المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترغيب في العزلة لمن لا يأمن على نفسه عند الاختلاط] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١١

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترغيب في الخلق الحسن وفضله والترهيب من الخلق السيئ وذمه]

- ‌[الترغيب في الرفق والأناة والحلم]

- ‌[الترغيب في طلاقة الوجه وطيب الكلام وغير ذلك مما يذكر]

- ‌[الترغيب في إفشاء السلام وما جاء في فضله وترهيب المرء من حب القيام له]

- ‌فصل

- ‌[الترغيب في المصافحة والترهيب من الإشارة في السلام وما جاء في السلام على الكفار]

- ‌[الترهيب أن يطلع الإنسان في دار قبل أن يستأذن]

- ‌[الترهيب أن يتسمع حديث قوم يكرهون أن يسمعه]

- ‌[الترغيب في العزلة لمن لا يأمن على نفسه عند الاختلاط]

- ‌[الترهيب من الغضب والترغيب في دفعه وكظمه وما يفعل عند الغضب]

- ‌[الترهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر]

- ‌[الترهيب من قوله لمسلم يا كافر]

- ‌[الترهيب من السباب واللعن لا سيما لمعين آدميا كان أو دابة وغيرهما وبعض ما جاء في النهي عن سب الديك والبرغوث والريح والترهيب من قذف المحصنة والمملوك]

- ‌الترهيب من السباب واللعن لاسيما لمعين آدميًّا كان أو دابةً وغيرهما، وبعض ما جاء في النهي عن سب الديك والبرغوث والريح، والترهيب من قذف المحصنة والمملوك

- ‌[الترهيب من سبّ الدهر]

- ‌الترهيب من ترويع المسلم ومن الإشارة إليه بسلاح ونحوه

- ‌[النهى عن حمل السلاح على المسلم]

- ‌الترغيب في الإصلاح بين الناس

- ‌الترهيب من النميمة

- ‌الترهيب من الغيبة والبهت وبيانهما والترغيب في تركهما

- ‌الترغيب في الصمت إلا عن خير والترهيب من كثرة الكلام

- ‌التَّرْهِيب من الْحَسَد وَفضل سَلامَة الصَّدْر

- ‌الترغيب في التواضع والترهيب من الكبر والعُجْب والافتخار

- ‌الترهيب من القول للفاسق والمبتدع يا سيدي ونحوها من الكلمات الدالة على التعظيم

- ‌الترغيب في الصدق والترهيب من الكذب

- ‌ترهيب ذي الوجهين واللسانين

- ‌[الترهيب من الحلف بغير الله سبحانه وتعالى سيما بالأمانة ومن قوله أنا بريء من الإسلام أو كافر أو نحو ذلك]

- ‌الترهيب من احتقار المسلم وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى

- ‌الترغيب في إماطة الأذى عن الطريق وغير ذلك مما يذكر

الفصل: ‌[الترغيب في العزلة لمن لا يأمن على نفسه عند الاختلاط]

[الترغيب في العزلة لمن لا يأمن على نفسه عند الاختلاط]

4137 -

عَن عَامر بن سعد قَالَ كَانَ سعد بن أبي وَقاص فِي بَيته فَجَاءَهُ ابْنه عمر فَلَمَّا رَآهُ سعد قَالَ أعوذ بِاللَّه من شَرّ هَذَا الرَّاكب فَنزل فَقَالَ لَهُ أنزلت فِي إبلك وغنمك وَتركت النَّاس يتنازعون الْملك بَينهم فَضرب سعد فِي صَدره وَقَالَ اسْكُتْ سَمِعت رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن اللَّه يحب العَبْد التقي الْغَنِيّ الْخَفي رَوَاهُ مسلم الْغَنِيّ أَي الْغَنِيّ النَّفس القنوع

(1)

.

قوله: عن عامر بن سعد قال كان سعد بن أبي وقاص في [بيته][إبله] فجاءه ابنه عمر، وعمر بن سعد بن أبي وقاص القرشي الزهري، أبو حفص المدني سكن الكفوة روى عن أبيه وأبي سعيد الخدري ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية وهو الذي قتل الحسين وهو تابعي ثقة وقال ابن معين: كيف يكون ثقة من قتل الحسين، حدث يحيى بن سعيد القطان يوما عن شعبة وسفيان عن أبي إسحاق السبيعي عن العيزار بن حريث عن عمر بن سعد هذا فقام إليه رجل فبكى وقال: لا أعود أحدق عنه أبدا، ابن عبد الرحمن له في الكتب الستة حديث غريب رواه الترمذي في أبواب تعبير الرؤيا في باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في الميزاب والدلو، قال الترمذي حدثنا أبو موسى الأنصاري أنا يونس بن بكير حدثني عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: سئل رسول اللَّه عن ورقة بن نوفل فقال له خديجة:

(1)

أخرجه مسلم (11 - 2965).

ص: 184

إنه كان قد صدقك وإن مات قبل أن تظهر فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أريته في المنام وعليه ثياب بيض ولو كان من أهل النار لكان عليه ثياب غير ذلك، هذا حديث غريب وعثمان بن عبد الرحمن ليس عند أهل الحديث بالقوي

(1)

.

وكان عمر هذا له أخ يسمى محمد بن سعد يلقب ظل الشيطان أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم وجماعة من الصحابة وعمر قتله المختار كما تقدم ومحمد هذا قتله الحجاج بن يوسف وهما شقيقان وكان سبب قتل محمد المذكور أنه خرج مع عبد الرحمن بن الأشعث وشهد دير الجماجم فأتى به الحجاج فقتله وهو ثقة روى له الجماعة واللَّه أعلم

(2)

قاله في الديباجة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه يحب العبد التقي الغني الخفي" العبد التقي هو المتقي للَّه تعالى وتقدم الكلام على التقوى وسيأتي لها مزيد أيضًا في الزهد في الدنيا والغني هو الغني النفس القنوع قاله الحافظ المنذري، أ. هـ، وقال الحافظ شرف الدين الدمياطي: والمراد بالغني غني النفس القنوع بما رزقه اللَّه، وقيل: من استغنى باللَّه قال النووي في شرح مسلم

(3)

: المراد بالغني غني النفس هذا هو الغني المحمود لقوله صلى الله عليه وسلم ولكن الغني غني النفس وأشار القاضي عياض رحمه الله إلى أن المراد الغني بالمال.

(1)

أخرجه الترمذي (2288) والحاكم (4/ 393) وابن الأثير في أسد الغابة (5/ 447 - 448). وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي فقال: قلت: عثمان هو الوقاصي متروك. وضعفه الألباني في المشكاة (4623).

(2)

تهذيب الكمال (25/ 258 - 260 ترجمة 5238).

(3)

شرح النووي على مسلم (18/ 100).

