المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترهيب من الغضب والترغيب في دفعه وكظمه وما يفعل عند الغضب] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١١

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترغيب في الخلق الحسن وفضله والترهيب من الخلق السيئ وذمه]

- ‌[الترغيب في الرفق والأناة والحلم]

- ‌[الترغيب في طلاقة الوجه وطيب الكلام وغير ذلك مما يذكر]

- ‌[الترغيب في إفشاء السلام وما جاء في فضله وترهيب المرء من حب القيام له]

- ‌فصل

- ‌[الترغيب في المصافحة والترهيب من الإشارة في السلام وما جاء في السلام على الكفار]

- ‌[الترهيب أن يطلع الإنسان في دار قبل أن يستأذن]

- ‌[الترهيب أن يتسمع حديث قوم يكرهون أن يسمعه]

- ‌[الترغيب في العزلة لمن لا يأمن على نفسه عند الاختلاط]

- ‌[الترهيب من الغضب والترغيب في دفعه وكظمه وما يفعل عند الغضب]

- ‌[الترهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر]

- ‌[الترهيب من قوله لمسلم يا كافر]

- ‌[الترهيب من السباب واللعن لا سيما لمعين آدميا كان أو دابة وغيرهما وبعض ما جاء في النهي عن سب الديك والبرغوث والريح والترهيب من قذف المحصنة والمملوك]

- ‌الترهيب من السباب واللعن لاسيما لمعين آدميًّا كان أو دابةً وغيرهما، وبعض ما جاء في النهي عن سب الديك والبرغوث والريح، والترهيب من قذف المحصنة والمملوك

- ‌[الترهيب من سبّ الدهر]

- ‌الترهيب من ترويع المسلم ومن الإشارة إليه بسلاح ونحوه

- ‌[النهى عن حمل السلاح على المسلم]

- ‌الترغيب في الإصلاح بين الناس

- ‌الترهيب من النميمة

- ‌الترهيب من الغيبة والبهت وبيانهما والترغيب في تركهما

- ‌الترغيب في الصمت إلا عن خير والترهيب من كثرة الكلام

- ‌التَّرْهِيب من الْحَسَد وَفضل سَلامَة الصَّدْر

- ‌الترغيب في التواضع والترهيب من الكبر والعُجْب والافتخار

- ‌الترهيب من القول للفاسق والمبتدع يا سيدي ونحوها من الكلمات الدالة على التعظيم

- ‌الترغيب في الصدق والترهيب من الكذب

- ‌ترهيب ذي الوجهين واللسانين

- ‌[الترهيب من الحلف بغير الله سبحانه وتعالى سيما بالأمانة ومن قوله أنا بريء من الإسلام أو كافر أو نحو ذلك]

- ‌الترهيب من احتقار المسلم وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى

- ‌الترغيب في إماطة الأذى عن الطريق وغير ذلك مما يذكر

الفصل: ‌[الترهيب من الغضب والترغيب في دفعه وكظمه وما يفعل عند الغضب]

[الترهيب من الغضب والترغيب في دفعه وكظمه وما يفعل عند الغضب]

4154 -

عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رجلا قَالَ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم أوصني قَالَ لا تغْضب فردد مرَارًا قَالَ لَا تغْضب رَوَاهُ البُخَارِيّ

(1)

.

قوله: عن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم.

قوله: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني؟ قال: "لا تغضب" فردد مرارا قال "لا تغضب" الحديث، كان النبي صلى الله عليه وسلم عارفا بأدواء الخلق فلما استوصاه الرجل وقد رآه مملوءا بالقوة الغضبية لم ير له خيرا من أن يتجنب دواعي الغضب

(2)

وإنما قال صلى الله عليه وسلم: "لا تغضب" لأنه عليه الصلاة والسلام كان مكاشفا بأوضاع الخلق فيأمرهم بما هو أولى لهم ولعل الرجل كان غضوبا فوصاه بتركه، قال البيضاوي: لعله لما رأى جميع المفاسد التي تعرض للإنسان إنما هو من شهوته وغضبه، والشهوة مكسورة بالنسبة إلى ما يقتضيه الغضب فلما سأله الرجل الإرشاد إلى ما يتوصل به إلى التجرد عن القبائح نهاه عن الغضب

(3)

، أ. هـ.

ثم الغضب من العباد على نوعين، محمود وهو ما كان للَّه تعالى، ومذموم وهو ما كان لنفسه.

(1)

أخرجه البخاري (6116)، والترمذي (2020)، والنسائي في مجلسان من أماليه (16).

(2)

الميسر في شرح المصابيح (3/ 1091).

(3)

الكواكب الدرارى (21/ 233 - 234).

ص: 212

فهذا الحديث يدل على أن الغضب جماع الشر وأن التحرز منه جماع الخير، وقال بعض العلماء: معنى لا تغضب أي لا تعمل بمقتضاه فيخفف مؤنة الصبر وتأباه فالغضب مانع من الحلم والرفق ولعل هذا الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم هو أبو الدرداء، فقد خرج الطبراني من حديث أبي الدرداء قال: قلت يا رسول اللَّه دلني على عمل يدخلني الجنة؟. قال: "لا تغضب ولك الجنة"

(1)

. قاله ابن رجب

(2)

.

تنبيه: الغضب في حق الآدمي، قيل: قيل هو فوران القلب وغليانه وقيل عرض يتبعه غليان القلب لإرادة الانتقام، وجاء في الحديث:"الغضب جمرة تتوقد في قلب ابن آدم أما ترون إلى انتفاخ أوداجه واحمرار عينيه"

(3)

أو كما قال، وسيأتي ذلك، وأما غضب اللَّه عز وجل أعاذنا اللَّه تعالى منه فقيل: هو إرادة الانتقام وقيل غير ذلك، واعلم أن هذا الحديث تضمن دفع أكثر الشرور عن الإنسان فإنه مدة حياته بين لذة وألم فاللذة سببها ثوران الشهوة

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (3/ 25 رقم 2353). وقال الهيثمي في المجمع 8/ 70: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وأحد إسنادي الكبير رجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2749).

(2)

جامع العلوم والحكم (1/ 402 - 404).

(3)

أخرجه أحمد 3/ 19 (11143) و 3/ 61 (11587)، والترمذي (2191)، والحاكم 4/ 505. قال الترمذي هذا حديث حسن. وقال الحاكم: هذا حديث تفرد بهذه السياقة علي بن زيد بن جدعان القرشي، عن أبي نضرة، والشيخان رضي الله عنهما لم يحتجا بعلي بن زيد، وتعقبه الذهبي بقوله: ابن جدعان صالح الحديث. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1641).

ص: 213

للأكل والشرب والنكاح وغير ذلك، والألم سببه ثوران الغضب، ثم قد يكون [تناوله أو دفعه] مباحا كنكاح الزوجة ودفع الصائل، وقد يكون حراما كالزنا وقتال المسلم عدوانا ودفع المكروه [عدوانا] شر سببه الغضب، فإذا اجتنب الغضب اندفع عنه الشر، فإن الإنسان يغضب فيقتل أو يقذف أو يطلق امرأته أو [يهاجر] صاحبه أو يحلف يمينا فيحنث فيها أو يندم عليها كما جاء في الحديث "اليمين حنث أو ندم"

(1)

وقد يغضب فيكفر كما كفر جبلة بن الأهيم حين غضب من لطمة أخذت أو أريدت منه قصاصا، وبالجملة فالغضب أصل الشرور البشرية قاله الطوفي

(2)

.

