المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في التواضع والترهيب من الكبر والعجب والافتخار - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١١

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترغيب في الخلق الحسن وفضله والترهيب من الخلق السيئ وذمه]

- ‌[الترغيب في الرفق والأناة والحلم]

- ‌[الترغيب في طلاقة الوجه وطيب الكلام وغير ذلك مما يذكر]

- ‌[الترغيب في إفشاء السلام وما جاء في فضله وترهيب المرء من حب القيام له]

- ‌فصل

- ‌[الترغيب في المصافحة والترهيب من الإشارة في السلام وما جاء في السلام على الكفار]

- ‌[الترهيب أن يطلع الإنسان في دار قبل أن يستأذن]

- ‌[الترهيب أن يتسمع حديث قوم يكرهون أن يسمعه]

- ‌[الترغيب في العزلة لمن لا يأمن على نفسه عند الاختلاط]

- ‌[الترهيب من الغضب والترغيب في دفعه وكظمه وما يفعل عند الغضب]

- ‌[الترهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر]

- ‌[الترهيب من قوله لمسلم يا كافر]

- ‌[الترهيب من السباب واللعن لا سيما لمعين آدميا كان أو دابة وغيرهما وبعض ما جاء في النهي عن سب الديك والبرغوث والريح والترهيب من قذف المحصنة والمملوك]

- ‌الترهيب من السباب واللعن لاسيما لمعين آدميًّا كان أو دابةً وغيرهما، وبعض ما جاء في النهي عن سب الديك والبرغوث والريح، والترهيب من قذف المحصنة والمملوك

- ‌[الترهيب من سبّ الدهر]

- ‌الترهيب من ترويع المسلم ومن الإشارة إليه بسلاح ونحوه

- ‌[النهى عن حمل السلاح على المسلم]

- ‌الترغيب في الإصلاح بين الناس

- ‌الترهيب من النميمة

- ‌الترهيب من الغيبة والبهت وبيانهما والترغيب في تركهما

- ‌الترغيب في الصمت إلا عن خير والترهيب من كثرة الكلام

- ‌التَّرْهِيب من الْحَسَد وَفضل سَلامَة الصَّدْر

- ‌الترغيب في التواضع والترهيب من الكبر والعُجْب والافتخار

- ‌الترهيب من القول للفاسق والمبتدع يا سيدي ونحوها من الكلمات الدالة على التعظيم

- ‌الترغيب في الصدق والترهيب من الكذب

- ‌ترهيب ذي الوجهين واللسانين

- ‌[الترهيب من الحلف بغير الله سبحانه وتعالى سيما بالأمانة ومن قوله أنا بريء من الإسلام أو كافر أو نحو ذلك]

- ‌الترهيب من احتقار المسلم وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى

- ‌الترغيب في إماطة الأذى عن الطريق وغير ذلك مما يذكر

الفصل: ‌الترغيب في التواضع والترهيب من الكبر والعجب والافتخار

‌الترغيب في التواضع والترهيب من الكبر والعُجْب والافتخار

4389 -

عَن عِيَاض بن حَمَّاد رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "إِن الله أوحى إِلَيّ أَن تواضعوا حَتَّى لَا يفخر أحد على أحد وَلَا يَبْغِي أحد على أحد" رواه مسلم

(1)

وأبو داود

(2)

وابن ماجه

(3)

.

قوله عن عياض بن حمار على لفظ الحمار الدابة المعروفة بن أبي حمار بن ناجية بن [عقال] بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي المجاشعي وصحف ابن مندة محمد بن سفيان هذا فقال مخمد بالخاء المعجمة وأسقط من نسبه جماعة فغلطوه فيها. نزل عياض البصرة وهو معدود في أهلها، روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون حديثا، روى مسلم منها حديثا واحدا، روى عنه مطرف ويزيد ابنا عبد الله والحسن البصري وغيرهم وكان عياض هذا حِرْمِيَّ النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا حج طاف في ثيابه وكان أشراف العرب الذين كانوا يتحمسون [في] دينهم [يشددون] إذا حج أحدهم لم يأكل إلا طعام رجل من الحرم ولم يطف إلا في ثيابه فكان لكل شريف من أشرافهم رجل من قريش فيكون كل واحد منهما حِرْمِيَّ صاحبه كما يقال كري للمكري والمكتري قال والنسب في

(1)

صحيح مسلم (64)(2865).

(2)

سنن أبي داود (4895).

(3)

سنن ابن ماجه (4179).

ص: 568

الناس إلى الحرم حرمي بكسر الحاء وسكون الراء يقال رجل حرمي فإذا كان في غير الناس قالوا حَرَمي؛ اهـ.

قوله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد الحديث. ونذكر نبذة من كلام القوم في التواضع يحصل بالوقوف عليها الاقتداء بهم.

سئل الفضيل بن عياض

(1)

عن التواضع فقال تخضع للحق وتنقاد له وتقبله ممن قاله. وقيل التواضع أن لا ترى لنفسك قيمة فمن رآى لنفسه قيمة فليس له في التواضع نصيب وهذا مذهب الفضيل وغيره. وقال سيد الطائفة الجنيد رحمة الله عليه هو خفض الجناح ولين الجانب. وقال أبو يزيد هو أن لا يرى لنفسه مقاما ولا حالا ولا يرى في الخلق شرا منه. وقال ابن عطاء

(2)

: هو قبول الحق ممن كان والعز في التواضع فمن طلبه في الكبر [فهو] كطلب الماء من النار.

ويذكر عن سفيان الثوري

(3)

قال أعز الخلق خمسة أنفس عالم زاهد وفقيه صوفي وغني متواضع وفقير شاكر وشريف سني. وقال عروة بن الزبير

(4)

رأيت عمر بن الخطاب على عاتقه قربة ماء قلت يا أمير المؤمنين لا ينبغي لك، فقال لما أتاني الوفود سامعين مطيعين دخلت نفسي نخوة

(1)

مدارج السالكين (2/ 330).

(2)

مدارج السالكين (2/ 330).

(3)

مدارج السالكين (2/ 330).

(4)

إرشاد العباد إلى سبيل الرشاد (1/ 178)، ومدارج السالكين (2/ 330).

ص: 569

فأحببت أن أكسرها، وركب زيد بن ثابت رضي الله عنه فدنا ابن عباس رضي الله عنهما ليأخذ بركابه فقال [مُر]

(1)

يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هكذا أمرنا أن نفعل بكبرائنا فقال زيد أرني يدك فأخرجها إليه فقبَّلها وقال هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرَّ الحسين بن علي رضي الله عنهما بصبيان يلعبون معهم كِسَر خبز فاستضافوه فنزل يأكل معهم ثم حملهم إلى منزله وأطعمهم وكساهم، وقال اليد لهم لأنه لم يجدوا شيئا غير ما أطعموني ونحن نجد أكثر منه. ويُذكر أن أبا ذر الغفاري

(2)

عيَّر بلالا بسواده ثم إنه ندم فألقى نفسه فألقى بنفسه وحلف: لا رفعت رأسي حتى يطأ بلال خدي بقدمه. فلم يرفع رأسه حتى فعل بلال رضي الله عنهما.

وبلغ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه

(3)

: أن ابنا له اشترى خاتما بألف درهم. فكتب [إليه عمر: بلغني أنك اشتريت فصا بألف درهم.]

(4)

فإذا أتاك كتابي فبع الخاتم. وأشبع به ألف بطن. واتخذ خاتما بدرهمين. واجعل فصه حديدا. واكتب عليه: رحم الله امرءا عرف قدر نفسه. [والله أعلم]

(5)

. وقال بعض العارفين كن فقيرا من الله كما أنت فقير إليه فهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم: وأعوذ بك منك، ومعنى فقرك من الله أن [لا] يشم منك رائحة من روائح الربوبية بل

(1)

هكذا هذه العبارة في النسخة الهندية، وفي النسخة المغربية:(مه).

(2)

مدارج السالكين (2/ 330).

(3)

مدارج السالكين (2/ 331)، وتفسير القرطبي (10/ 89).

(4)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(5)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 570

العبودية المحضة. وقسم عمر بن الخطاب

(1)

بين الصحابة حُللا فبعث إلى معاذ حلة مثمنة فباعها واشترى بثمنها ستة أعبد فأعتقهم فبلغ عمر فبعث إليه بعد ذلك حلة دونها فعاتبه معاذ فقال لأنك بعَت الأولى فقال معاذ رضي الله عنه وما عليك ادفع إليّ نصيبي وقد حلفت لأضربن بها رأسك، فقال عمر رضي الله تعالى عنه رأسي بين يديك وقد يرفق الشاب بالشيخ. وقال رجاء بن حيوة

(2)

قوّمتُ ثياب عمر بن عبد العزيز -وهو يخطب- باثني عشر درهما. وكانت قباء وعمامة وقمصا وسراويل ورداء وخفين وقلنسوة. ورأى محمد بن واسع ابنا له يمشي مشية منكرة. فقال: تدري بكم اشتريت أمك؟ بثلاثمائة درهم، وأبوك -لا أكثر الله في المسلمين مثله- أنا. وأنت تمشي هذه المشية؟

وقال إبراهيم بن أدهم

(3)

: ما سررت في إسلامي إلا ثلاث مرات: كنت في سفينة، وفيها رجل مضحاك. كان يقول: كنا في بلاد الترك فأخذ العلج هكذا -وكان يأخذ [بشعر] رأسي ويهزني- لأنه لم يكن في السفينة أحقر مني. والأخرى: كنت عليلا في مسجد. فدخل المؤذن تلك الليلة، وقال: اخرج. فلم أطق، فأخذ برجلي وجرني إلى خارج. والأخرى: كنت بالشام وعلي فرو. فنظرت فيه فلم أميز بين شعره وبين القمل لكثرته فسرني ذلك. وفي رواية أخرى: كنت يوما جالسا فجاء إنسان وبال علي. وقال بعضهم: [رأيت

(1)

مدارج السالكين (2/ 330).

(2)

مدارج السالكين (2/ 330).

(3)

مدارج السالكين (2/ 330).

ص: 571

في الطواف] رجلا بين يديه شاكرية يمنعون الناس لأجله عن الطواف، ثم رأيته بعد ذلك بمدة على جسر بغداد يسأل شيئا. فتعجبت منه. فقال لي: إني تكبرت في موضع يتواضع الناس [هناك]، فابتلاني الله بالذل في موضع يترفع الناس فيه. قال الله تعالى {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا}

(1)

الآية، أي سكنية ووقارا، متواضعين غير أشرين ولا مرحين ولا متكبرين. قال الحسن

(2)

[علماء حلماء]، وقال محمد بن الحنفية أصحاب وقار وعفة لا يسفهون وإن سفه عليهم حلموا، والهون بالفتح في اللغة الرفق واللين. قال أبو حاتم،

(3)

وأنشدني [الكريزني]:

ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا

فكم تحتها قوم هُمُ منك أرفع

فإن كنتَ في عزٍّ وخيرٍ ورفعة

فكم مات مِن قوم همُ منك أوضع

وقال الحسن: التواضع أن تخرج من بابك فلا يلقاك مسلم إلا رأيت له عليك فضلًا.

قوله صلى الله عليه وسلم حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد الحديث. الفخر ادعاء الكبر والشرف، فعليك بالتواضع وعدم الفخر على أحد فإن رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم نبَّهك على التواضع بأن أصلك من تراب فقال في خطبة حجة الوداع الناس من آدم وآدم من تراب. وقوله ولا يبغي أحد على أحد،

(1)

سورة الفرقان، الآية:63.

(2)

تفسير البغوي 3/ 375، تفسير الثعلبي 7/ 145، مدارج السالكين 2/ 327.

(3)

روضة العقلاء (ص 61).

ص: 572

قال أهل اللغة البغي هو التعدي والظلم والاستطالة والاستعلاء بغير حق وأصله من بغى الجرح إذا فسد. قال الله تعالى {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}

(1)

أي تجازون به في الدنيا تعجيلا لعقوبته والعرب تقول البغي مصرعة، قال الشاعر

(2)

:

يا صاحب البغي إن البغي مصرعة

فاربع فخير فعال المرء أعدله

فلو بغى جبل [حقًّا] على جبل

لهُدَّ منه أعاليه وأسفله؛ اهـ

قاله في الديباجة.

4390 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا نقصت صَدَقَة من مَال وَمَا زَاد الله عبدا بِعَفْو إِلَّا عزا وَمَا تواضع أحد لله إِلَّا رَفعه الله" رواه مسلم

(3)

والترمذي

(4)

.

قوله وعن أبي هريرة تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه، تقدم هذا الحديث في العفو عن الجاني وتقدم الكلام على التواضع في الحديث قبله.

4391 -

وَعَن نصيح الْعَنسِي عَن ركب الْمصْرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم طُوبَى لمن تواضع فِي غير منقصة وذل فِي نَفسه من غير مَسْأَلَة وَأنْفق مَالا

(1)

سورة يونس، الآية:23.

(2)

الكشاف (2/ 324) وكان المأمون يتمثل بهذين البيتين في أخيه.

(3)

صحيح مسلم (69)(2588).

(4)

سنن الترمذي (2029).

ص: 573

جمعه فِي غير مَعْصِيّة ورحم أهل الذل والمسكنة وخالط أهل الْفِقْه وَالْحكمَة طُوبَى لمن طَابَ كسبه وصلحت سَرِيرَته وكرمت عَلَانِيَته وعزل عَن النَّاس شَره طُوبَى لمن عمل بِعِلْمِهِ وَأنْفق الْفضل من مَاله وَأمْسك الْفضل من قَوْله. رواه الطبراني

(1)

، ورواته إلى نصيح ثقات، وقد حسن هذا الحديث أبو عمر النمري

(2)

وغيره. وركب. قال البغوي: لا أدري سمع من النبي صلى الله عليه وسلم أم لا، وقال ابن منده: لا نعرف له صحبة، وذكر غيرهما أن له صحبة، ولا أعرف له غير هذا الحديث.

قوله وعن نصيح العنسي روى عنه مطعم بن المقدام قال الذهبي: ضعيف. كذا.

(1)

الطبراني في المعجم الكبير (5/ 71/ 4615)، (4616)، وفي مسند الشاميين (912، وأخرجه البخاري في التاريخ (1148)، والبغوي في معجم الصحابة (2/ 417)، ابن أبي الدنيا في التواضع والخمول (76)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2782)، وابن الأعرابي في المعجم (3/ 2307)، وابن منده في معرفة الصحابة (ص: 658)، وتمام في الفوائد (1602)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2833)، وابن بشران في أماليه (16)، والقضاعي في مسند الشهاب (615)، والبيهقي في السنن (4/ 182)، وفي الشعب (3388)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1211) وابن الأثير في أسد الغابة (2/ 85)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 229) رواه الطبراني من طريق نصيح العنسي عن ركب ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3642)، والضعيفة (3835)، وضعيف الترغيب والترهيب (1368).

