المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في إماطة الأذى عن الطريق وغير ذلك مما يذكر - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١١

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترغيب في الخلق الحسن وفضله والترهيب من الخلق السيئ وذمه]

- ‌[الترغيب في الرفق والأناة والحلم]

- ‌[الترغيب في طلاقة الوجه وطيب الكلام وغير ذلك مما يذكر]

- ‌[الترغيب في إفشاء السلام وما جاء في فضله وترهيب المرء من حب القيام له]

- ‌فصل

- ‌[الترغيب في المصافحة والترهيب من الإشارة في السلام وما جاء في السلام على الكفار]

- ‌[الترهيب أن يطلع الإنسان في دار قبل أن يستأذن]

- ‌[الترهيب أن يتسمع حديث قوم يكرهون أن يسمعه]

- ‌[الترغيب في العزلة لمن لا يأمن على نفسه عند الاختلاط]

- ‌[الترهيب من الغضب والترغيب في دفعه وكظمه وما يفعل عند الغضب]

- ‌[الترهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر]

- ‌[الترهيب من قوله لمسلم يا كافر]

- ‌[الترهيب من السباب واللعن لا سيما لمعين آدميا كان أو دابة وغيرهما وبعض ما جاء في النهي عن سب الديك والبرغوث والريح والترهيب من قذف المحصنة والمملوك]

- ‌الترهيب من السباب واللعن لاسيما لمعين آدميًّا كان أو دابةً وغيرهما، وبعض ما جاء في النهي عن سب الديك والبرغوث والريح، والترهيب من قذف المحصنة والمملوك

- ‌[الترهيب من سبّ الدهر]

- ‌الترهيب من ترويع المسلم ومن الإشارة إليه بسلاح ونحوه

- ‌[النهى عن حمل السلاح على المسلم]

- ‌الترغيب في الإصلاح بين الناس

- ‌الترهيب من النميمة

- ‌الترهيب من الغيبة والبهت وبيانهما والترغيب في تركهما

- ‌الترغيب في الصمت إلا عن خير والترهيب من كثرة الكلام

- ‌التَّرْهِيب من الْحَسَد وَفضل سَلامَة الصَّدْر

- ‌الترغيب في التواضع والترهيب من الكبر والعُجْب والافتخار

- ‌الترهيب من القول للفاسق والمبتدع يا سيدي ونحوها من الكلمات الدالة على التعظيم

- ‌الترغيب في الصدق والترهيب من الكذب

- ‌ترهيب ذي الوجهين واللسانين

- ‌[الترهيب من الحلف بغير الله سبحانه وتعالى سيما بالأمانة ومن قوله أنا بريء من الإسلام أو كافر أو نحو ذلك]

- ‌الترهيب من احتقار المسلم وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى

- ‌الترغيب في إماطة الأذى عن الطريق وغير ذلك مما يذكر

الفصل: ‌الترغيب في إماطة الأذى عن الطريق وغير ذلك مما يذكر

‌الترغيب في إماطة الأذى عن الطريق وغير ذلك مما يذكر

4497 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وستون أو سبعون شعبة أدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأرفعها قول: لا إله إلا الله" رواه البخاري

(1)

ومسلم

(2)

وأبو داود

(3)

والترمذي

(4)

والنسائي

(5)

وابن ماجه

(6)

.

[أماط] الشيء عن الطريق: نحاه وأزاله، والمراد بالأذى كل ما يؤذي المار كالحجر والشوكة والعظم والنجاسة ونحو ذلك.

قوله عن أبي هريرة تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم الإيمان بضع وستون أو وسبعون شعبة أدناها إماطة الأذى عن الطريق وأرفعها قول لا إله إلا الله. وفي حديث آخر والحياء شعبة من الإيمان. قوله الإيمان بضع، البضع والبضعة بكسر الباء فيهما وفتحها هذا في العدد وأما بضعة اللحم فبالفتح لا غير، والبضع في العدد ما بين الثلاث والعشرة والشعبة القطعة من الشيء ومنه التشعب وهو التفرق. قوله إماطة

(1)

صحيح البخاري (9).

(2)

صحيح مسلم (58)(35).

(3)

سنن أبي داود (4676).

(4)

سنن الترمذي (2614).

(5)

سنن النسائي (8/ 110).

(6)

سنن ابن ماجه (57).

ص: 761

الأذى، أماط الشيء أزاله ونحَّاه، والمراد بالأذى كل ما يؤذي المار كالحجر والشوك والعظم والنجاسة ونحو ذلك، اهـ. قاله المنذري ..

4498 -

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ووجدت في مساوي أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن" رواه [مسلم]

(1)

وابن ماجه

(2)

.

