الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الترغيب في المصافحة والترهيب من الإشارة في السلام وما جاء في السلام على الكفار]
4110 -
عَن الْبَراء رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَا من مُسلمين يَلْتَقِيَانِ فيتصافحان إِلَّا غفر لَهما قبل أَن يَتَفَرَّقَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ كِلَاهُمَا من رِوَايَة الْأَجْلَح عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي الْبَراء وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن غَرِيب
(1)
.
4111 -
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا اللَّه واستغفراه غفر لَهما قَالَ الْحَافِظ وَفِي هَذِه الرِّوَايَة أَبُو بلج بِفَتْح الْبَاء وَسُكُون اللَّام بعْدهَا جِيم واسْمه يحيى بن سليم وَيُقَال يحيى بن أبي الْأسود وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ وعَلى الْأَجْلَح واسْمه يحيى بن عبد اللَّه أَبُو حجبة الْكِنْدِيّ وَإسْنَاد هَذَا الحَدِيث فِيهِ اضْطِرَاب
(2)
.
قوله: عن البراء رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا" الحديث.
اعلم أن المصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي، قال النووي: روينا في
(1)
أخرجه أبو داود (5212)، وابن ماجه (3703)، والترمذي (2928). قال الترمذي: هذا حديث غريب من حديث أبي إسحاق عن البراء. وصححه الألباني في المشكاة (4679)، والصحيحة (525) وصحيح الترغيب (2718).
(2)
أخرجه أبو داود (5211). وضعفه الألباني في الضعيفة (2344) وضعيف الترغيب (1623).
صحيح البخاري عن قتادة قال: قلت لأنس: أكانت المصافحة في أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: نعم، وسيأتي هذا الحديث في هذا الباب، وروينا أيضًا بالإسناد الصحيح في صحيحي البخاري ومسلم في حديث كعب بن مالك في قصة توبته قال: فقام إليَّ طلحة بن عبيد يهرول حتى صافحني وهنأني، وروينا أيضًا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود عن أنس بن مالك قال: لما جاء أهل اليمن قال: رسول اللَّه قد جاءكم أهل اليمن وهم أول من جاء بالمصافحة
(1)
.
واعلم أن هذه المصافحة مستحبة عند كل لقاء وأما ما اعتاده الناس من المصافحة سنة وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال وفرطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها، وقد ذكر الشيخ عز الدين بن عبد السلام في قواعده أن البدع على خمسة أقسام واجبة ومحرمة ومكروهة ومستحبة ومباحة قال: ومن أمثلة البدع المباحة المصافحة عقب الصبح والعصر وتقدم ذلك في أوائل هذا التعليق ويستحب مع المصافحة البشابة بالوجه والدعاء بالمغفرة وغيرها لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق" قال النووي: وينبغي أن يحترز عن مصافحة الأمرد الحسن الوجه فإن النظر إليه حرام وكل من حرم النظر إليه حرم مسه
(2)
ويكره حتى الظهر في كل حال لكل أحد ويدل عليه ما
(1)
أخرجه أبو داود (5213)، والأذكار (ص 436).
(2)
الأذكار (ص 437).
روي الترمذي عن أنس بن مالك قال: سمعت رجلا يقول لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا رسول اللَّه الرجل منا يلقى أخه وصديقه أينحني له؟ قال: لا، قلنا: أيعانق بعضنا بعضا؟ قال: لا ويكن تصافحوا، رواه الترمذي وهو حديث حسن كما ذكر، ولم يأت له معارض فلا تصير إلى مخالفته.
قوله: أفيلتزمه، قال: لا، زاد رزين العبدري إلا أن يأتي من سفر، ولا يغتر بكثرة من يفعله ممن ينسب إلى علم أو صلاح وغيرهما من خصال الفضل فإن الاقتداء إنما يكون برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال اللَّه تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}
(1)
وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}
(2)
الآية، وقد روى عن الفضيل بن عياض ما معناه اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين
(3)
، أ. هـ.
قوله: وفي هذه الرواية: أبو بلج، فتح الباء وسكون اللام بعدها جيم قاله المنذري ويقال له أيضًا أبو صالح، أ. هـ، قالا لحافظ: واسمه يحيى بن سليم ويقال يحيى بن الأسود، أ. هـ، ويقال أيضًا يحيى بن أبي سليم الفزاري الواسطي ويقال كوفي متكلم فيه، أ. هـ، قال الحافظ: والأجلح اسمه يحيى بن عبد اللَّه أبو حجية الكندي.
(1)
سورة الحشر، الآية:7.
(2)
سورة النور، الآية:63.
(3)
المصدر السابق (ص 438).
4113 -
وَعَن أنس رضي الله عنه: عَن نَبِي اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا من مُسلمين التقيا فَأخذ أَحدهمَا بيد صَاحبه إِلَّا كَانَ حَقًا على اللَّه عز وجل أَن يحضر دعاءهما وَلا يفرق بَين أَيْدِيهِمَا حَتَّى يغْفر لَهما وَاللَّفْظ لَهُ وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى ورواة أَحْمد كلهم ثِقَات إِلَّا مَيْمُون الْمرَادِي وَهَذَا الحَدِيث مِمَّا أنكر عَلَيْهِ
(1)
.
قوله: وعن أنس رضي الله عنه: تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلمين التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه" الحديث، تقدم الكلام على المصافحة في الحديث قبله.
قوله: إلا ميمون المرادي [هو ميمون بن موسى المرائي: قال أحمد بن حنبل: ما أرى به بأسًا، كان يدلس، وقال أبو حاتم: صدوق وقال أبو داود: ليس به بأس، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال عمرو بن علي: صدوق ولكنه ضعيف، ووثقه ابن حبان].
4114 -
وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ كَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا تلاقوا تصافحوا وَإِذا قدمُوا من سفر تعانقوا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح
(2)
.
(1)
أخرجه أحمد 3/ 142 (12451)، والبزار (6463)، وأبو يعلى (4139)، وعنه ابن عدي في الكامل (8/ 158) ومن طريقه البيهقي في الشعب (11/ 282 رقم 8545) والضياء في المختارة 7/ 238 (2981 و 2982) و 7/ 239 (2683). قال الضياء: إسناده حسن. وقال الهيثمي في المجمع 8/ 36: رواه أحمد والبزار وأبو يعلى، ورجال أحمد رجال الصحيح غير ميمون بن عجلان، وثقه ابن حبان ولم يضعفه أحد. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1625).
(2)
أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 37 رقم 97). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن شعبة إلا عبد السلام بن حرب، تفرد به: يحيى الجعفي. وقال الهيثمي في المجمع 8/ =
قوله: وعنه رضي الله عنه: تقدم الكلام عليه.
