المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترهيب من سب الدهر] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١١

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترغيب في الخلق الحسن وفضله والترهيب من الخلق السيئ وذمه]

- ‌[الترغيب في الرفق والأناة والحلم]

- ‌[الترغيب في طلاقة الوجه وطيب الكلام وغير ذلك مما يذكر]

- ‌[الترغيب في إفشاء السلام وما جاء في فضله وترهيب المرء من حب القيام له]

- ‌فصل

- ‌[الترغيب في المصافحة والترهيب من الإشارة في السلام وما جاء في السلام على الكفار]

- ‌[الترهيب أن يطلع الإنسان في دار قبل أن يستأذن]

- ‌[الترهيب أن يتسمع حديث قوم يكرهون أن يسمعه]

- ‌[الترغيب في العزلة لمن لا يأمن على نفسه عند الاختلاط]

- ‌[الترهيب من الغضب والترغيب في دفعه وكظمه وما يفعل عند الغضب]

- ‌[الترهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر]

- ‌[الترهيب من قوله لمسلم يا كافر]

- ‌[الترهيب من السباب واللعن لا سيما لمعين آدميا كان أو دابة وغيرهما وبعض ما جاء في النهي عن سب الديك والبرغوث والريح والترهيب من قذف المحصنة والمملوك]

- ‌الترهيب من السباب واللعن لاسيما لمعين آدميًّا كان أو دابةً وغيرهما، وبعض ما جاء في النهي عن سب الديك والبرغوث والريح، والترهيب من قذف المحصنة والمملوك

- ‌[الترهيب من سبّ الدهر]

- ‌الترهيب من ترويع المسلم ومن الإشارة إليه بسلاح ونحوه

- ‌[النهى عن حمل السلاح على المسلم]

- ‌الترغيب في الإصلاح بين الناس

- ‌الترهيب من النميمة

- ‌الترهيب من الغيبة والبهت وبيانهما والترغيب في تركهما

- ‌الترغيب في الصمت إلا عن خير والترهيب من كثرة الكلام

- ‌التَّرْهِيب من الْحَسَد وَفضل سَلامَة الصَّدْر

- ‌الترغيب في التواضع والترهيب من الكبر والعُجْب والافتخار

- ‌الترهيب من القول للفاسق والمبتدع يا سيدي ونحوها من الكلمات الدالة على التعظيم

- ‌الترغيب في الصدق والترهيب من الكذب

- ‌ترهيب ذي الوجهين واللسانين

- ‌[الترهيب من الحلف بغير الله سبحانه وتعالى سيما بالأمانة ومن قوله أنا بريء من الإسلام أو كافر أو نحو ذلك]

- ‌الترهيب من احتقار المسلم وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى

- ‌الترغيب في إماطة الأذى عن الطريق وغير ذلك مما يذكر

الفصل: ‌[الترهيب من سب الدهر]

[الترهيب من سبّ الدهر]

(1)

4254 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "قال اللَّه تعالى: يسب بنو آدم الدهر، وأنا الدهر بيدي الليل والنهار".

4235 -

وفي رواية

(2)

: "أقلب ليله ونهاره، وإذا شئت قبضتهما" رواه البخاري

(3)

ومسلم

(4)

وغيرهما.

4237 -

وفي رواية لمسلم

(5)

: "لا يسب أحدكم الدهر، فإن اللَّه هو الدهر".

4238 -

وفي رواية للبخاري

(6)

: "لا تسموا العنب الكرم، ولا تقولوا: خيبة الدهر، فإن اللَّه هو الدهر"

(7)

.

قوله عن أبي هريرة تقدم الكلام عليه. قوله صلى الله عليه وسلم قال اللَّه يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار. وفي رواية: أقلب ليله ونهاره وإذا شئت قبضتهما، وفي وراية لمسلم: لا يسب أحدكم الدهر فإن اللَّه هو الدهر، تقدم معنى السب قريبا]

(8)

. [قال الحافظ رحمه الله ومعنى الحديث أن العرب

(1)

هذا الباب يبدأ من اللوحة [10/ ب] من النسخة المغربية.

(2)

صحيح مسلم (3)(2246).

(3)

صحيح البخاري (4826)، (6181)، (7491).

(4)

صحيح مسلم (1، 3)(2246).

(5)

صحيح مسلم (6)(2247).

(6)

صحيح البخاري (6182).

(7)

صحيح مسلم (4)(2246).