قوله وعن أبي ذر تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم عرضت عليّ أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يُماط عن الطريق الحديث، المراد بإماطة الأذى عن الطريق إزالة ما يؤذي المار من حجر أو شوك وكذا قطع الأحجار من الأماكن الوعرة كما يفعل في طريق الحاج وكذا كنس الطريق عن التراب الذي يتأذى به المار وردم ما فيه [من حفرة أو رهدة وقطع شجرة تكون في الطريق، وفي معناه توسيع الطريق التي تضيق على المارة وإقامة من يبيع أو يشتري في وسط الطرق العامة كمحل السعي بين الصفا والمروة ونحو ذلك، فكله من باب إماطة الأذى عن الطريق، ومن ذلك ما يرتفع إلى درجة الوجوب كالبئر التي في وسط الطريق التي يخشى أن يسقط فيها الأعمى والصغير والدابة فإنه يجب طمسها والتحويط عليها إن لم تضر المارة، انتهى، قاله في حدائق الأولياء.

(1)

صحيح مسلم (57)(553).

(2)

سنن ابن ماجه (3683).

ص: 762

قوله صلى الله عليه وسلم: (

) وفي بعض النسخ: النخاعة، وتقدم الكلام على ذلك بابه.

قوله: صلى الله عليه وسلم:

] من الإيمان بالله، [و] الإيمان بالله الاعتراف بوجوده والإيمان له القيام بالطاعة له وكذا الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم والإيمان له. فالأول هو التصديق بوجوده و [بكونه] نبيا والثاني قبول شرائعه والإيمان بالكتاب إيمان بما دل على أنه من عند الله، وقد يقال آمنت للكتاب بمعنى الانقياد لأوامره ونواهيه والثقة بوعده ووعيده. قوله بضع وستون أو وسبعون، كذا وقع في راية سهيل عند مسلم على الشك أيضا، ورواه البخاري بضع وستون ورواه الترمذي وأبو داود من روايته أيضا بضع وسبعون بلا شك، ورواه الترمذي من طريق آخر أربعة وستون بابا، واختلف العلماء في الراجح من الروايتين فصوّب القاضي عياض رواية بضع سبعين وقال ابن الصلاح

(1)

.

هذا الشك الواقع في رواية سهيل هو من سهيل، كذا قاله الحافظ أبو بكر البيهقي

(2)

، وقد روى عن سهيل بضع وسبعون من غير شك وروي بضع وستون والراجح رواية الأقل، ورجّح أبو عبد الله الحليمي رواية الأكثر فإن الحكم لمن حفظ الزيادة جازما بها والكلام في هذه الشعب يطول وقد صنف في ذلك مصنفات من أغزرها فوائد كتاب المنهاج لأبي عبد الله الحليمي إمام الشافعيين ببخارى وكان من [رفعاء] أئمة المسلمين وحذى حذوه الفقيه أبو بكر البيهقي في كتابه الجليل الحفيل كتاب شعب الإيمان.

(1)

شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 3).

(2)

شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 4).

ص: 763

وفي رواية الترمذي وغيره تسمية الشعبة بابا والمراد بالباب الموصل إلى الإيمان فكل هذه الشعب أبواب لذلك [فمعنى] وله بضع وسبعون شعبة بضع وسبعون خصلة الإيمان في اللغة التصديق، وفي الشرع تصديق القلب واللسان وظواهر السنة مطلقة على الأعمال كما وقع ها هنا أرفعها، وفي رواية أفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، ونبه صلى الله عليه وسلم على أن أفضلها التوحيد المتعين على كل أحد والذي [لا]

(1)

يصح شيء من الشعب إلا بعد صحته وأدناها ما يتوقع ضرره بالمسلمين من إماطة الأذى عن الطريق وبقي بين هذين الطرفين أعداد لو تكلف تحصيلها بغلبة الظن وشدة التتبع [لأمكنه]، وقد فعل ذلك بعض من تقدم.

قال الإمام الحافظ أبو حاتم بن حبان

(2)

تتبعت معنى الحديث مدة وعددت الطاعات فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئا كثيرا فرجعت إلى السنن فإذا هي تنقص [عن] البعض والسبعين فرجعت إلى كتاب الله فقرأته بالتدبر وعددت كل طاعة عدها الله تعالى من الإيمان فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فضممت الكتاب إلى السنة وأسقطت المعاد فإذا هي سبع وسبعون شعبة لا تزيد عليها ولا تنقص فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم[أنّ هذا العدد] في الكتاب والسنة. وذكر أبو حاتم جميع ذلك في كتاب وصف الإيمان وشعبه. قوله الحياء. والحياء ممدود من الاستحياء.

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

طبقات الفقهاء الشافعية (1/ 118)، وشرح النووي على صحيح مسلم (2/ 4).

ص: 764

قال القاضي

(1)

[وغيره] إنما جعل الحياء من الإيمان [و] إن كان غريزة لأنه قد يكون [تخلقا] واكتسابا كسائر أعمال البر وحقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق الصريح. قال البغوي في شرح السنة

(2)

.

معنى قوله صلى الله عليه وسلم والحياء شعبة من الإيمان أنه كما يترك الإنسان المعاصي للإيمان يتركها للحياء، ومنه الحديث إذا لم تستحي فاصنع ما شئت، يريد من لم يصحبه الحياء صنع ما يشاء من ارتكاب الفواحش [ويقارف] القبائح فكلما كان الحياء سببا [لمنعه] عن المعاصي كالإيمان عد الحياء من شعب الإيمان وإن لم يكن أمرا مكتسبا [قاله في الديباجة].