قوله: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، المصافحة مفاعلة من إلصاق الكف بالكف وإقبال الوجه على الوجه قاله في النهاية.
قوله: "وإذا قدموا من سفر تعانقوا" الحديث، وأما المعانقة فلما روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت لما قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بيتي فأتى فقرع الباب فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه فاعتنقه وقبله، فأما المعانقة وتقبيل الوجه لغير الطفل ولغير القادم من سفر ونحوه فمكروه نص على كراهتهما أبو محمد البغوي وغيره من أصحابنا، ويدل على الكراهة ما في الترمذي وابن ماجه عن أنس قال: قال رجل يا رسول اللَّه الرجل منا يلقى أخاه وصديقه أينحني له، قال:"لا" قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: "لا"، قال: فيأخذ بيده ويصافحه، قال:"نعم"، قال الترمذي: حديث حسن
(1)
، قال النووي: قلت وهذا الذي ذكرناه في التقبيل والمعانقة وأنه لا بأس به عند القدوم من سفر ونحوه ومكروه كراهة تنزيه في غيره هو في غير الأمرد الحسن الوجه وأما الأمرد الحسن الوجه فيحرم بكل حال تقبيله سواء قدم من سفر أم لا، والظاهر أن معانقته كتقبيله أو قريبة من تقبيله ولا فرق في هذا بين أن يكون المقبل والمقبل رجلين صالحين أو فاسقين أو أحدهما
= 36: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. وحسنه الألباني في الصحيحة (2647) وصحيح الترغيب (2719).
(1)
أخرجه الترمذي (2728)، وابن ماجه (3702). وحسنه الألباني في الصحيحة (160).
صالحا، فالجميع سواء والمذهب الصحيح عندنا تحريم النظر إلى الأمرد الحسن ولو كان بغير شهوة وقد أمن الفتنة فهو حرام كالمرأة لكونه في معناها، واللَّه أعلم
(1)
.
4115 -
وَعَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الْمُؤمن إِذا لَقِي الْمُؤمن فَسلم عَلَيْهِ وَأخذ بيَدِهِ فصافحه تناثرت خطاياهما كَمَا يَتَنَاثَر ورق الشّجر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأوسَط وَرُوَاته لَا أعلم فيهم مجروحا
(2)
.
قوله: وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما" المراد بالخطايا الصغائر، وأما الكبائر فلا تغفر إلا بالتوبة أو يعفو اللَّه سبحانه عن العبد.
4116 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَقِي حُذَيْفَة فَأَرَادَ أَن يصافحه فَتنحّى حُذَيْفَة فَقَالَ إِنِّي كنت جنبا فَقَالَ إِن الْمُسلم إِذا صَافح أَخَاهُ تحاتت خطاياهما كَمَا يتحات ورق الشّجر رَوَاهُ الْبَزَّار من رِوَايَة مُصعب بن ثَابت
(3)
.
(1)
الأذكار (ص 435).
(2)
أخرجه ابن وهب في الجامع (250)، والطبراني في الأوسط (1/ 84 رقم 245)، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (427). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن الوليد بن أبي الوليد إلا موسى بن ربيعة. وقال الهيثمي في المجمع 8/ 36 - 37: رواه الطبراني في الأوسط، ويعقوب بن محمد بن الطحلاء، روى عنه غير واحد ولم يضعفه أحد، وبقية رجاله ثقات. وصححه الألباني في الصحيحة (526)، وصحيح الترغيب (2720).
(3)
أخرجه البزار كما في كشف الأستار (2005)، والبيهقي في الشعب (11/ 285 - 286 رقم 8550) والآداب (223). قال البيهقي: وروي عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة، عن =
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم.
قوله: أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي حذيفة فأراد أن يصافحه فتنحى حذيفة فقال إني كنت جنبا، الحديث، تقدم الكلام أيضًا على المصافحة.
4117 -
وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِن الْمُسلمين إِذا التقيا فتصافحا وتساءلا أنزل اللَّه بَينهمَا مائَة رَحْمَة تِسْعَة وَتِسْعين لأبشهما وَأطلقهُمَا وَأَبَرهمَا وأحسنهما مساءلة بأَخيه لأبشهما أَي لأكثرهما بشاشة وَهِي طلاقة الْوَجْه مَعَ الْفَرح والتبسم وَحسن الإقبال واللطف فِي الْمَسْأَلَة وَأطلقهُمَا أَي أكثرهما وأبلغهما طلاقة وَهِي بِمَعْنى البشاشة
(1)
.
قوله: وعنه رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن المسلمين إذا التقيا فتصافحا وتساءلا أنزل اللَّه بينهما مائة رحمة تسعة وتسعين لأبشهما وأطلقهما وأبرهما" الحديث؛ قوله: "لأبشهما" أي: أكثرهما بشابة وهي طلاقة الوجه مع الفرح والتبسم وحسن الإقبال
= معاذ، أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم وحذيفة أشبه، واللَّه أعلم. قال الهيثمي في المجمع 8/ 38: رواه البزار، وفيه مصعب بن ثابت، وثقه ابن حبان، وضعفه الجمهور. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2721).
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 341 - 342 رقم 7672). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير إلا ابنه عبد اللَّه، ولا رواه عن عبد اللَّه إلا يحيى بن مسمع، تفرد به: الحسن بن كثير. وقال الهيثمي في المجمع 8/ 37: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه الحسن بن كثير بن عدي ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. وقال الألباني: منكر الضعيفة (6585)، ضعيف الترغيب (1626).
واللطف في المسألة؛ وقوله: "وأطلقهما" أي: أكثرهما وأبلغهما طلاقة وهي بمعنى البشابة، أ، هـ، قاله الحافظ.
4118 -
وَرُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِذا التقى الرّجلَانِ المسلمان فَسلم أَحدهمَا على صَاحبه فَإِن أحبهما إِلَى اللَّه أحسنهما بشرا لصَاحبه فَإِذا تصافحا نزلت عَلَيْهِمَا مائَة رَحْمَة وللبادي مِنْهُمَا تسعون وللمصافح عشرَة رَوَاهُ الْبَزَّار
(1)
.
قوله: وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى الرجلان المسلمان فسلم أحدهما على صاحبه فإن أحبهما إلى اللَّه أحسنهما بشرا لصاحبه" الحديث، تقدم الكلام على السلام، وأما البشر فهو الملاطفة وإظهار المسرة والنشاط لذلك.
