الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصحابَ مالك في تأخير سلام الإمام، وقد قال أصحاب مالك بتقديم سلام الإمام، قالوا: ثم يُقبلُ الآخرون الذين لم يصلوا، فيكبرون وراء الإمام، فيركع بهم ويسجد بهم، ثم يسلم، فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية، ثم يسلمون [ويأتي حديث مالك برقم (1239)].
قال أبو بكر النيسابوري: "قول روح: ثم يقعد مكانه في الركعة الأولى: وهمٌ، وإنما هو: ثم يقوم، فإنما كذا رواه معاذ بن معاذ وغندر عن شعبة، وكذا رواه أصحاب يحيى".
• وقد رواه هؤلاء مرة أخرى، عن روح، عن شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم به كالجماعة [عند ابن خزيمة (1359)، وابن حبان (2886)، وابن الجارود (237)، وأحمد. والسراج. وأبي بكر النيسابوري. وأبي إسحاق المزكي]؛ لكنهم أحالوا على اللفظ السابق ليحيى بن سعيد الأنصاري، والله أعلم.
***
283 - باب من قال: إذا صلى ركعةً وثبت قائمًا أتموا لأنفسهم ركعةً، ثم سلموا، ثم انصرفوا فكانوا وِجاه العدو، واختلف في السلام
1238 -
. . . عن مالك، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوَّات، عمَّن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ ذاتِ الرقاع صلاةَ الخوف؛ أن طائفةً صفَّت معه، وطائفةٌ وِجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعةً، ثم ثبت قائمًا، وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا، وصفُّوا وِجاه العدو، وجاءت الطائفةُ الأخرى، فصلى بهم الركعةَ التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسًا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم.
قال مالك: وحديث يزيد بن رومان أحبُّ ما سمعتُ إليَّ.
حديث متفق على صحته
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 256/ 503)، ومن طريقه: البخاري في الصحيح (4129)، وفي التاريخ الكبير (4/ 276)، ومسلم (842)، وأبو عوانة (2/ 90/ 2426)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 432/ 1895)، وأبو داود (1238)، والنسائي في المجتبى (3/ 171/ 1537)، وفي الكبرى (2/ 368/ 1938)، وابن الجارود (235)، وأحمد (5/ 370)، والشافعي في الأم (2/ 438/ 477) و (8/ 522/ 3622)، وفي الرسالة (43 و 59)، وفي اختلاف الحديث (193)، وفي السنن (58)، وفي المسند (177)، وابن جرير الطبري في تفسيره (7/ 427)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 43/ 2361)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 312)، وفي المشكل (10/ 412/ 4218)، والدارقطني (2/ 60)،
وقال: "صحيح"، والجوهري في مسند الموطأ (841)، وابن بشران في الأمالي (51)، والبيهقي في السنن (3/ 252)، وفي المعرفة (3/ 5/ 1827)، وفي الدلائل (3/ 376)، والبغوي في شرح السُّنَة (4/ 279/ 1094)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته"، وفي الشمائل (633)، والحازمي في الاعتبار (1/ 436/ 156).
وعلقه الترمذي في الجامع (567)، وقال:"هذا حديث حسن صحيح".
رواه عن مالك: الشافعي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي (345)، وأبو مصعب الزهري (599)، ومعن بن عيسى، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن وهب، وقتيبة بن سعيد، وعبد الرحمن بن القاسم (514 - بتلخيص القابسي). ويحيى بن يحيى الليثي (503)، وإسحاق بن عيسى الطباع، وسويد بن سعيد الحدثاني (195).
قال أبو داود [وقد أخرجه من طريق القعنبي]: "قال مالك: وحديث يزيد بن رومان أحبُّ ما سمعتُ إليَّ"، وكذا رواه من طريق القعنبي: أبو عوانة، وابن المنذر في الأوسط (5/ 43/ 2362).
وكذا هو في رواية أبي مصعب الزهري (603): "قال مالك: أحسن ما سمعت في صلاة الخوف: حديث يزيد بن رومان عن صالح بن خوات"[ومن طريقه: البغوي].
ووقع عند أحمد من طريق إسحاق بن عيسى مثله.
ووقع في البخاري ما يقتضي تفضيل رواية يزيد بن رومان، مثل أبي دواد.
• ووقع في بعض روايات الموطأ [كما في رواية يحيى الليثي والقعنبي وسويد بن سعيد]: "وحديث [يحيى بن سعيد عن] القاسم بن محمد عن صالح بن خوات: أحبُّ ما سمعتُ إليَّ في صلاة الخوف".
قال ابن المنذر في الأوسط (5/ 44): "ثم رجع مالك عن هذا، فيما حكاه ابن القاسم، وابن وهب، وعبد الملك عنه، إلى حديث يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات".
ومما يؤكد ذلك: ما وقع عند الدارقطني لما أخرجه من طريق ابن مهدي وابن وهب، قال ابن مهدي:"بهذا كان يأخذ مالك"، وقال ابن وهب:"قال لي مالك: أَحَبُّ إليَّ هذا، ثم رجع قال: يكون قضاؤهم بعد السلام أحبُّ إليَّ".