(2)

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 508) وقال: له حديث واحد حسن. وقال ابن حجر في الإصابة (3/ 551) إسناد حديثه ضعيف ومراد ابن عَبد البَرِّ بأنه حسن لفظه.

ص: 574

قوله عن ركب المصري، وركب المصري قال الحافظ: قال البغوي

(1)

: لا أدري أسمع من النبي صلى الله عليه وسلم أو لا، وقال ابن مندة لا تعرف له صحبة، وذكر غيرهما أنّ له صحبة. قال الحافظ: ولا أعرف له غير هذا الحديث، اهـ.

قوله صلى الله عليه وسلم طوبى لمن طاب كسبه، تقدم الكلام على طوبى في مواضع من هذا التعليق، والمراد بطيب الكسب كسب الحلال.

قوله صلى الله عليه وسلم وصلحت سريرته. صلحت بضم اللام وفتحها وتقدم ذلك في الورع وترك الشبهات، والسريرة والسر ما يكتم عن الناس، والمراد بطيب السريرة طيب نياته وأفعاله التي يكتمها عن الناس.

قوله صلى الله عليه وسلم وأنفق الفضل من ماله. الفضل هو ما يفضل [عمّا] لا بد له منه من حوائجه الأصلية يعني أنفق ما فضل عن حوائجه في وجوه الطاعات والقربات.

قوله صلى الله عليه وسلم وأمسك الفضل، من قوله الفضل من قوله هو الكلام فيما لا يعنيه والذي يعنيه هو الكلام الذي يكون عليه واجبا أو مندوبا أو مباحا تتعلق به مصلحة وما سوى هذه الثلاثة فهو مما لا يعنيه، ويعنيه بفتح الياء يهمه. وتقدم الكلام على ذلك أيضا. وتفسير هذه الألفاظ ذكره الأصبهاني شارح الأربعين الودعانية

(2)

.

(1)

معجم الصحابة للبغوي (2/ 417).

(2)

شرح الأربعون الودعانية (ص 197 - 198).

ص: 575

4392 -

وَعَن ثَوْبَان رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من مَاتَ وَهُوَ بَرِيء من الْكبر والغلول وَالدّين دخل الْجنَّة. رواه الترمذي

(1)

، واللفظ له والنسائي

(2)

وابن ماجه

(3)

وابن حبان في صحيحه

(4)

والحاكم

(5)

، وقال: صحيح على شرطهما، وقد ضبطه بعض الحفاظ، الكنز بالنون والزاي، وليس بمشهور، وتقدم الكلام عليه في الدين.

قوله وعن ثوبان، ثوبان هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: من مات وهو بريء من الكبر والغلول والدين دخل الجنة، الحديث. الكبر هو الارتفاع على الناس واحتقارهم ودفع الحق، فالكبر يتولد من الإعجاب، والإعجاب هو أن ينظر العبد إلى نفسه بعين العظمة وينظر غيره فقيرا ويقول أنا وأنا كما قال إبليس لعنه الله أنا خير منه، ويطلب الترفع في المجالس والتصدر ويستنكف من رد الكلام. والإعجاب يتولد من

(1)

الترمذي (1573).

(2)

النسائي في الكبرى (8764).

(3)

ابن ماجه (2412).

(4)

ابن حبان (198).

(5)

الحاكم (2/ 26)، وأخرجه أحمد (5/ 276 و 277)، والخرائطي في المساوئ (608) والدارمي (2595) والروياني (611 و 612) والطبراني في الأوسط (7747) وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1382)، والبيهقي (5/ 355)، (9/ 101 - 102)، وفي الشعب (5151)، وابن عساكر (7/ 58)، وقال ابن حجر في فتح الباري (10/ 491): الترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه بن حبان والحاكم من حديث ثوبان وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2892).

ص: 576

الجهل وقد عظم الله تعالى شأن الكبر بقوله {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ}

(1)

، {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ}

(2)

، وقال بعضهم لبعض المتكبرين: أوّلك نطفة [مذرة؛ وكذلك البيضة المذرة، يقال مذرت البيضة بالذال المعجمة إذا فسدت، وفي الحديث: (الشر النساء المذرة الوذرة) أي الفاسدة التي لا تستنجي عند الجماع] وآخرك جيفة قذرة وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة. وقد نظم الشاعر المعني:

كيف [يزهو] من [رجيعه]

(3)

أبد الدهر ضجيعه

قال بعضهم: المتكبر شر من المشرك فإن المتكبر متكبر عن عبادة الله والمشرك يعبد الله وغيره ولذلك جعل الله النار دار المتكبرين كما قال تعالى {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)}

(4)

، وأخبر أن أهل الكبر والتجبر هم الذين طبع الله على قلوبهم فقال تعالى {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}

(5)

.

وقال صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، رواه مسلم وسيأتي الكلام [على] الذرة وعلى الحديث، وكما أن من تواضع لله رفعه الله فكذلك من تكبر على الانقياد للحق ولو جاءه على يد صغير أو من يبغضه

(1)

سورة النحل، الآية:23.

(2)

سورة الزمر، الآية:60.

(3)

هكذا هذه العبارة في الأصل وهو الصواب، وفي النسخة الهندية:(ضجيعه).

(4)

سورة الزمر، الآية:72.

(5)

سورة غافر، الآية:35.

ص: 577

ويعاديه فإنما تكبر على الله فإن الله هو الحق وكلامه حق ودينه حق والحق صفته ومنه وله فإذا رده العيد وتكبر عن قبوله فإنما رده على الله وتكبر عليه. [قال المؤلف رحمه الله تعالى: ويحسن أن نذكر هنا أبيات أبي العتاهية، واسمه إسماعيل بن القاسم:

يا عجبا للنا لو ذكروا

وحاسبوا أنفسهم أبصروا

وعبروا الدنيا إلى غيرها

فإنما الدنيا لهم معبر

والخير مما ليسى يخفى هو

المعروف والشر هو المنكر

والموعد القبر وما بعده

الحشر ذاك الموعد الأكبر

لا فخر إلا فخر أهل التقى

غدا إذا ضمهم المحشر

ليعلمن الناس أن التقى

والبر كانا خير ما يدخر

وعجبت للإنسان من فخره

وهو غدا في لحده يقبر

ما بال من أوله نطفة

وجيفة آخره يفخر

أصبح لا يملك تقديم ما

يرجو ولا تأخير ما يحذر

وأصبح الأمر إلى غيره

في كل ما يقضى وما يقدر

ومما يناسب ذلك ما ذكره ابن خلكان أن مطرف بن عبد الله بن الشخير نظر إلى يزيد بن المهلب وهو يمشي وعليه حلة يسحبها، فقال له ما هذه المشية التي يكرهها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. فقال يزيد: أما تعرفني. فقال: بلى أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وأنت بين ذلك حامل عذرة. ونظم أبو محمد الخوارزمي فقال:

عجبت ممن يعجب بصورته

وكان من قبل نطفة مذرة

ص: 578

وهو من عند الله حسن صورته

يصير في الأرض جيفة قذرة]

(1)

[قوله مذرة أي فاسدة، ومن ذلك البيضة المذرة، يقال مذرت البيضة بالذال المعجمة إذا فسدت، وفي الحديث

(2)

شر النساء المذرة الوذرة أي الفاسدة التي لا تستحي عند الجماع. قوله صلى الله عليه وسلم والغلول، الغلول هو ما يأخذه أحد الغزاة من الغنيمة مختصا به ولا يُحضره لأمير الجيش وتقدم الكلام على ذلك في الجهاد. قوله صلى الله عليه وسلم والدين، تقدم الكلام على الدين في بابه]

(3)

.

4393 -

وَعَن طَارق قَالَ خرج عمر رضي الله عنه إِلَى الشَّام ومعنا أَبُو عُبَيْدَة فَأتوا على مخاضة وَعمر على نَاقَة لَهُ فَنزل وخلع خفيه فوضعهما على عَاتِقه وَأخذ بزمام نَاقَته فَخَاضَ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنْت تفعل هَذَا مَا يسرني أَن أهل الْبَلَد استشرفوك فَقَالَ أوه وَلَو يقل ذَا غَيْرك أَبَا عُبَيْدَة جعلته نكالا لأمة مُحَمَّد إِنَّا كُنَّا أذلّ قوم فأعزنا الله بِالْإِسْلَامِ فمهما نطلب الْعِزّ بِغَيْر مَا أعزنا الله بِهِ أذلنا الله. رواه الحاكم

(4)

، وقال: صحيح على شرطهما.

(1)

سقطت هذه الفقرة من الأصل، وأثبتت في النسخة الهندية.

(2)

انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 311)، والنجم الوهاج في شرح المنهاج (1/ 413).

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(4)

الحاكم في المستدرك (1/ 62 و 3/ 82)، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وأخرجه ابن المبارك في الزهد (584)، وابن أبي شيبة في المصنف (33836، 34433)، وأبو داود في الزهد (69) وهناد في الزهد (817) والدينوري في المجالسة (418). وأبو نعيم في حلية الأولياء (1/ 47)، والبيهقي في شعب الإيمان (8196)، وصححه الألباني في الصحيحة (1/ 118)، وصحيح الترغيب والترهيب (2893).

ص: 579

قوله وعن طارق كذا كذا.

قوله خرج عمر إلى الشام ومعه أبو عبيدة، الظاهر أنه أبو عبيدة بن الجراح.

قوله فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة له فنزل وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه. العاتق معروف.

قوله: وأخذ بزمام ناقته فخاض. زمام الناقة: قال الجوهري: خطام الناقة هو زمامها، وقال الزمام الخيط الذي تشد فيه البرة ثم يشد في طرفه المقود وقد يسمى المقود زماما وزممت البعير خطمتُه. قال والبُرَّة حلقة من صفر تجعل في لحم أنف البعير، وقال الأصمعي تجعل في آخر جانبي المنخرين اهـ. قاله الكرماني

(1)

.

قوله: فقال أبو عبيدة يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك. معناه خرجوا إلى لقائك وإنما قال له ذلك لأن عمر لما قدم الشام [ما تزيَّا بزيّ] الأمراء [فخشي] أن لا يستعظموه.

قوله: فقال أوه ولو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم الحديث. أوه كلمة يقولها الرجل عند الشكاية والتوجع وهي ساكنة الواو ومكسورة الهاء، وربما قلبوا الواو ألفا فقالوا آه من كذا وربما شددوا الواو وكسروها وسكنوا الهاء فقالوا أوّه وربما حذفوا الهاء فقالوا أُو. وبعضهم يفتح الواو مع التشديد فيقال أوَّه، ذكره في النهاية.

(1)

الكواكب الدراري (2/ 28).

ص: 580

وقوله: نكالا أي [لمن بعده، والنكال العقوبة التي تنكل عن فعل ما كان سببها وأصل النكال الامتناع أي يمتنع عن ذلك بسببها ومنه المنكل لهم المعاقب قاله عياض

(1)

قيل نكالا]

(2)

أي موعظة وعبرة [لغيرك] بما أصبته به من العقوبة [وما به الواو من الوعظ، والهاء فيه عوض، هي جمع عظاية من الواو. دويبة معروفة].

4394 -

وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من تواضع لله دَرَجَة يرفعهُ الله دَرَجَة حَتَّى يَجعله الله فِي أَعلَى عليين وَمن تكبر على الله دَرَجَة يَضَعهُ الله دَرَجَة حَتَّى يَجعله فِي أَسْفَل سافلين وَلَو أَن أحدكُم يعْمل فِي صَخْرَة صماء لَيْسَ عَلَيْهَا بَاب وَلَا كوَّة لخرج مَا غيبه للنَّاس كائِنا مَا كَانَ. رواه ابن ماجه

(3)

وابن حبان في صحيحه

(4)

كلاهما من طريق دراج عن أبي

(1)

مشارق الأنوار على صحاح الآثار (2/ 12).

(2)

كتب هذا في حاشية الصحيفة التي تلي هذا الموضع من النسخة الهندية، والصواب إدراجه هنا كما هو في الأصل.

(3)

ابن ماجه (4176).

(4)

ابن حبان (5678)، وأخرجه أحمد (17/ 329)، وأبو يعلى (1109)، وابن شاهين في الترغيب (235) وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 229): هذا إسناد ضعيف. دراج بن سمعان أبو السمح المصري وإن وثقه ابن معين وأخرج له ابن حبان في صحيحه فقد قال أبو داود وغيره: حديثه مستقيم إلا ما كان عن أبي الهيثم. وقال ابن عدي: عامة أحاديث دراج مما لا يتابع عليه. قلت: وضعفه أبو حاتم والنسائي والدارقطني وقال في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 386) رواه أبو يعلى الموصلي والحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 225) رواه أحمد وأبو يعلى، =

ص: 581

الهيثم عنه وليس عند ابن ماجه: ولو أن أحدكم إلى آخره.

قوله وعن أبي سعيد الخدري تقدم ذكره.

قوله صلى الله عليه وسلم من تواضع لله درجة يرفعه الله درجة حتى يجعله الله في أعلى عليين ومن تكبر على الله درجة يضعه الله درجة حتى يجعله في أسفل سافلين الحديث. المراد برفع الدرجة في الجنة، أعلى المنازل في الجنة، والوضع بضد ذلك. وفي [حديث أنس] بن مالك

(1)

قال إن كانت الأمة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت من المدينة إلى حاجتها، انفرد به ابن ماجه. كان صلى الله عليه وسلم أشد الناس تواضعا [يجيب] من دعاه من غني أو فقير أو دني أو شريف وكان يحب المساكين ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم ولا يحتقر فقيرا لفقره ولا يهاب ملِكا لملكه. وروي عن سهيل بن حنيف عن أبيه

(2)

قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

= وإسنادهما حسن. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4799)، والضعيفة (1807)، وضعيف الترغيب والترهيب (1733).

(1)

أخرجه أحمد (12811)، (13289)، وابن ماجه (4177)، وأبو يعلى (3982) والحديث؛ أخرجه ابن أبي الدنيا في التواضع والخمول (122)، والبزار (7437)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 201)، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 230) هذا إسناد ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان. وأخرجه البخاري (6071) تعليقا من طريق هشيم، أخبرنا حميد الطويل، حدثنا أنس بن مالك.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (11944 و 36072)، والبيهقي في الشعب (8809)، والطبراني في الكبير (6/ 84/ 5586)، والحاكم (2/ 506)، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وصححه الألباني في صحيح الجامع (4877)، والصحيحة (2112).