4119 -
وَعَن سلمَان الْفارِسِي رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الْمُسلم إِذا لَقِي أَخَاهُ فَأخذ بِيَدهِ تحاتت عَنْهُمَا ذنوبهما كَمَا يتحات الْوَرق عَن الشَّجَرَة الْيَابِسَة
(1)
أخرجه ابن أبي الدنيا في مداراة الناس (65)، والبزار (308)، ووكيع القاضى في أخبار القضاة (2/ 88)، والدولابى في الكنى (850)، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (1080)، وابن منده في مجالس من أماليه (155)، والبيهقي في الشعب (10/ 399 - 400 رقم 7692)، وابن قدامة في المتحابين (39).
قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، ولم يتابع عمر بن عمران على هذا الحديث. وقال العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (2/ 204 - بهامش الإحياء): في إسناده نظر. قال الهيثمي في المجمع 8/ 37: رواه البزار، وفيه من لم أعرفه. وقال الألباني في الضعيفة (2385) وضعيف الترغيب (1627): ضعيف جدا.
فِي يَوْم ريح عاصف وَإِلَّا غفر لَهما وَلَو كَانَت ذنوبهما مثل زبد الْبَحْر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن
(1)
.
قوله: وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه: تقدم.
قوله: "إن المسلم إذا لقي أخاه فأخذ بيده تحاتت عنهما ذنوبهما" الحديث، تقدم معناه.
4121 -
وَعَن قَتَادَة قَالَ قلت لأنس بن مَالك رضي الله عنه أَكَانَت المصافحة فِي أَصْحَاب رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ نعم رَوَاهُ البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ
(2)
.
قوله: وعن قتادة [هو أبو الخطاب قتادة بن دعامة بكسر الدال المهملة بن قتادة بن عَزيز، بفتح العين والزاى المكررة التابعي متفق على ثقته وجلالته].
قوله: قلت لأنس بن مالك: أكانت المصافحة في أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: نعم، تقدم الكلام على المصافحة في أحاديث الباب.
4122 -
وَعَن أَيُّوب بن بشير الْعَدوي عَن رجل من عنزة قَالَ قلت لأبي ذَر حَيْثُ سير إِلَى الشَّام إِنِّي أُرِيد أَن أَسأَلك عَن حَدِيث من حَدِيث رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذن أخْبرك بِهِ إِلَّا أَن يكون سرا قلت إِنَّه لَيْسَ بشر هَل كَانَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير (6/ 256 رقم 6150)، والبيهقي في الشعب (11/ 284 - 285 رقم 8549). قال الهيثمي في المجمع 8/ 37: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير سالم بن غيلان وهو ثقة. وضعفه جدا الألباني في الضعيفة (6663) وضعيف الترغيب (1628).
(2)
أخرجه البخاري (6263)، والترمذي (2729)، وابن حبان (492). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
يصافحكم إِذا لقيتموه قَالَ مَا لَقيته قطّ إِلَّا صَافَحَنِي وَبعث إِلَيّ ذَات يَوْم وَلم أكن فِي أَهلِي فَجئْت فَأخْبرت أَنه أرسل إِلَيّ فاتيته وَهُوَ على سَرِيره فالتزمني فَكَانَت تِلْكَ أَجود وأجود رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالرجل الْمُبْهم اسمه عبد اللَّه مَجْهُول
(1)
.
قوله: وعن أيوب بن بشير العدوي [أيوب بن بشير بن كعب العدوي البصري مقل لا يكاد يعرف].
قوله: هل كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصافحكم إذا لقيتموه قال: "مما لقيته قط إلا صافحني" الحديث، تقدم الكلام على المصافحة.
قوله: وبعث إلي ذات يوم ولم أكن في أهلي فجئت فأُخبرت أنه أرسل إليَّ فاتيته وهو على سريره فالتزمني" الحديث، الالتزام الظاهر أنه المعانقة.
قوله في آخر الحديث: عن رجل من عنزة، قال الحافظ: الرجل المبهم اسمه عبد اللَّه وهو مجهول.
4123 -
وَعَن عَطاء الْخُرَاسَانِي أَن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ تصافحوا يذهب عَنْكُم الغل وتهادوا تحَابوا وَتذهب الشحناء رَوَاهُ مَالك هَكَذَا معضلا وَقد أسْند من طرق فِيهَا مقَال
(2)
.
(1)
أخرجه أحمد في مسنده 5/ 162 (21443) و (21444) و 5/ 167 (21476)، وأبو داود (5214)، وابن أبي الدنيا في الإخوان (113). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1630)، والمشكاة (4683).
(2)
أخرجه مالك في الموطأ (2641). وأخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 67)، وابن عدي في =
قوله: وعن عطاء الخراساني [هو أبو أيوب، ويقال: أبو عثمان، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو صالح عطاء بن أبي مسلم، واسم أبي مسلم عبد اللَّه، ويقال: ميسرة الأزدي الخراساني البلخي. سكن عطاء الشام، وهو مولى للمهلب بن أبي صفرة، وعطاء من التابعين الكبار، روى عن معاذ بن جبل، وكعب بن عجرة، وابن عباس، وأنس، وعبد اللَّه بن السعدي مرسلا، وسمع ابن المسيب، وابن جبير، وعكرمة، وأبا مسلم، وأبا إدريس الخولانيين، وعطاء بن أبي رباح، ونافعا، وعروة، والمقبري، والزهري، وآخرين من التابعين. روى عنه عطاء بن أبي رباح، وابن جريج، ومعمر، ومالك، وشعبة، وابنه عثمان بن عطاء، والضحاك بن مزاحم، والأوزاعي، وخلائق من الأئمة، وهو من التابعين العباد متفق على توثيقه
(1)
].
قوله: "تصافحوا يذهب عنكم الغل" ظاهره المصافحة بالأيدي عند السلام واللقاء، وقد اختلف العلماء في هذا والأكثرون على جوازه قيل تصافحوا أيس ليصفح بعضكم عن بعض ويعفو وضده المشاحنة والمناقشة التي تولد الأضغان والحقود، قاله عياض.
قوله: "وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء" الحديث، وفي رواية:"فإن الهدية تذهب وحر الصدر" ووحر الصدر غشه ووساوسه، وقيل: الحقد والغيظ، قيل: العداوة وقيل اشتد الغضب وقيل الغل اللاصق به كما تلصق الوحرة
= الكامل (6/ 205)، وابن حبان في المجروحين (2/ 288)، والأصبهاني في الترغيب والترهيب (2484). وضعفه الألباني في الضعيفة (1766) وضعيف الترغيب (1631).
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 334 ترجمة 410).
بالأرض وكلك رواه البخاري من كتاب الأدب والبيهقي من حديث أبي هريرة بإسناد جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تهادوا تحابوا فإنه يضعف الحب ويذهب بغوائل الصدور" وفي حديث الهدية: "تذهب وغر الصدور" هو بالتحريك الغل والحرارة وأصله من الوغرة وهي شدة الحر.