قال ابن عبد البر في التمهيد (15/ 261): "وأما مالك وسائر أصحابه غير أشهب فإنهم كانوا يذهبون في صلاة الخوف إلى حديث سهل بن أبي حثمة"، ثم قال: "وقال ابن القاسم وابن وهب وأشهب وغيره عن مالك؛ أنه سئل فقيل له: أي الحديثين أحب إليك أن يُعمَل به؛ حديث صالح بن خوات، أو حديث سهل بن أبي حثمة؟ فقال: أحبُّ إليَّ أن يُعمَل بحديث سهل بن أبي حثمة، يقومون بعد سلام الإمام، فيقضون الركعة التي عليهم، ثم يسلمون لأنفسهم، وقال ابن القاسم: العمل عند مالك في صلاة الخوف على حديث
القاسم بن محمد عن صالح بن خوات، قال: وقد كان مالك يقول بحديث يزيد بن رومان، ثم رجع إلى هذا".
وقال ابن عبد البر أيضًا (23/ 33): "قال ابن القاسم: كان مالك يقول: لا يسلم الإمام حتى تقوم الطائفة الثانية فتتم لأنفسها ثم يسلم بهم، على حديث يزيد بن رومان، ثم رجع إلى حديث القاسم بن محمد: أن الإمام يسلم ثم تقوم الطائفة الثانية فيقضون"[وانظر: الاستذكار (2/ 402)، المدونة (1/ 162)].
وقال الشافعي في الأم (2/ 440): "حديث صالح بن خوات: أوفق ما يثبت منه، لظاهر كتاب الله جل ثناؤه، فقلنا به".
• خالف مالكًا فوهم في إسناده ومتنه:
أبو أويس المدني، رواه عن يزيد بن رومان مولى الزبير بن العوام، عن صالح بن خوات، عن أبيه، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع صلاة الخوف، فكبر بنا جميعًا، فصلى بإحدى الفريقين ركعةً، ثم ثبت حتى صلوا لأنفسهم الأخرى، ثم انصرفوا نحو العدو ولم يسلموا [وفي رواية: ولم يتكلموا]، وجاء الذين كانوا نحو العدو فصلى بهم الركعة الثانية، ثم جلس، فقاموا فصلوا الركعة الثانية فجلسوا، وجلس الذين نحو العدو، فسلم بهم جميعًا.
أخرجه أبو جعفر ابن البختري في الحادي عشر من حديثه (43)(539 - مجموع مصنفاته). وابن منده في معرفة الصحابة (1/ 527)، وأبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة (2/ 976/ 2511).
من طريق جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ [ثقة، وجدت له وهمًا تقدم التنبيه عليه تحت الحديث رقم (777)]، قال: حدثنا إسماعيل بن أبان الوراق [ثقة]، قال: حدثنا أبو أويس به.
° قال أبو زرعة لما سأله ابن أبي حاتم عن هذا الحديث: "الصحيح من حديث يزيد بن رومان: ما يقول مالك".
قال ابن أبي حاتم: "قلت لأبي زرعة: الوهم من أبي أويس؟ قال: نعم"[العلل (2/ 251/ 352)].
قلت: مالك، وما أدراك ما مالك؟! في بلوغ الغاية في الحفظ والضبط والإتقان، فكيف يقارن به: أبو أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي المدني، وهو: ليس به بأس، لينه جماعة، ويخالف في بعض حديثه، وضعفه ابن معين في بعض الروايات عنه [التهذيب (2/ 366)، الميزان (2/ 450)].
• وقد ذهب جماعة إلى أن الصحابي المبهم في حديث يزيد بن رومان هو: سهل بن أبي حثمة، منهم: عبد الحق الإشبيلي [الأحكام الوسطى (2/ 42)]، والنووي [المجموع (4/ 351)].
لكن رد ذلك ابن القطان فقال في بيان الوهم (5/ 546/ 2775): "وهذا ممن ظنه خطأ، ولم تدع إليه ضرورة، فإنه ليس بمحال أن يكون صالح بن خوات قد روى القصة عن رجلين: أحدهما شاهدٌ للقصة فلم يسمه، والآخر لم يشاهد، وهو سهل بن أبي حثمة"، وذلك؛ لأن سهل بن أبي حثمة توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين، وقد استفاض ابن القطان في بيان ذلك، وأن سنه لا يحتمل شهود صلاة الخوف، والله أعلم.
وقال ابن حجر في الفتح (7/ 422): "قيل: إن اسم هذا المبهم سهل بن أبي حثمة؛ لأن القاسم بن محمد روى حديث صلاة الخوف عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة، وهذا هو الظاهر من رواية البخاري، ولكن الراجح أنه أبوه خوات بن جبير؛ لأن: أبا أويس روى هذا الحديث عن يزيد بن رومان شيخ مالك فيه فقال: عن صالح بن خوات عن أبيه، أخرجه ابن منده في معرفة الصحابة من طريقه، وكذلك أخرجه البيهقي من طريق عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن أبيه".