(8)

حصل تأخير لهذه العبارة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(وقال الزمخشري: الدهارير تصاريف الدهر ونوائبه، مشتق من لفظ الدهر، ليس له واحد من لفظه كعباديد، اهـ).

ص: 330

كانت إذا نزلت بأحدهم نازلة أو أصابته مصيبة أو مكروه [تسبّ] الدهر اعتقادا [منهم] أن الذي أصابه فعل الدهر فكان هذا كاللعن للفاعل ولا فاعل لكل شيء إلا اللَّه تعالى خالق كل شيء وفاعله فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، اهـ]

(1)

.

[و] أما قوله لَا تسبوا الدهر فإن اللَّه هو الدهر فمعناه ما أصابك من الدهر فاللَّه فاعله ليس الدهر فإذا سميت به الدهر فكأنك أردت به اللَّه سبحانه لأنه الفعال لما يريد لا الدهر، وكان من شأن العرب أن تذم الدهر وتسبه عند النوازل والحوادث ويقولون أبادهم الدهر وأصابتهم قوارع الدهر وحوادثه، ويكثرون ذكره بذلك في أشعارهم وذكره اللَّه تعالى في كتابه العزيز فقال:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}

(2)

.

[وقال بعض العلماء: وأما قوله عز وجل أنا الدهر فهو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون [يا] خيبة الدهر ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر فإن اللَّه هو الدهر أي لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على اللَّه تعالى لأنه هو فاعلها ومنزلها وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له بل هو مخلوق من جملة خلق اللَّه تعالى ومعنى فإن اللَّه هو الدهر أي فاعل النوازل والحوادث

(1)

حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(وهذا هو الذي اختاره الإمام المازري وقيل غير هذا مما ليس بظلم واللَّه أعلم).

(2)

سورة الجاثية، الآية:24.

ص: 331

وخالق الكائنات سبحانه وتعالى [وتقدس] اهـ]

(1)

. فالمقصود من ذلك كله نسبة الأفعال كلها إلى اللَّه تعالى وقطعها عن الدهر وأن من اعتقد الدهر والفاعل واحدا وسبه فقد سب اللَّه تعالى لأنه سب الفاعل واللَّه أعلم. والدهر اسم للزمان الطويل ومدة الحياة الدنيا فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذم الدهر وسبه أي لا تسبوا فاعل هذه الأشياء فإنكم إذا سببتموه وقع السب على اللَّه تعالى لأنه الفعال لما يريد لا الدهر [فيكون] تقدير الرواية الأولى فإن جالب الحوادث ومنزلها هو اللَّه لَا غيره فوضع الدهر [موضع] جالب الحوادث لاشتهار الدهر عندهم بذلك وتقدير الرواية الثانية فإن اللَّه هو الجالب للحوادث لا غير الجالب إذا لاعتقادهم أن جالبها الدهر وفي حديث سطيح فإن الدهر ذا أطوار دهارير. وحكى الهروي.

(2)

عن الأزهري: أن الدهارير جمع الدهور، ذو حالين من بؤس ونعم. وقال الجوهري يقال: دهر دهارير: أي شديد، كقولهم ليلة ليلاء، ويوم أيوم. وقال الزمخشري

(3)

: الدهارير تصاريف الدهر ونوائبه، مشتق من لفظ الدهر، ليس له واحد من لفظه كعباديد، اهـ. [قال] الحافظ: وكان ابن داود ينكر رواية أهل الحديث. وأنا الدهر بضم الراء ويقول: لو كان كذلك كان الدهر اسما من أسماء اللَّه تعالى وكان يرويه وأنا الدهر أقلب الليل والنهار بفتح الدهرَ على

(1)

حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(ولا فاعل لكل شيء إلا اللَّه تعالى خالق كل شيء وفاعله فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، اهـ).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 144).

(3)

الفائق في غريب الحديث (2/ 42).

ص: 332

الظرف ومعناه أنا طول الدهر والزمان أقلب الليل والثهار ورجح هذا بعضهم ورواية من قال فإن اللَّه هو الدهر ترد هذا، والجمهور على ضم الراء واللَّه أعلم، اهـ. ابن داود المذكور أعلاه هو أبو بكر محمد بن داود الأصبهاني الظاهري

(1)

.