ص: 185

وأما الخفي بالخاء المعجمة فهو من الخفاء هذا هو الموجود في النسخ والمعروف في الروايات ذكر القاضي عياض أن بعض رواة مسلم رواه بالحاء المهملة فمعناه بالمعجمة الخامل المنقطع إلى العبادة والاشتغال بأمور نفسه

(1)

يعني الخامل الذي لا يريد العلو فيها ولا الظهور في مناصبها وهذا نحو ما في حديث آخر في صفة ولي اللَّه تعالى وكان غامضا في الناس أي لا يعرف موضعه ولا يؤبه له قاله القرطبي

(2)

والحفي بالمهملة قيل معناه قيل معناه العالم من قوله: {كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا}

(3)

(4)

وقيل: المحتفي بأهله الوصول لهم بماله الساعي في حوائجهم

(5)

، وقيل: معناه الوصول لرحمه اللطيف بهم وبغيرهم من الضعفاء والصحيح بالمعجمة

(6)

، أ. هـ.

وقال الحافظ الدمياطي: الخفي هو الذي اعتزل عن الناس حتى خفى عليهم بمكانه ومعرضا عن أهل زمانه مقبلا على شأنه قال قي حدائق الأولياء: وفيه يعني الحديث من خواص العزلة والاختفاء وعموم الذكر محبة اللَّه لمن اتصف بذلك وناهيك بذلك

(7)

.

(1)

المصدر السابق.

(2)

المفهم (22/ 149).

(3)

سورة الأعراف، الآية:187.

(4)

المصدر السابق.

(5)

المصدر السابق.

(6)

شرح النووي على مسلم (18/ 100 - 101).

(7)

حدائق الأولياء (1/ 565).

ص: 186

قال النووي

(1)

: وفي هذا الحديث حجة لمذهب من يقول الاعتزال أفضل من الاختلاط، وفي المسألة خلاف مشهور وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى.

وما أحسن قول أبي سليمان الخطابي في مدح العزلة والانفراد وإن لم يكن تعلق بهذا المعنى

(2)

:

أَنِسْتُ بِوَحْدَتِي وَلَزَمْتُ بَيْتِي

فَدَامَ الأُنْسِ لِي وَنَمَى السُّرُورُ

وَأَدَّبَنِي الزَّمَانُ فَلَا أُبَالِي

هُجِرْتُ فَلَا أَزَارُ وَلا أَزُورُ

فَلَسْتُ بِسَائِلٍ مَا دُمْتُ حَيًّا

أَسَارَ الْجُنْدُ أَمْ رَكِبَ الأمِيرُ

تنبيه: اختلف العلماء في العزلة والاختلاط أيهما أفضل، قال الغزالي في الإحياء للناس اختلاف كثير في العزلة والمخالطة وتفضيل إحداهما على الأخرى وميل أكثر العباد والزهاد إلى اختيار العزلة وتفضيلها على المخالطة وظهر هذا الاختلاف بين التابعين فذهب إلى اختيار العزلة سفيان الثوري وإبراهيم بن أدهم وداود الطائي والفضيل بن عياض وسلمين الخواص وسليمان بن أسياط وحذيفة المرعشي وبشر الحافي

(3)

، أ. هـ

لما في العزلة من السلامة المحققة لكن بشرط أن يكون عارفا بوظائف العبادة التي تلزمه وما يتكلف به والمختار تفضيل الخلطة لمن لا يغلب على ظنه الوقوع في المعاصي وذهب إلى ذلك أكثر التابعين لما في الخلطة من اكتساب الفوائد وشهود شعائر الإسلام وتكثير سواد المسلمين وإيصال

(1)

شرح النووي على مسلم (18/ 101).

(2)

العزلة (ص 94).

(3)

إحياء علوم الدين (2/ 221 - 222).

ص: 187

الخير إليهم والتألف والتحبب للمؤمنين والاستعانة بهم على الدين قال اللَّه تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}

(1)

ومال إلى هذا سعيد بن المسيب والشعبي وابن أبي ليلى وهشام بن عروة وابن شبرمة وشريح وشريك بن عبد اللَّه وابن عيينة وابن المبارك والشافعي والإمام أحمد بن حنبل واللَّه أعلم

(2)

.

فائدة: والعزلة اسم من الاعتزال وهو الانفصال عن الشيء والتباعد عنه وإنما كانت العزلة عبادة لأنها أقرب إلى السلامة من حيث أنها تكلف السمع والبصر واللسان واليد والرجلين عن كسب الآثام وتعين على التفرغ للعبادة والإخلاص فيها وحضور القلب فإن المتعاونين على البر والتقوى والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في زماننا قليلون جدا ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "أحب الناس إلى اللَّه الفرارون بدينهم يبعثهم اللَّه مع عيسى عليه السلام يوم القيامة" وقيل للشافعي رحمه الله: من أعقل الناس؟ قال: من اعتزلا الناس، وهذا كله في ذلك الزمان فكليف في زماننا هذا الذي إذا اجتمع فيه جماعة يتذاكرون العلوم الدينية والحكمة والمواعظ وأحوال الآخرة بل أكثر حديثهم الغيبة والتملق والنفاق ومدح أنفسهم بما ليس فيهم وذكر أحوال الدنيا والحث عن أخبار أهلها والتفحص عما لا يلزمهم ولا يعينهم في دينهم بل يضرهم قوله وسماعه، أ. هـ قاله الأصفهاني في شرح الأربعين الودعانية

(3)

.

(1)

سورة المائدة، الآية:2.

(2)

الكواكب الدرارى (1/ 110 - 11)، والإحياء (2/ 222).

(3)

شرح الأربعين الودعانية (ص 271 - 272/ ح 28).

ص: 188

وقال الشيخ الإمام العلامة قطب زمانه زين الدين الحافي في وصيته التي صنفها لإخوانه: قال بعض العارفين: اصحب الناس كما تصحب النار خذ منفعتها واحذر أن تحرقك

(1)

. وإن أكثر فساد الأحوال والأعمال من قبل الاختلاط بالناس فالغيبة في الاختلاط والكذب في الاختلاط وفي العزلة السلامة.

وقد أنشد الشيخ عبد الصمد الدوني رحمه الله لنفسه:

الناس بحر عميق

والبعد عنهم سفينة

إني نصحاك فانظر

لنفسك المسكينة

(2)

لطيفة: وفي الميزان للذهبي في ترجمة أحمد بن زرارة المدني بسند مظلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كيف أنتم إذا كان زمان يكون [الأمير] فيه كالأسد الأسود، والحاكم فيه كالذئب الأمعط، والتاجر كالكلب الهوار، والمؤمن بينهم كالشاة الولهى بين الغنمين ليس لها مأوي فكيف حال شاة بين أسد وذئب وكلب

(3)

، قاله في حياة الحيوان

(4)

.

وقال عطية بن أبي المسافر: كان في بني إسرائيل عابد وقد توحد في غيضة يعبد اللَّه عز وجل فيها ثلاثمائة سنة فبينا هو ذات يوم سمع صوت طائر في وكره، فقال: لو تحولت إلى صوت هذا الطائر فأستأنس به، قال: فتحول

(1)

حلية الأولياء (8/ 77) والكلام لشقيق البلخي.