فائدة: وللغضب دواء مانع ورافع، فالمانع تذكر فضيلة الحلم، وخوف اللَّه عز وجل كما حكى عن بعض الملوك أنه كتب ورقة فيها: ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء، ويل لسلطان الأرض من سلطان السماء، ويل لحاكم الأرض من حاكم السماء، اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب، وروي ذلك في بعض الكتب التي أنزل اللَّه تعالى "ابن آدم، اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب فلا أمحقك فيمن أمحق"، ثم دفعها إلى وزيره وقال له: إذا غضبت فادفعها إلي فجعل الوزير كلما غضب الملك دفعها إليه فينظر فيها فيسكن غضبه، والرافع للغضب نحو ما ذكرناه عن

(1)

أخرجه ابن ماجه (2103)، والبخاري في التاريخ الكبير 2/ 129، وأبو يعلى (5587) و (5697)، والطبراني في الصغير (1083)، والحاكم 4/ 303. وصححه الحاكم. وضعفه الألباني في الضعيفة (3758).

(2)

التعيين في شرح الأربعين (ص 138 - 139).

ص: 214

الملك وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليقعد وإن كان قاعدا فليضطجع" الحديث، وكان معاوية رضي الله عنه يقول: أما غضبي على من أقدر عليه وما غضبي على من لم أقدر عليه، يعني أن الغضب لا فائدة فيه بل هو تعب محض ومفسدة محضة لأن المؤذي لي إن كنت قادرا عليه عاقبته إن شئت ولا حاجة إلى الغضب وإن لم أكن قادرا عليه فالغضب المجرد لا يشفيني منه، فلا حاجة إليه واللَّه أعلم قاله الطوفي أيضًا

(1)

.

تنبيه: والتحقيق أن الناس في الغضب على ضربين أحدهما: مغلوب للطبع الحيواني فلا يمكنه منعه وهو الغالب في الناس، والثاني: غالب للطبع بالرياضة فيمكنه منعه ولولا هذا وإلا لكان قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تغضب" تكليفا أو أمرا بما لا يطاق وأقوى الأشياء في منع الغضب ودفعه التوحيد الحقيقي العام وهو اعتقاد أن لا فاعل في الوجود إلا اللَّه عز وجل وأن الخلق آلات لفعله

(2)

فإذا توجه إليه مكروه من جهة غيره كري فاعله اللَّه عز وجل لا غيره فإن ذلك الغير آلة للفعل الإلهي كالسيف الضارب والقوس الرامي والرمح الطاعن والقدوم للنجار والسكين للنجار وحينئذ يندفع الغضب لأنه لو غضب والحالة هذه لكان غضبه أما على الخالق وهو جراءة تنافي العبودية أو

(1)

التعيين في شرح الأربعين (ص 140 - 141).

(2)

وافق الطوفي قوله قول الجبرية والحق أن العبد فاعل لفعله حقيقة، وله قدرة حقيقة، وله إرادة واللَّه خالق العبد وفعله، قال تعالى {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} {فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} وقال تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} وقال: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} .

ص: 215

على المخلوق وهو إشراك ينافي التوحيد ولهذا جاء في حديث أنس قال: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال للشيء فعلته لم فعلته ولا لشيء لم أفعله لم لم تفعله، ولكن يقول:"قدر اللَّه وما شاء فعل أو لو قدَّر لكان" قلت: وما ذاك إلا لكمال معرفته صلى الله عليه وسلم بأن لا فاعل ولا معطي ولا مانع إلا اللَّه عز وجل بخلاف غيره من الناس فإن غلامه إذا لم يقض شغله غضب وقام وضربه فعلى هذا الفاعل في الوجود هو اللَّه وحده وله آلات كبرى وصغرى ووسطى فالكبرى من له قصد واختيار كالإنسان الضارب بالعصى والصغرى ما لا قصد له ولا اختيار كالعصى المضروب بها والوسطى من له قصد ولا عقل له كالدابة ترفس ونحوها واللَّه أعلم قاله الطوفي

(1)

.

تنبيه آخر: قوله "فردد مرارا" يعني السائل كرر السؤال مرارا، يقول: أوصني يا رسول اللَّه لأنه لم يقنع بقوله "لا تغضب" فطلب وصية أنفع وأبلغ منها فلم يزده النبي صلى الله عليه وسلم لعلمه بعموم نفعها وكرر الجواب لفهمه مقدار ما أوصاه به ونبه السائل على ذلك بتكرارها وصار هذا كما قال له العباس: علمني دعاء أدعوا به يا رسول اللَّه، فقال:"سل اللَّه العافية" فعاوده العباس مرارا فقال: "يا عباس يا عم رسول اللَّه سل اللَّه العافية في الدنيا والآخرة فإنك إن أعطيت العافية أعطيت كل خير"

(2)

أو كما قال، وكذلك لما قال

(1)

المصدر السابق (ص 140 - 141).

(2)

أخرجه أحمد (1783)، والبخاري في الأدب المفرد (726)، والترمذي (3514)، وأبو يعلى (6696). وقال الترمذي: هذا حديث صحيح. وصححه الألباني في المشكاة (2490)، الصحيحة (1523).

ص: 216

لأصحابه اجتمعوا فإني أتلوا عليكم ثلث القرآن فاجتمعوا فتلا عليهم: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} إلى آخرها ثم دخل منزله فأقاموا ينتظرونه ليكمل لهم ثلث القرآن فخرج عليهم، فقال:"ما تنتظرون! أما إنها تعدل ثلث القرآن"

(1)

يعني سورة الإخلاص، أ. هـ قاله الطوفي في شرح الأربعين النواوية

(2)

.

4155 -

وَعَن حميد بن عبد الرَّحْمَن عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ قَالَ رجل يَا رَسُول اللَّه أوصني قَالَ لَا تغْضب قَالَ ففكرت حِين قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ فَإذا الْغَضَب يجمع الشَّرّ كله رَوَاهُ أَحْمد وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح

(3)

.

قوله: وعن حميد بن عبد الرحمن [هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، أبو إبراهيم، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو عثمان، المدني، أخو أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأمه كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أخت عثمان بن عفان لأمه، وكانت من المهاجرات، كان فقيها نبيلا شريفا، وثقه العجلي، وأبو زرعة، وابن سعد وغيرهم

(4)

].

(1)

أخرجه مسلم (261 و 262 - 812)، والترمذي (2899) و (2900) عن أبي هريرة.

(2)

التعيين شرح الأربعين (ص 144 - 145).

(3)

أخرجه أحمد 5/ 373 (23171)، والخرائطي في المساوئ (315 و 333). وقال الهيثمي في المجمع 8/ 69: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2746).

(4)

تهذيب الكمال (7/ الترجمة 1532) وتاريخ الإسلام 3/ 360، وتهذيب التهذيب 3/ 45 - 46.

ص: 217

قوله: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رجل يا رسول اللَّه أوصني، قال:"لا تغضب" قال الخطابي: معنى لا تغضب أي لا تتعرض لأسباب الغضب وللأمور التي تجلب الغضب إذ نفس الغضب مطبوع في الإنسان لا يمكن إخراجه من جبلته، ومعناه: لا تفعل ما يأمرك به الغضب ويحملك عليه من الأقوال والأفعال

(1)

.

4156 -

وَعَن ابْن عمرو رضي الله عنهما أَنه سَأل رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَا يباعدني من غضب اللَّه عز وجل قَالَ لا تغْضب رَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه إِلَّا أَنه قَالَ مَا يَمْنعنِي

(2)

.

