي الدين الحصني في شرح أبي شجاع ولو قال المسلم يا كافر بلا تأويل كفر لأنه سمى الإسلام كفرا وهذا اللفظ يصدر كثيرا من

(1)

سورة المائدة، الآية:44.

(2)

سورة آل عمران، الآية:101.

(3)

النهاية (4/ 195 - 186) وعزوه للنووي غلط.

ص: 270

الترك فليتفطن لذلك اللَّه أعلم

(1)

.

قوله: رواه مالك.

فائدة: تتعلق بمناقب الإمام مالك، روي أنه كان في مجلس الإمام مالك بن أنس جماعة يأخذون عنه العلم فقال قائل قد حضر الفيل فخرج أصحابه كلهم ينظرون إليه إلا يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي فإنه لم يخرج فقال له مالك لم لا تخرج ترى هذا الخلق العجيب فإنه لم يكن ببلادك فقال إنما جئت من بلدي لأنظر إليه وأتعلم من هديك وعلمك ولم أجيء لأنظر إلى الفيل فأعجب له مالك وسماه عاقل أهل الأندلس، ونظير هذا ما اتفق لأبي عاصم النبيل واسمه الضحاك فإنه كان بالبصرة فقدمها الفيل فذهب الناس ينظرون إليه فقال له ابن جريج ما لك لا تخرج إلى الفيل فقال: لا أجد منك عوضا، فقال: أنت النبيل فكان إذا أقبل يقول جاء النبيل، وفي المثل قالوا: أثقل من الفيل، قال الشاعر:

أنت يا هذا ثقيل

وثقيل وثقيل

أنت في المنظر إنسان

وفي الميزان فيل

أ. هـ قاله في حياة الحيوان

(2)

.

4199 -

وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه أَنه سمع رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُول وَمن دَعَا رجلا بالْكفْر أَو قَالَ يَا عَدو اللَّه وَلَيْسَ كَذَلِك إِلَّا حَار عَلَيْهِ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي

(1)

كفاية الأخيار (ص 494).

(2)

حياة الحيوان (2/ 318 - 319).

ص: 271

حَدِيث حَار بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء أَي رَجَعَ

(1)

.

قوله: وعن أبي ذر رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن دعا رجلا بالكفر أو قال يا عدو اللَّه وليس كذلك إلا حار عليه" الحديث، ومثله حديث أبي هريرة بعده وفيه:"فقد باء بها أحدهما" ومثله أيضًا حديث أبي سعيد بعد بعده وفيه: "ما أكفر رجل رجلا إلا باء أحدهما بها إن كان كافرا وإلا كفر بتكفيره" الحديث.

قوله: "إلا حار عليه" بالحاء المهملة والراء أي رجع، قاله المنذري، وقال بعض العلماء: حار وباء بمعنى أي رجع عليه الكفر فباء وحار ورجع بمعنى واحد ومنه قوله تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14)}

(2)

أي: يرجع عليه هذا القول.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو اللَّه" معناه: إذا لمسلم يا كافر أو قال له يا عدو اللَّه وليس هو كذلك إلا حار عليه، أي رجع عليه وهذا إذا لم يكن متأولا أما المتأول فخارج عن هذا الوعيد وهذا القول عده العلماء من الكبائر، أ. هـ. وهذا الحديث مما عده بعض العلماء من المشكلات من حيث أن ظاهره غير مراد وذلك أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر المسلم بالمعاصي كالقتل والزنا وكذلك قوله لأخيه كافر من غير اعتقاد بطلان دين الإسلام وإذا عرف ما ذكرناه فقيل في تأويل

(1)

أخرجه البخاري (6045)، ومسلم (112 - 61).

(2)

سورة الانشقاق، الآية:14.

ص: 272

الحديث أوجه، أحدها: أنه محمول على المستحل لذلك، وهذا يكفر، الوجه الثاني: معناه رجدت نقيضه لأخيه ومعصيته تكفيره، والوجه الثالث: أنه محمول على الخوارج المكفرين للمؤمنين وهذا الوجه نقله القاضي عياض عن مالك بن أنس وهو ضعيف لأن المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون والمحققون أن الخوارج لا يكفرون كسائر أهل البدع

(1)

.