4498 -

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ووجدت في مساوي أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن" رواه [مسلم]

(3)

وابن ماجه

(4)

.

[قوله وعن أبي ذر تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم عُرِض عليّ أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، الحديث. المراد بإماطة الأذى عن الطريق إزالة ما يؤذي المار من حجر أو شوك وكذا قطع الأحجار من

(1)

شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 5).

(2)

شرح السنة (1/ 36).

(3)

صحيح مسلم (57)(553).

(4)

ابن ماجه (3683).

ص: 765

الأماكن الوعرة كما يفعل في طريق الحاج وكذا كنس الطريق عن التراب الذي يتأذى به المار وردم ما فيه من حفرة أو وهدة وقطع شجرة تكون في الطريق، وفي معناه توسيط الطرق التي تضيق على المارة أو إقامة من يبيع أو يشتري في وسط الطرق العامة كمحل السعي بين الصفا والمروة ونحو ذلك وكله من باب إماطة الأذى عن الطريق. ومن ذلك ما يرتفع إلى درجة الوجوب كالبئر التي في وسط الطريق التي يخشى أن يسقط فيها الأعمى والصغير، الدابة فإنه يجب طمسها أو التحويط عليها إن لم يضر المارة، اهـ قاله في حدائق الأولياء. قوله صلى الله عليه وسلم ووجدت في مساوئ أعماله النخامة تكون في المسجد لا تدفن وفي بعض النسخ النخاعة، وتقدم الكلام على ذلك في بابه]

(1)

.

4499 -

وعن أبي برزة رضي الله عنه قال: "قلت يا نبي الله: إني لا أدري نفسي تمضي أو أبقى بعدك فزودني شيئا ينفعني الله به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افعل كذا، افعل كذا، وأمر الأذى عن الطريق".

4500 -

وفي رواية قال أبو برزة: "قلت يا نبي الله: علمني شيئا أنتفع به، قال: اعزل الأذى عن طريق المسلمين" رواه مسلم

(2)

وابن ماجه

(3)

.

قوله عن أبي برزة، أبو برزة اسمه نضلة بن عبيد هذا هو الصحيح المشهور في اسمه. قوله صلى الله عليه وسلم[

وفي رواية قال: اعزل] الأذى عن طريق المسلمين، تقدم تفسيره في الحديث قبله.

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

صحيح مسلم (131)(2618).

(3)

سنن ابن ماجه (3681).

ص: 766

4501 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين الاثنين صدقة، ويعين الرجل في دابته، فيحمله عليها أم يرفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة" رواه البخاري

(1)

ومسلم

(2)

.

قوله وعن أبي هريرة تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس الحديث. السلامى بضم السين وتخفيف اللام وفتح الميم عظام الأصابع جمع سلامية وهي الأنملة من أنامل الأصابع وقيل واحده وجمعه سواء، ويجمع على [سلاميات] بفتح الميم والياء هي التي بين كل مفصلين من أصابع الإنسان وقيل السلامى كل عظم مجوف من صغار العظام ومعنى قوله كل سلامى عليه صدقة أي على كل عضو ومفصل صدقة وفي المراد به احتمالان أحدهما أن الصدقة كما قيل تدفع البلاء فإذا تصدق [عن]

(3)

أعضائه بما ذكرنا كان [جديرا] أن يدفع عنها البلاء. والثاني [أن] لله عز وجل على الإنسان في كل عضو ومفصل نعمة والنعمة تستدعي الشكر [ثمّ] كأن الله عز وجل وهب ذلك الشكر لعباده صدقة عليهم كأنه قال اجعل شكر نعمتي في أعضائك أن تعين بها عبادي وتتصدق عليهم بإعانتهم. قوله كل يوم منصوب على الظرف لأن دوام نعمة الأعضاء نعمة أخرى ولما كان الله عز وجل قادرا

(1)

صحيح البخاري (2989).

(2)

صحيح مسلم (56)(1009).

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 767

على سلب نعمة الأعضاء عن عبده كل يوم وهو في ذلك عادل في حكمه كان [عفوه]

(1)

عن ذلك [وإدامة] العافية عليه صدقة فوجب الشكر والرعاية ثم النعمة عائمة فالشكر يجب أن يكون دائما. قوله تطلع فيه الشمس يحتمل أنه تأكيد نحو {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ}

(2)

، ويحتمل أن اليوم لما كان يطلق تارة ويراد به ما بين طلوع الشمس وغروبها وتارة يراد به المدة الطويلة نحو يوم القيامة ومقدراه خمسون ألف سنة وتارة يراد به ألف سنة ويتجوز به في العرف عن أقل من ذلك وأكثر أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينص على أن اليوم الذي تجب فيه الصدقة على ابن آدم و [يتكرر] بتكرره هو محل طلوع الشمس لا غيره. واعلم أن الصدقة على ضربين صدقة الأموال كالزكاة وصدقة التطوع وصدقة الأفعال كالذي ذكرنا في هذا الحديث ويجمعها عبادة الله تعالى كالمشي إلى الصلاة ونفع الناس فمنه العدل بين اثنين يتحاكمان أو يتخاصمان سواء كان حاكما أو مصلحا إذا نوى دفع المنافرة بينهما امتثالا لقول الله عز وجل {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}

(3)

الآية {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}

(4)

، ونحوه من الأمر بذلك. [ومنه إعانة الرجل بحمله أو حمل متاعه على الدابة لأنه نفع له]

(5)

ومنه الكلمة الطيبة نحو سلام عليك وحياك الله وإنك لمحسن وأنت إن شاء الله رجل

(1)

هكذا هذه العبارة في الأصل، وفي النسخة الهندية:(غيره).