4157 -

وَعَن جَارِيَة بن قدامَة أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول اللَّه قل لي قولا وأقلل لعَلي أعيه قَالَ لَا تغْضب فَأَعَادَ عَلَيْهِ مرَارًا كل ذَلِك يَقُول لا تغْضب رَوَاهُ أَحْمد وَاللَّفْظ لَهُ وَرُوَاته رُوَاة الصَّحِيح وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَرَوَاهُ الطَّبَرَانيِّ فِي الْكَبِير والأوسط إِلَّا أَنه قَالَ عَن الأحْنَف بن قيس عَن عَمه وَعَمه جَارِيَة بن قدامَة أَنه قَالَ يَا رَسُول اللَّه قل لي قولا يَنْفَعنِي اللَّه بِهِ فَذكره وَأَبُو يعلى إِلَّا أَنه قَالَ عَن جَارِيَة بن قدامَة أَخْبرنِي عَم أبي أَنه قَالَ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم فَذكر نَحوه وَرُوَاته أَيْضًا رُوَاة الصَّحِيح

(3)

.

(1)

أعلام الحديث (3/ 2197).

(2)

أخرجه أحمد 2/ 175 (6635)، وابن حبان (296). وقال الهيثمي في المجمع 8/ 69: رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة وهو لين الحديث، وبقية رجاله ثقات. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2747).

(3)

أخرجه أحمد 3/ 484 (15964) و 5/ 34 (20357) و (20358) و (20359) =

ص: 218

قوله: وعن جارية بن قدامة [جارية بْن قدامة التميمي السعدي، عم الأحنف بْن قيس، وقيل: ابن عم الأحنف، وهو: جارية بن قدامة بن مالك بن زهير بن حصن، ويقال: حصين بن رزاح وقيل: رياح بن أسعد بن بجير بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم التميمي السعدي، يكنى أبا أيوب وأبا يزيد، يعد في البصريين، روى عنه أهل المدينة وأهل البصرة

(1)

].

قوله: أن رجلا قال يا رسول اللَّه قل لي قولا وأقلل لعلي أعيه قال "لا تغضب" تقدم معنى الغضب أيضًا.

= و 5/ 372 (23163)، وابن حبان (5689) و (5695)، والطبراني في الأوسط (7/ 277 رقم 7491)، والكبير (2/ 261 - 263 رقم 2093 و 2094 و 2095 و 2096 و 2101 و 2107).

وأخرجه أحمد 5/ 34 (20359)، وأبو يعلى (6838)، والطبراني في الكبير (20/ 262 رقم 2097) و (20/ 263 رقم 2103 عن جارية بن قدامة عن عمه. وأخرجه أحمد 5/ 370 (23137)، والطبراني في الكبير (2/ 262 رقم 2099 و 2100) و (2/ 263 رقم 2102 و 2105 و 2106) عن جارية عن ابن عم له.

وقال الهيثمي في المجمع 8/ 69: رواه أحمد والطبراني في الأوسط إلا أنه قال: عن الأحنف بن قيس، عن عمه وعمه جارية بن قدامة أنه قال: يا رسول اللَّه، قل لي قولا ينفعني اللَّه به. فذكر نحوه. ورواه في الكبير كذلك.

وفي رواية عنده: عن جارية بن قدامة أن عمه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه. وفي رواية: عن جارية بن قدامة، عن ابن عم له قال: قلت: يا رسول اللَّه. . . ورجال أحمد رجال الصحيح. ورواه أبو يعلى إلا أنه قال: عن جارية بن قدامة، أخبرني عم أبي أنه قال النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه. ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2748).

(1)

أسد الغابة (1/ 314 ترجمة 664).

ص: 219

قوله: رواه الطبراني عن الأحنف بن قيس [الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين، وهو مقاعس، بن عبادة التميمي السعدي، أبو بحر البصري، ابن أخي صعصعة بن معاوية، والأحنف لقب، واسمه الضحاك، وقيل: صخر أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يره وروي: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له، روى عن عمر وعلي وسعد وطلحة والعباس وغيرهم، قال الثوري ما وزن عقل الأحنف بعقل إلا وزنه توفي سنة سبع وستين بالكوفة، متفق على ثقته وجلالته

(1)

].

4158 -

وَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قَالَ قَالَ رجل لرَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم دلَّنِي على عمل يدخلني الْجنَّة قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا تغْضب وَلَك الْجنَّة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادَيْنِ أَحدهمَا صَحِيح

(2)

.

قوله: وعن أبي الدرداء رضي الله عنه تقدم الكلام عليه وعلى معنى حديثه.

4159 -

وَعَن ابْن الْمسيب رضي الله عنه قَالَ بَيْنَمَا رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم جَالس وَمَعَهُ أَصْحَابه وَقع رجل بِأبي بكر رضي الله عنه فآتاه فَصمت عَنهُ أَبُو بكر ثمَّ آذاه الثَّانِيَة فَصمت عَنهُ أَبُو بكر ثمَّ آذاه الثَّالِثَة فانتصر أَبُو بكر فَقَامَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو بكر رضي الله عنه أوجدت عَليّ يَا رَسُول اللَّه فَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم نزل ملك من السَّمَاء يكذبهُ بِمَا قَالَ لَك فَلَمَّا انتصرت ذهب الْملك وَقعد الشَّيْطَان فَلم أكن

(1)

تهذيب الكمال (2/ 282 - 287 ترجمة 285).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (3/ 25 رقم 2353) والشاميين (21). قال الهيثمي في المجمع 8/ 70: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وأحد إسنادي الكبير رجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2749).

ص: 220

لأجلس إِذن مَعَ الشَّيْطَان رَوَاهُ أَبُو دَاوُد هَكَذَا مُرْسلا ومتصلا من طَرِيق مُحَمَّد بن غيلَان عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة بِنَحْوِهِ وَذكر البُخَارِيّ فِي تَارِيخه أَن الْمُرْسل أصح

(1)

.

قوله: وعن ابن المسيب رضي الله عنه[هو الإمام الجليل أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ، بالذال المعجمة، ابن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب القريشي المخزومي التابعي، إمام التابعين. وأبوه المسيب، وجده حزن صحابيان، أسلما يوم فتح مكة، ويقال: المسيب، بفتح الياء وكسرها، والفتح هو المشهور، وحكى عنه أنه كان يكرهه، ومذهب أهل المدينة الكسر.

ولد سعيد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب، وقيل: لأربع سنين، ورأى عمر وسمع منه، ومن عثمان، وعلي، وسعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وابن عمر، وجبير ابن مطعم، وعبد اللَّه بن زيد بن عاصم، وحكيم بن حزام، وأبي هريرة، ومعاوية، وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص، وأبي موسى

(1)

أخرجه أبو داود (4896) ومن طريقه البيهقي في الآداب (130) والشعب 9/ 49 - 50 رقم 6242). وأخرجه أبو داود (4897)، والطبراني في الأوسط (7/ 189 - 190 رقم 7239)، والخطيب في تلخيص المتشابه (1/ 184) عن أبي هريرة. وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن علي بن زيد إلا سفيان بن عيينة، ولا رواه عن سفيان إلا حسين الجعفي، تفرد به: القاسم بن دينار "ورواه الناس عن سفيان بن عيينة، عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة"، فإن كان حسين الجعفي حفظه، فهو غريب من حديث علي بن زيد، عن ابن المسيب. وحسنه الألباني في الصحيحة (2376) وضعفه في ضعيف الترغيب (1639).