قوله: رواه مالك هكذا معضلا، الحديث المعضل في اصطلاح المحدثين هو الذي سقط من رواته اثنان وتقدم الكلام عليه.
لطيفة في مناقب الإمام مالك بن أنس رحمه الله: في الإحياء في الباب السادس من أبواب العلم: حكى أن يحيى بن مزيد النوفلي كتب إلى مالك بن أنس: بسم اللَّه الرحمن الرحيم وصلى اللَّه على محمد في الأولين والآخرين من يحيى بن أبي يزيد إلى مالك بن أنس، أما بعد، فقد بلغني أنك تلبس الرقاق وتأكل الرقاق وتجلس على الوطاء وتجعل على بابك حجابا، وقد جلست مجلس العلم وضربت إليك المطي وارتحل إليك الناس فاتخذوك إماما ورضوا بقولك فاتق اللَّه يا مالك وعليك بالتواضع كتبت إليك بالنصيحة مني كتابا ما اطلع عليه إلا اللَّه والسلام، فكتب مالك: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من مالك بن أنس إلى يحيى بن يزيد، سلام عليك، أما بعد،،، فقد وصل إليَّ كتابك فوقع مني موقع النصيحة من المشفق أمتعك اللَّه بالتقوى وخولك بالنصيحة خيرا وأسأل اللَّه التوفيق ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم، فأما ما ذكرت من أني آكل الرقاق وألبس الرقاق وأجلس على الوطاء فنحن نفعل ذلك ونستغفر اللَّه تعالى، وقد قال سبحانه وتعالى: {قُلْ
مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}
(1)
وإني لأعلم أن ترك ذلك خير من الدخول فيه فلا تدعنا من كتابك فإنا ليس ندعك من كتابنا والسلام
(2)
.
4124 -
وَرُوِيَ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده رضي الله عنهم أَن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود وَلا بالنصارى فَإِن تَسْلِيم الْيَهُود الإِشَارَة بالأصابع وَإِن تَسْلِيم النَّصَارَى بالأكف رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَزَاد وَلا تقصوا النواصي وأحفوا الشَّارِب وَاعْفُوا اللحى وَلا تَمْشُوا فِي الْمَسَاجِد والأسواق وَعَلَيْكُم القمص إِلَّا وتحتها الأزر
(3)
.
قوله: وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وإن تسليم النصارى بالأكف" الحديث، يعني: من تشبه باليهود والنصارى في الإشارة بالأكف والأصبع عند التسليم فليس ممن سلك على طريقتنا.
(1)
سورة الأعراف، الآية:32.
(2)
إحياء علوم الدين (1/ 67)، وحياة الحيوان (2/ 442).
(3)
أخرجه الترمذي (2695)، والطبراني في الأوسط (7/ 238 رقم 7380) والقضاعي في مسند الشهاب (1191). قال الترمذي: هذا حديث إسناده ضعيف وروى ابن المبارك، هذا الحديث عن ابن لهيعة، فلم يرفعه. قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن ليث بن سعد إلا أبو المسيب. قال البغوى في شرح السنة 12/ 267: وإسناده ضعيف، ولم يرفعه بعضهم. وقال الهيثمي في المجمع 8/ 38 - 39: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه من لم أعرفه. وحسنه الألباني في الصحيحة (2194) وصحيح الترغيب (2723).
قوله: وزاد الطبراني "ولا تقصوا النواصي وأحفوا الشارب واعفوا اللحى".
ورد "وأحفوا الشوارب"
(1)
وفي رواية "وأنهكوا الشوارب"
(2)
وفي رواية "قصوا الشوارب"
(3)
وفي رواية لمسلم "جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوهم المشركين"
(4)
وهو بقطع الهمزة في "أحفوا الشوارب" وقال ابن دريد
(5)
: يقال حفا الرجل شاربه يحفوه حفوا إذا استأصل أخذ شعره فعلى هذا يكون همزة "احفوا" همزة وصل ومعناه احفوا ما طال على الشفتين
(6)
.
وقال ابن فارس
(7)
: أحفيت الشارب إحفاء إذا أخذت منه.
وفي حديث أبي هريرة: "جزوا الشوارب وخالفوا المجوس" وهذا لأنه من زي كسرى قص اللحى وتوفير الشوارب فأمر صلى الله عليه وسلم أمته بمخالفتهم في الهيئة وفي ذلك أربعة معنا: أحدها: مخالفة الكفار، والثاني: أنه أجمل وأحسن، والثالث: أنه أطيب وأنظف، فإن الإنسان إذا أكل أو شرب أو قبل منعه طول الشارب من كمال الالتذاذ وربما دخل الشعر في الفم مع المتناول ثم يحصل
(1)
أخرجه البخاري (5892)، ومسلم (52 و 53 و 54 - 259) عن ابن عمر.
(2)
أخرجه البخاري (5893) عن ابن عمر.
(3)
أخرجه أحمد 2/ 229 (7132) عن أبي هريرة.
(4)
أخرجه مسلم (55 - 260) عن أبي هريرة.
(5)
جمهرة اللغة (1/ 557).
(6)
شرح النووي على مسلم (3/ 155 - 151).
(7)
مجمل اللغة (1/ 243).
فيه من الزهم والوسخ واللحية بعيدة عن ذلك، والرابع: أن اللَّه تعالى خلق اللحية على صفة تقبل الطول بخلاف الشارب فإنه لا يطول كطولها فكان المراد موافقة الحق عز وجل فيما رتب قاله في الحواشي
(1)
.
والجز والقص بمعنى
(2)
، والرواية الصحيحة "جزوا" كذا للكافة ووقع "خذوا الشوارب"
(3)
.
قوله: "وخالفوا المجوس" وجاء "وخالفوا المشركين" أي: فإنهم يطيلون الشارب ويحلقون اللحى وهذا أمر استحباب في الشارب واللحية والأمر بالمخالفة دليل على اجتناب التشبه بهم في كل شيء ما لم يرد نص في التقرير.
قوله: "وأحفوا" معناه: أحفوا ما طال على الشفتين، وذهبت كثير من السلف إلى استئصال الشارب وحلقه فظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:"أحفوا وأنهكوا" وهو قول الكوفيين وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصال وفاء له، ومالك رحمه الله يرى أن حلقه مُثلة ويأمر بأدب فاعله، وكان يكره أن يأخذ من أعلاه ويحمل رواية الحف على المبالغة في قصه ويشهد لذلك رواية "جزوا الشوارب"، وذهبت طائفة إلى التخيير بين الحف والقص وذهب بعضهم إلى التخيير بين الأمرين والمختار في الشارب ترك الاستئصال والاقتصار على ما يبدو به طرف الشفة
(4)
.