ص: 582

يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم وكان يخصف النعل ويرقع الثوب ويخدم في مهنة أهله. وفي حديث القاسم عن عائشة

(1)

ويفلي ثوبه، وفي تفسير البغوي

(2)

أن الراسخ في العلم من اجتمعت فيه أربع خصال: التقوى فيما بينه وبين الله، والتواضع فيما بينه وبين [الناس، والزهد فيما بينه وبين]

(3)

الدنيا، والمجاهدة فيما بينه وبين نفسه، اهـ.

[قوله: (

)، الحديث، المراد برفع الدرجة في الجنة أعلى المنازل في الجنة، والوضع بضد ذلك].

قوله ولو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس عليها باب ولا كوة لخرج ما غيبه للناس، الحديث. الكوة هي الطاق.

4395 -

وَعَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه لَا أعلمهُ إِلَّا رَفعه قَالَ يَقُول الله تبارك وتعالى من تواضع لي هَكَذَا وَجعل يزِيد بَاطِن كفه إِلَى الأَرْض وَأَدْنَاهَا رفعته هَكَذَا وَجعل بَاطِن كفه إِلَى السَّمَاء ورفعها نَحْو السَّمَاء رواه أحمد

(4)

(1)

أخرجه أحمد (26194) البخاري في الأدب المفرد (541) الترمذي في الشمائل (343) أبو يعلى (4873) وابن حبان في صحيحه (2136)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 331)، والبيهقي في الدلائل (1/ 328)، والبغوي في شرح السنة (3676) وصححه الألباني في صحيح الجامع (4996)، والصحيحة (671).

(2)

انظر: مغني المحتاج (3/ 60)، وإعانة الطالبين (3/ 214)، ولباب التأويل في معاني التنزيل (1/ 322).

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(4)

مسند أحمد (309).

ص: 583

والبزار

(1)

ورواتهما محتج بهم في الصحيح والطبراني

(2)

، وَلَفظه قَالَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه على الْمِنْبَر أَيهَا النَّاس تواضعوا فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من تواضع لله رَفعه الله وَقَالَ انْتَعش نَعشك الله فَهُوَ فِي أعين النَّاس عَظِيم وَفِي نَفسه صَغِير وَمن تكبر قصمه الله وَقَالَ اخْسَأْ فَهُوَ فِي أعين النَّاس صَغِير وَفِي نَفسه كَبِير ..

قوله وعن عمر بن الخطاب [هو] أمير المؤمنين تقدم الكلام على مناقبه.

قوله قال عمر على المنبر. المنبر مأخوذ من النبر وهو الارتفاع، وتقدم الكلام عليه. قول عمر: أيها الناس تواضعوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تواضع لله رفعه الله، تقدم الكلام على التواضع والارتفاع.

قوله: وقال انتعش نعشك الله فهو في أعين الناس عظيم وفي نفسه صغير. الانتعاش الارتفاع ومنه نعش الميت. قاله في شرح مشارق الأنوار.

(1)

مسند البزار= البحر الزخار (175)،.

(2)

الطبراني، في الصغير (645)، والحديث؛ أخرجه ابن أبي الدنيا في التواضع (123)، وأحمد بن منيع كما في المختارة، وأبو يعلى (1/ 167)، والحارث في المسند بغية الباحث (836)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 220)، وابن أبي الدنيا في التواضع (78)، وابن حبان في روضة العقلاء (ص 59)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (2/ 716)، والبيهقي في شعب الإيمان (7786 و 7787)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 129)، والخطيب في تاريخ بغداد (2/ 110)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 141) وابن الجوزي في العدل المتناهية (2/ 810) والضياء في المختارة (1/ 317)، وقال ابن كثير في مسند الفاروق (3/ 44) وهو إسناد جيد، ولم يخرجه أحد من أصحاب السنن، وإنما اختاره الضياء في كتابه. وقد روي من طريق أخرى بنحوه موقوفا وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2894).

ص: 584

قوله ومن تكبر قصمه الله. القصم هو [قوله وقال اخسأ فهو في أعين الناس صغير وفي نفسه كبير، اخسأ بالهمز والخاسيء المبعد ومنه قوله تعالى {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)}

(1)

. يقال خسأته فخسئ وخسأ وانخسأ ويكون الخاسئ بمعنى الصاغر القميء، قاله في النهاية

(2)

.

وقال بعضهم خسأ الكلب أي بعد وهو خطاب زجر واستهانة، أي اسكت صاغرا مطرودا. وقال بعضهم أيضا اخسأ كلمة زجر واستهانة أي اسكت صاغرا ذليلا، قاله الكرماني

(3)

]

(4)

. وفي شعب الإيمان للبيهقي

(5)

من حديث

(1)

سورة المؤمنون، الآية:108.

(2)

النهاية في غريب الأثر (2/ 31).

(3)

الكواكب الدراري (13/ 53).

(4)

حصل تأخير لهذه العبارة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(وإذا كثر فقره زاد سخاؤه وإذا زاد عمله كثر تواضعه. اهـ).

(5)

أخرجه الطبراني في الأوسط (8307)، والقضاعي في مسند الشهاب (335)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 129)، والبيهقي في الشعب (7790)، والخطيب في تاريخ بغداد (2/ 110)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 810) وفيه: سعيد بن سلام العطار قال الذهبي في المغني (1/ 260): قال أحمد: كذاب، وقال غيره: متروك.، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 82) رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط، ولفظه: قال عمر بن الخطاب على المنبر: أيها الناس تواضعوا؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تواضع لله رفعه الله وقال: انتعش نعشك الله، فهو في أعين الناس عظيم وفي نفسه صغير، ومن تكبر قصمه الله وقال: اخسأ، فهو في أعين الناس صغير وفي نفسه كبير. ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح، وفي إسناد الطبراني سعيد بن سلام العطار وهو كذاب. قال الألباني في السلسلة الضعيفة (1295)، وضعيف الترغيب والترهيب (1734): موضوع. وأخرجه ابن أبي الدنيا في التواضع (78)، وابن حبان في روضة العقلاء (ص 59)، والخرائطي في مكارم =

ص: 585

عياش بن [أبي]

(1)

ربيعة قال قال عمر على المنبر أيها الناس تواضعوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تواضع لله رفعه الله فهو في نفسه صغير وفي أعين الناس عظيم ومن تكبر وضعه فهو في أعين الناس صغير وفي نفسه كبير حتى لهو أهون على الله من كلب أو خنزير. قال الشيخ أبو عبد الله القرشي من علامات الولي أنه إذا طال عمره كثر عمله وإذا كثر فقره زاد سخاؤه وإذا زاد عمله كثر تواضعه. اهـ.

4396 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك، فإذا تواضع قيل للملك: ارفع حكمته، وإذا تكبر قيل للملك: ضع حكمته" رواه الطبراني

(2)

والبزار

(3)

بنحوه من حديث أبي هريرة وإسنادهما حسن. [الحكمة] بفتح الحاء المهملة والكاف: هي ما

= الأخلاق (2/ 716)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 141)، والبيهقي في الشعب (7788، 7789) من طريق عبيد الله بن عدي في الخيار، عن عمر بن الخطاب موقوفا من قوله بمعناه.

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

المعجم الكبير للطبراني (12/ 218/ 12939) عن ابن عباس، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 82) رواه الطبراني وإسناده حسن، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5675)، والصحيحة (538)، وصحيح الترغيب والترهيب (2895).

(3)

مسند البزار = البحر الزخار (7847) عن أبي هريرة، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 83) رواه البزار وإسناده حسن. وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (7793)، والعقيلي في الضعفاء الكبير (4/ 237) عن أبي هريرة في ترجمة: منهال بن خليفة، وقال العقيلي: ولا يتابع عليه إلا من طريق يقاربه، وإنما يروى هذا مرسلًا.

ص: 586

تجعل في رأس الدابة كاللجام ونحوه.

قوله وعن ابن عباس، هو عبد الله بن عباس تقدم الكلام عليه. قوله صلى الله عليه وسلم ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك الحديث. وفي رواية: في رأس كل عبد حكمة إذا همّ بسيئة فإن شاء الله أن [يقرعه] بها قرعه. الحكمة بفتح الحاء المهملة والكاف هي ما يجعل في رأس الدابة كاللجام ونحوه، اهـ قاله المنذري. قال صاحب المغيث

(1)

هذا مثل، والحكمة حديدة في اللجام مستديرة تكون على أنف الفرس وعلى الحنك تمنع الفرس من الفساد [أي مخالفة راكبه] والجري بخلاف ما يريد صاحبه. ومنه الحديث إني [آخذ] بحكمة فرسه. فلما كانت الحكمة تأخذ بفم الدابة وكان الحنك متصلا بالرأس جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم تمنع من هي في رأسه من الكبر كما تمنع الحكمة الدابة من الفساد. ومنه حديث عمر من تواضع لله رفع الله حكمته أي قدره ومنزلته لأن الفرس إذا جذب حكمته إلى فوق رفع رأسه، فكنّى برفع الرأس عن رفع المنزلة والقدر. قال الجبان: وقد يقال للفرس كما هو حكمة وله عندنا حكمة أي قدر ومنزلة وهو عالي الحكمة. وقيل الحكمة من الإنسان أسفل وجهه مستعار من موضع حكمة اللجام ورفعها كناية عن الإعزاز لأن من صفة الذليل تنكيس رأسه، ومنه الحديث وأنا آخذ بحكمة فرسه أي بلجامه، وأصل الباب المنع والله أعلم، اهـ.

(1)

المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (1/ 479).

ص: 587

قوله عن عكرمة عن ابن عباس

(1)

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من بني آدم أحد إلا في رأسه سلسلتان إحداهما في السماء السابعة والأخرى في الأرض السابعة فإذا تواضع [رفعه] الله بالسلسلة التي في السماء وإذا أراد أن يرفع رأسه وضعه الله تعالى.

4397 -

وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من تواضع لِأَخِيهِ الْمُسلم رَفعه الله وَمن ارْتَفع عَلَيْهِ وَضعه الله رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط

(2)

.

4398 -

وعن عبد الله، يعني ابن مسعود رضي الله عنه قال:"من يرائي يرائي الله به، ومن يسمع يسمع الله به، ومن تطاول تعظيما يخفضه الله، ومن تواضع خشية يرفعه الله، الحديث" رواه الطبراني

(3)

من رواية المسعودي، وليس في

(1)

أخرجه البزار كما في الكشف (4/ 223)، والبيهقي في الشعب (7791)، والخرائطي في مساوئ الأخلاق (557)، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك (234)، وأبو سعيد النقاش في فوائد العراقيين (102) ومدار أسانيدهم على زمعة بن صالح وهو ضعيف.

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 354 رقم 7711). وقال: لم يرو هذا الحديث عن سعيد المقبري إلا أبو معشر، تفرد به: عبد العظيم. قال الهيثمي في المجمع 8/ 83: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد العظيم بن حبيب وهو ضعيف. وضعفه الألباني في الضعيفة (5269) وضعيف الترغيب (1735).

(3)

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 235) رواه الطبراني، وفيه المسعودي، وقد اختلط. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1736) وقال ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح (29/ 578) روينا في كتاب الرقاق لابن المبارك الزهد ص 152. بإسناد جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال.

ص: 588

أصلي رفعه.

قوله وعن عبد الله يعني ابن مسعود تقدم قول ابن مسعود: من يرائي يرائي الله به ومن يسمع يسمّع الله به، الحديث. قال العلماء معناه من راآى بعمله وسمّعه الناس ليكرموه ويعظموه ويعتقدوا خيره سمع الله به يوم القيامة وفضحه وقيل معناه من سمع بعيوب الناس وأذاعها أظهر الله عيوبه. وقيل أسمعه المكروه، وقيل غير ذلك والله أعلم.

قوله ومن تطاول تعظيما يخفضه الله التطاول هو التجاوز عن الحد والخفض هو الوضع وهو ضد الارتفاع. قوله ومن تواضع خشية يرفعه، وتقدم معنى التواضع والارتفاع.

4399 -

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والكبر، فإن الكبر يكون في الرجل، وإن عليه العباءة" رواه الطبراني في الأوسط

(1)

، ورواته ثقات.

قوله وعن عبد الله بن عمر تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم وإياكم والكبر فإن الكبر يكون في الرجل وإن عليه العباءة، تقدم الكلام على الكبر.

(1)

الطبراني في الأوسط (543)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 226): رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات.

وقال ابن حجر في فتح الباري (10/ 491) ورواته ثقات وضعفه الألباني جدًا في ضعيف الترغيب والترهيب (1737)، وضعيف الجامع الصغير (2208) وقال في الضعيفة (5263): ضعيف جدًا.

ص: 589

وذمَّ الله تعالى الكبر في مواضع من كتابه وذم كل متكبر جبار فقال تعالى {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}

(1)

، وقال تعالى {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}

(2)

. والعباءة بفتح العين وبالمد والعِباية لغتان مشهورتان. قال ابن السكّيت

(3)

الأكثر بالمد والله أعلم.

4400 -

وَعَن جَابر رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن من أحبكم إِلَيّ وأقربكم مني مَجْلِسا يَوْم الْقِيَامَة أحاسنكم أَخْلَاقًا وَإِن أبغضكم إِلَيّ وأبعدكم مني مَجْلِسا يَوْم الْقِيَامَة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قَالُوا يَا رَسُول الله قد علمنَا الثرثارين والمتشدقين فَمَا المتفيهقون قَالَ المتكبرون رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب

(4)

وَرَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي ثَعْلَبَة وَتقدم

(5)

.

الثرثار بثاءين مثلثتين مفتوحتين وتكرير الرَّاء هُوَ الْكثير الْكَلام تكلفا. والمتشدق هُوَ الْمُتَكَلّم بملء شدقيه تفاصحا وتعاظما واستعلاء على غَيره وَهُوَ معنى المتفيهق أَيْضا.

(1)

سورة الأعراف، الآية:146.

(2)

سورة غافر، الآية:35.

(3)

تحرير ألفاظ التنبيه (1/ 290).

(4)

أخرجه الترمذي (2018). وصححه الألباني في الصحيحة (791) وصحيح الترغيب (2897).

(5)

مر في باب الترغيب في الخلق الحسن وفضله، والترهيب من الخلق السيّئ وذمّه.

ص: 590

4401 -

وعن أبي سعيد، وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: العز إزاره، والكبرياء رداؤه، فمن ينازعني عذبته" رواه مسلم

(1)

، ورواه البرقاني في مستخرجه من الطريق الذي أخرجه مسلم، ولفظه:"يقول الله عز وجل: العز إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني شيئا منهما عذبته" ورواه أبو داود

(2)

وابن ماجه

(3)

وابن حبان في صحيحه

(4)

من حديث أبي هريرة وحده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قال الله تبارك وتعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار".