ص: 221

الأشعري، وصفوان بن أمية، وأبيه، والمسور بن مخرمة، وجابر بن عبد اللَّه، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن ثابت، وعثمان بن أبي العاص، وعائشة، وأم سلمة، وغيرهم من الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين، روى عنه جماعات من أعلام التابعين، منهم عطاء بن أبي رباح، ومحمد الباقر، وعمرو بن دينار، ويحيى الأنصاري، والزهري، وأكثر عنه، وخلائق غيرهم، واتفق العلماء على إمامته، وجلالته، وتقدمه على أهل عصره في العلم، والفضيلة، ووجوه الخير، قال محمد بن يحيى بن حبان: كان رأس أهل المدينة في دهره، المقدم عليهم في الفتوى سعيد بن المسيب، ويقال له: فقيه الفقهاء. وقال قتادة: ما رأيت أحدا أعلم بحلال اللَّه وحرامه من سعيد بن المسيب. وقال مكحول: طفت الأرض كلها في طلب العلم، فما لقيت أحدا أعلم من سعيد بن المسيب. وقال سليمان بن موسى: كان سعيد ابن المسيب أفقه التابعين وأقوال السلف والخلف متظاهرة على إمامته، وجلالته، وعظم محله في العلم والدين، توفى سنة تلاث وتسعين، وقيل: سنة أربع وتسعين، وكان يقال لهذه السنة: سنة الفقهاء؛ لكثرة من مات فيها من الفقهاء، وقد ذكرنا مرارا أن سعيد بن المسيب أحد فقهاء المدينة السبعة

(1)

].

قوله: بينما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس ومعه أصحابه وقع رجل بأبي بكر فآذاه فصمت عنه أبو بكر، الحديث، تقدم معنى "بينما" في حديث جبريل المطول وفي غيره.

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ الترجمة 212).

ص: 222

وقوله: وقع رجل بأبي بكر فآذاه فصمت، ومعنى: وقع رجل بأبي بكر فآذاه، معناه: سبه ومعنى صمت أي سكت عنه، والصمت هو السكوت.

قوله: فقال: أوجدت عليَّ يا رسول اللَّه، معنى: أوجدت: أغضبت علي.

قوله: رواه أبو داود هكذا مرسلا ومتصلا، وتقدم الكلام على الحديث المتصل والمرسل في اصطلاح المحدثين.

قوله: من طريق محمد بن [عجلان] [هو أبو عبد اللَّه محمد بن عجلان المدني مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة. كان إماما، فقيها، عابدا، وله حلقة في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ويفتى، وله مذهب معروف، وهو تابعي صغير، قال أبو نعيم: سمع أنسا، وأبا الطفيل الصحابيين، وخلائق من التابعين منهم أبوه، وعكرمة، ونافع، وسعيد المقبري، روى عنه جماعات من كبار الأئمة، منهم عبيد اللَّه بن عمر، ومنصور بن المعتمر، ومالك بن أنس، والليث، والثوري، وابن عيينة، وحيوة بن شريح، وشعبة، والقطان، وعبد اللَّه بن إدريس، وخلائق. وحمل به أكثر من ثلاث سنين. توفى بالمدينة سنة ثمان أو تسع وأربعين ومائة

(1)

].

وقوله: عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، هو: سعيد بن كيسان ويعرف بسعيد بن أبي سعيد المقبري بضم الباء وفتحها وجهان مشهوران فيه وهي نسبة إلى المقبرة وفيه ثلاث لغات ضم الباء وفتحها وكسرها والثالثة غريبة، قال إبراهيم الحربي وغيره: كان أبو سعيد ينزل المقابر فقيل له المقبري وقيل

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ الترجمة 17).

ص: 223

كان منزله عند المقابر وقيل كان عمر بن الخطاب جعله على حفر القبور فقيل له المقبري وجعل نعيما على أجمار المسجد فقيل نعيم المجمر وهو أبو سعيد بإسكان العين بن أبي سعيد المقبري الليثي مولاهم المدني التابعي كان أبوه مكاتبا لامراة من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة سمع ابن عمر وأبا هريرة وأبا شريح الخزاعي وأبا سعيد الخدري وسمع من التابعين وخلائق، واتفقوا على توثيقه روى له البخاري ومسلم، قال محمد بن سعد: كان ثقة كثير الحديث لكنه كبر واختلط قبل موته وقدم الشام مرارا وحدث ببيروت من ساحل دمشق

(1)

، أ. هـ.

4160 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ الشَّديد بالصرعة إِنَّمَا الشَّديد الَّذِي يملك نَفسه عِنْد الْغَضَب رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا

(2)

.

4161 -

وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه مُخْتَصرا لَيْسَ الشَّديد من كلب النَّاس إِنَّمَا الشَّديد من غلب نَفسه

(3)

.

4162 -

وَرَوَاهُ أَحْمد فِي حَدِيث طَوِيل عَن رجل شهد رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخْطب وَلم يسمه وَقَالَ فِيهِ ثمَّ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا الصرعة قَالَ قَالُوا الصريع قَالَ فَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصرعة كل الصرعة الصرعة كل الصرعة الصرعة كل الصرعة الرجل الَّذِي يغْضب فيشتد غَضَبه ويحمر وَجهه ويقشعر جلده

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ الترجمة 211).

(2)

أخرجه البخاري (6114)، ومسلم (107 و 108 - 2609)، ومالك (2637).

(3)

أخرجه ابن حبان (717). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2750).

ص: 224

فيصرع غَضَبه قَالَ الْحَافِظ الصرعة بِضَم الصَّاد وَفتح الرَّاء هُوَ الَّذِي يصرع النَّاس كثيرا بقوته وَأما الصرعة بِسُكُون الرَّاء فَهُوَ الضَّعِيف الَّذِي يصرعه النَّاس حَتَّى لَا يكَاد يثبت مَعَ أحد وكل من يكثر عَنهُ الشَّيْء يُقَال فِيهِ فعلة بِضَم الْفَاء وَفتح الْعين مثل حفظَة وخدعة وضحكة وَمَا أشبه ذَلِك فَإِذا سكنت ثَانِيه فعلى الْعَكْس أَي الَّذِي يفعل بِهِ ذَلِك كثيرا

(1)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام على ترجمته مبسوطا، ومن مناقبه أيضًا وفي تاريخ ابن النجار ورحلة ابن الصلاح في ترجمة يوسف بن علي بن محمد الزنجاني الفقيه الشافعي قال: سمعت الشيخ أبا إسحاق الشيرازي مصنف التنبيه يقول: سمعت القاضي أبا الطيب يقول: كنا في حلقة الذكر بجامع المنصور فجاء شاب من خراسان يسأل عن مسألة المصراة فاحتج المستدل بحديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين وغيرهما، فقال الشاب وكان حنفيا: أبو هريرة غير مقبول الحديث، قال القاضي: فما استتم كلامه حتى سقطت عليه حية عظيمة من سقف الجامع فهرب الناس وتبعت الشاب دون غيره، فقيل له تب تب، فقال تبت تبت، قال: فغابت الحية وليس لها أثر

(2)

، قال ابن الصلاح هذا إسناد صالح فيه ثلاثة من صالحي أئمة

(1)

أخرجه أحمد 5/ 367 (23115)، والبيهقي في الشعب (5/ 44 - 45 رقم 3070)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1938 و 1939). وقال الهيثمي في المجمع 8/ 69 - 68: رواه أحمد، وفيه أبو حصبة أو ابن حصبة ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1640).