[قوله:] وكان يرويه وأنا الدهر بفتح الراء على الظرف ورجح هذا بعضهم اهـ. وقال البخاري يجوز النصب أي فإن اللَّه باق مقيم أبدا لا يزول، وقال القاضي عياض

(2)

قال بعضهم هو منصوب على التخصيص قال والظرف أصح وأصوب. وحكى ابن عبد البر هذه الرواية يعني فتح راء الدهر عن بعض أهل العلم. وقوله رواية من قال فإن اللَّه هو الدهر ترد هذا، والجمهور على ضم الراء، اهـ.

قال العلماء: وأما قوله عز وجل وإنا الدهر فإنه برفع الراء، هذا هو الصواب المعروف الذي قاله الشافعي وأبو عبيد وجماهير المتقدمين والمتأخرين ا هـ.

قوله صلى الله عليه وسلم في رواية البخاري لا تسموا العنب الكرم الحديث، وفي رواية فإنما الكرم قلب المؤمن، وفي رواية لا تقولوا الكرم ولكن قولوا العنب والحَبَلة، أما الحبلة فبفتح الحاء وبفتح الباء وإسكانها وهي شجرة العنب. قال النووي

(3)

: ففي هذه الأحاديث كراهة تسمية العنب كرما وكراهة تسمية

(1)

انظر: وفيات الأعيان 4/ 259، السير 13/ 109.

(2)

إكمال المعلم (7/ 183 - 184).

(3)

شرح النووي على مسلم (4/ 15).

ص: 333

شجر العنب كرما بل يقال عنب أو حبلة.

قال النووي

(1)

: قال العلماء: سبب كراهة ذلك أن لفظة الكرم كانت العرب تطلقها على شجر العنب، وعلى العنب، وعلى الخمر المتخذة من العنب، سموها كرما لكونها متخذة منه، ولأنها تحمل على الكرم والسخاء، فكره الشرع إطلاق هذه اللفظة على العنب وشجره؛ لأنهم إذا سمعوا هذا اللفظ ربما تذكروا بها الخمر، وهيجت نفوسهم إليها، فوقعوا فيها، أو قاربوا ذلك.

وقال النووي

(2)

: إنما يستحق هذا الاسم الرجل المسلم، أو قلب المؤمن؛ لأن الكرم مشتق من الكرَم بفتح الراء، وقد قال اللَّه تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}

(3)

فسمي قلب المؤمن كرما لما فيه من الإيمان والهدى والنور والتقوى والصفات المستحقة لهذا الاسم. وكذلك الرجل المسلم [وصفه بالمصدر كضيف وعدل]

(4)

فالأحق باسم الكرم المسلم أو قلب المسلم وذلك لما حواه من العلوم والفضائل والأعمال الصالحة والمنافع العامة وهو أحق [انتهى][باسم الكريم والكرم فيكره تسمية العنب كرما لأن الكرم والكريم من أوصاف المؤمن فيقال رجل كرم وكريم]

(5)

[فلا يناسب إطلاق ذلك على الأشياء الخبيثة المزيلة للعقل تنزيها لهذا

(1)

شرح النووي على مسلم (15/ 4).

(2)

شرح النووي على مسلم (15/ 4).

(3)

سورة الحجرات، الآية:13.

(4)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(5)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 334

الاسم واللَّه أعلم]

(1)

. وقال الزمخشري

(2)

أراد أن يقرر ويشدد ما في قوله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}

(3)

بطريقة أنيقة ومسلك [لطيف]، وليس الغرض حقيقة النهى عن تسمية العنب كرما ولكن الإشارة إلى أن المسلم المتقى جدير بأن لا يشارك فيما سماه اللَّه به، وقوله:"فإنما الكرم الرجل المسلم" أي إنما يستحق الاسم المشتق من الكرم الرجل المسلم فيكره تسمية العنب كرما لأن الكرم والكريم من أوصاف المؤمن فيقال رجل كرم وكريم.

تنبيه: قيل إنما وصف شجر العنب بالكرم لأنه لطيف الشجرة طيب الثمرة سهل القطاف قريب المتناول سليم عن الشوك والأسباب المؤذية بخلاف النخل، [قاله] القشيري.

وقال في المفهم

(4)

: إنما سمت العرب العنب [بالكرم] لكثرة حمله وسهولة قطافه وكثرة منافعه وأصل الكرم الكثرة والكريم من الرجال هو الكثير العطاء والتفع. واستشكل كون سبب الكراهة ما ذكر لأن العنب ليست محرمة وإنما المحرم الخمر ولم تسم الخمر عنبا حتى ينهى عنه وإنما العنب

(1)

حصل تأخير لهذه العبارة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(أي إنما يستحق الاسم المشتق من الكرم الرجل المسلم فيكره تسمية العنب كرما لأن الكرم والكريم من أوصاف المؤمن فيقال رجل كرم وكريم).