(1)
قاله ابن الجوزى كما في كشف المشكل (2/ 519 - 520).
(2)
إكمال المعلم (2/ 64).
(3)
المفهم (2/ 141).
(4)
شرح النووي على مسلم (2/ 151).
وقوم يرون إنهاكها وزوال شعرها ويفسرون به الإحفاء فإن اللفظ يدل على الاستقصاء وهو المبالغة في الأخذ ومنه إحفاء المسألة وقد وردت به الروايات: "أنهكوا الشوارب"
(1)
والجواب عن الأول أن المراد بالإحفاء الإحاطة قال اللَّه تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ}
(2)
أي: محيطين والمراد أحيطوا بها قصا ولا تقصوا البعض وتتركوا البعض كما يفعل الأعاجم فإنهم يتركون السبالات ويقصون الشوارب، وروي الإمام أحمد في المسند أنه صلى الله عليه وسلم قال:"قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم ولا تشبهوا باليهود"
(3)
والعثانين بالعين المهملة والتاء المثلثة ثم بالنون ثم بالياء المثناة تحت ثم بالنون وهي اللحاء أي وفروها من الأخذ والجواب عن رواية "أنهكوا الشوارب" أي بالغوا في الأخذ منه والإحاطة فقص ما على حمرة الشفة فإن إزالة الشعر مدخل الطعام والشراب أبلغ في النظافة.
وقوله في الحديث: "وقص الشارب" فيه دليل على عدم الإحفاء لأنه لو كان المراد الاستئصال لقال صلى الله عليه وسلم "وحلق الشارب".
فائدة: قال صلى الله عليه وسلم: "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد وقص الشارب
(1)
إحكام الأحكام (1/ 124).
(2)
سورة الزمر، الآية:75.
(3)
أخرجه أحمد 5/ 264 (22283)، والطبراني في الكبير (8/ 236 رقم 7924)، والبيهقي في الشعب (8/ 396 - 397 رقم 5687). وقال الهيثمي في المجمع 5/ 131: رواه أحمد، والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح خلا القاسم، وهو ثقة، وفيه كلام لا يضر. وحسنه الألباني في الصحيحة (1245).
وتقليم الأظفار ونتف الإبط"
(1)
الحديث، تقدم الكلام على الختان والاستحداد، قال العلماء: هو استفعال من الحديد وهو إزالة شعر العانة بالحديد ولو إزالة بالنتف أو النورة فهو محصل للمقصود لكن الأفضل الحلق وهذا في حق الرجل، أما المرأة فذكر النووي أن السنة في حقها النتف لأن الحلق يكثر الشعر على المحل، وقال المالكية عكس ذلك لأن النتف يرخي المحل وينبغي لها أن تراجع الزوج في ذلك وتفعل ما يأمرها به من نتف أو حلق ولا يجب حلق العانة إلا على المرأة إذا أمرها به الزوج وشعر العانة هو الذي حول الذكر على المشهور، وقال ابن سريح: إن العانة هي الشعر الذي حول الدبر لأنه إذا كثرت تلوثت بالغائط ومنع الاستنجاء بالأحجار
(2)
.
وقوله في الحديث: "وقص الشارب" يحتمل قص جميعه وقد استحبه بعض العلماء وفسروا به قوله "حفوا الشوارب" وقوم يرون إنهاكها وزوال شعرها ويفسرون بها الإحفاء وتقدم الخلاف في ذلك فقص الشارب سنة، ويستحب أن يبدأ بالجانب الأيمن وهو مخير بين القص بنفسه وبين أن يولي ذلك غيره بحصول المقصود من غير هتك مروءة ولا حرمة بخلاف الإبط والعانة وأما حد ما يقصه فالمختار أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفه
(1)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1257) و (1293) والصحيح (5889)، ومسلم (49 - 257)، وأبو داود (4198)، والترمذي (2756)، وابن ماجه (292) عن أبي هريرة. وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.
(2)
انظر شرح النووي على مسلم (3/ 148)، وفتح الباري (10/ 343 - 344).
من أصله، وأما رواية "أحفوا الشوارب" فمعناها "أحفوا" ما طال على الشفتين وتقدم الكلام على ذلك.
قوله: "وتقليم الأظفار" أي: قطع ما طال عن اللحم منها فإن الشيطان يقعد على ما طال من ذلك، وفي ذلك ثلاث معان، أحدها: تحسين الهيئة وإزالة القباحة في طول الأظفار، والثاني: أنه أطيب لنفس الجليس الأكل معه لأن النفوس تعاف الأكل مع طويل الأظفار، الثالث: أن ذلك أقرب إلى الطهارة الشرعية لأن الأظفار إذا طالت اجتمعت الأوساخ تحتها فمنعت من وصول الماء إلى البشرة
(1)
.
ولو توضأ وتحت أظفاره وسخ [يمنع وصول الماء]
(2)
لم يصح وضوءه على الأصح في الروضة ورجح الغزالي الصحة، وقال العبادي: إن كان الذي تحتها من عجين ونحوه لم يصح وإلا فيصح ويشهد لعدم الصحة مطلقا ما رويناه في مسند أبي داود الطيالسي قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه متي الساعة؟ قال: "يأتيني أحدهم يسألني عن الساعة ويدع أظفاره كأظفار الطائر تجمع الجنابة والتفث"
(3)
ففي قوله "تجمع الجنابة" دليل على
(1)
إحكام الأحكام (1/ 124 - 125).
(2)
هذه العبارة سقطت من الأصل وأثبتناها من الروضة (1/ 64).
(3)
أخرجه الطيالسي (597)، وأحمد 5/ 417 (23542)، البخاري في التاريخ الكبير 4/ 128، الشاشي (1138 و 1139)، والطبراني في الكبير (4/ 184 رقم 4086)، والدينوري في المجالسة (8/ 332)، وابن عدي (5/ 347)، والبيهقي (1/ 271 رقم 828 و 829). وقال البخاري: سليمان بن فروخ أبو واصل، قال: لقيني أبو أيوب هو =
أنه لا يصح غسله ولا وضوءه.
قوله: "ونتف الإباط" نتف الإبط سنة والنسة فيها النتف دون الحلق لأن النتف يضعف الشعر، والمراد: تخفيفه عن المواضع التي يجتمع فيها الرعض، قال الضميري: إلا أن يكون النتف يضعف عينيه فيكره له النتف ويستحب الحلق حينئذ، وإذا أمر به الزوج زوجته وجب، أ. هـ. قاله ابن العماد في شرح عمدة الأحكام.