وقال أيضًا (7/ 425) في سهل: "اتفق أهل العلم بالأخبار على أنه كان صغيرًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا ما ذكر ابن أبي حاتم عن رجل من ولد سهل أنه حدثه أنه بايع تحت الشجرة وشهد المشاهد إلا بدرًا وكان الدليل ليلة أحد، وقد تعقب هذا جماعة من أهل المعرفة، وقالوا: إن هذه الصفة لأبيه، وأما هو فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين، وممن جزم بذلك: الطبري وابن حبان وابن السكن وغير واحد، وعلى هذا فتكون روايته لقصة صلاة الخوف مرسلة، ويتعين أن يكون مراد صالح بن خوات ممن شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف غيره، والذي يظهر أنه أبوه كما تقدم، والله أعلم".
• قلت: لكن أبا حاتم وأبا زرعة قد اتفقا على تخطئة من قال في هذا الحديث: عن صالح بن خوات عن أبيه.
قال أبو زرعة لما سئل عن حديث عبد الله العمري عن أخيه عبيد الله: "هذا خطأ؛ إنما صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ابن أبي حاتم: الوهم ممن هو؟ قال: "من العمري" [العلل (2/ 52/ 209)].
وقال ابن أبي حاتم: "وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه عبد الله العمري، عن أخيه عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ في صلاة الخوف. قلت: ورواه أبو أويس، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عن أبيه. وقال مالك: عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال أبو زرعة: الصحيح من حديث يزيد بن رومان: ما يقول مالك.
قلت لأبي زرعة: الوهم من أبي أويس؟ قال: نعم.
قال أبي: هذا خطأ؛ يقال: عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذا الصحيح [العلل (2/ 251/ 352)].
قلت: وظاهر كلام أبي حاتم أنه استروح إلى ما ذكره في ترجمة سهل في الجرح والتعديل (4/ 200) من أنه بايع تحت الشجرة، وكان دليل النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أحد، وأنه شهد المشاهد كلها إلا بدرًا، ومن ثم فلا مانع عنده أن يكون هو المبهم في رواية مالك عن يزيد بن رومان، بل جزم بصحته، كما تقدم ذكره، وتكون هذه الأسانيد كلها ترجع إلى حديث واحد، وهو حديث سهل بن أبي حثمة، وذلك لاتحاد مخرجها، وهو صالح بن خوات، ولو ملنا إلى قول الجماعة الذين ذهبوا إلى أن هاتيك الأوصاف إنما هي لأبي حثمة، وأن ابنه سهلًا كان ابن ثمان سنين عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فعندئذ نقول بقول ابن القطان:"صالح بن خوات قد روى القصة عن رجلين: أحدهما شاهدٌ للقصة فلم يسمه، والآخر لم يشاهد، وهو سهل بن أبي حثمة"، وهذا أقرب للصواب، وعليه: فهما حديثان، وواقعتان مختلفتان:
الأولى: يرويها يزيد بن رومان، عن صالح بن خوَّات، عمَّن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ ذاتِ الرقاع صلاةَ الخوف، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها تأخير سلام الإمام.
والثانية: يرويها القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها تقديم سلام الإمام.
وكل من قال فيه: عن صالح بن خوات، عن أبيه؛ فقد أخطأ، والله أعلم.
***
1239 -
. . . مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوَّات الأنصاري؛ أن سهل بن أبي حَثْمة الأنصاري حدثه؛ أن صلاة الخوف: أن يقوم الإمامُ وطائفةٌ من أصحابه، وطائفةٌ مواجِهةُ العدو، فيركع الإمام ركعةً، ويسجد بالذين معه، ثم يقوم، فإذا استوى قائمًا، ثبت قائمًا، وأتموا لأنفسهم الركعةَ الباقية، ثم سلموا وانصرفوا، والإمام قائم، فكانوا وِجاه العدو، ثم يُقبلُ الآخرون الذين لم يصلوا، فيكبرون وراء الإمام، فيركع بهم ويسجد بهم، ثم يسلم، فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية، ثم يسلمون.
قال أبو داود: وأما رواية يحيى بن سعيد، عن القاسم، نحو رواية يزيد بن رومان؛ إلا أنه خالفه في السلام، ورواية [عبيد الله، نحو رواية] يحيى بن سعيد، قال: ويثبت قائمًا.
حديث صحيح وقد صح رفعه
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 257/ 504)، ومن طريقه: البخاري في التاريخ الكبير (4/ 276)، وأبو داود (1239)، وأحمد (3/ 448)، وأبو عوانة (2/ 89/ 2422)،
وابن خزيمة (2/ 300/ 1358)، وابن حبان (7/ 140/ 2885)، وابن الجارود (236)، وأحمد (3/ 448)(6/ 3352/ 15952 - ط. المكنز)، وأبو العباس السراج في مسنده (1571)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2372)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 34/ 2352)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 313)، وفي أحكام القرآن (373)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (123)، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي في الأول من فوائده "المزكيات" بانتقاء الدارقطني (32)، والجوهري في مسند الموطأ (807)، والبيهقي في السنن (3/ 254)، وفي المعرفة (3/ 7/ 1832).