(2)

تاريخ الإسلام (2/ 560)، وحياة الحيوان (1/ 395).

ص: 225

المسلمين: القاضي أبو الطيب، وتلميذه الشيخ أبو إسحاق وأبو القاسم الزنجاني وقريب من هذا ما رواه أبو اليمن الكندي قال: حدثنا أبو منصور الفزاز فذكره إلى أن قال: حدثنا عمر بن حبيب قال: حضرت مجلس هارون الرشيد فجرت مسألة فتنازع فيها الخصوم وعلت أصواتهم فاحتج بعضهم بحديث عن أبي هريرة رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فرد بعضهم الحديث وقال: أبو هريرة متهم فيما يرويه ونحى نحوهم الرشيد ونصر قولهم فقلت أنا: الحديث صحيح وأبو هريرة صحيح النقل عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما يرويه فنظر إليَّ الرشيد نظر مغضب فقمت من المجلس إلى منزلي فلم ألبت حتى قيل صاحب البريد بالباب فدخل إلي فقال: أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول وتحنط وتكفن، فقلت: اللهم إنك تعلم أني دفعت عن صاحب نبيك صلى الله عليه وسلم وأجللت نبيك صلى الله عليه وسلم أن [يطعن] على أصحابه فسلمني منه فدخلت على الرشيد وهو جالس على كرسي من ذهب حاسر عن ذراعيه بيده السيف وبين يديه النطع فلما رآني قال: يا عمر بن حبيب ما تلقاني أحد بالرد ودفع قولي بمثل ما تلقيتني به فقلت: يا أمير المؤمنين إن الذي حاولت عليه فيه إزراء على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعلى ما جاء به إذا كان أصحابه كذابين فالشريعة باطلة والفرائض والأحكام من الصلاة والصيام والطلاق والنكاح والحدود كلها مردودة غير مقبولة، فرجع الرشيد إلى نفسه ثم قال: أحييتني يا عمر بن حبيب أحياك اللَّه تم أمر لي بعشرة آلاف درهم، أ. هـ ذكره صاحب حياة الحيوان

(1)

.

(1)

حياة الحيوان (1/ 395).

ص: 226

قوله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" وفي الرواية الأخرى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما الصرعة؟ " قال: قالوا: الصريع، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الصرعة كل الصرعة الرجل الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه ويقشعر جلده فيصرع غضبه" وفيه: أن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو وهي الجهاد الأكبر والشجاعة الحقيقية

(1)

.

يريد أن غلبة الشهوة والغضب أحمدُ، وأدخل في المدح شرعا وحقيقة من الذي يصرع الناس لأن ذلك دليل على اعتدال الخلق وكمال العقل والتقى، وهذا من تحويل الكلام من معنى إلى معنى آخر

(2)

.

قال الحافظ رحمه الله: الصرعة بضم الصاد وفتح الراء هو الذي يصرع الناس كثيرا بقوته وأما الصرعة بسكون الراء فهو الضعيف الذي تصرعه الناس حتى لا يكاد يثبت مع أحد، أ. هـ.

فنقله النبي صلى الله عليه وسلم إلى الذي يغلب نفسه عند الغضب ويقهرها فإذا ملكها كان قد قهر أقوى أعدائه وتقدم ذلك وقول الحافظ وكل من يكثر منه الشيء يقال فيه فعلة بضم الفاء وفتح العين مثل حفظة وخدعة وضحكة وما أشبه ذلك فإذا سكنت ثانيه فعلى العكس أي يفعل به ذلك كثيرا، أ. هـ.

وقوله: خدعة، فيها ثلاث لغات مشهورات اتفقوا على أن أشهرهن أفصحهن، خدعة بفتح الخاء واسكان الدال، قال ثعلب وغيره: وهي لغة

(1)

الكواكب الدرارى (21/ 233).

(2)

مشارق الأنوار (2/ 42).

ص: 227

النبي صلى الله عليه وسلم، والثانية: بضم الخاء وإسكان الدال والثالثة: بضم الخاء وفتح الدال ومعناها الكثرة أي يخدع الرجال ويمنيهم ثم لا يفي لهم كما يقال رجل لعبة أي كثير التلعب بالأشياء

(1)

.

وقال بعضهم أيضًا: الحرب خدعة يروي بفتح الخاء وضمها مع سكون الدال وبضمها مع فتح الدال فالأول معناه أن الحرب ينقضي أمرها خدعة واحدة من الخداع أي أن المقاتل إذا خدع مرة واحدة لم يكن لها إقالة وهو أفصح الروايات وأصحها ومعنى الثاني هو السم من الخداع ومعنى الثالث أن الحرب تخدع الرجال وتمنيهم ولا تفي لهم كما يقال رجل لعبة وضحكة للذي يكثر اللعب والضحك قاله في النهاية

(2)

.

وقوله: ضحكة: الضحكة بالإسكان من يضحك عليه وبالفتح هو الذي يضحك على الناس ومثله هُزَأَة وهُزْأَة وهمزة وهمزة، والهمزة بالإسكان من يهمز منه وبالفتح الذي يغتاب الناس أو يسخر منهم ومن هذا الباب الهذرة الكثير الكلام

(3)

واللحنة الكثير اللحن

(4)

، واللَّه أعلم.

4163 -

وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ صلى بِنَا رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَوْمًا صَلَاة الْعَصْر ثمَّ قَامَ خَطِيبًا فَلم يدع شَيْئا يكون إِلَى قيام السَّاعَة إِلَّا أخبرنَا بِهِ حفظه من حفظه ونسيه من نَسيَه وَكَانَ فِيمَا قَالَ إِن الدُّنْيَا خضرَة حلوة وَإِن اللَّه

(1)

معالم السنن (2/ 269)، وغريب الحديث (2/ 166).

(2)

النهاية (2/ 14).

(3)

المنتخب من كلام العرب (ص 235)، وشرح الفصيح (ص 209).

(4)

المحكم (3/ 343)، والمشارق (1/ 355)، وشمس العلوم (9/ 6014).

ص: 228

مستخلفكم فِيهَا فناظر كيفَ تَعْمَلُونَ أَلا فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقوا النِّسَاء وَكَانَ فِيمَا قَالَ أَلا لَا يمنعن رجلا هَيْبَة النَّاس أَن يَقُول بِحَق إِذا علمه قَالَ فَبكى أَبُو سعيد وَقَالَ وَقد وَاللَّه رَأينَا أَشْيَاء فهبنا وَكَانَ فِيمَا قَالَ أَلا إِنَّه ينصب لكل غادر لِوَاء يَوْم الْقِيَامَة بِقدر غدرته وَلا غدرة أعظم من غدرة إِمَام عَامَّة يركز لِوَاءُهُ عِنْد استه وَكَانَ فِيمَا حفظناه يَوْمئِذٍ أَلا إِن بني آدم خلقُوا على طَبَقَات أَلا وَإِن مِنْهُم البطيء الْغَضَب السَّرِيع الْفَيْء وَمِنْهُم سريع الْغَضَب سريع الْفَيْء فَتلك بِتِلْكَ أَلا وَإِن مِنْهُم سريع الْغَضَب بطيء الْفَيْء أَلا وَخَيرهمْ بطيء الْغَضَب سريع الْفَيْء وشرهم سريع الْغَضَب بطيء الْفَيْء أَلا وَإِن الْغَضَب جَمْرَة فِي قلب ابْن آدم أما رَأَيْتُمْ إِلَى حمرَة عَيْنَيْهِ وانتفاخ أوداجه فَمن أحس بِشَيْء من ذَلِك فليلصق بِالأَرْضِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن

(1)

.