تنبيه: قيل: وإنما عبر في الشارب القص وفي الأظفار بالتقليم لأن قص الأظفار يعسر معه جمعها بعص القص وهذه الفضلات يستحب جمعها ودفنها تكرمة للآدمي أو خوفا من أن تبعث بها السحرة والتقليم بالسكين يتيسر معه جمعها بخلاف القص، قال السمرقندي: روي أن آدم عليه السلام لما قلم أظفاره وحلق شعره وغسل جسده من ذلك بالأرض فخلق اللَّه تعالى النخلة من ذلك خلق من الأظفار الجريد ومن الشعر الليف ومن الوسخ الخشب، أ. هـ، قاله ابن العماد أيضًا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وأعفوا اللحى" وفي رواية "وأوفوا اللحى" وفي رواية ابن هامان "أرجوا" بالجيم وهو بعيد وأصله أرجئوا بالهمز مأخوذ من الحسن
= الأزدي، مرسل. قال ابن عدي: وسلمان هذا يحدث عن أبي أيوب بأحاديث مقدار عشرة أو أقل، وكل تلك الأحاديث لا يتابعه أحد عليه. وهذا مرسل، أبو أيوب الأزدي غير أبي أيوب الأنصاري. قال الهيثمي في المجمع 5/ 168: رواه أحمد، والطبراني باختصار، ورجالهما رجال الصحيح خلا أبا واصل، وهو ثقة. وضعفه الألباني في الضعيفة (6419).
وجاء في رواية البخاري ووفروا اللحا فهو بقطع الهمزة في أعفوا وأحفوا وأوفوا وأرخوا واعفا اللحية توفيرها لتكثر والإعفاء التوفير من عفا الشيء إذا كثر وزاد واعفاء اللحا توفيرها وأن لا نقص كالشارب ومنه قوله تعالى: {حَتَّى عَفَوْا}
(1)
أي كثروا والعافي الطويل الشعر، وقيل: معناه اتركوها بحالها ولا تتعرضوا لها ومعنى إعفاء اللحية توفيرها وهو بمعنى أوفوا اللحا في الرواية وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشارع صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأما "أوفوا" بمعنى اعفوا أي اتركوها وافية كاملة لا تنقصوها وأما معنى أرخوا فهو بقطع الهمزة وبالخاء المعجمة ومعناه اتركوها ولا تتعرضوا لها بتغيير، وأما "أرجوا" فمعناه أخروها واتركوها ومعنى الروايات كلها وهو الذي قاله جماعة من أصحابنا وغيرهم من العلماء قال القاضي عياض رحمه الله: يكره حلقها وقصها وأما الأخذ من طولها [وتخريقها] وعرضها فحسن
(2)
.
تنبيه: فإن قلت: إذا كان الإعفاء مأمور به فلم أخذ ابن عمر من لحيته وهو رواي الحديث، قلت: لعله خصص بالحج أو أن المنهي هو قصه كفحل الأعاجم، أ. هـ، واللَّه أعلم وتكره الشهرة في تعظيمها كما تكره في قصها وجزها، وقد اختلف السلف رضي الله عنهم هل ذلك حد فمنهم من لم يحدد شيئا في ذلك ومنهم من حدد بما زاد على القبضة فيزال واستحسنه بعض المالكية فإن تركها
(1)
سورة الأعراف، الآية:95.
(2)
شرح النووي على مسلم (3/ 151)، وطرح التثريب (2/ 83).
في غاية الطول يوقع الناس في الضحك منها والتعجب وظاهر الحديث ينفي ما استحسنه هذا المالكي فإن الإعفاء لغة هو التكثير قال اللَّه تعالى: {فلما عفوا}
(1)
أي كثروا ومنه: {خُذِ الْعَفْوَ}
(2)
أي الفاضل قاله النووي وانظره مع ما ذكره الغزالي في اللحية أنه يستحب أخذ ما طال منها وخرج عن العادة ونقله عن جماعة من السلف حتى تصير لحية بين لحيتين فإن التوسط في كل شيء حسن وقال أيضًا: وأما الأخذ من اللحية إذا طالت وخرجت عن حد الوجه وزادت على قبضته فلا بأس به، وقد فعله ابن عمر وجماعة من التابعين واستحسنه الشعبي وابن سيرين لأن الطول المفرط يشوه الخلقة ويوقع الناس فيه بالغيبة فلا بأس بالاحتراز منه على هذه النية
(3)
.
تنبيه: قال ابن السّكيت وغيره يقال في جمع اللحية لحي ولحي بكسر اللام وضمها لغتان الكسو أفصح
(4)
واللَّه أعلم.
فائدة: وقد ذكر العلماء في اللحية عشر خصال مكروهة بعضها أشد قبحا من بعض، إحداها: خضابها بالسواد إلا لغرض الجهاد إرغامًا للعدو بإظهار الشباب والفتوة فلا بأس به إذن بهذه النية لا لهوى وشهوة، قال النووي: يحرم الخضب بالسواد للرجل والمرأة وهو حرام على الأصح المختار ولما في الصحيح من حديث أبي قحافة: "واجتنبوا السواد"، قلت: وممن
(1)
سورة. . .، الآية:
(2)
سورة الأعراف، الآية:199.
(3)
نخب الأفكار (13/ 179).
(4)
شرح النووي على مسلم (3/ 151).
صرح بتحريمه أقضى القضاة الماوردي في الحاوي في باب الصلاة بالنجاسة قال: إلا أن يكون في الجهاد، وقال في آخر كتابه الأحكام السلطانية: يمنع المحتسب الناس من خضاب التشبيه بالسواد إلا لمجاهد
(1)
، أ. هـ.
وقيل: يكره كراهة تنزيه والمختار التحريم لما تقدم من أحاديث رشدين بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن اللَّه يبغض الغريب" فسره رشدين بن سعد بالذي يخضب بالسواد
(2)
قال النووي
(3)
: هذا مذهبنا.
الثانية: خضابها بالصفرة أو الحمرة تشبها بالصالحين ومتبعي السنة لا لاتباع السنة، وهذا يرجع إلى قصد الرياء وإلا فهو سنة وورد بالأمر به ومذهبنا استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة.
الثالثة: تبييضها بالكبريت أو غيره استعجالا للشيخوخة لأجل الرياسة والتعظيم والمهابة والتكريم وإيهام لقي المشايخ وإظهار العلو السن ولقبول حديثه.
الرابعة: نتفها أول طلوعها وتخفيفها بالموسى وإيثارا للمرودة وحسن الصورة فإن قصد به ما يحرم فحرام وهذه الخصلة أقبحها.
(1)
الحاوى (2/ 257)، والأحكام السلطانية (ص 373).
(2)
أخرجه ابن عدي في الكامل (4/ 577).