(2)

الزهد للبيهقي (227) والأبيات لمنصور الفقيه.

(3)

الميزان (1/ 98).

(4)

حياة الحيوان (2/ 383).

ص: 189

فأوحى اللَّه عز وجل إلى نبيه عليه السلام، قل لعبدي استأنست بمخلوق وعزتي لأحطنك درجة لا تنالها أبدا

(1)

، انتهى.

4138 -

وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رجل أَي النَّاس أفضل يَا رَسُول اللَّه قَالَ مُؤمن يُجَاهد بِنَفسِهِ وَمَاله فِي سَبيل اللَّه قَالَ ثمَّ من قَالَ ثمَّ رجل معتزل فِي شعب من الشعاب يعبد ربه

(2)

.

4139 -

وَفِي رِوَايَة يَتَّقِي اللَّه ويدع النَّاس من شَره رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا وَرَوَاهُ الْحَاكِم بِإِسْنَاد على شَرطهمَا إِلَّا أَنه قَالَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه سُئِلَ أَي الْمُؤمنِينَ أكمل إِيمَانًا قَالَ الَّذِي يُجَاهد بِنَفسِهِ وَمَاله وَرجل يعبد ربه فِي شعب من الشعاب وَقد كفى النَّاس شَره

(3)

.

قوله: وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه تقدم.

قوله: قال رجل: أي الناس أفضل يا رسول اللَّه؟ قال: "مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل اللَّه" قال: ثم من؟ قال: "ثم رجل معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه" وفي رواية الحاكم: أنه سئل أي المؤمنين أكمل إيمانا؟ قال: "الذي يجاهد بنفسه وماله ورجل يعبد ربه في شعب من الشعاب" الحديث، قال النووي: قوله "أفضل الناس رجل يجاهد في سبيل اللَّه بماله ونفسه" قال

(1)

قوت القلوب (2/ 89)، والإحياء (4/ 333).

(2)

أخرجه البخاري (6494)، ومسلم (122 و 123 و 124 - 1888)، وابن ماجه (3978).

(3)

أخرجه البخاري (2786)، والترمذي (1660)، والنسائي في المجتبى 5/ 351 (3128). وأخرجه أبو داود (2485)، والحاكم 2/ 71. وصححه الحاكم وواففه الذهبي. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1297) والصحيحة (1531).

ص: 190

القاضي: هذا عام مخصوص، وتقديوه: هذا من أفضل الناس، وإلا فالعلماء أفضل وكذا الصديقون كما جاءت به الأحاديث ففي هذا الحديث التصريح بأن الجهاد أفضل من العزلة والتفرغ للعبادة وهو ما يدل عليه قوله تعالى:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً}

(1)

الآية

(2)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "ثم رجل معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه" الحديث، الشعب: بكسر الشين المعجمة هو ما انفرج بين رجلين قال النووي: وليس المراد نفس الشعب خصوصا بل المراد الانفراد والاعتزال وذكر الشعب هنا مثالا لأنه خال عن الناس غالبا، أهـ، ذكره ابن النحاس في كتاب الجهاد له

(3)

وهذا الحديث نحو الحديث الآخر حين سئل صلى الله عليه وسلم عن النجاة، فقال:"أمسك عليك لسانك" قال في الحدائق: في هذا الحديث أن المعتزل في شعب أفضل الناس، وفيه ثلاث فوائد للعزلة عبادة الرب تبارك وتعالى ولا شك أن الفراغ من كل شاغل عن الخير ميسر للخير وأن التفرد عن الخلق أبعد عن الرياء وأعون على الإخلاص والفائدة الثانية: تقوى اللَّه ولا شك أن كثيرا من المعاصي يتعذر في العزلة فكانت مظنة التقى، ثالثها: ويدع الناس من شره

(1)

سورة النساء، الآية:95.

(2)

شرح النووي على مسلم (13/ 33 - 34)، ومشارع الأشواق (ص 148).

(3)

إكمال المعلم (6/ 310)، وشرح النووي على مسلم (13/ 34)، ومشارع الأشواق (ص 148).

ص: 191

وأنها لفائدة جليلة وصدقة جزيلة وفيه أحد مواطن العزلة وهو شعب من الشعاب ولزوم البيت قريب منه

(1)

، أ. هـ. وفيه دليل لمن قال بتفضيل العزلة على الاختلاط وفي ذلك خلاف مشهور تقدم، وأكثر العلماء على أن الاختلاط أفضل بشرط رجاء السلامة من الفتن ومذهب طوائف أن الاعتزال أفضل وتقدم ذلك أيضًا وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأنه محمول على الاعتزال في زمن الحروب والفتن أو هو ممن هو لا يسلم الناس منه ولا يصبر عليهم أو نحو ذلك من الخصوص، ولقد كانت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وجماهير الصحابة والتابعين والعلماء الزهاد مختلطين فيحصلون منافع الاختلاط كشهود الجمعة والجماعة والجنائز وعيادة المريض ومجلس الذكر وغير ذلك

(2)

، أ. هـ.

4140 -

وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُوشك أَن يكون خير مَال الْمُسلم غنم يتبع بهَا شعف الْجبَال ومواقع الْقطر يفر بِدِينِهِ من الْفِتَن رَوَاهُ مَالك وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائيِّ وَابْن مَاجَه شعف الْجبَال بالشين الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة مفتوحتين هُوَ أَعْلَاهَا ورؤوسها

(3)

.

قوله: وعنه رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها

(1)

حدائق الأولياء (1/ 565 - 566).

(2)

شرح النووي على مسلم (13/ 33 - 34).

(3)

أخرجه مالك (2781)، والبخاري (19) و (3350) و (3600) و (6495) و (7088)، وأبو داود (4267)، والنسائي في المجتبى 7/ 562 (5080)، وابن ماجه (3980).

ص: 192

شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن" الحديث.

قوله: "يوشك" بضم الياء وكسر الشين أي يقرب ويدنو ويسرع

(1)

.

قال الجوهري: والعامة يقولون يوشك بفتح الشين وهي لغة رديئة

(2)

.

وقوله: "خير مال المسلم" يجوز في خير مال المسلم وجهان نصب خير ورفعه ونصبه هو الأشهر في الرواية، وأما الرفع فبأن يقدر في يكون ضمير الشأن

(3)

.

وقوله: "يتبع بها" هو بتشديد التاء المفتوحة وجاء سكونها والضمير راجع إلى الغنم وهو اسم الجنس وقيد بالغنم لأن هذا النوع من المال نموه وزيادته أبعد من الشوائب المحرمة كالربى والشبهات المكروهة وخصت الغنم بذلك لما فيها من السكينة والبركة

(4)

. وشعف الجبال بالشين المعدمة والعين المهملة مفتوحتين هو أعلاها ورؤوسها، أ. هـ قاله المنذري.