(2)

سورة الأنعام، الآية:38.

(3)

سورة الحجرات، الآية:10.

(4)

سورة النساء، الآية:135.

(5)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 768

صالح ولقد أحسنت جوارنا أو [ضيافتنا] ونحو ذلك لأنه مما يسر السامع ويجمع القلوب ويؤلفها. واعلم أنه ليس مراد الحديث حصر أفعال الصدقة فيما ذكر فيه إنما هي مثال لذلك ويجمعها ما قلنا من أفعال العبادة أو نفع خلق الله عز وجل حتى أن رجلا رآى فرخا قد وقع من عشه فرده إليه فغفر له وآخر رآى كلبا يأكل الثرى من العطش فسقاه فغفر له وكذلك امرأة بغي رأت كلبا عطشا فنزعت له بخفها ماء فسقته فغفر لها، وعكس ذلك أن امرأة دخلت النار في هرة ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض. وقد ورد في كل كبد حرّا أجر، وقد ورد الخلق عيال الله فأحبّ الناس إلى الله تعالى أشفقهم على عياله. وإذا تصدق كل واحد من الناس عن أعضائه بنفع خلق الله تعالى حصل من ذلك مقصود قوله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من جمع القلوب وائتلافها وإقامة كلمة حق بواسطة ذلك فإذن يكون نفع ذلك خاصا بالمسلم المتصدق وعاما للإسلام والمسلمين وهذا مقصود الشرع وهذا الحديث يرجع إلى قوله عز وجل {وَاعْبُدُوا اللَّهَ}

(1)

، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}

(2)

، وإلى قوله عليه السلام المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا، المؤمن [كثير]

(3)

بأخيه المؤمن، انصر أخاك ظالما أو مظلوما يعني إعانة المظلوم بنصرته وإعانة الظالم بكفه عن ظلمه، مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد الحديث ونحوه والله أعلم بالصواب. قاله الطوفي

(1)

سورة النساء، الآية:36.

(2)

سورة المائدة، الآية:2.

(3)

هكذا هذه العبارة في الأصل، وفي النسخة الهندية:(كبير).

ص: 769

[في] شرح الأربعين النووية

(1)

.

4502 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على كل ميسم من الإنسان صلاة كل يوم، فقال رجل من القوم: هذا من أشد ما أنبأتنا به. قال: أمرك بالمعروف، ونهيك عن المنكر صلاة، وحملك على الضعيف صلاة، وإنحاؤك القذر عن الطريق صلاة، وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صلاة" رواه ابن خزيمة في صحيحه

(2)

.

قوله وعن ابن عباس رضي الله عنه[تقدم الكلام عليه رضي الله تعالى عنه وعن أبيه وعلى مناقبه مبسوطا. (

) تتعلق بذكره رضي الله تعالى عنه:] روى ابن عساكر في تاريخه

(3)

بسنده إلى حماد بن محمد أنه قال كتب رجل إلى ابن عباس يسأله عن شيء ليس له لحم ولا دم تكلم، وعن شيء ليس له لحم ولا دم تنفس وعن اثنين ليس لهما لحم ولا دم خوطبا وأجابا وعن رسول بعثه الله ليس من الجن ولا من الإنس ولا من الملائكة وعن نفس ماتت ثم عاشت بنفس غيرها وعن موسى كم أرضعته أمه قبل أن تلقيه في اليم وفي أي بحر وفي أي يوم ألقته وكم

(1)

التعيين (ص 200 - 202).

(2)

صحيح ابن خزيمة (1497) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (11/ 296/ 11791)، وقوام السنة في الترغيب والترهيب (288)، والبزار في مسنده (الكشف 969)، وابن مردويه في ثلاثة مجالس من أماليه (40)، وابن مخلد البزاز في حديثه عن شيوخه (18)، وأبو يعلى في مسنده (2434). وذكره الهيثمي في المجمع (3/ 104)، وقال: رجال أبي يعلى رجال الصحيح، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (1076)، وضعيف الترغيب والترهيب (195).

(3)

مختصر تاريخ دمشق (4/ 244)، وانظر: حياة الحيوان الكبرى (2/ 549).