رواه عن مالك: عبد الله بن مسلمة القعنبي (346)، وأبو مصعب الزهري (600)، وعبد الله بن وهب، ويحيى بن بكير، ويحيى بن يحيى الليثي (504)، وسويد بن سعيد الحدثاني (195)، وروح بن عبادة [وخالف بقية أصحاب مالك، وتقدم بيان مخالفته تحت الحديث رقم (1237)].
قال ابن عبد البر في التمهيد (23/ 165): "هذا الحديث موقوف على سهل في الموطأ عند جماعة الرواة عن مالك، ومثله لا يقال من جهة الرأي، وقد روي مرفوعًا مسندًا بهذا الإسناد عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، وعبد الرحمن أسنُّ من يحيى بن سعيد وأجلُّ، رواه شعبة عن عبد الرحمن كذلك، وكان مالك يقول في صلاة الخوف بحديثه عن يزيد بن رومان، ثم رجع إلى حديثه هذا عن يحيى بن سعيد عن القاسم".
• ورواه مسدد بن مسرهد، وأبو حفص عمرو بن علي الفلاس، وبندار محمد بن بشار، وأبو موسى محمد بن المثنى، وعبد السلام بن حرب [وهم ثقات، من أصحاب يحيى]، وعبد الرحمن بن محمد بن منصور البصري [لقبه كُربُزان: ليس بالقوي، حدث بأشياء لا يتابعه أحد عليها، وقد تقدم ذكره مرارًا، وآخرها ذكرًا ما تحت الحديث رقم (1176)]:
عن يحيى بن سعيد القطان، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، قال: يقوم الإمام مستقبل القبلة، وطائفة منهم معه، وطائفة من قِبَل العدو، وجوههم إلى العدو، فيصلي بالذين معه ركعة، ثم يقومون فيركعون لأنفسهم ركعة، ويسجدون سجدتين في مكانهم، ثم يذهب هؤلاء إلى مقام أولئك، فيركع بهم ركعة، [ويسجد بهم سجدتين]، فله ثنتان [ولهم واحدة]، ثم يركعون [ركعةً]، ويسجدون سجدتين.
أخرجه البخاري (4131)، والترمذي (565)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(3/ 118/ 531)، والنسائي في المجتبى (3/ 178/ 1553)، وفي الكبرى (2/ 375/ 1954)، وابن ماجه (1259)، والدارمي (1/ 429/ 1522)، وأبو عوانة (2/ 89/ 2422)، وابن خزيمة (2/ 299/ 1356)، وابن جرير الطبري في تفسيره (7/ 429)،
وأبو العباس السراج في مسنده (1569)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2370)، والبيهقي (3/ 253).
• وأخرجه أيضًا: الطبراني في الكبير (6/ 101/ 5631)، من طريق مسدد به موقوفًا؛ إلا أنه زاد شعبة بين يحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وهو وهم، أو زيادة من النساخ، فإنما يرويه مسدد عن يحيى القطان عن يحيى الأنصاري بغير واسطة بينهما [كما عند البخاري وغيره]، ويرويه يحيى القطان عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه به مرفوعًا، وتقدم، ويرويه شعبة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم به موقوفًا، ويأتي.
• وقع عند الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن جرير والطوسي من رواية شيخهم محمد بن بشار، بعد هذا الحديث، "قال محمد بن بشار: فسألت يحيى بن سعيد عن هذا الحديث، فحدثني عن شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثل حديث يحيى بن سعيد [الأنصاري]، قال: وقال لي يحيى: اكتبه إلى جنبه، ولست أحفظ الحديث، ولكن مثل حديث يحيى [بن سعيد الأنصاري] " [وكذا للبيهقي].
ووقع نحو هذا لأبي موسى محمد بن المثنى، عند ابن خزيمة.
قلت: كأن يحيى بن سعيد القطان يثبت الرفع برواية شعبة، وأن حديث يحيى بن سعيد الأنصاري وإن كان ظاهره الوقف؛ فلا يُعل رواية شعبة المرفوعة؛ إذ مثله لا يقال من قبل الرأي والاجتهاد، وأن الرفع محفوظ، والله أعلم.
• تابع مالكًا ويحيى بن سعيد القطان، فرواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري به موقوفًا على ابن أبي حثمة:
عبد العزيز بن أبي حازم، وسفيان الثوري، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، ويزيد بن هارون [وهم ثقات]، ومحمد بن يزيد النصري [بصري، مجهول. الجرح والتعديل (8/ 127)، تاريخ دمشق (56/ 280)، اللسان (7/ 593)]:
عن يحيى بن سعيد الأنصاري، سمع القاسم بن محمد: أخبرني صالح بن خوات، عن سهل حدثه؛ قوله، موقوفًا عليه، بنحو ما تقدم.