قوله وعن أبي سعيد وأبي هريرة تقدم الكلام عليهما رضي الله عنهما.

قوله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل العز إزاره والكبرياء رداؤه؛ هكذا في جميع النسخ بالضمير في إزاره و [الكبرياء] رداءه [يعود إلى الله تعالى للعلم به وفي رواية العز إزاري والكبرياء ردائي]

(5)

، وفي رواية الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، وفي حديث آخر ذكره ابن الأثير في النهاية

(6)

تأزَّر بالعظمة وتردّى بالكبرياء وتسربل بالعزة. قال الإمام الغزالي

(7)

في قوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى

(1)

صحيح مسلم (136)(2620).

(2)

سنن أبي داود (4090).

(3)

سنن ابن ماجه (4174).

(4)

صحيح ابن حبان (5671).

(5)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(6)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 44).

(7)

الفتاوى الفقهية الكبرى (1/ 147).

ص: 591

الكبرياء ردائي والعظمة إزاري إن الكبرياء صفة عظمتي ولهذا كنى عنها بالرداء لأن الرداء أشرف من الإزار لأن الرداء عند العرب يقصد بلبسه التجمل، اهـ. قال النووي

(1)

في شرح مسلم وأما تسميته إزارا ورداء فمجاز واستعارة حسنة كما تقول العرب فلان شعاره الزهد ودثاره التقوى لا يريدون بذلك الثوب الذي هو شعار ودثار بل معناه صفته كذا قال المازري: ومعنى الاستعارة أن الإزار والرداء يلصقان بالإنسان ويلزمان وهما جمال له فضرب ذلك مثلا لكون العز والكبرياء لله أحق وله ألزم واقتضاهما جلاله [يقول والله تعالى أعلم كما لا يشرك الإنسان في ردائه وإزاره الذين هو لابسهما غيره [كذلك] لا يشركني في هاتين الضفتين مخلوق أي ليستا كسائر الصفات التي قد يتصف بها المخلوق مجازا من صفاته عز وجل كالرحمة والكرم وغيرهما ونحوه ما روي أن السلطان رمح الله وفيئه وظله في الأرض [انتهى]

(2)

[تنبيه:]

(3)

. [و] الكبر والكبرياء العظمة، يقال منه كبر الشيء بضم الباء أي عظم فهو كبير، فالكبرياء والعظمة اسمان لمسمى واحد، وقد جاء في الحديث ما يشعر بالفرق بينهما، وذلك أن الله تعالى قال الكبرياء رداءي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما قصمته ففرق [بينهما] بأن جعل

(1)

شرح النووي على صحيح مسلم (16/ 174).

(2)

حصل تأخير لهذه العبارة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(ولا ينبغي لمخلوق أن يتعاطاهما لأن صفة المخلوق التواضع والتذلل وضرب الرداء والإزار مثلا في ذلك، والله أعلم).

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 592

أحدهما إزارا والآخر رداء.

قال الخطابي

(1)

معنى هذا الحديث أن الكبرياء والعظمة صفتان لله تعالى اختص بهما أي انفرد بهما لا [يشركه] أحد فيهما ولا ينبغي لمخلوق أن يتعاطاهما لأن صفة المخلوق التواضع والتذلل وضرب الرداء والإزار مثلا في ذلك، والله أعلم. قوله تعالى فمن نازعني شيئا منهما عذبته، وفي رواية فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار. وفي حديث ابن عباس

(2)

فمن نازعني واحدا منها ألقيته في النار. ومعنى ينازعني يتخلق بذلك فيصير في معنى المشارك اهـ قاله النووي

(3)

، فمنازعة الله صفاته لا تليق بالمخلوق كفى بها شرا وأي مصيبة أعظم [ممن] ينازع رب الأرباب في ذلك وهو من

(1)

دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه (1/ 232)، وكشف المشكل (3/ 555).

(2)

أخرجه ابن ماجه (4175)، والبزار (5106)، وابن حبان (5672) وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث، رواه محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إن الله عز وجل يقول: إن الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري. قال أبي: أخطأ من قال هذا، رواه وهيب، عن عطاء، عن سلمان الأغر، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أشبه. علل الحديث (1795).

قال البزار: هذا الحديث لا نعلم أحدا رواه عن عطاء، عن سعيد، عن ابن عباس، إلا المحاربي، وحدث به غير المحاربي، عن عطاء بن السائب، عن الأغر، عن أبي هريرة، وحديث الأغر رواه جماعة عن عطاء. مسنده (5106) .. وصححه الألباني في الصحيحة (541). في الزوائد رجاله ثقات إلا أن عطاء بن السائب اختلط. والمحاربي هل روى عنه قبل الاختلاط أو بعده؟

(3)

شرح النووي على مسلم (16/ 173).

ص: 593

طين وماء مهين {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}

(1)

، وإن تعذيبه لأقل جزائه اهـ، قال له في الحدائق. فهذا وعيد شديد في الكبر مصرح بتحريمه.

4402 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول الله جلّ وَعلا الْكِبْرِيَاء رِدَائي وَالْعَظَمَة إزَارِي فَمن نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَلقيته فِي النَّار رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه كِلَاهُمَا من رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب

(2)

.

4403 -

وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا يسأل عنهم: رجل نازع الله رداءه، فإن رداءه الكبر، وإزاره العز، ورجل في شك من أمر الله، والقنوط من رحمته" رواه الطبراني

(3)

واللفظ له وابن حبان في صحيحه

(4)

أطول منه.

قوله وعن فضالة بن عبيد هو أبو محمد فضالة بن عبيد بن نافذ،

(1)

سورة غافر، الآية:56.

(2)

أخرجه ابن ماجه (4175). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2899).

(3)

الطبراني في المعجم الكبير (18/ 306/ 788: 790)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 99) رواه الطبراني في الكبير هكذا. ورواه البزار مطولا، ورجاله ثقات. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 105) رواه البزار والطبراني في الكبير، فجعلهما حديثين، ورجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1887).

(4)

صحيح ابن حبان (4559)، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (590)، وابن أبي عاصم في السنة (1060 - 900)، وابن منده في التوحيد (355)، والبيهقي في شعب الإيمان (7410)، والبزار = البحر الزخار (3749).

ص: 594

بالمعجمة، ابن قيس بن صهيب بن الأصرم بن جحجبا، بجيمين مفتوحتين بينهما حاء ساكنة وبباء موحدة، ابن لفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصارى الأوسى العمرى. أول مشاهده أحد، شهدها وما بعدها من المشاهد، ومنها بيعة الرضوان، وشهد فتح مصر. وسكن دمشق، وولى قضاءها لمعاوية، وأمره على غزو الروم في البحر، روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسون حديثا، روى مسلم منها حديثين. روى عنه ثمامة بن سعد، وعلى ابن رباح، بضم العين، وقيل: بفتحها، وحنش الصنعاني، وسلمة ابن صالح، وعمرو بن مالك، وعبد الله بن محيرز، وآخرون. توفى بدمشق ودفن بباب الصغير سنة ثلاث وخمسين، وقيل: سنة تسع وستين، والصحيح الأول، فقد نقلوا أن معاوية حمل نعشه، وقال لابنه: أعنى يا بنى، فإنك لا تحمل بعده مثله. وتوفى معاوية سنة ستين، وكان لفضالة عقب بدمشق

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا يُسأل عنهم رجل نازع الله رداءه فإن رداءه الكبر وإزاره العز، تقدم الكلام على ذلك في الحديث قبله.

4404 -

وعن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر" رواه البخاري

(2)

ومسلم

(3)

.

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 50).

(2)

صحيح البخاري (4918).

(3)

صحيح مسلم (46)(2853).

ص: 595

[العتل] بضم العين والتاء وتشديد اللام: هو الغليظ الجافي. [والجواظ] بفتح الجيم وتشديد الواو، وبالظاء المعجمة: هو الجموع المنوع، وقيل: الضخم المختال في مشيته، وقيل: القصير البطين.

قوله وعن حارثة بن وهب هو حارثة بن وهب الخزاعي أخو عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه. أمهما أم كلثوم بنت جرول الخزاعي، له صحبة، يعد في الكوفيين، روى عنه أبو إسحاق السبيعي، ومعبد بن خالد الجهني

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر الحديث. العتل قد ضبطه الحافظ وفسره فقال هو الغليظ الجافي والجواظ قد ضبطه الحافظ وفسره فقال هو الجَموع المنُوع وقيل الضخم المختال في مشيته وقيل القصير البطين اهـ، وقال غيره وقيل الجواظ الكثير اللحم المختال في مشيته، وقيل الجافي القلب، وقيل الفاجر، وقيل الأكول.

4405 -

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة الجواظ، ولا الجعظري" قال: والجواظ الغليظ الفظ. رواه أبو داود

(2)

.

قوله وعنه رضي الله عنه تقدم الكلام عليه. قوله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري قال والجواظ الغليظ الفظ، رواه أبو داود. قوله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة فيه التأويلان السابقان في باب شرب الخمر وغيره وتقدم الكلام على

(1)

تهذيب الكمال (5/ ترجمة 1059).

(2)

سنن أبي داود (4801)، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (25322)، والبيهقي في شعب الإيمان (7823) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2902)، وصحيح الجامع الصغير وزيادته (7669).

ص: 596

الجواظ في الحديث قبله. والجعظري تقدم الكلام عليه في الحديث قبله أيضا، وقال الجوهري

(1)

هو الفظ الغليظ وقيل هو الذي يتمدح بما ليس عنده وقيل هو السيء الخلق.

4406 -

وعن سراقة بن مالك بن جعشم رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا سراقة ألا أخبرك بأهل الجنة، وأهل النار؟ قلت: بلى يا رسول الله قال: أما أهل النار فكل جعظري جواظ مستكبر، وأما أهل الجنة فالضعفاء المغلوبون" رواه الطبراني في الكبير

(2)

والأوسط

(3)

بإسناد حسن، والحاكم

(4)

وقال: صحيح على شرط مسلم.

قوله وعن سراقة بن مالك ابن جعشم هو أبو سفيان سراقة بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو بن مالك بن تيم بن مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة الكناني المدلجي الحجازي الصحابي وجعشم بضم الجيم [والشين

(1)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 615).

(2)

الطبراني المعجم الكبير (7/ 129/ 6589)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 265) رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وإسناده حسن. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 393) رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، إلا أن فيه راويا لم يسم. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2903)، وفي السلسلة الصحيحة (1741).

(3)

الأوسط (3157).

(4)

المستدرك للحاكم (1/ 129)، (3/ 717)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه والحديث؛ أخرجه أحمد (17728)، وأبو نعيم في الأصبهاني صفة الجنة (76)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 317)، والبيهقي في شعب الإيمان (7820)، (7821).

ص: 597

المعجمة، هذا قول الجمهور من الطوائف، وحكى الجوهري

(1)

ضم الشين وفتحها] عن الفراء. وسراقة من مشهوري الصحابة روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة عشر حديثا، روى البخاري أحدها، روى عنه ابن عباس وجابر ومن التابعين سعيد بن المسيب وابنه محمد بن سراقة، كان ينزل قُديدا بضم القاف بين مكة والمدينة، [و] قيل سكن مكة ويعد [من] أهل المدينة، أسلم عند النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة حين انصرف من حديبة والطائف وحديثه في خروجه وراء النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا مشهور في الصحيحين. وفي الحديث

(2)

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسراقة كيف بك إذا لبست سواري كسرى، فلما أُتي عمر بسواري كسرى وتاجِهِ ومنطقته، دعا سراقة فألبسه السوارين وقال ارفع يديك و [قل] الله أكبر الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة بن مالك أعرابيا من بني مدلج ورفع عمر صوته. توفي سراقة أول خلافة عثمان سنة أربع وعشرين وقيل توفي بعد [عثمان] والصحيح الأول.

قوله صلى الله عليه وسلم يا سراقة ألا أخبرك بأهل الجنة وأهل النار. قلت بلى يا رسول الله، قال أما أهل النار فكل جعظري جواظ مستكبر الحديث. تقدم الكلام

(1)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (5/ 1889).

(2)

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 581) الإصابة في تمييز الصحابة (3/ 35) وقال ابن عيينة عن إسرائيل أبي موسى، عن الحسن -أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسراقة بن مالك: كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ قال: فلما أتي عمر بسواري كسرى ومنطقته وتاجه دعا سراقة فألبسه، وكان رجلا أزبّ كثير شعر السّاعدين، فقال له: ارفع يديك،. أورده القاضي عياض في الشفا 1/ 674. والحسيني في إتحاف السادة المتقين 7/ 18.

ص: 598

على الجواظ وأما الجعظري فهو الفظ الغليظ [المتكبر] وقيل هو الذي ينتفخ بما ليس عنده وفيه قصر.

قوله وأما أهل الجنة فالضعفاء المغلوبون.

4407 -

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة قال: ألا أخبركم بشر عباد الله؟ الفظ المستكبر. ألا أخبركم بخير عباد الله؟ الضعيف المستضعف ذو الطمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره" رواه أحمد

(1)

، ورواته رواة الصحيح إلا محمد بن جابر.

قوله: وعن حذيفة هو ابن اليمان الصحابي المشهور صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين يعلمهم هو وحده شهد هو وأبوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا وقتل أبوه يومئذ قتله المسلمون خطأ ولّاه عمر المدائن فنزلها ومات بها سنة ست وثلاثين وهو عراقي، قاله الكرماني

(2)

. وتقدم الكلام عليه مبسوطا والله أعلم.

قوله: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، الحديث. الجنازة بالكسر والفتح: الميت بسريره، وقيل بالكسر السرير وبالفتح الميت. قاله في النهاية

(3)

.

(1)

مسند أحمد (23457) وابنه عبد الله في السنة (1462) وتمام (1481)، والبيهقي في عذاب القبر (115) وابن الجوزي في الموضوعات (1767)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 264) رواه أحمد، وفيه محمد بن جابر، وقد وثق على ضعفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3198).

(2)

الكواكب الدراري (2/ 10)، تهذيب الأسماء واللغات (1/ 154).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 306).

ص: 599

قوله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بشر عباد الله الفظ المستكبر. الفظ هو كذا.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بخير عباد الله الضعيف المستضعف ذو الطمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره، ذو بمعنى صاحب والطمر بكسر الطاء المهملة الثوب الخلق.