ص: 770

كان طول آدم وكم عاش ومن كان وصيّه وعن طير لا يبيض ويحيض، فقال [رضي الله تعالى عنه]: الأول النار قالت: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}

(1)

، والثاني عصا موسى عليه الصلاة والسلام، والثالث الصبح، والرابع السماء والأرض {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}

(2)

، والخامس الغراب الذي بعثه الله تعالى إلى ابن آدم، والسادس نملة سليمان والسابع البقرة التي ذكرها الله تعالى في القرآن، وأرضعت موسى أمه قبل أن تلقيه في اليم ثلاثة أشهر، وألقته في بحر القلزم، وكان ذلك يوم الجمعة، وكان طول آدم عليه السلام ستين ذراعًا، وعاش ألف سنة إلا ستين [عاما]، وكان وصيه شيث. والطير الوطواط الذي نفخ فيه عيسى، فكان طائرًا بإذن الله عز وجل. نقل من حياة الحيوان

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: كل ميسم من الإنسان صلاة كل يوم الحديث. هكذا جاء في رواية فإن كان محفوظا فالمراد به أن على كل عضو موسوم بصنعة الله صدقة هكذا فسر ومنه الحديث وفي يده الميسم [هي]

(4)

الحديدة التي يكوى بها وأصله مِوْسم فقلبت الواو ياء لكسرة الميم [ومنه] المَوْسم وهو الوقت الذي يجتمع فيه الحاج كل سنة كأنه وسم بذلك الوسم وهو مفعل منه اسم [الزمان] لأنه معلم لهم يقال وسمته يسمه وسما وسمة إذا أثر فيه بكيّ ومنه الحديث أنه كان يسم إبل الصدقة أي يعلِّم عليها بالكي. والأصل [من]

(1)

سورة ق، الآية:30.

(2)

سورة فصلت، الآية:11.

(3)

حياة الحيوان الكبرى (2/ 549).

(4)

هكذا هذه العبارة في الأصل، وفي النسخة الهندية:(من).

ص: 771

المنسم وهو خف البعير يستبان به على الأرض أثره إذا ضل، وقد يطلق على مفاصل الإنسان اتساعا، ومنه الحديث على كل منسم من الإنسان صدقة أي على كل مفصل اهـ، قاله في النهاية

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صلاة، الخطوة بفتح الخاء المعجمة المرة الواحدة وبالضم ما بين القدمين.

4503 -

وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من نفس ابن آدم إلا عليها صدقة في كل يوم طلعت فيه الشمس، قيل: يا رسول الله من أين لنا صدقة نتصدق بها؟ فقال: إن أبواب الخير لكثيرة: التسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتميط الأذى عن الطريق، وتسمع الأصم، وتهدي الأعمى، وتدل المستدل على حاجته، وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف، فهذا كله صدقة منك على نفسك" رواه ابن حبان في صحيحه

(2)

، والبيهقي

(3)

مختصرًا، وزاد في رواية:"وتبسمك في وجه أخيك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن طريق الناس صدقة، وهديك الرجل في أرض الضالة لك صدقة".

(1)

النهاية في غريب الأثر (5/ 49).

(2)

ابن حبان (474)، (529).

(3)

البيهقي في شعب الإيمان (3056، 3105) والحديث؛ أخرجه البخاري في الأدب المفرد (891)، والترمذي (1956)، والبزار (4070)، والطبراني في الأوسط (4840)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2971)، وصحيح الأدب المفرد (891).

ص: 772

قوله وعن أبي ذر تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم ليس من نفس ابن آدم إلا عليها صدقة في كل يوم طلعت فيه الشمس، الحديث. تقدم.

قوله وتسمع الأصم، الأصم هو الثقيل السمع الذي به صمم.

قوله وتهدي الأعمى، وهدايته إرشاده إلى الطريق.

قوله وتدل المستدل على حاجته التي يريدها.

قوله وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث. السعي هو الإسراع في العدو، واللهفان هو [المكروب]، يقال لهف يلهف فهو لهفان ولهف فهو ملهوف، ومنه الحديث يُعين ذا الحاجة الملهوف والحديث الآخر كان يحب إغاثة اللهفان، والله تعالى أعلم، قاله في النهاية

(1)

. وفي الرواية الأخرى وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن طريق الناس صدقة، وفيه فضيلة إماطة الأذى عن الطريق وهو كل مؤذ، وهذه الإماطة أدنى شعب الإيمان.

فائدة: إماطة الأذى عن الطريق توجد على نوعين: أحدهما وهو الأظهر أن ينحي عن طريق المسلمين ما يتأذون به من شوك أو حجر إيمانا واحتسابا، وثانيهما أن لا يتعرض لهم في طرقهم بما يؤذيهم مثل التخلي في قارعة الطريق وإلقاء النتن والجيف وإحداث ما يعسر المرور عليه فإنه إذا ترك ذلك إيمانا واحتسابا كان كمن عزل الأذى عن الطريق، كذا في الميسر، قاله في شرح مشارق الأنوار. تنبيه: فإن قيل كيف تكون الإماطة صدقة؟ قلنا:

(1)

النهاية في غريب الأثر (4/ 282).

ص: 773

معنى الصدقة أيضا النفع، والإماطة سبب إلى سلامة أخيه المسلم من ذلك الأذى فكأنه تصدق عليه بالسلامة منه، اهـ، قاله الكرماني

(1)

.