فائدة: والشافعي رحمه الله لا يكفر أحدا من أهل القبلة من المعتزلة والمبتدعة والرافضة وغيرهم كالمجسمة لاتفاقهم على توحيد اللَّه تعالى وتصديق الرسل والأنبياء بأركان الإسلام من الصلاة والحج والزكاة والصوم والخطأ في الاعتقاد في بعض الفروع لا يضر ولا يقدح في الإيمان والجهل ببعض صفات اللَّه تعالى أيضًا لا يقدح في الإيمان وكذا رجحه القرطبي في شرح أسماء اللَّه الحسنى، واستدل عليه بقضية الذي قال لأهل إذا مت فاحرقوني واسحقوني ثم اذروني في البحر الحديث، فهذا جهل قدرة اللَّه تعالى. والوجه الرابع: معناه أن ذلك يؤل به إلى الكفر وذلك أن المعاصي كما قال يريد الكفر ويخاف على المكثر منها أن يكون عاقبة شؤمها المصير إلى الكفر ويؤيد هذا الوجه ما جاء في رواية لأبي عوانة الأسفرائيني في كتابه المستخرج على صحيح مسلم: فإن كان كما قال وإلا فقد باء بالكفر وفي رواية: "إذا قال أخيه يا كافر وجدب الكفر على أحدهما" واختلف العلماء فيمن يعود عليه، فقال أبو حنيفة: يعود عليه الكفر ويصبح كافرا لظاهر الخبر، وقال الشافعي: لا يعود عليه الكفر

(1)

شرح النووي على مسلم (2/ 49 - 50).

ص: 273

فينما يعود عليه الإثم خاصة ويعزر ويستتاب، والوجه الخامس: فقد رجع عليه تكفيره فليس الراجع حقيقة الكفر بل التكفير لكونه جعل أخاه المؤمن كافرا فقد كفر نفسه إما أنه كفر من هو مثله فيما لأنه كفر من لا يكفره إلا كافرًا يعتقد بطلان دين الإسلام

(1)

.

قوله: عن أبي ذر تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن دعا رجلًا بالكفر أو قال يا عدو اللَّه وليس كذلك إلا حار عليه" الحديث، حار بالحاء المهملة والراء أي رجع، أ. هـ قال المنذري، وقال غيره: إلا حار عليه أي رجع عليه إثم ذلك وقال بعضهم أيضًا أي رجع عليه ما نسب إليه قاله في النهاية، قال النووي: وهذا الحديث مما عده بعض العلماء من المشكلات من حيث أن ظاهره غير مراد وذلك أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر المسلم بالمعاصي كالقتل والزنا وكقوله لأخيه كافر من غير اعتقاد بطلان دين الإسلام وإذا عرفت ما ذكرناه فقيل في تأويل الحديث أوجه أحدها.

4200 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: إِن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "من قَالَ لِأَخِيهِ يَا كافِر فقد بَاء بهَا أَحدهمَا" رَوَاهُ البُخَارِيّ

(2)

.

4201 -

وَعَن أبي سعيد رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَا أكفر رجل رجلا إِلَّا بَاء أَحدهمَا بهَا إِن كَانَ كَافِرًا وَإِلَّا كفر بتكفيره رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه

(3)

.

(1)

المصدر السابق.

(2)

أخرجه البخاري (6103).

(3)

أخرجه ابن حبان (248). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2775).

ص: 274

4202 -

وَعَن أبي قلَابَة رضي الله عنه أَن ثَابت بن الضَّحَّاك رضي الله عنه أخبر أَنه بَايع رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم تَحت الشَّجَرَة وَأَن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ من حلف على يَمِين بِملَّة غير الإِسْلَام كَاذِبًا مُتَعَمدا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَمن قتل نَفسه بِشَيْء عذب بِهِ يَوْم الْقِيَامَة وَلَيْسَ على رجل نذر فِيمَا لَا يملك وَلعن الْمُؤمن كقتله وَمن رمى مُؤمنا بِكفْر فَهُوَ كقتله وَمن ذبح نَفسه بِشَيْء عذب بِهِ يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائيِّ بِاخْتِصَار وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَلَفظه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ على الْمَرْء نذر فِيمَا لا يملك ولا عن الْمُؤمن كقاتله وَمن قذف مُؤمنا بِكفْر فَهُوَ كقاتله وَمن قتل نَفسه بِشَيْء عذب بِمَا قتل بِهِ نَفسه يَوْم الْقِيَامَة

(1)

.