قوله: وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا إنه ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته" الحديث.

قيل: الغدر ترك الوفاء

(2)

.

وقال ابن عيينة هو أن يعطي رجل رجلا الأمان ثم يقتله والغدر شر.

قال أهل اللغة: اللواء الراية العظيمة لا يمسكها إلا صاحب جيش الحرب أو صاحب دعوة الجيش ويكون الناس تبعا له قالوا: فمعنى لكل غادر لواء

(1)

أخرجه أحمد 3/ 19 (11143) و 3/ 61 (11587)، الترمذي (2191)، وابن أبي الدنيا في ذم الدنيا (220) وقصر الأمل (119)، والطبراني في الشاميين (1278) كلاهما مختصرًا. قال الترمذي: وهذا حديث حسن. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1641).

(2)

تحفة الأبرار (2/ 557).

ص: 229

أي علامة يشهر بها في الناس وكانت العرب تنصب الألوية في الأسواق الحفلة لغدرة الغادر لتشهره بذلك

(1)

.

ولما كان الغدر مكتوما يستتر منه شهر به صاحبه وكشف ستره

(2)

.

وفي هذا الحديث بيان غلظ تحريم الغدر لاسيما من صاحب الولاية العامة لأن غدره يتعرض ضرره إلى خلق كثيرين ولأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء واللَّه أعلم

(3)

.

قوله: "يركز لواءه عند استه" والاست هو الدبر.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات ألا وإن منهم البطيء الغضب السريع الفيء" الفيء الرجوع.

4164 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما فِي قَوْله تَعَالَى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}

(4)

قَالَ الصَّبْر عِنْد الْغَضَب وَالْعَفو عِنْد الإِسَاءَة فَإذا فعلوا عصمهم اللَّه وخضع لَهُم عدوهم ذكره البُخَارِيّ تَعْلِيقا

(5)

.

(1)

العدة شرح العمدة (3/ 1694).

(2)

إكمال المعلم (6/ 39).

(3)

شرح النووي على مسلم (12/ 44).

(4)

سورة المؤمنون، الآية:96.

(5)

ذكره البخاري تعليقا (9/ 127). ووصله ابن حجر في تغليق التعليق (4/ 303) من طريق عبد اللَّه ابن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وأخرجه الطبري في التفسير (20/ 432). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1642) بتمامه وصححه ببعضه في (2751).

ص: 230

قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم. قوله: في قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} قال: "الصبر عند الغضب والعفو عند الإساءة" الحديث.

4165 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاث من كن فِيهِ آواه اللَّه فِي كنفه وَستر عَلَيْهِ برحمته وَأدْخلهُ فِي محبته من إِذا أعطي شكر وَإِذا قدر غفر وَإِذا غضب فتر" رَوَاهُ الْحَاكِم من رِوَايَة عمر بن رَاشد وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد

(1)

.

قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه آواه اللَّه في كنفه" الحديث، وكنعه ستره ورحمته ولطفه وإكرامه، قاله القرطبي.

قوله: رواه الحاكم من رواية عمر بن راشد.

4166 -

وَرُوِيَ عَن أنس رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم من دفع غَضَبه دفع اللَّه عَنهُ عَذَابه وَمن حفظ لِسَانه ستر اللَّه عَوْرَته رَوَاهُ الطَّبَرَانيِّ فِي الأَوْسَط

(2)

.

(1)

أخرجه الحاكم (1/ 125)، والبيهقي في الشعب (6/ 249 - 250 رقم 4119 و 4125)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1606) وتلخيص المتشابه (1/ 173)، والأصبهاني في الترغيب والترهيب (2365). وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي فقال: بل واه فإن عمر بن راشد المذكور في إسناده قال فيه أبو حاتم: وجدت حديثه كذبًا. وقال الألباني: موضوع الضعيفة (587) و (5478) وضعيف الترغيب (1643).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 82 رقم 1320)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 73). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا خالد، ولا عن خالد إلا عبد السلام تفرد به: هلال. وقال الهيثمي في المجمع 8/ 68 و 8/ 70: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد السلام بن هاشم، وهو ضعيف. وقال الألباني: موضوع ضعيف الترغيب (1644).

ص: 231

قوله: وروي عن أنس رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من دفع غضبه دفع اللَّه عنه عذابه" الحديث، الدفع هو [الإزالة بقوة]، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن لجهنم بابا لا يدخله إلا من شفا غيظه بمعصية اللَّه"

(1)

.

4167 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَا من جرعة أعظم عِنْد اللَّه من جرعة غيظ كظمها عبد ابْتِغَاء وَجه اللَّه رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح

(2)

.

قوله: وعن ابن عمر رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

(1)

أخرجه البزار (5180)، وابن جرير في تهذيب الآثار (771 و 772)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 83)، والطبراني في الكبير (1/ 1491 رقم 11445)، وابن عدي في الكامل (6/ 51). قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد وقدامة بن محمد ليس بن به بأس، وإسماعيل بن شيبة قد حدث عنه ابن جريج بغير حديث لم يتابع عليه.

وقال الهيثمي في المجمع 8/ 71: رواه البزار، وفيه إسماعيل بن شيبة الطائفي وهو ضعيف ووثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح. وقال في 10/ 395: رواه البزار من طريق قدامة بن محمد، عن إسماعيل بن شيبة، وهما ضعيفان، وقد وثقا، وبقية رجاله رجال الصحيح. وضعفه الألباني جدا في الضعيفة (5246).

(2)

أخرجه أحمد 2/ 128 (6114)، وابن ماجه (4189)، وابن الأعرابي في المعجم (537)، والطبراني في الأوسط (7/ 205 رقم 7282) والكبير (13/ 249 - 250 رقم 13994).

وقال الدارقطني في العلل (3031): والموقوف أصح. وقال البوصيري في الزجاجة 4/ 233: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عمر أيضًا. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2752).

ص: 232

قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من جرعة أعظم عند اللَّه من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه اللَّه" الحديث، الجرعة: بضم الجيم وفتحها كظم الغيظ تجرعه واحتمال سببه والصبر عليه، ومنه الحديث:"إذا [تثائب] أحدكم فليكظم ما استطاع" أي: ليحبسه مهما استطاع قاله في النهاية

(1)

.

4168 -

وَعَن معَاذ بن أنس رضي الله عنه أَن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ من كظم غيظا وَهُوَ قَادر على أَن ينفذهُ دَعَاهُ اللَّه سُبْحَانَهُ على رُؤُوس الْخَلَائق حَتَّى يخيره من الْحور الْعين مَا شَاءَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن مَاجَه كلهم من طَرِيق أبي مَرْحُوم واسْمه عبد الرَّحِيم بن مَيْمُون عَن سهل بن معَاذ عَنهُ وَيَأْتِي الْكَلَام على سهل وَأبي مَرْحُوم إِن شَاءَ اللَّه تَعَالَى

(2)

.