وقوله لا يؤبه له أي لا يبالى به ولا يلتفت إليه لحقارته، وقوله لو أقسم على الله لأبره. القسم الحلف معناه لو حلف يمينا طمعا في كرم الله تعالى بإبراره [لأبرَّه]، وقيل لو دعاه لأجابه، يقال أبررت قسمه وبررته، والأول هو المشهور.

4408 -

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احتجت الجنة والنار، فقالت النار: في الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: في ضعفاء المسلمين ومساكينهم، فقضى الله بينهما: إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما علي ملؤها" رواه مسلم

(1)

.

قوله وعن أبي سعيد الخدري تقدم الكلام عليه.

قوله احتجت الجنة والنار الحديث، هذا الحديث على ظاهره وأن الله تعالى جعل في الجنة والنار تمييزا يُدركان [به] فتحاجَّتا ولا يلزم من هذا أن يكون ذلك التمييز فيهما دائما والله أعلم.

4409 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان،

(1)

صحيح مسلم (2847).

ص: 600

وملك كذاب، وعائل مستكبر" رواه مسلم

(1)

والنسائي

(2)

.

[العائل] بالمد: هو الفقير.

4410 -

وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَة يبغضهم الله البياع الحلاف وَالْفَقِير المختال وَالشَّيْخ الزَّانِي وَالْإِمَام الجائر رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه

(3)

.

4411 -

وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عرض عَليّ أول ثَلَاث يدْخلُونَ النَّار أَمِير مسلط وَذُو ثروة من مَال لَا يُؤَدِّي حق الله فِيهِ وفقير فخور رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا

(4)

.

قوله: وعن أبي هريرة تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، الحديث. [واعلم أن مكالمة الله تعالى للعبد في الآخرة ثابتة وإكرامه له وذلك مخفي علينا كيفيته، وقد نبّه الله تعالى على أنه يحرم ذلك على الكافرين بقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}

(5)

، وهذا

(1)

صحيح مسلم (172)(107).

(2)

سنن النسائي (5/ 86).

(3)

النسائي في المجتبى 4/ 574 (2595)، وابن حبان (5558). وصححه الألباني في الصحيحة (363)، وصحيح الترغيب (1286 و 2397).

(4)

أخرجه ابن خزيمة (2249)، وابن حبان (4312). وضعفه الألباني في المشكاة (3832) وضعيف الترغيب (1738).

(5)

سورة آل عمران، الآية:77.

ص: 601

يدل على أن المنفي من الكلام هو ما به سرور وإكرام لا جميع الكلام]، وتقدم الكلام على هذا الحديث في مواضع من هذا التعليق. وكذلك الحديث الذي بعده وبعد بعده وكذلك حديث سلمان، وفيه العائل المزهو والعائل الفقير، والمزهو هو المعجب بنفسه المتكبر، وكذلك حديث نافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقدم معناه.

قوله: في حديث نافع رواه الطبراني من رواية الصباح بن خالد بن أمية كذا

4412 -

وَعَن سلمَان رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَة لَا يدْخلُونَ الْجنَّة الشَّيْخ الزَّانِي وَالْإِمَام الْكذَّاب والعائل المزهو رَوَاهُ الْبَزَّار بِإِسْنَاد جيد

(1)

.

المزهو هُوَ المعجب بِنَفسِهِ المتكبر.

4413 -

وَعَن نَافِع مولى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يدْخل الْجنَّة مِسْكين مستكبر وَلَا شيخ زَان وَلَا منان على الله بِعَمَلِهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة الصَّباح بن خَالِد بن أُميَّة عَن نَافِع وَرُوَاته إِلَى الصَّباح ثِقَات

(2)

.

(1)

أخرجه البزار (2529). قال الهيثمي في المجمع 6/ 255: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير العباس بن أبي طالب، وهو ثقة. وصححه الألباني في الصحيحة (3461) وصحيح الترغيب (2398) و (2908) و (2946).

(2)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 82)، وأبو نعيم في المعرفة (6404 و 6405). وقال الهيثمي في المجمع 6/ 255: رواه الطبراني، وتابعيه الصباح بن خالد بن أبي أمية لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. وقال الألباني منكر في الضعيفة (6877) وضعيف الترغيب (1436) و (1739).

ص: 602

4414 -

وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: "التقى عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم على المروة فتحدثا، ثم مضى عبد الله بن عمرو، وبقي عبد الله بن عمر يبكي، فقال له رجل: ما يبكيك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: هذا، يعني عبد الله بن عمرو، زعم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر كبه الله لوجهه في النار" رواه أحمد

(1)

، ورواته رواة الصحيح.

4415 -

وفي أخرى له أيضًا

(2)

رواتهما رواة الصحيح: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة إنسان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر".

قوله: وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أبو سلمة اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، والصحيح المشهور هو الأول، وهو مدنى من كبار التابعين، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال واتفقوا على جلالة أبى سلمة، وإمامته، وعظم قدره، وارتفاع منزلته. روينا عن محمد ابن

(1)

أحمد (7015) ورواه ابن أبي الدنيا في التواضع والخمول (196)، والبغوي في معجم الصحابة (1477)، وابن حبان في المجروحين (3/ 13 - 14)، والطبراني في مسند الشاميين (62)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4358)، والبيهقي (7805). وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1250) أخرجه أحمد والبيهقي في شعب الإيمان من طريقه بإسناد صحيح، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 98)، وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2909).

(2)

مسند أحمد (6526)، ورواه ابن أبي شيبة (26992)، وهناد بن السري في الزهد (831)، والطبراني في المعجم الكبير (13، 14/ 361/ 14176).

ص: 603

سعد، قال: كان ثقة، فقيها، كثير الحديث. توفى بالمدينة سنة أربع وتسعين، وهو ابن اثنتين وسبعين. قال: وهذا أثبت من قول من قال: سنة أربع ومائة. وقال أبو زرعة: هو ثقة إمام، قالوا: وكان صبيح الوجه

(1)

. كذا

قوله: التقى عبد الله بن عُمر وعبد الله بن عَمرو بن العاصي رضي الله عنهما على المروة فتحدثا ثم مضى عبد الله بن عمرو وبقي عبد الله بن عمر يبكي، تقدم الكلام على عبد الله بن [عمر] وعبد الله بن عمرو بن العاصي مبسوطا. والمروة اسم المروة: موضع بمكة معروف مشهور.

قوله: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر كبَّه الله تعالى لوجهه في النار، وفي الرواية الأخرى لا يدخل الجنة إنسان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر، المثقال في الأصل مقدار من [الوزن]، أي شيء كان من قليل أو كثير، فمعنى مثقال حبة وزن حبة والناس يطلقونه في العرف على الدينار خاصة وليس كذلك، قاله في النهاية

(2)

.

قوله: كبه الله لوجهه في النار، كبه بمعنى ألقاه على وجهه، كبه يكبه كبا فأكب هو أي سقط على وجهه ومنه قوله تعالى {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)}

(3)

، وقد مرَّ الكلام

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 240 - 241).

(2)

النهاية في غريب الأثر (1/ 217).

(3)

سورة الملك، الآية:22.

ص: 604

على ذلك في حديث معاذ المطول قريبا. وقوله في الرواية الأخرى: لا يدخل الجنة إنسان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر، وفي رواية: ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان. قال الخطابي

(1)

: اختلف أهل العلم في تأويل قوله لا يدخل الجنة على تأولين: أحدهما أن المراد كبر الكفر والشرك لقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}

(2)

، ألا ترى أنه قابله في نقيضه بالإيمان فقال [صلى الله عليه وسلم] لا يدخل النار من في قلبه مثقال خردلة من إيمان. والتأويل الآخر أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يدخله الجنة نزع ما في قلبه من الكبر حتى يدخلها بلا كبر ولا غل لقوله سبحانه وتعالى {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}

(3)

.

وقوله: لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان معناه أنه لا يدخلها دخول تأبيد، وهذان التأويلان فيهما بعد، فإن الحديث ورد في سياق النهي عن الكبر المعروف وهو الارتفاع على الناس واحتقارهم ودفع الحق ولا ينبغي أن يحمل على هذين التأويلين المخرجين له عن المطلوب، بل الظاهر ما اختاره القاضي عياض وغيره من المحققين أنه لا يدخلها دون مجازاة إن جازاه، وقيل هذا جزاؤه لو جازاه، وقد يتكرم الله سبحانه وتعالى بأنه لا يجازيه بل لا بد أن يُدخل كل الموحدين الجنة إما أولا وإما ثانيا بعد

(1)

انظر: صيانة صحيح مسلم (1/ 270)، وجامع الأصول (10/ 614).

(2)

سورة الزمر، الآية:60.

(3)

سورة الأعراف، الآية:43.

ص: 605

تعذيب أصحاب الكبائر الذين ماتوا مصرين عليها. وقيل لا يدخلها مع المتقين أول وهلة، اهـ. والمراد بالكبر الارتفاع على الناس واحتقارهم ودفع الحق كما تقدم في أوائل الباب.

4416 -

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من رجل يموت حين يموت، وفي قلبه مثقال حبة من خردل من كبر تحل له الجنة أن يريح ريحها، ولا يراها" الحديث رواه أحمد

(1)

من رواية شهر بن حوشب عن رجل لم يسم عنه.

قوله: وعن عقبة بن عامر تقدم الكلام عليه. قوله صلى الله عليه وسلم. قوله وعن عبد الله ابن سلام تقدم الكلام عليه.

قوله: أنه مرّ في السوق وعليه حزمة من حطب فقيل له ما يحملك على هذا وقد أغناك الله تعالى عن هذا، قال أردت أن أدفع الكبر. وكان أبو هريرة يحمل الحطب، وغيره من حوائجه بنفسه، وهو أمير على المدينة ويقول أفسحوا لأميركم أفسحوا لأميركم. وخرج عمر بن الخطاب يوما وهو خليفة في حاجة له فأعيى فرآى غلاما على حمار له فقال يا غلام احملني فقد أعييت فنزل الغلام عن الدابة وقال اركب يا أمير المؤمنين، فقال لا اركب وأنا خلفك، فركب خلف الغلام حتى دخل المدينة والناس يرونه.

(1)

أخرجه أحمد (17369) والحديث؛ أخرجه المعافى، في الزهد (98)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 273)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2356)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 98): رواه أحمد، وفي إسناده شهر عن رجل لم يسم. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1740).

ص: 606

4417 -

وَعَن عبد الله بن سَلام رضي الله عنه أَنه مر فِي السُّوق وَعَلِيهِ حزمة من حطب فَقيل لَهُ مَا يحملك على هَذَا وَقد أَغْنَاك الله عَن هَذَا قَالَ أردْت أَن أدفَع الْكبر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لَا يدْخل الْجنَّة من فِي قلبه خردلة من كبر، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن والأصبهاني إِلَّا أَنه قَالَ مِثْقَال ذرة من كبر.

4418 -

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون إلى سجن في جهنم يقال له: بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار: طينة الخبال" رواه النسائي

(1)

والترمذي

(2)

واللفظ له، وقال: حديث حسن.

[بولس] بضم الباء الموحدة وسكون الواو وفتح اللام بعدها سين مهملة. [والخبال] بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة.

قوله وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، تقدم الكلام عليه.

(1)

النسائي في السنن الكبرى (11827)، وأخرجه ابن المبارك في الزهد (زوائد نعيم بن حماد ص 52)، والحميدي (598)، وأحمد (6677) والبخاري في الأدب المفرد (557) وابن أبي الدنيا في الأهوال (240) وفي التواضع (223) وفي صفة النار (46)، والدينوري في المجالسة (1957) وأبو بكر المقرئ في حديث نافع بن أبي نعيم (26)، والبغوي في شرح السنة (3590) وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب (626 و 2357)، وقال البغوي: هذا حديث حسن. وقال الحافظ ابن رجب في التخويف من النار ص 124 بعد أن نقل تحسين الترمذي له: وروي موقوفا على عبد الله بن عمرو. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 107)، وصحيح الجامع الصغير وزيادته (8040).

(2)

الترمذي (2492) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 607

قوله صلى الله عليه وسلم يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، الحديث. وروى الإمام أحمد في الزهد

(1)

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يجاء بالجبارين والمتكبرين يوم القيامة رجال في صور الذر تطؤهم الناس من هوانهم على الله حتى يقضى بين الناس، قال ثم يُذهب بهم إلى نار الأنيار. قيل يا رسول الله وما نار الأنيار؟ قال عصارة أهل النار. وفي رواية أخرى من وجه آخر: تطؤوهم الجن والإنس والدواب بأرجلها حتى يقضي الله بين عباده. واستأذن رجل عمر رضي الله عنه في القصص على الناس فقال له إني أخاف أن تقص عليهم [فترفع] عليهم في نفسك حتى يضعك الله تحت أرجلهم يوم القيامة، اهـ. قاله ابن رجب

(2)

.

قوله: أمثال الذر، والذر النمل الأحمر الصغير، جمع ذرة وهي النملة الصغيرة. قال الله تعالى: إن الله لا يظلم مثقال ذرة أي وزن ذرة. وسئل ثعلب عن [الذر] فقال: إن مائة نملة وزن حبة والذرة واحدة منها. [و] قيل الذرة لا وزن لها ويراد بها ما يرى في شعاع الشمس ويحتمل أن يكون المعنى أن صورتهم صورة الإنسان وجثتهم جثة الذر في الصغر، ويحتمل أن يكون شبّه صلى الله عليه وسلم المتكبرين في ذلهم وحقارتهم يوم القيامة بالذر في صغر مقدارهم وحقارتهم وإن كانت أجسادهم كبيرة فتشبيههم بالذر [إنما] هو في الذل والحقارة فهم بالنسبة إلى بقية أهل المحشر في الحقارة كالذر.

(1)

عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد لأحمد بن حنبل (121)، وأبو القاسم بن صصري في أماليه كما في اللآلئ المصنوعة (2/ 372).

(2)

لم أجده. لكن ورد نحوه انظر: إحياء علوم الدين (3/ 326).

ص: 608

قوله: يغشاهم الذل من كل مكان أي يطؤهم أهل المحشر كما يوطأ الذر وهو صغار النمل كما تقدم لترفّعهم على خلق الله تعالى.

قوله: يساقون إلى سجن في جهنم يقال له بولس. بولس بضم الباء الموحدة وسكون الواو وفتح اللام بعدها سين مهملة، اهـ. قاله الحافظ، وقال غيره [بولس] هو فوعل من الإبلاس بمعنى اليأس ولعل هذا السجن إنما سمي بذلك لأن الداخل فيه قد [أبلس] من الخلاص أي ليس لداخله خلاص. وقال بعضهم يجوز كسر لامه وفتحها.