4504 -

وعن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة، قالوا: فمن يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: النخامة في المسجد تدفنها، والشيء تنحيه عن الطريق، فإن لم تقدر، فركعتا الضحى تجزي عنك" رواه أحمد

(2)

، واللفظ له، وأبو داود

(3)

وابن خزيمة

(4)

وابن حبان

(5)

في صحيحهما.

قوله وعن بريدة رضي الله عنه، هو بريدة بن الحصيب، بضم الحاء المهملة، ابن عبد الله بن الحرب بن الأعرج بن سعد بن رزاح الأسلمى.

قوله صلى الله عليه وسلم في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل فعليه أن يتصدق على كل مفصل إلى هنا انتهى اللوح الثاني والثلاثون بعد المائة. منها صدقة الحديث المفصل بفتح الميم وسكون الفاء وكسر الصاد يريد مفصل الأصابع وهو ما بين كل أنملتين والمعنى على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة على طريق الاستحباب لا على طريق الوجوب وقد مرّ الكلام على ذلك

(1)

الكواكب الدراري (11/ 33).

(2)

مسند أحمد (22998)، (23037).

(3)

أبو داود (5242).

(4)

ابن خزيمة (1226).

(5)

ابن حبان (1642)، (2540). وأخرجه البيهقي في الشعب (11164)، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (820)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4239)، وصحيح الترغيب والترهيب (666).

ص: 774

مبسوطا في أوائل هذا التعليق. قوله صلى الله عليه وسلم فإن لم تقدر فركعتي الضحى تجزئ عنك، بفتح التاء وسكون الجيم وكسر الزاي وسكون الياء أي يكفي عنك.

فائدة تتعلق بالإنسان، فالإنسان نوع العالم وإنما سمي إنسانا لأنه عهد إليه فنسي، والأناس لغة في [الناس] وهو الأصل فخفف والناس جمع إنسان قال الجوهري

(1)

والناس قد [تكون] من الإنس والجن اهـ. قال الله تعالى {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)}

(2)

، أي أحسن خلق وهو اعتداله وتسوية أعضائه لأنه خلق كل شيء منكبا على وجهه وخلقه سويا وله لسان ذلق وأصابق يقبض بها مزيّنا بالعقل مؤدبا بالأمر مهذبا بالتمييز يتناوله مأكوله ومشروبه بيده. قال ابن عطية من الدليل على أن القرآن غير مخلوق أن الله تعالى ذكر القرآن في كتابه في أربعة وخمسين موضعا ما فيها موضع صرح فيه بلفظ الخلق ولا أشار إليه، وذكر الإنسان على الثلث من ذلك في ثمانية عشر موضعا كلها نصت على خلقه، [وقد اقترن ذكرهما على هذا النحو في قوله تعالى {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)}

(3)

]

(4)

. وقال القاضي أبو بكر بن العربي

(5)

ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان فإن الله تعالى خلقه حيا عالما [قادرا]

(6)

مريدا متكلما، سميعا بصيرا، مدبرا حكيما.

(1)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 987).

(2)

سورة التين، الآية:4.

(3)

سورة الرحمن، الآيات: 1 - 3.

(4)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(5)

أحكام القرآن لابن العربي (4/ 415).

(6)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 775

حكيما. وهذه صفات الرب سبحانه وتعالى، وعنها وقع البيان بقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله خلق آدم على صورته، يعني على صفاته التي تقدم ذكرها.

فائدة أخرى: ثم روى بإسناده ابن عطية أو القاضي أبو بكر بن العربي أن موسى بن عيسى الهاشمي كان يحب زوجته حبا شديدا فقال لها يوما أنت طالق ثلاثا إن لم تكوني أحسن من القمر، فاحتجبت عنه وقالت طلقت وبات بليلة عظيمة، فلما أصبح أتى المنصور فاستحضر الفقهاء وسألهم فأجاب كلهم بالطلاق إلا واحدا فقال لا تطلق لقوله تعالى {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)}

(1)

، فقال المنصور الأمر كما قال، ثم أرسل إلى زوجته بذلك. [و] هذا الجواب نقل عن الشافعي. قلت وقد أذكرتني هذه الحكاية ما ذكره الزمخشري عند قوله تعالى {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ}

(2)

أن عمر بن حطان الخارجي كان شديد السواد وكانت امرأته من أجمل النساء فأطالت نظرها في وجهه يوما وقالت الحمد لله، فقال ما لك؟ فقالت حمدت الله تعالى على أني وإياك في الجنة. قال كيف؟ قالت لأنك رُزقت مثلي فشكرت ورزقت مثلك فصبرت وقد وعد الله عباده الصابرين والشاكرين الجنة، وما أحسن قول سحيم عبد بني الحسحاس، بيت:

إن كنتُ عبدًا فنفسي حرة كرما

أو أسود اللون فإني أبيض الخلق

ذكرت الفائدتان في حياة الحيوان

(3)

، والله أعلم.

(1)

سورة التين، الآية:4.

(2)

سورة النساء، الآية:127.

(3)

حياة الحيوان الكبرى (1/ 56).