قوله: وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من كلظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه اللَّه سبحانه على رؤوس الخلائق حتى يخيره من الحور العين ما شاء" وفي حديث آخر: "دعاه اللَّه على رءوس الخلائق حتى يخيره في الجنان والحور [يزوجه منها ما شاء اللَّه] " قال في النهاية: كظم الغيظ تجرعه واحتمال سببه والصبر عليه

(3)

قال اللَّه

(1)

النهاية (4/ 178).

(2)

أخرجه أحمد 3/ 440 (10637)، وأبو داود (4777)، والترمذي (2201) و (2493)، وابن ماجه (4186)، وأبو يعلى في المفاريد (13) والمسند (1497). وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2753)، الروض النضير (481 و 854).

(3)

النهاية (4/ 178).

ص: 233

تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}

(1)

الآية، قال ابن عطية: كظم الغيظ رده في الجوف إذا كان يخرج من كثرته فضبطه ومنعه كظم له والغيظ أصل الغضب والكظام السير الذي يشد به فم الزق والقربة، وكظم البعير جرته إذا ردها في جوفه وكثيرا ما [يتلازمان] ولذلك فسر بعض الناس الغيظ بالغضب وليس تجريد لذلك بل الغضب حال النفس لا يظهر على الجوارح والغضب حال لها مع ظهوره في الجوارح وفعل ما ولابد ولهذا جاء إسناد الغضب إلى اللَّه تعالى إذ هو عبارة عن أفعاله في المغضوب عليهم ولا يسند إلى اللَّه تعالى غيظ، وكظم الغيظ من أفضل العبادات وجهاد النفس

(2)

، روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاده ملأه اللَّه أمنا وإيمانا"

(3)

والعفو عن الناس من أجل ضروب فعل الخير، أ. هـ، قاله في الحدائق، فيا سعادة من وقع له ذلك بين الأمم فيه يغبط وشر ويصرف به كل ألم

(4)

.

4169 -

وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه أَن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا غضب أحدكُم وَهُوَ قَائِم فليجلس فَإِن ذهب عَنهُ الْغَضَب وَإِلَا فليضطجع رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه كلَاهُمَا من رِوَايَة أبي حَرْب بن الأَسود عَن أبي ذَر وَقد قيل إِن أَبَا حَرْب إِنَّمَا يروي عَن عَمه عَن أبي ذَر وَلا يحفظ لَهُ سَماع من أبي ذَر وَقد رَوَاهُ

(1)

سورة آل عمران، الآية:134.

(2)

تفسير ابن عطية (1/ 509 - 510).

(3)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 123)، وابن فيل في جزئه (89)، والأصبهاني في الترغيب والترهيب (2366) عن أبي هريرة. وضعفه الألباني في الضعيفة (1912).

(4)

حدائق الأولياء (1/ 78).

ص: 234

أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَن دَاوُد وَهُوَ ابْن هِنْد عَن بكر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعث أَبَا ذَر بِهَذَا الحَدِيث ثمَّ قَالَ أَبُو دَاوُد وَهُوَ أصح الْحَدِيثين يَعْنِي أَن هَذَا الْمُرْسل أصح من الأول وَاللَّه أعلم

(1)

.

قوله: وعن أبي ذر رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع" الحديث، وقال قيل إن المعنى في هذا لأن القائم متأهب للانتقام والجالس دونه في ذلك والمضطجع أبعد عنه فائدة فأمره بالتباعد عن حالة الانتقام، أهـ قاله ابن رجب

(2)

.

قال الطوفي: والغرض أن يبعد عن هيئة الوثوب والتسرع إلى الانتقام ما أمكن حسما لمادة المبادرة وقيل ليتذكر بميله إلى الأرض أنه منها وصائر إليه وهو أردع له عن الشر

(3)

. أ. هـ.

4170 -

وَعَن سُلَيْمَان بن صرد رضي الله عنه قَالَ استب رجلَانِ عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَجعل أَحدهمَا يغْضب ويحمر وَجهه وتنتفخ أوداجه فَنظر إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ

(1)

أخرجه أحمد 5/ 152 (21348)، وعنه أبو داود (4782)، ومن طريقه البيهقي في الشعب (10/ 526 رقم 7932) والبغوي (3584)، وابن حبان (5688). وقال الهيثمي في المجمع 8/ 70 - 71: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وأخرجه أبو داود (4783) ومن طريقه البيهقي في الشعب (10/ 526 رقم 7933) مرسلا. قال أبو داود: وهذا أصح الحديثين. وضعفه الألباني في الضعيفة (6664) وضعيف الترغيب (1645).

(2)

جامع العلوم والحكم (1/ 406).

(3)

التعيين في شرح الأربعين (ص 140).

ص: 235

إِنِّي لأعْلم كلمة لَو قَالَهَا لذهب عَنهُ ذَا أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم فَقَامَ إِلَى الرجل رجل مِمَّن سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ هَل تَدْرِي مَا قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم آنِفا قَالَ لا قَالَ إِنِّي لأعْلم كلمة لَو قَالَهَا لذهب ذَا أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم فَقَالَ لَهُ الرجل أمجنونا تراني رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم

(1)

.

قوله: وعن سليمان بن صُرَد رضي الله عنه هو أبو مطرف سليمان بن صرد بضم الصاد وفتح الراء مصروف بن الجون بن أبي الجون بن منقذ بن ربيعة بن أصرم بن حزام بالزاي النسب مختصر الخزاعي الكوفي، له صحبة، وخزاعة هم ولد حارثة بن عمرو بن عامر روي له عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خمسة عشر حديثا اتفقا على حديث وانفرد البخاري بحديث روى عنه السبيعي وعدي بن ثابت نزل الكوفة وكان خيرا فاضلا، صاحب دين وعبادة وكان له شرف في قومه كان اسمه في الجاهلية يسار فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سليمان، سكن الكوفة وابتنى بها دارا وكافت له سن عالية وشهد مع علي وقعة صفين وهو الذي قتل حوشبا ذا ظليم الألهاني بصفين مبارزة وكان فيمن كتب إلى الحسين بن علي يسأله القدوم إلى الكفوة فلما قدمها ترك القتال معه فلما قتل الحسين ندم ثم قالوا: ما لنا توبة مما فعلنا إلا أن نقتل أنفسنا في الطلب به فخرجوا وعسكروا في مستهل ربيع الآخر سنة خمس وستين وولوا أمرهم سليمان بن صرد وهو أمير التوابين ثم ساروا إلى عبيد اللَّه بن زياد فلقوا مقدمته في أربعة آلاف عليها شرحبيل بن دي الكلاع فاقتتلوا فقتل سليمان بن صرد وحمل

(1)

أخرجه البخاري (3282) و (6048) و (6115)، ومسلم (109 و 110 - 2610).

ص: 236

رأسه إلى مروان بن الحكم وكان سليمان يوم قتل ابن ثلاث وتسعين سنة

(1)

، أ. هـ.

قوله: "استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه وتنتفخ أوداجه" أي إلى ظهور الريح في عروق عنقه والأوداج جمع ودج وفيه أنه ينبغي لصاحب الغضب أن يستعيذ بالكلم المشهورة وأنه سبب لزواله.

تنبيه: وليس لسليمان بن صرد في الصحيحين إلا حديثان هذا أحدهما والآخر قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب إلا أن نغزوهما ولا يغزونا انفرد به البخاري واللَّه أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم كلمة" أي: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم، الحديث، الكلمة قد تطلق على الجمل ومنه الكلمة للحويدرة

(2)

لقصيدته لأنه كلم تضامت وتلاحقت وصارت في حكم شيء واحد فسميت كلمة ومنه أيضًا قول ابن مالك في الألفية: وكلمة بها كلام قد يؤم، أي يقصد.