قوله: تعلوهم نار الأنيار، الحديث. أي تغشاهم وتحيط بهم كالماء يعلو الغريق.

وقوله نار الأنيار جمع نار، كناب وأنياب، كأن هذه النار لفرط إحراقها وشدة حرها تفعل بسائر النيران كما تفعل النار بغيرها. وقال بعضهم أيضا أن النار تحترق منها احتراق الأشياء من النار. وقال بعض [أهل] اللغة النار تجمع على أنيار بالياء فرقا بين النار والنور فإن النور يجمع على أنوار بالواو اهـ.

قوله: يُسقون من عصارة أهل النار، طينة الخبال، والخبال بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة، اهـ قاله المنذري.

4419 -

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة؟ قال: إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق،

ص: 609

وغمط الناس" رواه مسلم

(1)

والترمذي

(2)

.

[بطر الحق] بفتح الباء الموحدة والطاء المهملة جميعا: هو دفعه ورده.

[وغمط الناس] بفتح الغين المعجمة وسكون الميم وبالطاء المهملة: هو احتقارهم وازدراؤهم وكذلك غمصهم بالصاد المهملة، وقد رواه الحاكم

(3)

فقال: ولكن الكبر من بطر الحق، وازدرى الناس، وقال: احتجا برواته.

قوله وعن عبد الله بن مسعود تقدم الكلام عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر يعني كبر الكفر والشرك كما في القرآن {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}

(4)

، وقوله تعالى {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ}

(5)

الآية، ونحو ذلك ألا ترى أنه قابله في نقيضه بالإيمان فقال لا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، أي دخول تأبيد قاله صاحب المغيث

(6)

. وقال غيره من العلماء محمل الحديث وأمثاله أنه لا يدخلها مع الفائزين أو لا يدخلها حتى يعاقب بما اجترحه من الآثام أو لا يدخلها لأنه مستحل لذلك. قوله فقال رجل إن

(1)

صحيح مسلم (147)(91).

(2)

سنن الترمذي (1998 - 1999)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(3)

المستدرك للحاكم (1/ 78)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقد احتجا جميعًا برواته وله شاهد آخر على شرط مسلم.

(4)

سورة الزمر، الآية:60.

(5)

سورة الأعراف، الآية:46.

(6)

المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (3/ 8).

ص: 610

الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا وفعله حسنا الحديث واسم هذا الرجل القائل ذلك مالك بن مرارة الرُّهاوي [هو بالراء]، قاله القاضي عياض

(1)

، وأشار إليه أبو عمر بن عبد البر، ومرارة بضم الميم وبراء مكررة وآخره هاء والرهاوي نسبة إلى قبيلة. ذكره الحافظ عبد الغني بن سعيد البصري بفتح الراء، ولم [يذكره] ابن ماكولا وذكر الجوهري

(2)

في صحاحه أن الرهاوي نسبة إلى رُهاء بالضم حي من مدلج وحكى أبو القاسم خلف ابن عبد الملك بن بشكوال الحافظ في اسمه أقوالا أحدها أنه أبو ريحانة واسمه شمعون، [ذكره] ابن الأعرابي، وقيل اسمه ربيعة بن عامر قاله علي بن المديني، وقيل سواد بالتخفيف ابن عمرو ذكر ابن السكن، وقيل معاذ بن جبل ذكره ابن أبي الدنيا في كتاب الخمول والتواضع

(3)

، وقيل عبد الله بن عمرو بن العاصي وقيل خريم بن فاتك وقيل مالك بن مرارة، [و] جملة ما في اسمه سبعة أقوال، اهـ.

قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال، [اختلف] العلماء في معناه فقيل معناه أن أمره سبحانه وتعالى حسن جميل فله الأسماء الحسنى وصفات

(1)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 359).

(2)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (6/ 2366) انظر: الخطيب في الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة (5/ 369)، وابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة (1/ 276).

(3)

التواضع والخمول لابن أبي الدنيا (218) لكن ليس فيه ذكر معاذ بن جبل، ولم أدر مراد المصنف.، وقال ابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة (1/ 278): وقيل هو معاذ بن جبل.

ص: 611

الجمال والكمال. وقيل حسن الأفعال كامل الأوصاف، وقيل جميل بمعنى مجمل ككريم وسميع بمعنى مُكرم ومُسمِع، وقال أبو القاسم القشيري

(1)

معناه جليل

(2)

، وقال الخطابي

(3)

أنه بمعنى ذي النور والبهجة أي مالكهما. وقيل معناه جميل الأفعال بكم والنظر إليكم يكلفكم اليسير ويعين عليه ويثيب عليه الجزيل ويشكر عليه.

قال النووي

(4)

وهذا الاسم ورد في الحديث الصحيح وورد أيضا في حديث الأسماء الحسنة وفي إسناده مقال، والمختار جواز إطلاقه على الله سبحانه وتعالى ومن العلماء من منعه، وقال إمام الحرمين أبو المعالي: ما ورد الشرع بإطلاقه في أسمائه تعالى وصفاته أطلقناه وما منعه الشرع من إطلاقه منعناه وما لم يرد فيه إذن ولا منع لم نقض فيه بتحليل ولا منع، اهـ.

قوله صلى الله عليه وسلم: الكبر بطر الحق وغمط الناس، قال الحافظ بطر الحق هو دفعه، ورده، اهـ. وقال [الحافظ]

(5)

في النهاية

(6)

الكبر بطر الحق هو أن يجعل ما جعله الله حقا من توحيده وعبادته بإطلاق، وقيل هو أن يتجبر عند الحق فلا

(1)

شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 90).

(2)

هذه الجملة تكررت في الأصل وفي النسخة الهندية، وهي:(وقال أبو القاسم القشيري معناه جليل، وقيل معناه ذو النور والبهجة أي مالكهما).

(3)

شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 90).

(4)

شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 90).

(5)

حصل تقديم لهذه العبارة في النسخة الهندية، وأدرجت قبل قوله:(قوله صلى الله عليه وسلم: غمط الناس بفتح الغين المعجمة وسكون الميم وبالطاء المهملة هكذا هو في نسخ صحيح مسلم).

(6)

النهاية في غريب الأثر (1/ 135).

ص: 612

يراه حقا وقيل هو أن يتكبر عن الحق فلا يقبله، اهـ. وقال بعضهم الكبر بطر الحق فهو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا، والبطر الطغيان عند النعمة.

قوله صلى الله عليه وسلم: غمط الناس بفتح الغين المعجمة وسكون الميم وبالطاء المهملة هكذا هو في نسخ صحيح مسلم.

قال القاضي عياض

(1)

وفي البخاري أيضا بالطاء المهملة، قال [وبالظاء] ذكره أبو داود في مصنفه وذكره أبو عيسى الترمذي وأبو داود [و] غمص بالصاد المهملة وهما بمعنى واحد وهو احتقارهم وازدراؤهم، يقال غمطه يغمطه، فتح الميم وكسرها. [وفي رواية ولكن الكبر من بطر الحق، هذا على الحذف، أي ولكن ذو الكبر من بطر أو ولكن الكبر كبر من بطر، كقوله تعالى {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى}

(2)

]

(3)

.

4420 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل ممن كان قبلكم يجر إزاره من الخيلاء خسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة" رواه البخاري

(4)

والنسائي

(5)

وغيرهما.

[الخيلاء] بضم الخاء المعجمة وتكسر وبفتح الياء ممدودا: هو الكبر والعجب. [ويتجلجل] بجيمين: أي يغوص وينزل فيها.

(1)

مشارق الأنوار (2/ 135)، وشرح النووي على صحيح مسلم (2/ 90).

(2)

سورة البقرة، الآية:189.

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(4)

صحيح البخاري (3485).

(5)

سنن النسائي (8/ 206).

ص: 613

قوله وعن ابن عمر تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم بينما رجل ممن كان قبلكم يجر إزاره من الخيلاء خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة. تقدم الكلام على بينما والخيلاء هو الكبر والعجب اهـ. قاله الحافظ ويتجلجل أي يغوص وينزل فيها، قاله المنذري. أيضا وقال في النهاية

(1)

الجلجلة حركة مع صوت، قال العلماء قيل يحتمل أن يكون هذا الرجل من هذه الأمة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيقع هذا وقيل هو إخبار عمن قبل هذه الأمة وهذا هو الصحيح وهو الذي فهمه البخاري فأدخله في باب ذكر بني إسرائيل اهـ.

4421 -

وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا رجل ممن كان قبلكم خرج في بردين أخضرين يختال فيهما أمر الله عز وجل الأرض فأخذته، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة" رواه أحمد

(2)

والبزار

(3)

بأسانيد رواة أحدها محتج بهم في الصحيح.

قوله وعن أبي سعيد الخدري تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: بينما رجل ممن كان قبلكم خرج في بردين أخضرين يختال فيهما أمر الله الأرض فأخذته الحديث. البُرد بضم الباء الموحدة وإسكان

(1)

النهاية في غريب الأثر (1/ 284).

(2)

أخرجه أحمد (11353)، (11356). ومن طريقه أبو نعيم في مسانيد فراس بن يحيى (45).

(3)

أخرجه البزار (2951)(2952)، (2951)، (2953)، (2954)(زوائد)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 126): رواه أحمد والبزار بأسانيد، وأحد أسانيد البزار رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2914).

ص: 614

الراء المهملة نوع من الثياب معروف، قال في المحكم

(1)

ثوب [فيه] خطوط، والجمع أبراد وأبرُد وبرود. وقال أبو العباس القرطبي

(2)

البُردان الرداء والإزار وتقدم الكلام على [قوله] يتجلجل في الحديث قبله.

4422 -

وعن جابر رضي الله عنه، أحسبه رفعه:"أن رجلا كان في حلة حمراء، فتبختر واختال فيها، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة" رواه البزار

(3)

، رواته رواة الصحيح.

قوله وعن جابر هو ابن عبد الله تقدم الكلام عليه. قوله إن رجلا كان في حلة حمراء متبخترا واختال فيها، التبختر هو مشية فيها تمايل والحلة واحدة الحلل وهي برود اليمن ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد.

قوله صلى الله عليه وسلم: فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة تقدم معنى الخسف والجلجلة. [لطيفة:] حكاية غريبة رآى مالك بن دينار المهلب أمير المؤمنين وهو يتبختر في أثواب خيلائه فقال ارفع ثيابك فقال له المهلب أوَ ما تعرفني فقال بل أعرفك أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة. قاله الحصني في كتابه قمع النفوس

(4)

.

(1)

المحكم والمحيط الأعظم (9/ 323).

(2)

طرح التثريب في شرح التقريب (8/ 162).

(3)

البزار كشف الأستار (2955)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 126) رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2915).

(4)

انظر: حلية الأولياء (2/ 384)، وأدب الدنيا والدين (1/ 291)، وإحياء علوم الدين (3/ 340).

ص: 615

4423 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل رأسه، يختال في مشيته إذ خسف الله به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة" رواه البخاري

(1)

ومسلم

(2)

.

[مرجل]: أي ممشط.

قوله وعن أبي هريرة تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل رأسه يختال في مشيته الحديث. تقدم الكلام على بينما والحلة. وأما قوله تعجبه نفسه قال أبو العباس القرطبي

(3)

إعجاب الرجل بنفسه هو ملاحظته لها بعين الكمال والاستحسان مع نسيان منة الله تعالى فإن رفعها على الغير واحتقره فهو الكبر المذموم. وقوله مرجل رأسه يختال في مشيته وترجيل الشعر المراد به شعر الرأس خاصة.

قال في النهاية

(4)

تبعا للهروي: الترجيل تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه. وقال في المشارق: رجّل شعره أي مشطه وأرسله، ويقال شعر رجل بكسر الجيم وفتحها وضمها ثلاث لغات إذا كان بين السبوطة والجعودة. قلت [فيه] لغة رابعة وهي إسكان الجيم حكاها في المحكم، ثم قال في المشارق [قال الجوهري] الترجيل بلّ الشعر ثم يمشط، اهـ ذكره العراقي في شرح الأحكام

(5)

.

(1)

صحيح البخاري (3485).

(2)

صحيح مسلم (49)(2088).

(3)

طرح التثريب في شرح التقريب (8/ 162).

(4)

النهاية في غريب الأثر (2/ 203).

(5)

طرح التثريب في شرح التقريب (4/ 167).

ص: 616

وعن عائشه

(1)

أنها كانت ترجّل النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض، الترجيل تسريح الشعر وفيه دليل على استحباب تربية شعر الرأس للرجل والمستحب لمن طال شعر رأسه أن يتعاهده بالدهن والتسريح ولا يترك رأسه شعثة فإن لم يتفرغ لتعاهده بالدهن والتسريح فحلقه أفضل من تركه، كذا قاله الغزالي وهو ظاهر. وإذا سرّحه بدأ بالشق الأيمن، وكذلك ينبغي أن يبدأ بالشق الأيمن إذا سرّح لحيته، اهـ. وعن وائل بن حجر

(2)

قال رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولي شعر طويل فقال ذباب ذباب فانطلقت فأخذته فرآني النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لم أعنك، وهذا أحسن، رواه أبو داود في الترجيل

(3)

والنسائي في الزينة

(4)

. الذباب على لفظ جمع ذبابة الشؤم أي هذا شؤم، وقيل الذباب الشر الدائم يقال أصابه ذباب من هذا الأمر أي شر دائم بوّب عليه أبو داود باب تطويل الجمة. قال الخطابي

(5)

أخبرني أبو عمر عن أبي العباس أحمد بن يحيى قال

(1)

صحيح البخاري (2046).

(2)

أخرجه ابن سعد (6/ 26 - 27)، وأبن أبي شيبة في المصنف (25096)، وابن ماجه (3636)، والبزار (4482)، والطحاوي في المشكل (4/ 322) والطبراني في الكبير (22/ 40/ 99) والخطابي في الغريب (1/ 493)، والبيهقي في الشعب (6055 و 6056) وأبو سعد السمعاني في أدب الإملاء (ص 29)، وقال ابن حجر في فتح الباري (10/ 360) أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه. وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3636)، وصحيح وضعيف سنن أبي داود (4190).

(3)

أبو داود (4190).

(4)

النسائي (8/ 113 و 117)، وفي الكبرى (9332).

(5)

غريب الحديث للخطابي (1/ 493).

ص: 617

الذباب الشؤم، وقال ابن سيدة الذباب الأذى، قال الشاعر:

وليس بطارق الجيران مني

ذباب لا ينام ولا ينيم، اهـ

قاله في الديباجة.