ص: 776

4505 -

وعن المستنير بن أخضر بن معاوية عن أبيه قال: "كنت مع معقل بن يسار رضي الله عنه في بعض الطرقات، فمررنا بأذى فأماطه، أو نحاه عن الطريق، فرأيت مثله، فأخذته فنحيته، فأخذ بيدي وقال: يا ابن أخي ما حملك على ما صنعت؟ قلت: يا عم رأيتك صنعت شيئا، فصنعت مثله، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أماط أذى من طريق المسلمين كتبت له حسنة، ومن تقبلت منه حسنة دخل الجنة" رواه الطبراني في الكبير

(1)

هكذا، ورواه البخاري في كتاب الأدب المفرد

(2)

، فقال: عن المستنير ابن أخضر بن معاوية بن قرة عن جده. [قال الحافظ]: وهو الصواب.

قوله وعن المستنير بن أخضر ابن معاوية هم أبيه كذا.

قوله: (كنت مع معقل بن يسار)، هو معقل بن يسار بن كذا.

قوله: (من أماط أذى من طريق المسلمين كتبت له حسنة ومن تقبلت منه حسنة دخل الجنة)، تقدم الكلام على الإماطة في الأحاديث قبله.

4506 -

وعن أنس رضي الله عنه قال: "حدث نبي الله صلى الله عليه وسلم بحديث فما فرحنا بشيء منذ عرفنا الإسلام أشد من فرحنا به. قال: إن المؤمن ليؤجر في إماطة

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 216/ 502). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 136) رواه الطبراني في الكبير، وقال المزي: صوابه عن المستنير بن أخضر بن معاوية بن قرة عن جده، كما رواه البخاري في كتاب الأدب، فإن كان كما قال المزي فإسناده حسن إن شاء الله، وإن كان فيه: عن أبيه أخضر فلم أجد من ذكر أخضر، والله أعلم.

(2)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (593)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6098)، والصحيحة (2306)، وصحيح الترغيب والترهيب (2972).

ص: 777

الأذى عن الطريق، وفي هداية السبيل، وفي تعبيره عن الأرتم، وفي منحة اللبن حتى إنه ليؤجر في السلعة تكون مصرورة فيلمسها فتخطؤها يده" رواه أبو يعلى

(1)

والبزار

(2)

، وزاد:"إنه ليؤجر في إتيانه أهله حتى إنه ليؤجر في السلعة تكون في طرف ثوبه، فيلمسها، فيفقد مكانها، أو كلمة نحوها: فيخفق بذلك فؤاده، فيردها الله عليه، ويكتب له أجرها" وفي إسناده المنهال بن خليفة، وقد وثقه غير واحد، وتقدم ما يشهد لهذا الحديث.

قوله: (وعن أنس)، تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم:(إن المؤمن ليؤجر في إماطة الأذى عن الطريق)، تقدم معناه. قوله:(وفي هداية السبيل) أي الطريق، تقدم أيضا. قوله:(وفي تعبيره عن الأرتم)، الحديث. الأرتم هو الذي لا يصحح كلامه ويبينه يعني الذي لا يطيق الكلام إما لآفة في لسانه أو أسنانه أو لعجمة في لغته فتبينُ عنه ما يحتاج إلى بيانه ويكون معناه معنى الأرت. قاله في النهاية

(3)

. قوله: (وفي منحة اللبن)، ومنحة اللبن أن تعطيه ناقة أو شاة ينتفع بلبنها ويعيدها، وكذلك إذا أعطاه لينتفع بوبرها وصوفها زمانا ثم يردها، ومنه الحديث: المنحة مردودة، ومنه

(1)

مسند أبي يعلى (3473).

(2)

البزار (6926 و 6927)، -البحر الزخار- وقال: وهذا الحديث لا نعلم رواه، عن ثابت إلا المنهال بن خليفة والمنهال ثقة. والحديث؛ أخرجه وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (821)، والبيهقي، في شعب الإيمان (9952 و 11170)، والطبراني في الأوسط (3530)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 134): وفي إسناده المنهال بن خليفة، وثقه أبو حاتم، وأبو داود، والبزار، وفيه كلام. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (2277)، وضعيف الترغيب والترهيب (1765)، وضعيف الجامع الصغير وزيادته (1770).

(3)

النهاية في غريب الأثر (2/ 194).

ص: 778

الحديث الآخر: هل من أحد يمنح من إبله ناقة أهل بيت لا [دَرّ] لهم. قاله في النهاية

(1)

. قوله: (فيخفق بذلك فؤاده)، خفق الفؤاد هو اضطرابه.

4507 -

وعن أبي شيبة الهروي قال: "كان معاذ يمشي، ورجل معه فرفع حجرا من الطريق فقال: ما هذا؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رفع حجرا من الطريق كتبت له حسنة، ومن كانت له حسنة دخل الجنة" رواه الطبراني في الكبير

(2)

، ورواته ثقات، ورواه في الأوسط

(3)

من حديث أبي الدرداء إلا أنه قال: "من أخرج من طريق المسلمين شيئا يؤذيهم كتب الله له به حسنة، ومن كتب له عنده حسنة أدخله بها الجنة".

قوله: (وعن أبي شيبة الهروي)، أبو شيبة اسمه كذا. قوله:(من رفع حجرا من الطريق كتبت له حسنة)، تقدم معناه.