قوله: وعن أبي قلابة رضي الله عنه أبو قلابة: اسمه [عبد اللَّه بن زيد الجرمي].

قوله: أن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أخبره أنه بايع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، هو ثابت بن الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عدي بن كعب بن عدي الألثمهل الأنصاري الأوسي الأشهلي فهو أبو زيد المدني سكن البصرة وهو ممن بايع تحت الشجرة وكان دريف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ودليله إلى حمراء الأسد، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم روى له الجماعة

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال" الحلف، بغير ملة الإسلام كقوله هو يهودي أو نصراني إن

(1)

أخرجه البخاري (6047) و (6105) و (6652)، ومسلم (176 و 177 - 110)، وأبو داود (3257)، والترمذي (2636)، والنسائي في المجتبى 6/ 309 (3803 و 3804) و 6/ 335 (3847).

(2)

الاستيعاب (1/ 205 ترجمة 260)، وأسد الغابة (1/ 446 ترجمة 556).

ص: 275

كان كذا أو واللات والعزى وشبه ذلك [إذ اليمين بالصنم تعظيم له، وتعظيمه كقر، ويحتمل أن يراد به التهديد].

قوله: "ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة" أي: بمثله يعني يجازى بحر عمله وكقتله أي في الإثم.

قوله: "وليس على رجل نذر فيما لا يملك" أي بأن قال مثلا إن شفا اللَّه مريضي فلله علي أن أعتق فلان.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ولعن المؤمن كقتله" قال الشيخ تقي الدين: فيه سؤال وهو أن يقال أما أن يكون كقتله في أحكام الدنيا أو في أحكام الآخرة، ولا يمكن أن يكون المراد أحكام الدنيا لأن قتله يوجب القصاص ولعنه لا يوجب ذلك، وأما أحكام الآخرة فإما أن يراد بها التساوي في الإثم أو في العقاب فكلاهما مشكل لأن الإثم يتفاوت بتفاوت مفسدة الفعل ولس إذهاب الروح في المفسدة كمفسدة الأذى باللعنة وكذلك العقاب يتفاوت بحسب تفاوت الجرائم قال اللَّه تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)}

(1)

فذلك دليل على التفاوت في العقاب والثواب بحسب التفاوت في المصالح والمفاسد فإن الخيرات مصالح والمفاسد شرور

(2)

، أ. هـ قاله في الديباجة.

قوله: "من حلف على يمين بمكة غير الإسلام"[أنه بايع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة] المبايعة مأخوذة من البيع.

(1)

سورة الزلزلة، الآية:7.

(2)

قاله ابن دقيق العيد إحكام الأحكام (2/ 263).

ص: 276

قوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال" الحديث الحلف بالشيء هو القسم به وإدخال بعض حروف القسم عليه

(1)

وهي أربعة: الباء والواو والتاء والهمزة كباللَّه وواللَّه وتاللَّه وأللَّه، وقد ورد النهي عن الحلف بغير اللَّه وأن من حلف بمعبود غيره معظما له فهو كافر ولهذا صورتان الأولى أن يقال ودين اليهودية أو دين النصرانية لا أفعل كذا فهذا حكمه حكم من حلف باللات والعزى، الصورة الثانية: أنه يقول إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو برئ من الإسلام، فهذا ليس بيمين لأن اليمين لا تنعقد بغير اسم اللَّه تعالى وصفاته ولكن يحرم عليه الحلف بذلك

(2)

كما قاله النووي في الأذكار

(3)

ولا يترقب على ذلك الكفر في الحال لأنه قصد بذلك إبعاد نفسه عن الفعل، فإن قصد تعليق الكفر على فعل كفر في الحال

(4)

هذا إن حلف على مستقبل فإن حلف على ماض كقوله: إن كنت فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني فظاهر الحديث أنه يصير كافرا لأنه صلى الله عليه وسلم قال فهو كما قال وقد اختلف الحنفية في تكفيره فقيل: يكفر كما لو قال هو يهودي وقيل لا يكفر كما لو حلف بذاك على مستقبل ولم يقصد تعليق الكفر على الفعل ولا الرضى به

(5)

.