قوله صلى الله عليه وسلم: في حديث أبي هريرة فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة الحديث، يتجلجل بالجيم، ورواه بعضهم بالخاء والأول أصح وأعرف والتجلجل السّوْخ في الأرض مع حركة واضطراب، قاله الخليل

(1)

.

وقال الأصمعي

(2)

هو الذهاب بالشيء والمجيء به وأصله التردد ومنه تجلجل في كلامه وتلجلج أي تردد وأما تخلخل فبعيد هنا إلا أن يكون من [قولهم] خلخلت العظم إذا أخذت ما عليه من اللحم أو من التخلل والتداخل خلال الأرض.

وقال النووي

(3)

ومعنى يتجلجل يخسف به بالتدريج إلى يوم القيامة يقال تجلجل في الأرض أي ساخ ودخل فيها وإنما لحقه هذا الوعيد الشديد لأنه كان يصنع ذلك تكبرا أو خيلاء، والخيلاء هو الكبر والعجب كما تقّدم.

فائدة: هذا الرجل الذي كان يمشي في حلة فخسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة اسمه الهيزن رجل من أعراب فارس وكذا ذكره

(1)

العين (6/ 18).

(2)

مشارق الأنوار (1/ 151).

(3)

شرح النووي على صحيح مسلم (14/ 64).

ص: 618

الطبري

(1)

أن اسمه الهيزن رجل من أعراب فارس وهم الترك وهو الذي جاء فيه الحديث بينما رجل يمشي في حلة يتبختر فيها فخسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ذكره السهيلي

(2)

في كتابه الإعلام وهو القائل فيما حكى الله تعالى عنه قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم في قصة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ورميه في النار [وهو الذي جاء فيه هذا الحديث].

4424 -

وروي عن كريب قال: "كنت أقود ابن عباس في زقاق أبي لهب فقال: يا كريب بلغنا مكان كذا وكذا؟ قلت: أنت عنده الآن، فقال: حدثني العباس بن المطلب رضي الله عنه قال: بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع إذ أقبل رجل يتبختر بين بردين، وينظر إلى عطفيه، وقد أعجبته نفسه إذ خسف الله به الأرض في هذا الموضع، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة" رواه أبو يعلى

(3)

.

(1)

تفسير القرطبي ج 15 ص 97.

(2)

انظر: مقدمة فتح الباري (1/ 329). وذكر السهيلي في مبهمات القرآن في سورة والصافات عن الطبري أن اسم الرجل المذكور الهيزن وأنه من أعراب فارس قلت وهذا أخرجه الطبري في التاريخ، قاله ابن حجر في فتح الباري (10/ 260).

(3)

مسند أبي يعلى (6699)، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (4/ 519) ورواه أبو يعلى الموصلي. أخرجه ابن أبي عمر وأحمد بن منيع في مسنديهما (المطالب العالية 2231)، والفاكهي في أخبار مكة (2102)، وابن أبىِ الدنيا في التواضع (250)، والبزار (1290)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 125): رواه أبو يعلى، والطبراني، والبزار بنحوه باختصار وفيه رشدين بن كريب، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1741).

ص: 619

قوله: وعن كريب قوله كنت أقود ابن عباس في زقاق أبي لهب، يعني حين عمي، وزقاق أبي لهب موضع معروف بمكة، وتقدم الكلام على ابن عباس رضي الله عنهما.

قوله: إذ أقبل رجل يتبختر بين بردين وينظر في عطفيه، أي جانبيه يعني تكبرا أو عجبا إذ خسف الله به الأرض في هذا الموطن فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة. والمراد بالموطن زقاق أبي لهب، وتقدم معنى الجلجلة.

4425 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لست ممن يفعله خيلاء" رواه مالك

(1)

والبخاري

(2)

، واللفظ له، وهو أتم، ومسلم

(3)

والترمذي

(4)

والنسائي

(5)

وتقدم في اللباس أحاديث من هذا.

قوله وعن ابن عمر المراد به عبد الله بن عمر تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه وإن كان على الله كريما تقدم الكلام على هذا الحديث في اللباس.

4426 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من تعظم في نفسه أو اختال في مشيته، لقي الله تبارك وتعالى وهو عليه

(1)

موطأ مالك (2/ 914/ 9).

(2)

صحيح البخاري (3665).

(3)

صحيح مسلم (42)(2085).

(4)

سنن الترمذي (1730) وقال: حديث حسن صحيح.

(5)

السنن الكبرى للنسائي (9633)، وأبو داود (4085).

ص: 620

غضبان" رواه الطبراني في الكبير

(1)

واللفظ له، ورواته محتج بهم في الصحيح، والحاكم

(2)

بنحوه، وقال: صحيح على شرط مسلم.

قوله وعن ابن عمر تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم من تعظم في نفسه أو اختال في مشيته لقي الله تبارك وتعالى وهو عليه غضبان، [التعظيم] في النفس هو الكبر والنخوة والزهو، قاله في النهاية

(3)

، والغضب في الآدمي هو حالة تحصل عند غَلَيانِ دم القلب لإرادة الانتقام جل ربنا وتعالى عن ذلك، وغضب الله تعالى هو انتقامه ممن عصاه.

4427 -

وعن خولة بنت قيس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مشت أمتي المطيطاء، وخدمتهم فارس والروم سلط بعضهم على بعض. رواه ابن حبان في صحيحه

(4)

، ورواه الترمذي

(5)

وابن

(1)

المعجم الكبير للطبراني (13، 14/ 64/ 13692)، وأحمد (5995)، والبخاري في الأدب المفرد (549)، والخرائطي في مساوئ الأخلاق (578)، والمزي في تهذيب الكمال (32/ 540)، وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1253) أخرجه أحمد والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب من حديث ابن عمر. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 98): رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (6157)، والصحيحة (543)، وصحيح الترغيب والترهيب (2918).

(2)

الحاكم في المستدرك (1/ 60)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والبيهقي في شعب الإيمان (7817).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 260).

(4)

ابن حبان (6716).

(5)

أخرجه الترمذي (2261) عن ابن عمر وقال: غريب، وابن المبارك (187)، والعقيلي في الضعفاء الكبير (4/ 161) وقال: كلها لا يتابع عليها إلا من جهة فيها ضعف، وابن عدي في =

ص: 621

حبان

(1)

أيضا من حديث ابن عمر.

[المطيطاء] بضم الميم وفتح الطاءين المهملتين بينهما ياء مثناة تحت ممدودا ويقصر: هو التبختر، ومد اليدين في المشي.

بئس العبد سها ولها

ونسي المقابر والبلى

قوله وعن خولة بنت قيس كذا.

قوله صلى الله عليه وسلم إذا مشت أمتي المطيطا وخدمتهم فارس والروم سلط بعضهم على بعض. الحديث. المطيطا بضم الميم وفتح الطاءين المهملتين بينهما ياء مثناة تحت ممدود أو يقصر وهو التبختر ومد اليدين في المشي، اهـ، قاله المنذري. وقال بعض العلماء المطيطا مشية فيها تبختر ومد اليدين، يقال مطوت ومططت يعني مددت والتمطي من ذلك لأنه إذا تمطى مد يديه، ومنه قوله تعالى يتمطى أي يتبختر وهي من المصغرات التي لم يستعمل لها مكبر، [ومثله] حديث علي رضي الله عنه إذا مشت هذه الأمة السميهاء فقد تودع منهم، السمها والسميها بضم السين وتشديد الميم التبختر من الكبر وفي هذا الباطل

= الكامل (9/ 517) وقال: وهذه الأحاديث لموسى عن عَبد الله بن دينار ليست هي محفوظة. وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة (6/ 525)، وقوام السنة في الترغيب والترهيب (636) وفي إسناده موسى بن عبيدة وهو ضعيف، وقال الذهبي في الميزان (6/ 136): الحديث لم يصح.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (132)، وفي الكبير (238) -الجزء المفقود من رواية أبي هريرة- وحسّن إسناده الهيثمي في المجمع (10/ 237). انظر العلل للدارقطني (11/ 173)، وقد صححه الألباني في صحيح الجامع (801)، والسلسلة الصحيحة (956)، وصحيح الترغيب والترهيب (2919).

(1)

لم أجده.

ص: 622

والكذب، اهـ. قال الشاعر:

ولا تمشين في الأرض إلا تواضعا

فكم تحتها قوم هم منك أفضل

قوله وخدمتهم فارس والروم، المراد بفارس والروم أي أبناء الملوك، أبناء فارس والروم، وسلط الله شرارها على خيارها [يعني] إذا صارت أمتي متكبرين وعظم ملكهم وأخذوا بفارس والروم وخدمتهم أبناء فارس والروم سلط الله أي جعل الله الحكم بأيدي الظالمين فيظلمون الصالحين ويؤذونهم وهذا نتيجة فساد بعض الأئمة اهـ. والله أعلم.

4428 -

وروي عن أسماء بنت عميس رضي الله عنهما قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بئس العبد عبد تخيل واختال، ونسي الكبير المتعال بئس العبد عبد تجبر واعتدى، ونسي الجبار الأعلى. بئس العبد عبد سها ولها ونسي المقابر والبلى بئس العبد عبد عتى وطغى، ونسي المبتدا والمنتهى بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين بالشهوات بئس العبد عبد طمع يقوده بئس العبد عبد هوى يضله. بئس العبد عبد رغب يذله" رواه الترمذي

(1)

، وقال:

(1)

سنن الترمذي (2448)، وأخرجه الحاكم (4/ 351)، وقال: هذا حديث ليس في إسناده أحد منسوب إلى نوع من الجرح وإذا كان هكذا فإنه صحيح ولم يخرجاه، وأبن أبي الدنيا في التواضع والخمول (204)، وابن أبي عاصم الزهد (172)، (286)، وفي السنة (10)، والخرائطي في اعتلال القلوب (97)، والطبراني في المعجم الكبير (24/ 156/ 401)، والبيهقي في شعب الإيمان (7832)، وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1251) أخرجه الترمذي وقال غريب وليس إسناده بالقوي ورواه الحاكم في المستدرك وصححه ورواه البيهقي في الشعب من حديث نعيم بن عمار وضعفه. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2350)، وفي ضعيف الترغيب والترهيب (1742).

ص: 623

حديث غريب، ورواه الطبراني

(1)

من حديث نعيم بن همار الغطفاني أخصر منه وتقدم.

قوله وروي عن أسماء بنت عميس، أسماء بنت عميس امرأة جعفر بن أبي طالب، وعميس أبوها وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث من كنانة وهي أخت ميمونة بنت الحارث الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: بئس العبد عبد تخيّل، واختال، ونسي الكبير المتعال، بئس موضوعة للذم ونعم للمدح.

[قوله]

(2)

تخيل واختال أي تخيل أنه خير من غيره فتكبر، والكبير المتعال، قال ابن الأثير هو العظيم ذو الكبرياء، وقيل المتعال عن صفات الخلق، وقيل المتكبر على عتات خلقه، والتاء فيه للتفرد والتخصيص لا للتعاطي والتكلف [والمتعالي] الذي جل عن إفك المفترين وعلا شأنه، وقد يكون بمعنى العالي.

(1)

الطبراني في الكبير (24/ 156/ 401) عن نعيم بن همار، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (7833)، وابن أبي عاصم في السنة (9)، وابن عدي في الكامل (6/ 327)، وقال: وهذا الحديث يعرف بأسماء بنت عميس، عن النبي صَلي الله عَليه وسلم، ومن هذا الطريق لم يروه إلا طلحة بن زيد.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 234) رواه الطبراني، وفيه طلحة بن زيد الرقي، وهو ضعيف. وضعفه جدًا الألباني في ضعيف الجامع (2350)، وفي ضعيف الترغيب والترهيب (1084).

(2)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 624

قوله صلى الله عليه وسلم: بئس العبد عبد تجبر واعتدى ونسي الجبار الأعلى، التجبر والاعتداء كذا.

قوله صلى الله عليه وسلم: بئس العبد عبد سهى ولهى ونسي المقابر والبلى أي اشتغل باللعب.

قوله صلى الله عليه وسلم: بئس العبد عبد عتا وطغى ونسي المبتدا والمنتهى، العتو التجبر والتكبر، وطغا أي جاوز الحد والقدر في الشر. وقوله ونسي المبتدا والمنتهى أي نسي ابتداء خلقه وهو كونه نطفة وانتهاء حاله الذي يصير إليه وهو أن يكون ترابا.

قوله صلى الله عليه وسلم: بئس العبد عبد يختل الدين بالشهوات، وفي بعض الروايات يختل الدنيا بالدين أي يطلب الدنيا بعمل الآخرة يريك دينا وورعا حتى إذا ظفر بشيء من أمر الدنيا انكشف ضميره الخبيث قبّح الله الفاعل لذلك، يقال ختله يختله إذا خدعه وراوغَه ويختل الدين بالشهوات أي يقع في الحرام بالتأويل.

قوله صلى الله عليه وسلم: بئس العبد عبد طمع يقوده أي ذو طمع يقوده الطمع كذا.

قوله صلى الله عليه وسلم: بئس العبد عبد هوى يضله، أي شهوة أي ذو هوى، من الطريق المستقيم.

قوله صلى الله عليه وسلم: بئس العبد عبد رُغب بذله والرغب بضم الراء المهملة وإسكان الغين المعجمة ثم بالباء الموحدة هو الشَرَه. قال الجوهري

(1)

يقال الرغب

(1)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (1/ 137).

ص: 625

شؤم أي الشره والحرص على الدنيا وقيل [سعة]

(1)

[الأمل] وطلب الكثير ومنه حديت مازن: وكنت امرأ بالرغب والخمر مولعا. أي بسعة البطن وكثرة الأكل، ويروى بالزاي يعني الجماع وفيه نظر، [وقيل سعة الأمل وطلب الكثير]. [قاله في النهاية

(2)

]

(3)

.

4429 -

وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في جهنم واديا يقال له هبهب، حقا على الله أن يسكنه كل جبار عنيد" رواه أبو يعلى

(4)

والطبراني

(5)

والحاكم

(6)

كلهم من رواية أزهر بن سنان، وقال الحاكم:

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 238).

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(4)

أبو يعلى (7249)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 226) رواه أبو يعلى، وفيه أزهر بن سنان، وقد وثق على ضعفه.

(5)

الطبراني، في الأوسط (3548). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 197) رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن.