وقال غيره: والمراد بها هاهنا رأس جبل من الجبال ومواقع القطر البراري، قاله في شرح مشارق الأنوار، وقيد الاتباع بالمواضع الخالية من ازدحام الناس لأنه أسلم غالبا من المناولات المؤدية إلى الكدورات

(5)

.

(1)

كشف المناهج (4/ 481).

(2)

الصحاح (4/ 1615).

(3)

شواهد التوضيح (ص 203).

(4)

الكواكب الدرارى (1/ 110).

(5)

المصدر السابق.

ص: 193

قال النووي: وفي الحديث فوائد منها فضل العزلة في أيام الفتن

(1)

.

فائدة

(2)

: فمن له القدرة على إزالة الفتنة فإنه يجب عليه السعي في إزالتها أما فرض عين وإما فرض كفاية بحسب الحال والإمكان وأما في غير أيام الفتنة فاختلف العلماء في العزلة

(3)

وتقدم ذلك وفيه فائدة أخرى للعزلة وهي الفرار بدينه من الفتن وكان الغنم خير المال لإعانتها على أشرف الخلال

(4)

.

فائدة: وفي صحيح البخاري وسنن ابن ماجه واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بعث اللَّه نبيا إلا رعى الغنم" فقال له أصحابه: أنت يا رسول اللَّه؟ قال: "نعم، وأنا كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط"

(5)

قال قال سويد: يعني كل شاة بقيراط

(6)

.

وفي غريب الحديث للقتيبي: بعث موسى صلى الله عليه وسلم وهو راعي غنم وبعث داود صلى الله عليه وسلم وهو راعي غنم وبعثت وأنا راعي غنم أهلي بأجياد، وفي الحديث:"أجر موسى نفسه بعفة فرجه وشبع بطنه" إونما جعل اللَّه الرعي في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تقدمة لهم ليكونوا رعاة الخلق وليكون أممهم رعايا لهم

(1)

بوب به كما في رياض الصالحين (ص 199)، والكواكب الدرارى (1/ 110)، وعمدة القارى (1/ 163).

(2)

في الهامش عبارة: وضع الفائدة هنا سهوا، وإنما ذلك بياض لتمزيق محله من الأصل.

(3)

الكواكب الدرارى (1/ 110)، وعمدة القارى (1/ 163).

(4)

حدائق الأولياء (1/ 566).

(5)

أخرجه البخاري (2262)، وابن ماجه (2149).

(6)

ذكره ابن ماجه في الموضع السابق.

ص: 194

دخل أبو مسلم الخولاني على معاوية فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: قل السلام عليك أيها الأمير، فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: قال أيها الأمير، فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقال معاوية: دعوا أبا مسلم، فإنه أعلم بما يقول، فقال: إنما أنت أجير استأجرك رب هذه الغنم لرعايتها فإن كانت هنأت جرباها وداويت مرضاها وحبست أولاها على أخراها وفاك سيدك أجرك وإن أنت لم تهن جرباها ولم تداو مرضاها ولم تحبس أولاها على أخراها عاقبك سيدك، أ. هـ ذكره في حياة الحيوان

(1)

.

قال صاحب الحدائق

(2)

: قلت: فليقتدي بهم وكان أويس القرني يرعى إبل قومه تخليا ومكتسبا، وقد اعتزل أبو ذر والسادات ونزل البردة فما ظنك بزمننا الخلف وكثرة الأراذل والسفهاء. أ. هـ.

4141 -

وَعنهُ رضي الله عنه عَن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ من خير معايش النَّاس لَهُم رجل مُمْسك عنان فرسه فِي سَبِيل اللَّه يطير على مَتنه كلما سمع هيعة أَو فزعة طَار عَلَيْهِ يَبْتَغِي الْقَتْل أَو الْمَوْت مظانه وَرجل فِي غنيمَة فِي رَأس شعفة من هَذِه الشعف أَو بطن وَاد من هَذِه الأودية يُقيم الصَّلَاة ويؤتي الزَّكَاة ويعبد ربه حَتَّى يَأْتِيهِ الْيَقِين لَيْسَ من النَّاس إِلَّا فِي خير رَوَاهُ مسلم وَتقدم بشرح غَرِيبه فِي الْجِهَاد

(3)

.

(1)

حياة الحيوان (2/ 258 - 259).

(2)

حدائق الأولياء (1/ 566).

(3)

أخرجه مسلم (125 و 126 و 127 - 1889)، وابن ماجه (3977).

ص: 195

قوله: وعنه رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من خير معايش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه في سبيل اللَّه يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل أو الموت مظانه ورجل في كنيمة في رأس شعفة من هذه الشعف أو بطن واد من هذه الأودية" الحديث، المعاش هو [هو العيش وهو] الحياة، وتقديره واللَّه أعلم: من خير أحوال عيشهم

(1)

.

قوله: "يطير" أي: يسرع ومتنه ظهره والهيعة بفتح الهاء وإسكان الياء الصوت للحرب أعند، حضور العدو، والفزعة بإسكان الزاي أي النهوض إلى العدو ومظان الشيء المواضع التي يظن وجوده فيها لشدة رغبته في الشهادة، وفي هذا الحديث فضيلة الجهاد والرباط والحرص على الشهادة

(2)

.

والغُنيمة بضم الغين تصغير الغنم أي قطعة منها والشعفة بفتح الشين والعين المهملة أعلى الجبل واليقين الموت

(3)

قال اللَّه تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)}

(4)

وفي هذا الحديث مدح للعزلة مطلقا وفيه أنه ليس من الناس إلا في خير كما جمعه هذا الحديث، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم

(5)

، أ. هـ.

فائدة: والاختلاط بالناس وحضور جمعهم وجماعاتهم ومشاهد الخير

(1)

شرح النووي على مسلم (13/ 35).

(2)

المصدر السابق.

(3)

شرح النووي على مسلم (13/ 35)، وكشف المناهج (3/ 320).

(4)

سورة الحجر، الآية:99.

(5)

حدائق الأولياء (1/ 567).

ص: 196

ومجالس الذكر معهم وعيادة مريضهم وحضور جنائزهم ومواساة محتاجهم وغير ذلك من مصالحهم لمن قدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقمع نفسه عن الإيذاء والصبر على الأذى هو الذي كان عليه الشارع صلى الله عليه وسلم والأنبياء والخلفاء ومن بعدهم من العلماء وأحبارهم وهو مذهب أكثر التابعين ومن بعدهم وبه قال الشافعي والإمام أحمد وأكثر الفقهاء، قال اللَّه تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}

(1)

والآيات في معنى ذلك كثيرة معلومة واللَّه أعلم

(2)

.