(1)

إحكام الأحكام (2/ 261).

(2)

رياض الأفهام (5/ 359 - 310)، والإعلام (9/ 294 - 295).

(3)

الأذكار (ص 359)، والمنهاج (ص 326).

(4)

انظر الأذكار (ص 359).

(5)

رياض الأفهام (5/ 309).

ص: 277

قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة" تقدم الكلام على ذلك.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وليس على رجل نذر فيما لا يملك" الحديث فيه دليل على أن التصرفات الواقعة قبل الملك باطلة وأن بيع الفضولي وتصرفاته باطلة، فلو باع عبدا لغيره أو أعتقه أو نذر نذرا متعلقا به لغي ذلك وهذه التصرفات المالية

(1)

أما تعليق الطلاق على النكاح اختلفوا فيه فالشافعي يلغيه كالأول ومالك وأبو حنيفة يعتبرانه

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ولعن المؤمن كقتله" الحديث، ومعنى الحديث أن لعن المؤمن كقتله في الإثم، هذا هو الأظهر عند النووي، وقيل: لاعن المؤمن يقطعه بلعنته عن نعيم الآخرة كما يقطع القاتل المقتول عن منافع الدنيا وفي هذا بعد، وقال المازري: الظاهر من الحديث تشبيهه في الإثم وهو تشبيه واقع لأن اللعنة قطع عن الرحمة والموت قطع عن التصرف وقال القاضي عياض

(3)

: وقيل لعنته تقتضي قصده بإخراجه عن جماعة المسلمين ومنعهم منافعه وتكثير عددهم به كما لو قتله وقيل لعنته تقتضي منافعه الأخروية وبعده منها بإباحة لعنته فهو كمن قتل في الدنيا وقطعت عنه منافعه منها، وقيل: معناه استواؤهما في التحريم لأن في اللعنة قطعا عن الرحمة وهي أبلغ ضررا من قطع الحياة بالقتل واللَّه أعلم

(4)

قاله ابن العماد في شرح عمدة الأحكام.

(1)

انظر: البيان (5/ 66 - 67)، وروضة الطالبين (3/ 355 - 356)، والنجم الوهاج (4/ 41).

(2)

رياض الأفهام (5/ 311).

(3)

إكمال المعلم (1/ 391).

(4)

إحكام الأحكام (2/ 261)، والعدة شرح العمدة (3/ 1527 - 1528).

ص: 278

فرع: يختم بها الباب: لو دعا مسلم على مسلم حكاهما القاضي حسين في فتاويه أصحهما لا يكفر وفي معناه قوله لا ختم اللَّه له بخير ولا أماته اللَّه على الإسلام ونحو هذا ذكره ابن النحاس

(1)

.

4203 -

وَعَن عمرَان بن حُصَيْن رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِذا قَالَ الرجل لأَخِيهِ يَا كَافِر فَهُوَ كقتله رَوَاهُ الْبَزَّار وَرُوَاته ثِقَات

(2)

.

(1)

تنبيه الغافلين (ص 208).

(2)

أخرجه أحمد بن منيع كما في اتحاف الخيرة (5333/ 1) والمطالب (2715)، والبزار (3519)، والطبراني في الكبير 18/ 193 (463). وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى إلا عن عمران بن حصين بهذا اللفظ وعن ثابت بن الضحاك فذكرنا حديث عمران لجلالته، ولا نعلم روى حديث عمران فقال: عن عمران إلا حماد بن سلمة، ولا نعلم روى هذين الحديثين على ما ذكرنا من إسنادهما، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران إلا إسحاق بن إدريس، عن حماد بن سلمة وإسحاق لم يكن به بأس إلا أنه حدث بأحاديث لم يتابع عليها. قال الهيثمي في المجمع 8/ 73: رواه البزار، ورجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2777) والصحيحة (3385).

ص: 279