أخرجه البخاري (4131 م)، وعبد الرزاق (2/ 509/ 4247)، وابن أبي شيبة (2/ 216/ 8293)، وابن جرير الطبري في تفسيره (7/ 428 و 429)، وأبو العباس السراج في مسنده (1570)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2371)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 33/ 2351)، والطحاوي (1/ 313)، والخطيب في المتفق والمفترق (2/ 1208/ 754).
هكذا رواه عن الثوري بنحو رواية يحيى بن سعيد القطان: عبد الرزاق، ومؤمل بن إسماعيل، فلم يذكرا السلام، ولا موضعه.
• ورواه الحسين بن حفص الأصبهاني [صدوق] عن الثوري به؛ إلا أنه قال في
آخره: ثم ذهبوا إلى مصاف أولئك، وجاؤوا أولئك وقاموا وراء الإمام، فصلى بهم ركعة، ثم قاموا فقضوا تلك الركعة، ثم سلم الإمام.
أخرجه البيهقي في السنن (3/ 254)، وفي المعرفة (6/ 3/ 1831).
هكذا شذ الحسين بن حفص بتأخير سلام الإمام، والمحفوظ تقديمه.
فقد تابع مالكًا بذكر سلام الطائفة الأولى بعد إتمامها الركعة الثانية، وبتقديم سلام الإمام قبل إتمام الطائفة الثانية لركعتها الثانية: يزيد بن هارون، وعبد الوهاب الثقفي:
أما لفظ يزيد بن هارون [وهو: ثقة متقن][عند ابن أبي شيبة وابن المنذر]، قال: يقوم الإمام إلى القبلة ومعه طائفة، وطائفة مواجهة العدو، فصلى بمن معه ركعة، فإذا قام صلى الذين وراءه لأنفسهم ركعة، وسجدوا وسلموا، ثم ذهبوا حتى يقوموا مقام إخوانهم الذين بإزاء العدو، ورجع الآخرون على أعقابهم، فوقفوا خلف الإمام [وفي رواية: فيُقبِل الآخرون الذين لم يصلوا فيُكبِّرون وراء الإمام وهو قائم]، فصلى بهم ركعة أخرى، ثم سلم، وقام الذين وراءه فركعوا لأنفسهم، وسجدوا وسلموا.
وأما لفظ عبد الوهاب [وهو: ثقة، وكتابه عن يحيى بن سعيد الأنصاري أصح كتاب، قاله ابن المديني، وقال: "وكل كتاب عن يحيى فهو عليه كَلٌّ"][عند ابن جرير]، فقال: أن صلاة الخوف أن يقوم الإمام إلى القبلة يصلي ومعه طائفة من أصحابه، وطائفة أخرى مواجهة العدو فيصلي، فيركع الإمام بالذين معه، ويسجد ثم يقوم، فإذا استوى قائمًا ركع الذين وراءه لأنفسهم ركعة وسجدتين، ثم سلموا، فانصرفوا والإمام قائم، فقاموا إزاء العدو، وأقبل الآخرون فكبروا مكان الإمام، فركع بهم الإمام وسجد ثم سلم، فقاموا فركعوا لأنفسهم ركعة وسجدتين، ثم سلموا.
هكذا رواه مالك بن أنس، ويزيد بن هارون، وعبد الوهاب الثقفي، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، بتقديم سلام الإمام، وهو المحفوظ.
• ورواه محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، عن القاسم، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة؛ أما عبد الرحمن فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما يحيى فذكر عن سهل، قال: يقوم الإمام، وصفٌّ خلفَه، وصفٌّ بين يديه، فيصلي بالذي خلفه ركعة وسجدتين، ثم يقوم قائمًا حتى يصلون ركعةً أخرى، ثم يتقدَّمون إلى مكان أصحابهم، ثم يجيء أولئك، فيقومون مقام هؤلاء، فيصلي بهم ركعةً وسجدتين، ثم يقعد حتى يقضون ركعةً أخرى، ثم يسلم عليهم.
أخرجه أحمد (3/ 448)(6/ 3351/ 15951 - ط. المكنز).
• ورواه عثمان بن جبلة [مروزي ثقة]، عن شعبة، عن يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة -قال شعبة: رفعه عبد الرحمن، ولم يرفعه يحيى بن سعيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم- قال: قام
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام صفٌّ خلفه، وصفٌّ حيال العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة وسجدتين، ثم قام حتى صلوا ركعة إلى ركعتهم، ثم ذهب هؤلاء إلى مكان الآخرين، وجاء الآخرون إلى مكان هؤلاء، فصلى ركعة وسجدتين، ثم جلس حتى صلوا ركعةً أخرى، ثم سلم عليهم.
أخرجه الطحاوي في المشكل (10/ 413 - 414/ 4219)، بإسناد صحيح إلى عثمان.
• وتابعهما: روح بن عبادة، فرواه عن شعبة ومالك، عن يحيى بن سعيد الأنصاري به، وخالف في متنه، وتقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (1237).