4142 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَلا أخْبركُم بِخَير النَّاس رجل مُمْسك بعنان فرسه فِي سَبِيل اللَّه أَلا أخْبركم بِالَّذِي يتلوه رجل معتزل فِي غنيمَة لَهُ يُؤَدِّي حق اللَّه فِيهَا أَلا أخْبركم بشر النَّاس رجل يسْأَل بِاللَّه وَلا يُعْطي رَوَاهُ النَّسَائيِّ وَالتِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَلَفظه أَن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم خرج عَلَيْهِم وهم جُلُوس فِي مجْلِس لَهُم فَقَالَ أَلا أخْبركم بِخَير النَّاس منزلا قَالُوا بلَى يَا رَسُول اللَّه قَالَ رجل أَخذ بِرَأْس فرسه فِي سَبِيل اللَّه حَتَّى يَمُوت أَو يقتل أَلا أخْبركم بِالَّذِي يَلِيهِ قُلْنَا بلَى يَا رَسُول اللَّه قَالَ امْرُؤ معتزل فِي شعب يُقيم الصَّلَاة ويؤتي الزَّكَاة ويعتزل شرور النَّاس أَلا أخْبركم بشر النَّاس قُلْنَا بلَى يَا رَسُول اللَّه قَالَ الَّذِي يسْأَل بِاللَّه وَلا يُعْطي وَرَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْعُزْلَة من حَدِيثه وَرَوَاهُ أَيْضًا هُوَ

(1)

سورة المائدة، الآية:2.

(2)

رياض الصالحين (ص 200)، وحدائق الأولياء (1/ 567).

ص: 197

وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أم مُبشر الأَنْصَارِيَّة أطول مِنْهُ

(1)

.

قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بخير الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل اللَّه ألا أخبركم بالذي يتلوه رجل معتزل في غنيمة له يؤدي حق اللَّه فيها" الحديث، ومعناه: وشرح غريبه في الحديث قبله واللَّه أعلم.

4143 -

وَعَن معَاذ بن جبل رضي الله عنه أَن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ من جَاهد فِي سَبِيل اللَّه كَانَ ضَامِنا على اللَّه وَمن عَاد مَرِيضا كَانَ ضَامِنا على اللَّه وَمن دخل على إِمَامه يعزره كَانَ ضَامِنا على اللَّه وَمن جلس فِي بَيته لم يغتب إنْسَانا كَانَ ضَامِنا على اللَّه رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَابْن حبَان وَاللَّفْظ لَهُ وَعند الطَّبَرَانيِّ أَو قعد فِي بَيته فَسلم النَّاس مِنْهُ وَسلم من النَّاس وَهُوَ عِنْد أبي دَاوُد بِنَحْوِهِ وَتقدم لَفظه وَرَوَاهُ الطَّبَرَانيِّ فِي الأَوْسَط من حَدِيث عَائِشَة وَلَفظه قَالَ خِصَال سِتّ مَا من مُسلم يَمُوت فِي وَاحِدَة مِنْهُنَّ إِلَّا كَانَ ضَامِنا على اللَّه أَن يدْخل الْجنَّة فَذكر مِنْهَا وَرجل فِي بَيته لا يغتاب الْمُسلمين

(1)

أخرجه الترمذي (1652)، والنسائي في المجتبى 4/ 568 (2588) والكبرى (2361)، وابن أبي الدنيا في العزلة (101)، وابن أبي عاصم في الجهاد (152 و 153 و 154)، وابن حبان (604 و 605)، والطبراني في الكبير (10/ 315 رقم 10768). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1298) و (2737). وأخرجه ابن أبي الدنيا في العزلة (12)، ابن أبي عاصم في الزهد (35) و (62، 82)، والطبراني في الكبير (25/ 104 رقم 271). قال الهيثمي في المجمع (10/ 304) ورجاله ثقات، إلّا أن ابن إسحاق مدلس. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2737).

ص: 198

وَلا يجر إِلَيْهِم سخطا وَلا نقمة

(1)

.

قوله: وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من جاهد في سبيل اللَّه كان ضامنا على اللَّه ومن عاد مريضا كان ضامنا على اللَّه" الحديث، تقدم معنى ضامن في مواضع من هذا التعليق.

4144 -

وَرُوِيَ عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن أعجب النَّاس إِلَيّ رجل يُؤمن بِاللَّه وَرَسُوله وَيُقِيم الصَّلَاة ويؤتي

(1)

أخرجه أحمد 5/ 241 (22093)، والبزار (1649 - كشف الأستار)، وابن خزيمة (1495)، وابن حبان (372)، والطبراني في الكبير 25/ 37 (54 و 55)، وفي الأوسط (8/ 288 رقم 8659)، والحاكم 1/ 212 و 2/ 90، والبيهقي في الكبرى (9/ 280 رقم 18539). وقال الحاكم: هذا حديث رواته مصريون، ثقات، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 299: رواه الطبراني في الكبير، وفيه ابن لهيعة وفيه كلام، وبقية رجاله ثقات. وقال في 5/ 277: رواه أحمد، والبزار، والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد رجال الصحيح خلا ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه ضعف. وقال في 10/ 304: رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه باختصار، والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن لهيعة وحديثه حسن على ضعفه. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1268) و (1316) و (2738) و (3471).

وأما حديث عائشة: أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 142 - 143 رقم 3822). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى إلا عمرو بن قيس تفرد به الحكم بن بشير بن سلمان. وقال الهيثمي 5/ 278: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عيسى بن عبد الرحمن بن أبي فروة، وهو متروك. وصححه الألباني في الصحيحة (3384) وصحيح الترغيب (2739).

ص: 199

الزَّكَاة ويعمر مَاله ويحفظ دينه ويعتزل النَّاس رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْعُزْلَة

(1)

.

قوله: وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه هو: أبو العباس وقيل أبو يحيى سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الساعدي المدني كان اسمه حزنا فسماه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سهلا، شهد سهل فصار مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين، قال الزهري: سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وكان له يوم وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنة وتوفي بالمدينة سنة ثمان وثمانين وقيل سنة إحدى وتسعين قال ابن سعد: هو آخر من حدث من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ليس فيه خلاف، روى له عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مائة حديث وثمانية وثمانون حديثا اتفقا على ثمانية وعشرين وانفرد البخاري بأحد عشر حديثا

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أعجب الناس إليّ رجل يؤمن باللَّه ورسوله" فذكر الحديث إلى أن قال: "ويعتزل شرور الناس" الحديث، تقدم الكلام على الاعتزال.

4145 -

وَعَن ثَوْبَان رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم طُوبَى لمن ملك لِسَانه ووسعه بَيته وَبكى على خطيئتة رَوَاهُ الطَّبَرَانيِّ فِي الأَوْسَط وَالصَّغِير وَحسن إِسْنَاده

(3)

.

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في العزلة (5)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1611). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1634).

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 238 ترجمة 237).

(3)

أخرجه ابن أبي الدنيا في العزلة (2)، والطبراني في الأوسط (3/ 21 رقم 2340) والصغير =

ص: 200

قوله: وعن ثوبان رضي الله عنه هو مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئته" تقدم الكلام عليه.