وقال: وهذا الحديث بهذا اللفظ يرويه رشدين ورشدين بن سعد له أحاديث كثيرة غير ما ذكرت، وعامة أحاديثه عَمَّن يروله عنه، ما أقل فيها ما يتابعه أحد عليه، وهو مع ضعفه يكتب حديثه. وضعفه الألباني في الضعيفة (1471).
(3)
المجموع (1/ 294).
الخامسة: نتف الشيب وهو مكروه كحديث ابن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم يوم القيامة" وصرح الأصحاب بكراهته، قال النووي: ولو قيل بالتحريم لم يبعد وإلا فرق بين اللحية والرأس.
السادسة: تصفيفها طاقة فوق طاقة للتزين والتصنع لتستحسنه النساء وغيرهن، فإن قصد تحسين الهيئة بذلك بحيث لا يشتغل به فلا بأس، السابعة: الزيادة فيها والنقص منها بالزيادة في شعر العذارين من الصدغين والنقص أين يأخذ بعض العذارين في حلق الرأس ونتف جانبي العذارين أو العنقفة وغير ذلك.
الثامنة: تسريحها تصنعا لأجل الناس.
التاسعة: تركها شعثة منتفشة بلا دهن ولا تسريح إظهارا للزهادة وقلة المبالات لنفسه، العاشرة: النظر إلى سوادها أو بياضها إعجابا أو خيلاء وغرة بالشباب وفخرا بالمشيب وتطاولا على الشباب
(1)
. أ. هـ.
الحادية عشرة: عقدها وظفرها، الثانية عشرة: حلقها إلا إذا نبتت للمرأة لحية فيستحب لها حلقها
(2)
، قال النووي
(3)
: ومما يكره في اللحية عقدها لما
(1)
المجموع (1/ 291 - 292)، وشرح النووي على مسلم (3/ 149)، طرح التثريب (2/ 83 - 84).
(2)
شرح النووي على مسلم (3/ 149) وشرح الإلمام (3/ 321)، وطرح التثريب (2/ 84).
(3)
المسائل الأحد عشر ذكرها بنصها النووي في المجموع (1/ 291 - 292) نقلا عن أبي طالب المكي في قوت القلوب، والغزالي في الإحياء وانظر قوت القلوب (2/ 240 - 241)، والإحياء (1/ 143 - 144).
في سنن أبي داود وغيره عن رويفع بإسناد جيد قال.: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يا رويفع لعل الحياة ستطول بك فأخبر [الناس] أنه من عقد لحيته أو تقلد وترا أو [استنجى بـ] رجيع دابة أو عظم فإن محمدا منه برئ"
(1)
.
قال الخطابي
(2)
: في عقدها تفسيران، أحدهما: أنهم كانوا يعقدون لحاهم في الحرب وذلك من زي الأعاجم، والثاني: معالجة الشعر لينعقد وذلك منة فعل أهل التأنيث، الثانية عشر: حلقها إلا إذا نبتت للمرأة لحية فيستحب لها حلقها.
تنبيه: قال الغزالي
(3)
: وهذه الخصال ليس منها محرم إلا الخضاب بالسواد ونتف اللحية وكذلك حقها لما نص عليه الشافعي وكذلك الزيادة فيها بشعر غيره للحديث.
فرع: في القزع في الرأس، القزع هو بفتح القاف والزاي التقطع يقال: تقزعت السحاب أي تقطعت وقزعة السحاب القطعة منه، وعن ابن عمر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع، قلت لنافع: ما القزع؟ قال: يحلق بعض الرأس ويترك بعضه
(4)
، وفي رواية: أن هذا التفسير من كلام عبيد اللَّه، قال النووي: القزع وهذا التفسير الذي فسر به نافع وعبيد اللَّه هو الأصح وهو
(1)
أخرجه أبو داود (36)، والنسائي في المجتبى 8/ 32 (5111). وصححه الألباني في صحيح، المشكاة (351).
(2)
غريب الحديث (1/ 423)، ومعالم السنن (1/ 27).
(3)
الإحياء (1/ 143).
(4)
أخرجه مسلم (113 - 2120).
أن القزع حلق بعض الرأس مطلقا ومنهم من قال هو حلق مواضع متفرقة منه، والصحيح الأول لأنه تفسير الراوي وهو غير مخالف للظاهر فوجب العمل به، وأجمع العلماء على كراهة القزع إذا كان في مواضع متفرقة إلا أن يكون لمداواة ونحوها وهي كراهة تنزيه وكرهه مالك في الجارية والغلام مطلقا، وقال بعض أصحابه: لا بأس به في القصة أو القفا للغلام ومذهبنا كراهته مطلقا للرجال والمرأة لعموم الحديث، قال العلماء: والحكمة في كراهته أنه توشيه للخلق وقيل لأنه زي أهل الشر والشطارة وقيل لأنه زي اليهود
(1)
.
وقد جاء هذا في رواية لأبي داود وروي هو والنسائي وأحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين أن ابن عمر رأى صبيا وقد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك وقال: احلقوا كله أو ذروا كله وأما حلق الرأس كله
(2)
.
فقال الغزالي: لا بأس به لمن أراد التنظيف ولا بأس بتركه لمن أراد دهنه وترجيله هذا كلام الغزالي وغيره من أصحابنا، وقال أحمد: لا بأس بقصه بالمقراض وعنه في كراهة حلقه روايتان، قال النووي: والمختار أن لا كراهة فيه ولكن بالسنة تركه فلم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم حلقه إلا في حج أو عمرة ولم يصح تصريح بالنهي عنه واللَّه أعلم
(3)
.
(1)
شرح النووي على مسلم (14/ 101).
(2)
أخرجه أبو داود (4195)، والنسائي في المجتبى 8/ 13 (5092). وصححه الألباني في الصحيحة (1123).
(3)
المجموع (1/ 295 - 296).
4125 -
وَعَن جَابر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم تَسْلِيم الرجل بأصبع وَاحِدَة يُشِير بهَا فعل الْيَهُود رَوَاهُ أَبُو يعلى وَرُوَاته رُوَاة الصَّحِيح وَالطَّبَرَانِيّ وَاللَّفْظ لَهُ
(1)
.
4126 -
وَعَن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه أَن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ لا تبدؤوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَإِذا لَقِيتُم أحدهم فِي طَرِيق فاضطروهم إِلَى أضيقه رَوَاهُ مُسلم وَاللَّفْظ لَهُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
(2)
.