قلت: هكذا رواه شعبة عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وعبد الرحمن بن القاسم، كلاهما عن القاسم به؛ إلا أن يحيى أوقفه، ورفعه عبد الرحمن، لكن أصحاب يحيى بن سعيد الأنصاري يروونه عنه بتقديم سلام الإمام، وشعبة هنا يؤخره، وهو وهمٌ، ولعل سببه أن شعبة حمل تأخير السلام من رواية عبد الرحمن بن القاسم، ولم يضبط الفرق بينها وبين رواية يحيى بن سعيد والتي جاءت بتقديم السلام، والله أعلم.
وانظر أيضًا: ما أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق (2/ 1209/ 754)[وإسناده واهٍ بمرة، فيه: عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان، وهو: متروك كذبه جماعة].
* والحاصل: فقد اختلف في هذا الحديث على القاسم بن محمد:
أ - فرواه يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، قال:[أن صلاة الخوف] يقوم الإمام مستقبل القبلة،. . . الحديث موقوفًا على ابن أبي حثمة، وبتقديم سلام الإمام.
ب - ورواه عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن صالح بن خوَّات، عن سهل بن أبي حَثْمة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في خوفٍ،. . . الحديث، هكذا مرفوعًا، وبانتظار الإمام الطائفة الثانية حتى تقضي ركعتها، ثم يسلم بهم.
قلت: أما رواية الرفع فهي زيادة من ثقة عالم، فهي مقبولة، إذ مثل ذلك لا يُقال من قبل الرأي، وكلام أبي حاتم وأبي زرعة في العلل يقتضي إعمال الرفع [تقدم ذكره، ويأتي إعادته أيضًا]، كما تقدم نقل كلام ابن عبد البر في ذلك.
وتقدم بيان أن يحيى بن سعيد القطان قد نبه على أن الرفع محفوظ من حديث شعبة.
وقال أحمد بن حنبل: "رفعه عبد الرحمن، ويحيى لم يرفعه"، ثم قال:"حسبك بعبد الرحمن، هو ثقة ثقة ثقة"، قيل له: فرواه عن عبد الرحمن غير شعبة؟ قال: "ما علمت"، ثم قال:"قد رواه يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا يشد ذاك"، قال ابن رجب في الفتح (6/ 39):"يريد: أنه يقوي رفعه".
وقال الترمذي في العلل (166) نقلًا عن البخاري قوله: "وحديث سهل بن أبي حثمة: هو حديث حسن، وهو مرفوع، رفعه شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم".
وتصرف مسلم يدل على ترجيح الرفع، حيث إنه اقتصر على إخراج حديث شعبة
المرفوع، وحديث مالك عن يزيد بن رومان المرفوع، وأعرض عن ذكر حديث يحيى بن سعيد الأنصاري الموقوف.
وأما موضع التسليم فإن مالكًا في آخر أمره ذهب إلى حديث يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو أحفظ وأفقه وأعلم من عبد الرحمن بن القاسم، حتى كان يوازى بالزهري، قال أبو حاتم:"يحيى بن سعيد يوازى بالزهري"، بل قال الثوري:"كان أجل عند أهل المدينة من الزهري"، وقال أيضًا:"من حفاظ الناس"، وعده ابن عيينة في محدثي الحجاز الذين يجيئون بالحديث على وجهه [الجرح والتعديل (9/ 147)، التهذيب (4/ 360)]، لذا فإن حديثه عندي أشبه بالصواب، بتقديم سلام الإمام، والله أعلم.
ج - ورواه عبد الله بن عمر العمري [ليس بالقوي]، عن أخيه عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن أبيه خوات بن جبير، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل حديث يزيد بن رومان، وليس فيه ذكر السلام، ولا موضعه [عند البيهقي].
قال عبيد الله: قال القاسم: ما سمعت شيئًا في صلاة الخوف أحب إليَّ من هذا.
أخرجه الشافعي في الأم (2/ 439/ 478) و (8/ 523/ 3623)، وفي الرسالة (44 و 60)، وفي اختلاف الحديث (194)، وفي السنن (59)، وفي المسند (177)، وأبو بكر النجاد في أماليه (5)، وابن منده في معرفة الصحابة (1/ 526)، والبيهقي في السنن (3/ 253)، وفي المعرفة (3/ 5/ 1828 و 1829)، وفي الدلائل (3/ 378)، والحازمي في الاعتبار (1/ 437 - 438/ 157).
هكذا رواه عن عبد الله العمري: عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، وهو: مدني ثقة [عند النجاد، وابن منده، والبيهقي في السنن].
وقال الشافعي: أخبرني من سمع عبد الله بن عمر بن حفص يذكر عن أخيه به.
وانفرد الواقدي [وهو: متروك] عند البيهقي في الدلائل بزيادة منكرة في قصة طلب رجل من المشركين امرأته من السبي [راجع: فضل الرحيم الودود (2/ 417/ 198)].