4146 -

وَعَن عقبَة بن عَامر رضي الله عنه قَالَ قلت يَا رَسُول اللَّه مَا النجَاة قَالَ أمسك عَلَيْك لسَانك وليسعك بَيْتك وابك على خطيئتك رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ كلهم من طَرِيق عبيد اللَّه بن زحر عَن عَليّ بن يزِيد وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن

(1)

.

قوله: وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

= (1/ 140 رقم 212) والشاميين (548). قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن ثوبان إلا بهذا الإسناد تفرد به عيسى بن سليمان، وهو ثقة، سمعت عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل يقول: سمعت أبي يقول: شرحبيل بن مسلم من ثقات الشاميين، وحدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: سمعت يحيى بن معين يقول: إسماعيل بن عياش ثقة فيما روى عن الشاميين، وأما روايته عن أهل الحجاز، فإن كتابه ضاع، فخلط في حفظه عنهم.

وقال الهيثمي في المجمع 10/ 299: رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وحسن إسناده. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2740) و (2855) و (3332).

(1)

أخرجه ابن المبارك في الزهد (134)، وابن وهب في الجامع (374)، وأحمد 4/ 148 (17334) و 4/ 158 (17452) و 5/ 259 (22235)، والترمذي (2406)، وابن أبي الدنيا في الرقة (169) والصمت (2) والعزلة (1)، والطبراني في الكبير 17/ 270 (741) والشاميين (253)، والبيهقي في الآداب (296) والزهد (234) والشعب (2/ 238 - 239 رقم 784) و (7/ 13 - 14 رقم 458) و (10/ 417 رقم 7723). وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وصححه الألباني في الصحيحة (888) و (2861) وصحيح الترغيب (2741) و (2854) و (3231).

ص: 201

قوله: قلت: يا رسول اللَّه ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك" الحديث، قال الشيخ تقي الدين السبكي: وجدت الصلاح كله في كلمتين من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله عليه السلام "عليك بخويصة نفسك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك" يعني: "عليك بخويصة نفسك" أي بالاشتغال بنفسك تهذبها وتنقيها من الأدناس [وتكسبها] الصفات الحميدة التي تجاور بها رب العالمين والاشتغال بالناس لا خير، وأما قوله "وليسعك بيتك" فلأن السلامة في العزلة ومتى خرج الإنسان من بيته تعرض للشقاء وانظر إلى قوله تعالى:{فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}

(1)

، قال: ونظمت هذا في قولي:

كبر النفس مانع لرشاد

فكن حقيرا صغيرا

والزم البيت لا تفارقه شبرا تلق عند الخروج شرًّا كبيرًا

(2)

. أ. هـ.

وفي أمره صلى الله عليه وسلم بالإقامة في البيوت رفق عظيم بأمته ورحمة شاملة إذ رفع عثهم تلك المشاق بجلوسهم في أوطانهم

(3)

، فإن قلت: فقد قال عليه الصلاة والسلام: "فسيأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر من شاهق إلى شاهق كطائر بفراخه أو كثعلب بأشباله، ما أتقاه في ذلك الزمان، ما

(1)

سورة طه، الآية:117.

(2)

طبقات الشافعية (10/ 296).

(3)

المدخل (1/ 304).

ص: 202

أتقاه في ذلك الزمان" فذاك يأمره بالإقامة في بيته وهذا يأمره بالفرار، وقال سيدي أبو محمد بأن الوارد في الفرار محمول على زمان يكون بعض المواضع فيه صالحا للإقامة وبعض فاسدا فإذا كان كذلك فينبغي على المؤمن أن يفر بدينه من الموضع الفاسد إلى الموضع الصالح وأما إن كان الزمان قد استوى حاله في مخالفة عموم السنن وارتكاب البدع وغير ذلك فيلس له موضع يفر إليه فليكن حلسا منة أحلاس بيته فلا يخرج منه واعتزل ما قدرت عليه وكن حلسا من أحلاس بيتك

(1)

، أ. هـ.

4147 -

وَعَن مَكْحُول رضي الله عنه قَالَ قَالَ رجل مَتى قيام السَّاعَة يَا رَسُول اللَّه قَالَ مَا المسؤول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل وَلَكِن لهَا أَشْرَاط وتقارب أسواق قَالُوا يَا رَسُول اللَّه وَمَا تقَارب أسواقها قَالَ كسادها ومطر وَلَا نَبَات وَأَن تَفْشُو الْغَيْبَة وتكثر أَوْلاد البغية وَأَن يعظم رب المَال وَأَن تعلو أصوات الفسقة فِي الْمَسَاجِد وَأَن يظْهر أهل الْمُنكر على أهل الْحق قَالَ رجل فَمَا تَأْمُرنِي قَالَ فر بِدينِك وَكن حلسًا من أحلاس بَيْتك رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا هَكَذَا مُرْسلا

(2)

.

قوله: وعن مكحول رضي الله عنه هو: أبو عبد اللَّه مكحول بن زيد الدمشقي، قيل: كان مولى لسعيد بن العاصي فوهبه لامرأة من قريش فأعتقته، كان يسكن دمشق سمع أنس بن مالك وأبا هند الرازي وواثلة بن الأسقع وأبا أمامة بن

(1)

المدخل (1/ 303).

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في العزلة (198). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1635).

ص: 203

سهيل وعبد الرحمن بن غنم وغيرهم، سكن دمشق وتوفي بها سمة ثمان عشرة ومائة واللَّه أعلم وهو من التابعين

(1)

.

قوله: قال رجل: متى قيام الساعة يا رسول اللَّه؟ قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، فذكر الحديث إلى أن قال:"فر بدينك وكن حلسا من أحلاس بيتك" الحلس بالكسر هو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب يعني الزموا بيوتكم من الفتن كلزوم الحلس لظهر الدابة، أ. هـ قاله المنذري.

وقال غيره: الحلس كساء رقيق يجعل على ظهر البعير تحت القتب والرحل ومنه قولهم: فلان حلس فلان أي ملازمه وفلان حلس بيته إذا كان قليل الخروج منه

(2)

، يعني أنه يتخذ بيته كأنه ثوبه الذي يستر به عورته فيلازمه ولا يفارقه إذا عمت الفتن أو كثرت وهذا موجود مشاهد لأن موضع العبادات رجعت للعادات بل بعض العبادات قد صارت اليوم وسائل للدخول في الدنيا وأكلها وبعضهم يفعلها للرياء والسمعة في الغالب، فإذا كان الأمر كذلك فالهرب من مواضع العبادات المشتملة اليوم على هذه المفاسد إلى قعود الإنسان في بيته أسلم له بل أوجب عليه إن قدر واللَّه أعلم

(3)

.

قوله: رواه ابن أبي الدنيا هكذا مرسلا، تقدم الكلام على الحديث المرسل في اصطلاح المحدثين.

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 113 - 114 ترجمة 605).

(2)

مطالع الأنوار (2/ 293).