(6)

الحاكم (4/ 332، 596)، وأخرجه ابن أبي شيبة (13/ 165)، والدارمي (2/ 427)، وابن أبي الدنيا في التواضع (ص 209)، ووكيع في أخبار القضاة (2/ 25)، والعقيلي (1/ 134)، وابن حبان في المجروحين (1/ 178)، وابن عدي (1/ 430)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 264)، وأبو بكر الإسماعيلي في المعجم (2/ 630)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 355) البيهقي في البعث (ص 276)، وقال ابن حبان: هذا متن لا أصل له. وقال الحاكم في الموضع الأول: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال في الموضع الثاني: هذا حديث تفرد به أزهر بن سنان عن محمد بن واسع، لم نكتبه عاليا إلا من هذا الوجه. وواففه الذهبي في التلخيص. وقال ابن الجوزي: هذا حديث ليس =

ص: 626

صحيح الإسناد.

[هبهب] بفتح الهاءين وموحدتين.

قوله وعن أبي موسى، أبو موسى اسمه عبد الله بن قيس تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم إن في جهنم واديا يقال له هبهب بفتح الهاءين وبالباءين الموحدتين، [قاله المنذري]

(1)

. والهبهب السريع، وهبهب الشراب إذا ترقرق، قاله في النهاية

(2)

.

4430 -

وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم" رواه الترمذي

(3)

، وقال حديث حسن.

= بصحيح. قال يحيى بن معين: الأزهر ليس بشيء.

قلت: وخالف هشام بن حسان أزهر بن سنان، فرواه عن محمد بن واسع، قال: بلغني أن في النار جبا يقال له: جب الحزن، يؤخذ المتكبرون فيجعلون في توابيت من نار، فيجعلون في ذلك البئر، فيطبق عليهم، وجهنم من فوقهم. أخرجه العقيلي (1/ 134)، ثم قال: وهذا الحديث أولى من حديث أزهر. قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1252) فيه أزهر بن سنان ضعفه ابن معين وابن حبان وأورد له في الضعفاء هذا الحديث. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 374) أزهر بن سنان ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1743)، وفي السلسلة الضعيفة (1181).

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 241).

(3)

سنن الترمذي (2000)، وابن أبي الدنيا التواضع والخمول (198)، والروياني (167)، والطبراني المعجم الكبير (7/ 21)(6254)، والبغوي (3589). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1744)، وضعيف الجامع الصغير وزيادته (6344)، وفي =

ص: 627

[قوله: يذهب بنفسه]: أي يترفع ويتكبر.

قوله وعن سلمة بن الأكوع، وهو لغة، المحوج أي طرف الزند الذي يلي الإبهام واسم الأكوع سنان بن عبد الله الأسلمي المدني وسلمة يكنى بأبي مسلم أو أبي إياس أو أبي عامر وقيل: هو [أبو]

(1)

عمرو بن الأكوع شهد بيعة الرضوان وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلاث في أول الناس وأوسطهم وآخرهم، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة وسبعون حديثا، خرّج البخاري منها أحدا وعشرين، وكان شجاعا [راميا] يسبق الفرس فاضلا خيِّرا سكن الربذة، ويقال أنه كلمه الذئب [قال سلمة رأيت الذئب]

(2)

قد أخذ ظبيا فطلبته حتى نزعته منه فقال ويحك مالي ولك عمدت إلى رزق رزقنيه الله ليس من مالك [فتنزعه] منى قال قلت [يا] عباد الله إن هذا لعجب ذئب يتكلم، فقال الذئب أعجب منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصول النخل يدعوكم إلى عبادة الله وتأبون إلا عبادة الأوثان، قلت فلحقت برسول الله فأسلمت، مات سنة أربع وسبعين بالمدينة وهو ابن ثمانين سنة، قاله الكرماني

(3)

. قوله صلى الله عليه وسلم لا يزال الرجل يذهب بنفسه الحديث أي يرتفع ويتكبر. [قال] الحافظ وفيه التحذير من [المبادئ] المؤدية إلى الإعجاب قاله في الحدائق.

= السلسلة الضعيفة (1914).

(1)

هكذا هذه العبارة في النسخة الهندية، وفي الأصل:(ابن).

(2)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(3)

الكواكب الدراري (2/ 115).

ص: 628

4431 -

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر منه: العجب" رواه البزار

(1)

بإسناد جيد.

قوله وعن أنس تقدم قوله صلى الله عليه وسلم لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر من العُجب، والعجب أن ينظر العبد إلى نفسه بعين العظمة وينظر غيره فقيرا ويقول أنا وأنا كما قال إبليس أنا خير منه ويطلب الترفع في المجالس والتصدر ويستنكف من رد الكلام، قاله صاحب زاد المسافر وتقدم الكلام عليه قريبا في كلام القرطبي.

4432 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله عز وجل من الجعل الذي يدهده الخرء بأنفه إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي، وفاجر شقي، الناس بنو آدم، وآدم خلق من تراب" رواه أبو

(1)

مسند البزار= البحر الزخار (6936)، وأخرجه البيهقي في الشعب (6868)، والقضاعي في مسند الشهاب (1447)، والخرإئطي مساوئ الأخلاق (568)، والعقيلي في الضعفاء الكبير (2/ 159) في ترجمة سلام بن أبي الصهباء، وقال: ولا يتابع عليه، عن ثابت، وقد روي بغير هذا الكلام بإسناد صالح. وأخرجه ابن حبان في المجروحين (1/ 340) في ترجمة سلام، وقال: من فحش خطؤه وكثر وهمه لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، ومن زعم أنه أخو عبد الرحمن بن أبي الصهباء فقد وهم ذاك صدوق وهذا مخطئ، قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1286) وفيه سلام بن أبي الصهباء قال البخاري منكر الحديث. وقال أحمد حسن ورواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي سعيد بسند ضعيف جدا. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5303)، والصحيحة (658).

ص: 629

داود

(1)

والترمذي

(2)

واللفظ له، وقال: حديث حسن، وستأتي أحاديث من هذا النوع في الترهيب من احتقار المسلم إن شاء الله. [الجعل] بضم الجيم وفتح العين المهملة: هو دويبة أرضية. [يدهده]: أي يدحرج، وزنه ومعناه. [والعبية] بضم العين المهملة وكسرها، وتشديد الباء الموحدة وكسرها، وبعدها ياء مثناة تحت مشددة أيضا: هي الكبر والفخر والنخوة.

قوله وعن أبي هريرة تقدم قوله صلى الله عليه وسلم لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذي ماتوا إنما هم فحم جهنم وليكونن أهون على الله من الجُعَل الذي يُدَهْرِهُ الخرا بأنفه الحديث. [يدهده] أي يدحرج وزنه معناه، قاله المنذري، وفي حياة الحيوان للدميري روى ابن عدي

(3)

في ترجمة أبي معشر واسمه نجيح عن المقبري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليدعن الناس فخرجهم في الجاهلية أو ليكونن أبغض إلى الله من الخنافس

(4)

، والمراد بالجاهلية المدة التي كانت قبل نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كانوا عليه من فاحش الجهالات وقيل هو زمن الفترة مطلقا. قاله في النهاية

(5)

. والجُعَل بضم الجيم وفتح العين المهملة هو دويبة أرضية اهـ، قاله

(1)

أبو داود (5116)، وعنه البيهقي في الآداب (423).

(2)

الترمذي (3956) والحديث؛ أخرجه الطيالسي (2447)، وأحمد (8736، 10781) والبزار (8526)، والبيهقي 10/ 232. وحسنه الألباني في الترغيب والترهيب (2965).

(3)

ابن عدي في الكامل (10/ 219).

(4)

حياة الحيوان الكبرى (1/ 429).

(5)

هذا كلام الكرماني انظر: الكواكب الدراري (1/ 38).

ص: 630

المنذري. وقال في حياة الحيوان

(1)

الجعل كوزن صُرَد ورطب جمعه جعلان ويقال له أبو جعران وهو دويبة معروفة تسمى الزعقوق تعض البهائم في فروجها فتهرب وهو أكبر من الخنفساء شديد السواد في بطنه لون حمرة للذكر قرنان يوجد كثيرا في مراح البقر والجاموس ومواضع الروث يتولد غالبا من أحشاء البقر ومن شأنه جمع النجاسة وادخارها ومن عجيب أمره أنه يموت من ريح الورد وريح الطيب فإذا أعيد إلى الروث عاش. قال أبو الطيب يصفه: كما تضُرّ رياح الورد بالجعل، وله جناحان لا تكادان تريان إذا طار وله ستة أرجل وسنام مرتفع جدا وهو يمشي القهقري إلى خلفه وهو مع هذه المشية يهتدي إلى بيته وإذا أراد الطيران تنفس فيظهر [جناحاه] ومن عادته أن يحرس النيام فمن قام منهم لحاجته تبعه وذلك من شهوته للغليظ لأنه قوته، اهـ.

قوله في حديث ابن عدي أو ليكونن أبغض إلى الله من الخنافس. الخنافس جمع خنفساء وهي بفتح الفاء ممدودة والأنثى خنفسة وضم الفاء في ذلك لغة وكنيتها أم الأسود وهي معروفة تتولد من عفونة الأرض [وبينها]

(2)

وبين العقرب صداقة ولهذا تسميها أهل المدينة الشريفة جارية العقرب وهي أنواع منها الجعل وحمار قبّان وبنات وَرْدَان وهي مخصوصة بكثرة الفسو ولذلك تقول العرب في أمثالها الخنفساء إذا تحركت نفست.

(1)

حياة الحيوان الكبرى (1/ 281).

(2)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 631

تنبيه: قال الأصفهاني صاحب المغيث

(1)

في حديث الحجاج أنه رآى خنفساة فقال قاتل الله تعالى أقواما يزعمون أن هذه من خلق الله تعالى، فقيل مم هي؟ فقال هي من وَدَح إبليس. الودحُ ما يتعلق بإلية الشاة من البعر وغيره، يقال ودَحَت الغنم تَوْدَح وتأدح ودحا، وقد ذكره صاحب التتمة بالخاء المعجمة اهـ.

فائدة: حكى القزويني أن رجلا رآى خنفساء فقال ماذا يريد الله من خلق هذه حسن شكلها أو طيب ريحها؟ فابتلاه الله بقرحة عجز عنها الأطباء حتى ترك علاجها، فسمع يوما صوت طبيب من الطرقيين ينادي في الدرب فقال هاتوه حتى ينظر في أمري فقالوا ما تصنع بطُرقيّ وقد عجز عنك الأطباء الحذّاق فقال لا بد لي منه، فلما أحضروه ورآى القرحة استدعى بخنفسة فضحك الحاضرون فتذكر العليل القول الذي سبق منه فقال أحضروا ما طلب فإن الرجل على بصيرة، فأحرقها ودرّ رمادها على قرحته فبرئ بإذن الله تعالى، فقال للحاضرين إن الله أراد أن يعرفني أن أخس المخلوقات أعز الأدوية.

وحكى ابن خلكان

(2)

في ترجمة جعفر بن خالد البرمكي أنه كان عنده أبو عبيد الثقفي فقصدته خنفساء فأمر جعفر بإزالتها فقال أبو عبيد دعوها عسى يأتيني بقصدها إليّ خير فإنهم يزعمون ذاك فأمر له جعفر بألف دينار وقال تحقق زعمهم وأمر بتنحيتها فقصدته ثانيا فأمر له بألف دينار أخرى اهـ. ذكر ذلك في حياة الحيوان

(3)

الخواص إذا أخذت رءوس الخنافس وجعلت في برج حمام اجتمع

(1)

المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (3/ 402).

(2)

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان (1/ 332).

(3)

حياة الحيوان الكبرى (1/ 430).

ص: 632

الحمام إليه والاكتحال بما في جوفها من الرطوبة يحد البصر ويجلو غشاوة العين ويزيل البياض وينفع السل نفعا بليغا. وقال حنيس بن إسحاق طريق طرد الخناس أن تطرح في أماكنها الكرفس فإنها تهرب من ذلك المكان اهـ.

قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله أذهب عنكم عبيّة الجاهلية وفخرجها بالآباء. العبية قد ضبطها الحافظ وفسرها فقال هي الكبر والفخر والنخوة، اهـ.

قوله إنما هو مؤمن تقي وفاجر شقي، الحديث. يعني انقسم الخلائق على طائفتين مؤمن تقي أو فاجر شقي فإن كان مؤمنا فلا ينبغي للمؤمن أن يتكبر على أحد وإن كان فاجرا فهو ذليل عند الله تعالى، والذليل لا [يستحق] التكبر، والتكبر منهي عنه بكل حال، اهـ. قال العلماء معنى الحديث شببهم النبي صلى الله عليه وسلم حالة افتخارهم بآبائهم الذين ماتوا في الجاهلية بعد أن نهاهم [بالجعل، وشبَّه] آبائهم المفتخر بهم بالخراء وشبه نفسه افتخارهم به بالدهدهة بالأنف انتهى. [وفي مسند أبي داود الطيالسي

(1)

وشعب البيهقي

(2)

عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تفتخروا بآبائكم الذين ماتوا في الجاهلية فوالذي نفسي بيده لما يدحرج الجعل بأنفه خير من آباءكم الذين ماتوا في

(1)

أخرجه الطيالسي (2804).

(2)

البيهقي في شعب الإيمان (4766). والحديث؛ أخرجه أحمد (2739)، وابن حبان (5775)، والطبراني في المعجم الكبير (11/ 317/ 11861، 11862)، وفي الأوسط (2599)، (11861)، وابن عدي في الكامل (3/ 474)، وأورده الهيثمي في المجمع 8/ 85 وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط والكبير بنحوه، ورجال أحمد رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (2/ 252)، والتعليق الرغيب (4/ 21).

ص: 633

الجاهلية. وفي حديث أبي الأحوص الذي رواه الحاكم

(1)

والطبراني

(2)

عن ابن مسعود أنه قرأ {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ}

(3)

، فقال كاد الجعل أن يعذب في حجره بذنب ابن آدم. وروى الطبراني

(4)

وابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات

(5)

والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود

(6)

أيضا قال إن ذنوب بني آدم لتقتل الجعل في حجره. وقال مجاهد

(7)

في قوله تعالى {وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}

(8)

دواب الأرض الخنافس والجعلان منعوا القطر لخطاياهم أي لخطايا بني آدم]

(9)

.

(1)

الحاكم (2/ 464)، وقال: صحيح الإسناد.

(2)

الطبراني في معجمه الكبير (9/ 214/ 9040)، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (34565)، وابن أبى حاتم في تفسيره (10/ 3187) وأورده السيوطي في الدر المنثور (5/ 140)، وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود.

(3)

سورة فاطر، الآية:45.

(4)

الطبراني في معجمه الكبير (9/ 214/ 9040).

(5)

العقوبات لابن أبي الدنيا (273).

(6)

البيهقي في شعب الإيمان (7074).

(7)

حياة الحيوان الكبرى (1/ 282).

(8)

سورة البقرة، الآية:159.

(9)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 634