• تابعه: يحيى بن سعيد الأموي [ليس به بأس، صاحب غرائب]، فرواه عن عبيد الله بن عمر [في المزكيات: عُبيد الله، هكذا مضبوطة بضم العين في الأصول الخطية]، عن القاسم، عن صالح بن خوات، عن أبيه بنحوه.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 301/ 1360)(2/ 494/ 1360 - ط. الميمان). وعنه: أبو إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي في الأول من فوائده "المزكيات" بانتقاء الدارقطني (34)، وعلقه ابن منده في معرفة الصحابة (1/ 526).
• وخالفهما: عبد الأعلى بن عبد الأعلى [ثقة، وروايته عن عبيد الله العمري في الصحيحين]، وعبدة بن سليمان [ثقة ثبت، وروايته عن عبيد الله في صحيح البخاري]: فروياه عن عبيد الله، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن صالح بن خوات؛ أن الإمام يقوم فيصف صفين، طائفة مواجهة العدو، وطائفة خلف الإمام، فيصلي الإمام
بالذين خلفه ركعة، ثم يقومون فيصلون لأنفسهم ركعة، ثم يسلمون، ثم ينطلقون فيصفون، ويجيء الآخرون فيصلي بهم ركعة، ثم يسلم فيقومون، فيصلون لأنفسهم ركعة.
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (7/ 430)، وعلقه ابن منده في معرفة الصحابة (1/ 527)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 976).
وهذا مقطوع على صالح بن خوات قوله.
• ورواه معتمر بن سليمان [ثقة، وروايته عن عبيد الله العمري في الصحيحين]، قال: سمعت عبيد الله، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: صلاة الخوف أن تقوم طائفة من خلف الإمام، وطائفة يلون العدو، فيصلي الإمام بالذين خلفه ركعةً، ويقوم قائمًا فيصلي القوم إليها ركعةً أخرى، ثم يسلمون فينطلقون إلى أصحابهم، ويجيء أصحابهم والإمام قائم، فيصلي بهم ركعةً فيسلم، ثم يقومون فيصلون إليها ركعةً أخرى، ثم ينصرفون.
قال عبيد الله: فما سمعت فيما نذكره في صلاة الخوف شيئًا هو أحسن عندي من هذا.
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (7/ 430).
قلت: وهذا اضطراب على عبيد الله بن عمر العمري، ولو فرضنا أن رواية الثقات عنه على وجهين: هناك من قطعه على صالح بن خوات قوله، وهناك من زاد في إسناده الصحابي لكن أبهمه، فنقبل زيادة الثقة لموافقته لرواية غيره من الثقات عن القاسم، ويحمل المبهم على من سماه من رواية الثقات، وهما يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن القاسم، وأن هؤلاء الثقات [عبد الأعلى بن عبد الأعلى، وعبدة بن سليمان، ومعتمر بن سليمان] قد تابعوا في روايتهم لفظ يحيى بن سعيد بتقديم سلام الإمام، مع التصريح بسلام الطائفة الأولى بعد فراغها من ركعتها الثانية، فيكون هذا مرجحًا لرواية يحيى بن سعيد على رواية عبد الرحمن بن القاسم، كما أشار إلى ذلك أبو داود.
والمحفوظ: رواية يحيى بن سعيد الأنصاري، وعبد الرحمن بن القاسم، كلاهما عن القاسم، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، رفعه عبد الرحمن، وأوقفه يحيى، والرفع محفوظ، ومتن حديث يحيى أشبه بالصواب؛ فهو أحفظ وأفقه من عبد الرحمن بن القاسم، والله أعلم.
قال ابن منده في المعرفة (1/ 526): "رواه يحيى بن سعيد الأموي، عن عبيد الله بن عمر، عن القاسم، عن صالح بن خوات، عن أبيه.
ورواه المعتمر، عن عبيد الله بن عمر، عن القاسم، عن صالح بن خوات، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه عبدة، عن عبيد الله بن عمر، عن القاسم، عن صالح بن خوات موقوف.
ورواه يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة.
ورواه عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم، مثله موقوفًا ومرفوعًا.
ورواه يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله".
° وقال أبو زرعة لما سئل عن حديث عبد الله العمري: "هذا خطأ؛ إنما صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم"، فقال ابن أبي حاتم: الوهم ممن هو؟ قال: "من العمري"[العلل (2/ 52/ 209)].
وقال ابن أبي حاتم: "وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه عبد الله العمري، عن أخيه عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ في صلاة الخوف. قلت: ورواه أبو أويس، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عن أبيه. وقال مالك: عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال أبو زرعة: الصحيح من حديث يزيد بن رومان: ما يقول مالك.
قلت لأبي زرعة: الوهم من أبي أويس؟ قال: نعم.
قال أبي: هذا خطأ؛ يقال: عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذا الصحيح" [العلل (2/ 251/ 352)].
° قال الترمذي في الجامع (566): "لم يرفعه يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد، هكذا رواه أصحاب يحيى بن سعيد الأنصاري موقوفًا، ورفعه شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد، وروى مالك بن أنس عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فذكر نحوه".