(3)

المدخل (1/ 301 - 302).

ص: 204

4148 -

وَعَن أبي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِن بَين أَيْدِيكُم فتنا كَقطع اللَّيْل المظلم يصبح الرجل فِيهَا مُؤمنا ويمسي كَافِرًا ويمسي مُؤمنا وَيُصْبِح كافِرًا الْقَاعِد فِيهَا خير من الْقَائِم والقائم فِيهَا خير من الْمَاشِي والماشي فِيهَا خير من السَّاعِي قَالُوا فَمَا تَأْمُرنَا قَالَ كونُوا أحلاس بُيُوتكُمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي هَذَا الْمَعْنى أَحَادِيث كثِيرَة فِي الصِّحَاح وَغَيرهَا الحلس هُوَ الكساء الَّذِي يَلِي ظهر الْبَعِير تَحت القتب يَعْنِي الزموا بُيُوتكُمْ فِي الْفِتَن كلزوم الحلس لظهر الدَّابَّة

(1)

.

قوله: وعن أبي موسى رضي الله عنه اسمه عبد اللَّه بن قيس منسوب إلى الأشعر جد القبيلة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا" الحديث، وفي رواية:"بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم" قال النووي: معنى الحديث الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر ووصف صلى الله عليه وسلم نوعا من شفيئد تلك الفتن وهو أنه يمسى مؤمنا ثم يصبح كافرا أو عكسه شك الراوي، وهذا لعظم الفتن ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب واللَّه أعلم بالصواب

(2)

.

(1)

أخرجه أبو داود (4259) و (4262)، وابن ماجه (3961)، وابن حبان (5962). وصححه الألباني في الإرواء (2451)، الصحيحة (1535)، صحيح الترغيب (2742).

(2)

شرح النووي على مسلم (2/ 133).

ص: 205

قوله: فما تأمرنا؟ قال: "كونوا أحلاس بيوتكم" ومنه حديث أبي بكر: "كن حلس بيتك حتى تأتيك يد خاطبة أو ميتة قاضية" قاله في النهاية

(1)

، تقدم الكلام على ضبط الحلس وتفسيره، وفي هذا الحديث الحض على ملازمة البيوت والقعود فيها حتى يسلم من الناس ويسلموا منه ومن مراسيل الحسن وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"نعم صوامع المؤمنين بيوتكم" وقد تكون العزلة في غير البيوت كالبادية والكهوف قال اللَّه تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ}

(2)

الآية، وما زال الناس يعتزلون ويخالطون كل واحد على ما يعلم من نفسه ويتأتي له من أمره، وقد كان العمري بالمدينة معتزلا وكان مالك مخالطا للناس ثم اعتزل آخر عمره رحمه اللَّه تعالى، فيقال أنه أقام ثمان عشرة سنة لم يخرج إلى المسجد وقيل له في ذلك، فقال: ليس كل أحد يمكنه أن يخبر بعذره، واختلف الناس في عذره على ثلاثة أقوال، فقيل: لئلا يرى المناكير، وقيل: لئلا يمشي إلى السلطان، وقيل: كانت به أفردة فكان يرى تنزيه المسجد، ذكره القاضي أبو بكر بن العربي في سراج المريدين

(3)

.

4149 -

وَعَن الْمِقْدَاد بن الأسود قَالَ ايم اللَّه لقد سَمِعت رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن السعيد لمن جنب الْفِتَن إِن السعيد لمن جنب الْفِتَن إِن السعيد لمن جنب الْفِتَن وَلمن ابْتُلِيَ فَصَبر فواها رَوَاهُ أَبُو دَاوُد واها كلمة مَعْنَاهَا التلهف

(1)

النهاية (1/ 423).

(2)

سورة الكهف، الآية:10.

(3)

التذكرة (ص 1094 - 1095).

ص: 206

وَقد تُوضَع للإعجاب بالشَّيْء

(1)

.

قوله: وعن المقداد بن الأسود، تقدم الكلام عليه.

قوله: قال ايم اللَّه، تقدم الكلام علي ذلك في قوله في السرقة:"وايم اللَّه لو أن فاطمة بنت محمد" الحديث.

فقوله: "إن السعيد لمن جنب الفتن إن السعيد لمن جنب الفتن إن السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلي فصبر فواها" أي من وقع فيها بغير اختياره فصبر ولم يجاوز حد الشرع، فواها له أي فطربا له، واهًا: كلمة معناها التلهف وقد توضح للإعجاب بالشيء

(2)

أ. هـ، قاله المنذري.

4150 -

وَعَن ابْن عَمْرِو

(3)

رضي الله عنهما قَالَ بَيْنَمَا نَحن حول رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِذْ ذكر الْفِتْنَة فَقَالَ إِذا رَأَيْتُمْ النَّاس قد مرجت عهودهم وَخفت أماناتهم وَكَانُوا هَكَذَا وَشَبك بَين أَصَابِعه قَالَ فَقُمْت إِلَيْهِ فَقلت كَيفَ أفعل عِنْد ذَلِك جعلني اللَّه تبارك وتعالى فدَاك قَالَ الزم بَيْتك وابك على نَفسك واملك عَلَيْك لسَانك وَخذ مَا تعرف ودع مَا تنكر وَعَلَيْك بِأَمْر خَاصَّة نَفسك ودع عَنْك أَمر الْعَامَّة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائيِّ بِإِسْنَاد حسن مرجت أَي فَسدتْ وَالظَّاهِر أَن معنى

(1)

أخرجه أبو داود (4263)، والبزار (2112)، والطبراني في المعجم الكبير 20/ 252 (598)، وفي مسند الشاميين (2021)، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 175. وصححه الألباني في الصحيحة (975)، وصحيح الترغيب (2743).

(2)

معالم السنن (4/ 342 - 343).

(3)

في الأصل ابن عباس.

ص: 207

قَوْله خفت أماناتهم أَي قلت من قَوْلهم خف الْقَوْم أَي قلوا وَاللَّه أعلم

(1)

.

قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم وخفت أماناتهم" الحديث، أي: فسدت، والظاهر أن معنى قوله:"وخفت أماناتهم" أي قلت مأخوذ من قولهم: خف القوم أي قلوا، قاله الحافظ المنذري.

وقال غيره: مرجت بفتح الميم وكسر الراء المهملة كذا ضبطه الجوهري أي اختلطت واضطربت ومرجت أمانات الناس أيضًا فسدت ومرج الدين فسد

(2)

أ. هـ.

قوله: "وعليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العامة" الظاهر أن هذا من باب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}

(3)

. الآية

(4)

.

4151 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما أَن عمر خرج إِلَى الْمَسْجِد فَوجدَ معَاذًا عِنْد قبر رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يبكي فَقَالَ مَا يبكيك قَالَ حَدِيث سمعته من رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ الْيَسِير من الرِّيَاء شرك وَمن عادى أَوْلِيَاء اللَّه فقد بارز بالمحاربة إِن اللَّه

(1)

أخرجه أبو داود (4342 و 4343)، وابن ماجه (3957)، والنسائي في الكبرى (9962)، والبزار (2484 و 2485). وصححه الألباني في الصحيحة (205 و 888 و 1535) وصحيح الترغيب (2744).