(1)

النهاية في غريب الأثر (4/ 364).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 101) رقم (198)، وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين (2453)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (40/ 418)، والبيهقي في الشعب (11174)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 135) رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات، وحسنه الألباني في ضعيف الجامع (6265). وصححه في صحيح الجامع (6266)، وصحيح الترغيب والترهيب (2973).

(3)

المعجم الأوسط (32)، وأخرجه أحمد (28027)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (1/ 515)، وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 653) رواه أحمد من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5985)، والصحيحة (2306)، وصحيح الترغيب والترهيب (2974).

ص: 779

4508 -

وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن كبر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، واستغفر الله، وعزل حجرا عن طريق المسلمين، أو شوكة، أو عظما عن طريق المسلمين، وأمر بمعروف، أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاثمائة، فإنه يمسي يومئذ، وقد زحزح نفسه عن النار. قال أبو توبة: وربما قال: يمشي، يعني بالمعجمة" رواه مسلم

(1)

والنسائي

(2)

.

قوله: (وعن عائشة)، تقدم الكلام عليها، وهي أم المؤمنين إحدى زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد اختلف العلماء فيمن لم يدخل بها عليه السلام وفارقها هل يحل نكاحها أم لا والصحيح الحل لإعراضه عنها بالفراق، وقيل: لا، ورجحه النووي لصدق اسم الزوجة عليها وهي محرمة بالنص، اهـ. قوله صلى الله عليه وسلم:(خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل)، تقدم الكلام على هذا الحديث في كتاب الذكر.

4509 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك فأخره، فشكر الله له، فغفر الله له" رواه البخاري

(3)

ومسلم

(4)

.

(1)

صحيح مسلم (54)(1007).

(2)

السنن الكبرى للنسائي (10605).

(3)

صحيح البخاري (652).

(4)

صحيح مسلم (127)(1914)، وأخرجه الترمذي (1958) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 780

4510 -

وفي رواية لمسلم

(1)

قال: "لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين".

4511 -

وفي أخرى له

(2)

: "مر رجل بغصن شجرة على ظهر الطريق، فقال: والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأدخل الجنة".

ورواه أبو داود

(3)

، ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نزع رجل لم يعمل خيرا قط غصن شوك عن الطريق: إما قال: كان في شجرة فقطعه، وإما كان موضوعا، فأماطه عن الطريق، فشكر الله ذلك له، فأدخله الجنة".

قوله: (وعن أبي هريرة) تقدم. قوله: (بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك فأخره فشكر الله له)، قوله:(فغفر الله له)، وأصل الغفر الستر والتغطية ومنه يقال لجُنَّة الرأس المغفر، اهـ. فالغفران هو ستر ذنوب العبد عن الناس. قوله:(فشكر الله له) أي أظهر لملائكته أو لمن يشاء أو لمن يشاء من خلقه الثناء عليه بما فعل من الإحسان بعبده أو يكون جازاه جزاء الشاكر فسمى الجزاء شكرا، وكل ذلك [إنما] حصل لهذا الرجل [بحسن] نيته في تنحية الأذى، ألا ترى قوله: والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، [وشكرته وشكرت له بمعنى واحد]

(4)

. قوله: (وفي رواية مسلم: لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها) الحديث، يتقلب في الجنة أي ينتعم في

(1)

صحيح مسلم (128)(1914).

(2)

صحيح مسلم (129)(1914).

(3)

سنن أبي داود (5245).

(4)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 781

الجنة بملاذها بسبب قطعه الشجرة التي كانت تؤذي الناس، ففي هذه الأحاديث التنبيه على فضيلة كل ما نفع [للمسلمين] وأزال عنهم ضررا وهذه الإماطة أدنى شعب الإيمان، كما في الحديث.

4512 -

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كانت شجرة تؤذي الناس، فأتاها رجل فعزلها عن طريق الناس قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلقد رأيته يتقلب في ظلها في الجنة" رواه أحمد

(1)

وأبو يعلى

(2)

، ولا بأس بإسناده في المتابعات.

قوله: (وعن أنس بن مالك) تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: كانت شجرة توفي الناس فأتاها رجل فعزلها عن طريق الناس الحديث تقدم الكلام على معناه.

فائدة يختم بها الباب في الحديث من قطع سدرة [صوّب الله رأسه في النار. سئل أبو داود السجستاني عن هذا الحديث، فقال هو حديث مختصر، ومعناه: من قطع سدرة] في فلاة يستظل بها ابن السبيل عبثا وظلما بغير حق يكون له فيها صوّب الله رأسه في النار أي نكَّسه، قاله في النهاية

(3)

[والله تعالى وتقدس أعلم بالصواب].

* * *

(1)

مسند أحمد (12571)، (13410).

(2)

أبو يعلي (3058)، وأخرجه ابن أبي شيبة (26347)، والحارث بن محمد بن أبي أسامة إتحاف الخيرة المهرة (5265/ 1)، والبيهقي في شعب الإيمان (10655)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 135) رواه أحمد، وأبو يعلى، وفيه أبو هلال، وهو ثقة، وفيه كلام. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2977).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 57).

ص: 782