(2)

الفائق في غريب الحديث (3/ 257).

(3)

سورة الحجرات، الآية:13.

(4)

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (18/ 43).

ص: 335

هو الذي سمي باسم ما يئول إليه من الخمرية. قال وإنما محمل الحديث عندي أن يكون من باب قوله عليه السلام: "ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان وليس الشديد بالصرعة" أي الأحق باسم الكرم المسلم أي قلبه وذلك لما حواه من العلوم والفضائل والأعمال الصالحة والمنافع العامة فهو أحق باسم الكرم والكريم من العنب. وقوله لا تسموا: على جهة الإرشاد لما هو الأولى في الإطلاق كما نهى عن تسمية العشاء عتمة فإنها أحق كتسمية العِشاء من ذلك اهـ.

قوله صلى الله عليه وسلم ولا تقولوا يا خيبة الدهر، الحديث. والخيبة بالخاء المعجمة والياء المثناة من تحت والباء الموحدة الحرمان والخسران وعدم نيل المطلوب فيقول القائل يا خيبة الدهر أو واخيبة الدهر هو منصوب على الندبة وهي نداء متفجع عليه حقيقة أو حكما أو متوجع منه كأنه فقد الدهر لما يصدر عنه من الأمور التي يكرهها فندبه وفيه النهي عن هذا الكلام وقد كان أهل الجاهلية يستعملون مثل ذلك ومن عقيدة بعضهم أن الزمان هو الفاعل حقيقة لتعطيلهم ونفيهم الإله واستعمل الإسلاميون قريبا من ذلك غير قاصدين ذلك ولكنهم يذمون الدهر إذا لم تحصل أغراضهم ويمدحونه إذا حصلت لهم. قال أبو العباس القرطبي

(1)

لا شك في كفر من نسب تلك الأفعال أو شيئا منها للدهر حقيقة واعتقد ذلك وأما من جرت هذه الألفاظ على لسانه ولا يعتقد صحة ذلك فليس

(1)

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (18/ 41) انظر: طرح التثريب في شرح التقريب (8/ 156). التوضيح لشرح الجامع الصحيح (23/ 230).

ص: 336

بكافر ولكنه قد تشبه بأهل الكفر وبالجاهلية في الإطلاق وقد ارتكب ما نهاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عنه فليتب وليستغفر والدهر والزمان والأبد كلها بمعنى واحد وهو راجع إلى حركات الفلك وهي الليل والنهار، اهـ. ذكره في شرح الأحكام [الإلمام]

(1)

.

4239 -

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "قال اللَّه عز وجل: يؤذيني ابن آدم، يقول: يا خيبة الدهر، فلا يقل أحدكم: يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهر، أقلب ليله ونهاره" رواه أبو داود

(2)

والحاكم

(3)

.

وقال: صحيح على شرط مسلم.

(1)

طرح التثريب في شرح التقريب (8/ 156).

(2)

أبو داود في السنن (5276)، ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد (18/ 153)، وأخرجه أحمد (9105)، ومسلم (5927).

(3)

الحاكم في المستدرك (2/ 452)، (2/ 453)، قال: هذا حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه هكذا. [انظر المستدرك (2/ 453)]. قال الحاكم: قد اتفق الشيخان على إخراج حديث الزهري هذا بغير هذه السياقة وهو صحيح على شرطهما. [انظر المستدرك (2/ 452)]. وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (20938)، والحميدي في المسند (1096)، وأحمد (2/ 272)، (2/ 275)، البخاري (4826)، (7491)، ومسلم (2246)، والنسائي في السنن الكبرى (11487)، والخطابي في غريب الحديث (1/ 490)، والطبري في التفسير (31466) والبيهقي في الأسماء والصفات (696)، وفي السنن الكبرى (3/ 365)، والبغوي في شرح السنة (3389)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (531)، وصحيح الترغيب والترهيب (2804)، وصحيح الجامع الصغير (4343).

ص: 337

4240 -

ورواه مالك

(1)

مختصرًا: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقل أحدكم: يا خيبة الدهر، فإن اللَّه هو الدهر".