(2)

الصحاح للجوهري (1/ 341)، وكشف المناهج (4/ 461).

(3)

سورة المائدة، الآية:105.

(4)

كشف المناهج (4/ 461).

ص: 208

يحب الأَبْرَار الأتقياء الأخفياء الَّذين إِن غَابُوا لم يفتقدوا وَإِن حَضَرُوا لم يعرفوا قُلُوبهم مصابيح الْهدى يخرجُون من كل غبراء مظْلمَة رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْحَاكم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح وَلا عِلّة لَهُ

(1)

.

قوله: وعن ابن عمر رضي الله عنهما، تقدم.

قوله: أن عمر خرج إلى المسجد فوجد معاذا عند قبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يبكي فقال: ما يبكيك، قال: حديث سمعته من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "اليسير من الرياء شرك" الحديث، تقدم الكلام عليه في أوائل هذا التعليق.

4152 -

وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَأْتِي على النَّاس زمَان لا يسلم لذِي دين دينه إِلَّا من هرب بِدِينِهِ من شَاهِق إِلَى شَاهِق وَمن جُحر إِلَى جُحر فَإِن كَانَ ذَلِك كذَلِك لم تنَلْ الْمَعيشَة إِلَّا بسخط اللَّه فَإِذا كَانَ ذَلِك كذَلِك كَانَ هَلَاك الرجل على يَدي زَوجته وَولده فَإِن لم يكن لَهُ زَوْجَة وَلا ولد كَانَ هَلَاكه على يَدي أَبَوَيْهِ فَإِن لم يكن لَهُ أَبَوَانِ كَانَ هَلَاكه على يَدي قرَابَته أَو الْجِيرَان قَالُوا كيفَ ذَلِك يَا رَسُول اللَّه قَالَ يُعَيِّرُونَهُ بِضيق

(1)

أخرجه ابن ماجه (3989)، وابن أبي الدنيا في الأولياء (6) والتواضع (8) وذم الرياء (161) والطحاوي في مشكل الآثار (1798 و 1799)، وابن لال (42)، والطبراني في الكبير (20/ 153 - 154 رقم 321)، والحاكم (1/ 4 و 4/ 328)، وأبو نعيم في المعرفة (5960 - 5962)، والبيهقي في الأسماء والصفات (1046).

وصححه الحاكم ووافقه الذهبي في الموضع الأول وتعقبه في الثاني فقال: فيه عيسى بن عبد الرحمن بن فروة تركه النسائي. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (20) و (1636) و (1866).

ص: 209

الْمَعيشَة فَعِنْدَ ذَلِك يُورد نَفسه الْمَوَارِد الَّتِي يهْلك فِيهَا نَفسه رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الزّهْد

(1)

.

قوله: وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من هرب بدينه من شاهق إلى شاهق ومن جحر إلى جحر" فذكره إلى أن قال: "فعند ذلك يعيرونه بضيق المعيشة فعند ذلك يورد نفسه الموارد التي يهلك فيها نفسه" الحديث، المعيشة هي الكسب.

4153 -

وَعَن عمرَان بن حُصَيْن رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم من انْقَطع إِلَى اللَّه كفاهُ اللَّه كل مُؤنَة ورزقه من حَيْثُ لا يحْتَسب وَمن انْقَطع إِلَى الدُّنْيَا وَكله اللَّه إِلَيْهَا رَوَاهُ الطَّبَرَانيِّ وَأَبُو الشَّيْخ بْن حيّان فِي الثَّوَاب وَإسْنَاد الطَّبَرَانيِّ مقارب وأملينا لهَذَا الحَدِيث نَظَائِر فِي الاقتصاد والحرص وَيَأْتِي لَهُ نَظَائِر فِي الزّهْد إِن شَاءَ اللَّه تَعَالَى

(2)

.

(1)

أخرجه البيهقي في الزهد (439). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1637).

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في الفرج (26) والقناعة (55)، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (1501)، والطبراني في الأوسط (3/ 346 رقم 3359) والصغير (1/ 201 رقم 321)، وابن منده في أماليه (17)، والعصمى في جزئه (24)، والسلمي في التصوف (11)، والقضاعي في مسند الشهاب (493 - 497)، والبيهقي في الشعب (2/ 351 رقم 1044) و (2/ 487 رقم 1289) و (2/ 488 رقم 1290).

وقال الطبراني: لم يروه عن هشام بن حسان إلا الفضيل بن عياض تفرد به إبراهيم بن الأشعث الخراساني. وقال العصمي: غريب من حديث الحسن عن عمران غريب من حديث الفضيل عن هشام بن حسان عن الحسن لم يروه عنه إلا إبراهيم خادم الفضيل. =

ص: 210

قوله: وعن عمران بن حصين رضي الله عنه تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من انقطع إلى اللَّه كفاه اللَّه كل مؤنة ورزقه من حيث لا يحتسب" تقدم الكلام عليه، وعن الحسن بن واقج قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا كانت سنة ثمانين ومائة فقد حلت لأمتي العزبة والعزلة والترهب في رؤوس الجبال" وروي على بن معبد من حديث مبارك بن فضالة عن الحسن [عن أبي هريرة وقيل عن عبد اللَّه بن مسعود] يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه من شاهق إلى شاهق وجحر إلى جحر فإذا كان كذلك لم تنل المعيشة إلا بمعصية اللَّه تعالى، فإذا كان كذلك حلت العزبة" قالوا: يا رسول اللَّه تحل العزبة وأنت تأمرنا بالتزواج، قال:"فإذا كان كذلك كان هلاك الرجل على يدي أبويه فإن لم يكن له أبوان كان هلاكه على يدي زوجه فإن لم يكن له زوجة كان هلاكه على يدي ولده، فإن لم يكن له ولد كان هلاكه على يدي القرابات والجيران"، قالوا: كيف ذلك يا رسول اللَّه؟ قال: "يعيرونه بضيق المعيشة ويكلفونه ما لا يطيق فعند ذلك يورد نفسه الموارد التي يهلك فيها نفسه"

(1)

. انتهى.

= قال الهيثمي في المجمع 10/ 303 - 304: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه إبراهيم بن الأشعث صاحب الفضيل، وهو ضعيف، وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يغرب ويخطئ ويخالف، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الألباني في الضعيفة (6854) وضعيف الترغيب (1061) و (1638) و (1843) و (1885).

(1)

أخرجه البيهقي في الزهد (439) عن أبي هريرة، والرافعي في التدوين (2/ 21 و 2/ 186) عن ابن مسعود. وضعفه الألباني في الضعيفة (3270) وضعيف الترغيب (1637).

ص: 211