• وقد تتبع الدارقطني هذا الحديث على الشيخين (77)، فقال: "وأخرجا جميعًا حديث مالك، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرجاه من حديث شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن صالح، عن سهل بن أبي حثمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه البخاري وحده من حديث يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن صالح، عن سهل موقوفًا".
قال ابن حجر في هدي الساري (369): "وأما تعارض الرفع والوقف في حديث سهل؛ فالرفع مشهور عنه، والله أعلم".
قلت: هذا اختلاف لا يضر؛ أما الرفع فهو ثابت من طريقين، من طريق: يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومن طريق: شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن صالح، عن سهل بن أبي حثمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد أعمل الرفع، أو نبه على كونه محفوظًا: يحيى بن سعيد القطان، وأحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو حاتم، وأبو زرعة، وابن عبد البر، وغيرهم ممن خرج الحديث واحتج به.
وأما الاختلاف على صالح بن خوات؛ فهو عند التحقيق حديثان، وقد سبق نقل قول ابن القطان:"صالح بن خوات قد روى القصة عن رجلين: أحدهما شاهدٌ للقصة فلم يسمه، والآخر لم يشاهد، وهو سهل بن أبي حثمة"، والأقرب أنهما واقعتان، سلم في إحداهما قبل إتمام الطائفة الثانية ركعتها المتبقية، وفي الأخرى انتظرها جالسًا حتى أتمت ركعتها، ثم سلم بهم، والله أعلم.
° وفي بيان كيفية صلاة الخوف مفصلة من حديث صالح بن خوات:
قال الشافعي في الأم (2/ 440): "فإذا صلى بهم صلاة الخوف مسافرٌ: فكل طائفة هكذا، يصلي بالطائفة الأولى ركعةً، ثم يقوم فيقرأ فيطيل القراءة، وتقرأ الطائفة الأولى لأنفسها -لا يجزيها غير ذلك؛ لأنها خارجة من إمامته- بأمِّ القرآن وسورة إلى القصر، وتخفِّف، ثم تركع وتسجد وتتشهَّد، وتكمل حدودها كلها، وتخفِّف ثم تُسلِّم.
فتأتى الطائفة الثانية فيقرأ الإمام بعد إتيانهم قدرَ أمِّ القرآن وسورة قصيرة، لا يضرُّه أن لا يبتدئ أمَّ القرآن إذا كان قد قرأ في الركعة التي أدركوها بعد أمِّ القرآن، ثم يركع ويركعون معه، ويسجد فإذا انقضى السجود، قاموا فقرؤوا لأنفسهم بأمِّ القرآن وسورة قصيرة، وخفَّفوا، ثم جلسوا معه، وجلس قدرَ ما يعلَمهم قد تشهَّدوا، ويحتاط شيئًا حتى يعلم أنَّ أبطأَهم تشهُّدًا قد أكمل التشهد أو زاد، ثم يسلِّم بهم، ولو كان قرأ أُمَّ القرآن وسورةً قبل أن يدخلوا معه، ثم ركع بهم حين يدخلون معه قبل أن يقرأ أو يقرؤوا شيئًا أجزأه وأجزأهم ذلك، وكانوا كقومٍ أدركوا ركعةً مع الإمام ولم يدركوا قراءته".
قلت: هذا على حديث يزيد بن رومان، وهو على أصله، وأما على حديث القاسم بن محمد: فينصرف الإمام ويسلم، ويقومون فيتمون لأنفسهم ركعة ثم يسلمون.
ثم قال الشافعي في هيئة المغرب: "وإذا صلى الإمام مسافرًا المغربَ: صلى بالطائفة الأولى ركعتين، فإن قام وأتمُّوا لأنفسهم فحسن، وإن ثبت جالسًا وأتمُّوا لأنفسهم، ثم قام فصلى الركعة الباقية عليه بالذين خلفه الذين جاؤوا بعدُ؛ فجائز إن شاء الله تعالى، وأحبُّ الأمرين إليَّ أن يثْبُتَ قائمًا؛ لأنه إنما حكي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت قائمًا".
ثم قال: "ولو صلى المغرب فصلى بالطائفة الأولى ركعةً وثبت قائمًا، فأتموا لأنفسهم، ثم صلى بالثانية ركعتين أجزأه إن شاء الله تعالى، وأكره ذلك له؛ لأنه إذا كان معه في الصلاة فرقتانِ صلاةُ إحداهما أكثرُ من صلاة الأخرى، فأَوْلاهما أن يصلي الأكثرَ مع الإمامِ الطائفةُ الأولى".
وقال في خوف الحضر: "وهكذا إذا صلى بهم صلاة الخوف في حضر أو سفر أربعًا، فله أن يجلس في مثنى حتى يقضي من خلفه صلاتهم، ويكون في تشهد وذكر الله تعالى، ثم يقوم فيتم بالطائفة الثانية".
وقال في موضع آخر (2/ 453): "فإن صلى ظهرًا أو عصرًا أو عشاءً صلاة خوف في حضر صنع هكذا؛ إلا أنه يصلي بالطائفة الأولى ركعتين، ويثبُتُ جالسًا حتى يقضوا