قوله: "لذهب عنه ذا" يعني الغضب فيه إشارة إلى أن الغضب من الشيطان فإذا تعوذ باللَّه منه ذهب عنه ذلك قاله في شرح مشارق الأنوار

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 234 ترجمة 231)، وتهذيب الكمال (11/ 454 - 457 ترجمة 2531).

(2)

هو: قضبة بن محصن بن جرول بن حبيب بن عبد العزى بن خزيمة بن رزام بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان. وقصيدته أولها:

بَكَرَتْ سُمَيَّةُ بُكْرَةً فَتَمَتَّعِ

وغَدَتْ غُدُوَّ مُفَارِقٍ لم يَرْبَعِ

وتَزَوَّدَتْ عَيْني غَدَاةَ لَقِيتُها

بِلِوَى البُنيْنَةِ نَظْرةً لم تُقْلِعِ

ص: 237

للشيخ وجيه الدين

(1)

.

تنبيه: في كتاب ابن السني عن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا غضبى فأخذ بطرف المفصل من أنفي فعركه ثم قال: "يت عويش قولي اللهم اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من الشيطان"

(2)

، أ. هـ.

4171 -

وَعَن معَاذ بن جبل رضي الله عنه قَالَ استب رجلَانِ عِنْد النَّبي صلى الله عليه وسلم فَغَضب أَحدهمَا غَضبا شَدِيدا حَتَّى خيل إِلَيّ أَن أَنفه يتمزع من شدَّة غَضَبه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنِّي لأعْلم كلمة لَو قَالَهَا لذهب عَنهُ مَا يجد من الْغَضَب فَقَالَ مَا هِيَ يَا رَسُول اللَّه قَالَ تَقول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الشَّيْطَان الرَّجِيم قَالَ فَجعل معَاذ يَأْمُرهُ فَأبى وَضحك وَجعل يزْدَاد غَضبا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ كلهم من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَنهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث مُرْسل عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى لم يسمع من معَاذ بن جبل مَاتَ معَاذ فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب وَقتل عمر بن الْخطاب وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى غُلَام ابْن سِتّ سنين وَالَّذِي قَالَه التِّرْمِذِيّ وَاضح فَإِن البُخَارِيّ ذكر مَا يدل على أَن مولد عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى سنة سبع عشرَة وَذكر غير وَاحِد أَن معَاذ بن جبل توفّي فِي طاعون عمواس سنة ثَمَان عشرَة وَقيل سنة سبع عشرَة وَقد روى النَّسَائيِّ هَذَا الحَدِيث عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أبي بن

(1)

حدائق الأزهار (مخ 87781 كتبخانة/ لوحة 64).

(2)

أخرجه ابن السني في اليوم والليلة (456) و (623). وضعفه الألباني في الضعيفة (4207).

ص: 238

كعْب وَهَذَا مُتَّصِل وَاللَّه أعلم

(1)

.

قوله: وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث، السب في اللغة الشتم والتكلم في عرض الإنسان بما يعيبه.

قوله: فغضب أحدهما غضبا شديدا حتى خيل إلي أن أنفه يتمزع من شدة غضبه، الحديث.

قوله: يتمرغ من شدة غضبه أي: يتقطع ويتشقق غضبا، قال أبو عبيد أحسبه يترمع هذا هو الصواب والرواية يتمرغ ومعنى يترمع كأنه يرعد من الغضب يعني بالراء

(2)

وفي حديث كتابه إلى كسرى لما مزقه دعا عليهم أن يمزقوا كل ممزق والتمزيق التحريق والتقطيع وأراد بتمزيقهم تفرقهم وزوال ملكهم وقطع أدبارهم قاله في النهاية

(3)

، في هذا الحديث أن الغضب في غير اللَّه تعالى من نزغ الشيطان وأنه ينبغي لصاحب الغضب أن يستعيذ فيقول

(1)

أخرجه أحمد 5/ 240 (22086) و 5/ 244 (22111)، وأبو داود (4780) و (4781)، والترمذي (3452)، والنسائي في الكبرى (10149 - 10151)، والطبراني في الكبير 20/ 140 - 141 (288 - 286).

قال الترمذي: وهذا حديث مرسل عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ بن جبل. وقال ابن حجر في الأمالي المطلقة (ص 184): هذا حديث حسن. وصححه بمجموعه الألباني في الصحيحة (3303) وضعفه في الروض النضير (635) وضعيف الترغيب (1646).

(2)

الصحاح (3/ 1284)، والنهاية (2/ 264).

(3)

النهاية (4/ 325).

ص: 239

أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم فإنه سبب لزوال الغضب كما تقدم وأما قول هذا الرجل الذي اشتد غضبه هل ترى بي جنون فهو كلام من لم يفقه في دين اللَّه تعالى ولم يتهذب بأنوار الشريعة المطهرة المكرمة وتوهم أن الاستعاذة مختصة بالجنون ولم يعلم أن الغضب من نزعات الشيطان ولهذا يخرج الإنسان عن اعتدال حاله ويتكلم بالباطل ويفعل المذموم وينوي الحقد والبغض وغير ذلك من القبائح المترتبة على الغضب ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي قال له أوصني قال: "لا تغضب" فردد مرارا، قال:"لا تغضب" فلم يزده في الوصية على "لا تغضب" مع تكراره الطلب، وهذا دليل ظاهر في عظم مفسدة الغضب وما ينشأ منه ويحتمل أن هذا القائل هل ترى بي من جنون كان من المنافقين أو من جفاة العرب

(1)

واللَّه أعلم.

4172 -

وَعَن أبي وَائِل الْقَاص قَالَ دَخَلنَا على عُرْوَة بن مُحَمَّد السَّعْدِيّ فَكَلمهُ رجل فأغضبه فَقَامَ فَتَوَضَّأ فَقَالَ حَدثنِي أبي عَن جدي عَطِيَّة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِن الْغَضَب من الشَّيْطَان وَإِن الشَّيْطَان خلق من النَّار وَإِنَّمَا تطفأ النَّار بِالْمَاءِ فَإِذا غضب أحدكُم فَليَتَوَضَّأ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(2)

.

(1)

شرح النووي على مسلم (16/ 163).

(2)

أخرجه أحمد 4/ 226 (17985)، والبخاري في التاريخ الكبير 7/ 8، وأبو داود (4784)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1267) و (1431)، والخرائطي في مساوئ الأخلاق (336)، والطبراني في الكبير 17/ 167 (443)، والبيهقي في شعب الإيمان (10/ 530 رقم 7938). وضعفه الألباني في الضعيفة (582) وضعيف الترغيب (1647).

ص: 240

قوله: وعن أبي وائل القاص، وأبو وائل القاص هذا ثقة، وكان قاص أهل صنعاء والقاص بفتح القاف. وبعد الألف صاد ومهملة هذه النسبة إلى القصص والمواعظ، وقد نسب لذلك غير واحد واللَّه أعلم.

قوله: حدثني أبي عن جدي عطية، وعطية هذا هو ابن سعد، ويقال ابن قيس ويقال ابن عروة سعدي من بني سعد بن بكر بن هوازن نزل الشام وكان ولده [بالبلقاء]، وله صحبة وكنيته أبو محمد

(1)

.

قوله: "إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء" الحديث.

(1)

تهذيب الكمال (20/ 152 - 153 ترجمة 3960).

ص: 241