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام" الحديث، لأن السلام إعزاز ولا يجوز إعزازهم
(3)
، قال النووي
(4)
: واختلف العلماء في ابتداء
(1)
أخرجه عبد اللَّه بن أحمد في العلل (1331)، وأبو يعلى (1875)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 223)، والطبراني في الأوسط (4/ 361 رقم 4437) والشاميين (502)، والبيهقي في الشعب (11/ 264 - 265 رقم/ 821). قال أحمد: هذا حديث منكر أنكره جدا. وقال: هذه الأحاديث موضوعة أو كأنها موضوعة. وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن ثور إلا أبو خالد الأحمر، تفرد به: عثمان بن أبي شيبة، ولا يروى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد. وقال الهيثمي في المجمع 8/ 38: رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط واللفظ له، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح. وقال البوصيري في الاتحاف 6/ 41: هذا إسناد رواته رواة الصحيح، رواه الطبراني بهذا اللفظ. وحسنه الألباني في الصحيحة (1783) وفي صحيح الترغيب (2724).
(2)
أخرجه مسلم (13 - 2167)، وأبو داود (5205)، والترمذي (1602) و (2700). وقال الترمذي في الموضع الأول: هذا حديث صحيح، وقال في الثاني: هذا حديث حسن صحيح.
(3)
المفاتيح (5/ 122).
(4)
شرح النووي على مسلم (14/ 145).
السلام على الكفار، فمذهبنا تحريم ابتداؤهم به وبهذا الذي ذكرنا عن مذهبنا، قال أكثر العلماء عنه وعامة من السلف قال بعض أصحابنا يكره ابتداؤهم به ولا يحرم وهو ضعيف ويرد هذا القول أن ظاهر النهي التحريم وهو الصواب وقد صرح النووي في الرياض
(1)
بتحريمه لهذا الحديث وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام روي ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة وابن محيريز وهو وجه لبعض أصحابنا حكاه الماوردي لكنه يقول السلام عليك ولا يقول السلام عليكم بالجمع، واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث بإفشاء السلام وهي حجة لأنه عام مخصوص بحديث:"لا تبدؤا اليهود والنصارى بالسلام".
فرع: يجوز الابتداء بالسلام على جمع فيه مسلمون أو مسلم وكفار ويقصد المسلمين للحديث وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين واللَّه أعلم
(2)
.
تنبيه: والغرض من ذلك أن يوحشهم ويظهر لهم أنه ليس بينهما ألفة وروي أن ابن عمر سلم على رجل فقيل له إنه يهودي فتبعه ابن عمر وقال له رد علي سلامي
(3)
.
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم.
(1)
روضة الطالبين (10/ 230).
(2)
شرح النووي على مسلم (14/ 145).
(3)
التوضيح (29/ 19) والأثر أخرجه عبد الرزاق في المصنف (19458).
قوله: "لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه" الحديث، قال النووي
(1)
: قال أصحابنا: لا يترك للذمي صدر الطريق بل يضطره إلى أضيقه إذا كان المسلمون يطوفون فإن خلت الطريق عن الزحمة فلا حرج قالوا: وليكن التضييق بحيث لا يقع في وهدة ولا يصدمه جدار ونحوه واللَّه أعلم.
4127 -
وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِذا سلم عَلَيْكُم أهل الْكتاب فَقولُوا وَعَلَيْكُم رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَمن نوع هذَيْن الْحَدِيثين كثير لَيْسَ من شَرط كتَابنَا فتركناها
(2)
.
قوله: وعن أنس رضي الله عنه: تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم" الحديث، وفي روايه: أن أهل الكتاب يسلمون علينا فكيف نرد عليهم؟ قال قولوا: "وعليكم"، أهل الكتاب هم اليهود والنصاري فإن لهما التوراة والإنجيل قال النووي
(3)
: اتفق العلماء على الرد على أهل الكتاب إذا سلموا لكن لا يقال لهم وعليكم السلام وبه قال الجمهور، وقد قال بعض الشافعية: يجوز أن يقول في الرد عليهم وعليكم السلام ولكن لا يقول ورحمت اللَّه حكاه
(1)
شرح النووي على مسلم (14/ 147).
(2)
أخرجه البخاري (6258) و (6926)، ومسلم (6 و 7 - 2163)، وأبو داود (5207)، والترمذي (3301)، وابن ماجه (3697).
(3)
شرح النووي على مسلم (14/ 144).
الماوردي قال النووي
(1)
: وهو ضعيف مخالف للأحاديث وقد اختلفت طرق هذا الحديث في إثبات الواو وحذفها قال النووي وأكثر الروايات بإثباتها.
قوله: "وعليكم" إنما اختار هذه الصيغة لتكون أبعد عن الإيحاش وأقرب إلى الرفق وقال الخطابي: عامة المحدثين يروونه بالواو وكان سفيان بن عيينة يرويه "عليكم" بحذف الواو، قال الخطابي: وهذا هو الصواب وذلك أنه إذا حذف الواو صار قولهم الذي قالوه بعينه مردود عليهم خاصة وبإدخال الواو تقع المشاركة معهم فيما قالوه هذا كلام الخطابي، قال النووي: والصواب أن إثبات الواو وحذفها جائزان كما صحت به الروايات وأن الواو أجود كما هو في أكثر الروايات ولا مفسدة فيه لأن السام الموت وهو علينا وعليهم فلا ضرر في قوله بالواو على هذا في معناه وجهان أنه على ظاهره لأن السام الموت وهو علينا وعليهم فقالوا: عليكم الموت فقال وعليكم أيضًا أي نحن وأنتم فيه سواء كلنا نموت والثاني أن الواو هنا للاستئناف لا للعطف والتشريك، وتقديره: وعليكم ما تستحقونه من الذم وإنما اختار هذه الصيغة لتكون أبعد من الإيحاش وأقرب إلى الرفق كما تقدم، وأما من حذف الواو فتقديره بل عليكم السام والسام فسروه بالموت وهو الصحيح وهو بتخفيف الميم، وفي الحديث أن اليهود كانوا يقولون السام عليكم يعني الموت ويظهرون أنهم يريدون السلام عليكم وفي حديث
(1)
المصدر السابق (14/ 145).
عائشة أنها سمعت اليهود يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: "السام عليك يا أبا القاسم" فقال: عليكم السام والذام واللعنة ولها قال: إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: "وعليكم" يعني الذي يقولونه لكم ردوه عليهم
(1)
، أ. هـ.
وقال بعض العلماء: أما من فسر السام بالموت فلا تبعد الواو ومن فسره بالسآمة وهي الملالة أي تسئمون دينكم، فإسقاط الواو وهو الوجه ذكره صاحب سلاح المؤمن
(2)
وقال بعض العلماء: يقول: وعليكم السلام بكسر السين أي الحجارة قال النووي: وهذا ضعيف أيضًا والصواب أن إثبات الواو وحذفها جائز واللَّه أعلم
(3)
.
(1)
المصدر السابق (14/ 144 - 145)، ومطالع الأنوار (6/ 260).
(2)
سلاح المؤمن (ص 469).
(3)
شرح النووي على مسلم (14/ 144).