4241 -

وفي رواية للحاكم، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"يقول اللَّه: استقرضت عبدي، فلم يقرضني، وشتمني عبدي، وهو لا يدري يقول: وادهراه وادهراه، وأنا الدهر" قال الحاكم

(2)

: صحيح على شرط مسلم، ورواه البيهقي

(3)

، ولفظه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الدهر، قال اللَّه عز وجل: أنا الدهر، الأيام والليالي أجددها وأبليها، وآتي بملوك بعد ملوك".

[قال الحافظ]: ومعنى الحديث أن العرب كانت إذا أنزلت بأحدهم نازلة، وأصابته مصيبة أو مكروه يسب الدهر اعتقادًا منهم أن الذي أصابه فعل الدهر، كما كانت العرب تستمطر بالأنواء، وتقول: مطرنا بنوء كذا اعتقادًا أن فعل ذلك فعل الأنواء، فكان هذا كاللعن للفاعل، ولا فاعل لكل شيء إلا اللَّه تعالى خالق كل شيء وفعله، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وكان ابن داود ينكر رواية أهل الحديث، وأنا الدهر بضم الراء، ويقول: لو كان كذلك كان الدهر اسما من أسماء اللَّه عز وجل، وكان يرويه: وأنا الدهر أقلب الليل والنهار بفتح راء الدهر على الظرف، معناه: أنا طول الدهر والزمان أقلب الليل والنهار، ورجح هذا بعضهم، ورواية من قال: فإن اللَّه هو الدهر يرد هذا الجمهور على ضم الراء، واللَّه أعلم.

(1)

أخرجه مالك في الموطأ (609) وعنه: البخاري في الأدب المفرد (769)، وابن حبان (5713).

(2)

المستدرك (2/ 453).

(3)

شعب الإيمان (4866).

ص: 338

قوله: وعنه تقدم الكلام عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم قال اللَّه تعالى: يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر الحديث. قال الإمام المازري

(1)

: هو مجاز والباري سبحانه وتعالى لا يتأذي من شيء فيحتمل أن يريد: أن هذا عندكم أذى لأن الإنسان إذا أحب آخر لم يصح أن يسبّه لعلمه أن السبّ يؤذيه، والمحبّة تمنع من الأذى، ومن فعل ما يكرهه المحبوب، [فـ] كأنه قال: يفعل ما أنهاه عنه، وما يخالفني فيه، والمخالفة فيها أذى فيما بينكم، فيجوز فيها في حق الباري -سبحانه-. وأحسن النووي

(2)

التعبير عن ذلك مختصرًا بقوله معناه لا يعاملني معاملة توجب الأذى في حقكم. اهـ.

قوله [يقول] يا خيبة الدهر، والخيبة بالخاء المعجمة والياء المثناة من تحت والباء الموحدة الحرمان والخسران. قول الحافظ رحمه الله كما كانت العرب تستمطر بالأنواء ويقولون مطرنا بنوء كذا اعتقادا أن ذلك فعل الأنواء، اهـ. قال بعض العلماء النوء عند العرب سقوط نجم من نجوم السماء [أي من المنازل التي هي منازل القمر الثمانية [والعشرون].

قال أبو عمرو بن الصلاح

(3)

: النوء في أصله ليس هو نفس الكوكب فإنه فإنه مصدر ناء النجم ينوء نوءًا أي سقط وغاب وقيل أي نهض وطلع وإنما سمي نوءا لأنه إذا سقط الغارب ناء الطالع، ينوء نوءا، وقيل إنما سمي النجم

(1)

المعلم بفوائد مسلم (3/ 191).

(2)

شرح النووي على مسلم (15/ 2).

(3)

شرح النووي على مسلم (2/ 61).

ص: 339

نوءا لأنه ينوء طالعا عند مغيب مقابله ناحية المغرب [والنوء النهوض بثقل]

(1)

وتقول العرب اصطرع الرجلان فناء أحدهما صاحبه إذا غلبه، وهذا وجه حسن جدًا. اهـ. وبيان ذلك أن ثمانية وعشرين [نجمًا] معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها وهي المعروفة بمنازل القمر الثمانية والعشرين يسقط في كل ثلاث عشرة ليلة منها نجم في المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر مقابله في المشرق من ساعته. فكان أهل الجاهلية إذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط الغارب منهما، وقال الأصمعي إلى الطالع منهما. قال أبو عبيد

(2)

: ولم أسمع أن النوء السقوط إلا في هذا الموضع، ثم إن النجم نفسه قد سمي نوءا تسمية للفاعل بالمصدر. قال أبو إسحاق الزجاج في بعض أماليه الساقطة في المغرب هي الأنواء والطالعة في المشرق هي البوارح اهـ. وكان من عادة العرب في الجاهلية أن يقولوا مطرنا بنوء كذا، فيضيفون النعمة في ذلك إلى غير اللَّه تعالى وهو المنعم عليهم بالغيث والسقيا فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك كله وكفّر معتقده إذا اعتقد أن النجم فاعل ذلك، وأعلمنا أنه لا يعلم أحد متى يجيء المطر [ولا ينزله] إلا اللَّه عز وجل حسبما ثبت عنه في الصحيح.

تنبيه: قال الإمام الشافعي رحمه اللَّه تعالى

(3)

: من قال مطرنا بنوء كذا وهو

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

غريب الحديث لابن سلام (/ 321) انظر: صيانة صحيح مسلم (1/ 247)، لسان العرب (1/ 176).

(3)

انظر: ابن عبد البر في التمهيد (16/ 285)، روح المعاني (20/ 23).

ص: 340

يريد أن النوء نزل بالماء فهو كافر حلال دمه إن لم يتب.

وقال في الروضة

(1)

: إن اعتقد أن النوء هو المطر الفاعل حقيقة كفر وصار مرتدا وهو معنى كلام الشافعي اهـ. وقال بعض العلماء أيضًا إن قال مسلم مطرنا بنوء كذا مريدا أن النوء هو الموجِد والفاعل المحدث للمطر صار كافرا مرتدا بلا شك وإن قال إنه علامة لنزول المطر فينزل المطر عند هذه العلامة ونزوله بفعل اللَّه تعالى وخلقه سبحانه لم يكفروا، واختلفوا في كراهته، والمختار أنه مكروه لأنه من ألفاظ الكفار اهـ، قاله النووي في أذكاره

(2)

.

واختلف العلماء في كفر من قال: مطرنا بنوء كذا على قولين: أحدهما هو كفر [باللَّه سبحانه وتعالى] سالب لأصل الإيمان مخرج من ملة الإسلام. قالوا: وهذا فيمن قال ذلك معتقدا أن الكوكب فاعل مدبر منشئ للمطر، كما كان بعض [أهل]

(3)

الجاهلية يزعم، ومن اعتقد هذا فلا شك في كفره. وهذا القول هو الذي ذهب إليه جماهير العلماء، والشافعي منهم وهو ظاهر الحديث، قالوا: وعلى هذا لو قال: مطرنا بنوء كذا معتقدا أنه من فضل اللَّه تعالى وبرحمته، وأن النوء ميقات له وعلامة اعتبارا بالعادة فكأنه قال: مطرنا في وقت كذا، فهذا لا يكفر. [واختلفوا في كراهته والأظهر كراهته لكنها

(1)

روضة الطالبين وعمدة المفتين (2/ 95).

(2)

انظر: شرح النووي على مسلم (2/ 60).

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 341

كراهة تنزيه لا إثم فيها واللَّه أعلم [بالصواب]

(1)

. والثاني ليس كفرا بل يكفر بنعمة اللَّه لإضافته الغيث إلى الكوكب، وهذا فيمن يعتقد تدبير الكوكب واللَّه أعلم]

(2)

. [فـ]ـفي الحديث ثلاث من أمر الجاهلية الطعن في الأنساب والنياحة والأنواء وهي ثمان وعشرون منزلة أينزل، القمر كل ليلة في منزلة منها ومنه قوله تعالى:{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ}

(3)

ويسقط في الغرب كل ثلاث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر ويطلع مقابلها ذلك الوقت في الشرق فينقضي جميعها مع انقضاء السنة وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع رقيبها يكون مطر وينسبونه إليها فيقولون مطرنا بنوء كذا وإنما سمي نوءا لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق وينوء نوءا أي طلع ونهض اهـ.

(1)

حصل تأخير لهذه العبارة في النسخة الندية، وأدرجت بعد قوله:(والثاني ليس كفرا بل يكفر بنعمة اللَّه لإضافته الغيث إلى الكوكب، وهذا فيمن يعتقد تدبير الكوكب واللَّه أعلم).

(2)

حصل تأخير لهذه الصحيفة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق وينوء نوءا أي طلع ونهض).

(3)

سورة يس، الآية:39.

ص: 342