الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"يكتب حديثه، ليس بالمتروك"، وقال:"يحوَّل من كتاب الضعفاء"، وقال ابن حزم في حديثه الآخر في الصوم:"حديث ساقط؛ لأن راويه عبد الصمد بن حبيب، وهو بصري لين الحديث"، ومشاه ابن معين فقال:"ليس به بأس" [التاريخ الكبير (6/ 106)، التاريخ الأوسط (2/ 202)، أسامي الضعفاء لأبي زرعة (210)، ضعفاء العقيلي (3/ 83)(2/ 573 - ط. التأصيل)، الجرح والتعديل (6/ 51)، الكامل (5/ 335)، تاريخ أسماء الثقات (985)، المحلى (6/ 249)، سنن البيهقي (4/ 245)(8/ 554/ 8250 - ط. هجر)(4/ 1623/ 7095 - تهذيب السنن)، تاريخ بغداد (11/ 36)، التهذيب
(2/ 579)].
***
287 -
باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة، ولا يقضون
1246 -
. . . يحيى، عن سفيان: حدثني الأشعث بن سليم، عن الأسود بن هلال، عن ثعلبة بن زهدم، قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقام فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فصلى بهؤلاء ركعة، وبهؤلاء ركعة، ولم يقضوا.
قال أبو داود: وكذا رواه عبيد الله بن عبد الله، ومجاهد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعبد الله بن شقيق، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويزيد الفقير، وأبو موسى [قال أبو داود: رجل من التابعين ليس بالأشعري] جميعًا عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد قال بعضهم [عن شعبة] في حديث يزيد الفقير: إنهم قضوا ركعة أخرى.
وكذلك رواه سماك الحنفي، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك رواه زيد بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فكانت للقوم ركعة ركعة، وللنبي صلى الله عليه وسلم ركعتين.
* حديث صحيح
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 168/ 1530)، وفي الكبرى (2/ 365/ 1931)، وابن خزيمة (2/ 293/ 1343)، وابن حبان (4/ 302/ 1452) و (6/ 182/ 2425)، والحاكم (1/ 335)، والبزار (7/ 370/ 2968)، وابن جرير الطبري في تفسيره (7/ 417)، والسهمي في تاريخ جرجان (47)، وابن حزم في المحلى (5/ 34)، والبيهقي في السنن (3/ 1 26)، وفي المعرفة (3/ 11/ 1839).
رواه عن يحيى بن سعيد القطان: مسدد بن مسرهد [واللفظ له]، وأحمد بن حنبل، وعمرو بن علي الفلاس، وبندار محمد بن بشار، وأبو موسى محمد بن المثنى، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، وغيرهم.
ولفظ الفلاس [عند النسائي]: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فقام حذيفة وصفٌّ الناس خلفه صفَّينِ، صفًا خلفه، وصفًا موازيَ العدو، فصلى بالذين خلفه ركعةً، وانصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعةً، ولم يقضوا.
قال البزار بعد قوله: ولم يقضوا، قال:"يعني: لم يقض أحد من الطائفتين، كأنهم اجتزوا بركعة ركعة".
هكذا رواه يحيى بن سعيد القطان عن الثوري به هكذا من فعل حذيفة.
* وتابعه على ذلك جماعة من أصحاب الثوري: عبد الرحمن بن مهدي [ولم يقل في آخره: ولم يقضوا، قال مكانها: ثم سلم عليهم]، وقبيصة بن عقبة، وعبد الرزاق بن همام [ولم يقل: ولم يقضوا، قال مكانها: ثم انصرف]، والحسين بن حفص الأصبهاني [ولم يقل: ولم يقضوا، قال مكانها: ثم سلم عليهم]، وعبد الله بن الوليد [ولم يقل: ولم يقضوا، قال مكانها: ثم سلم بهم]، ومؤمل بن إسماعيل.
ولفظ ابن مهدي [عند أحمد]: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقال: أيكم يحفظ صلاة الخوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال حذيفة: أنا، فقمنا صفًا خلفه، وصفًا موازيَ العدو، فصلى بالذين يلونه ركعة، ثم ذهبوا إلى مصافِّ أولئك، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة، ثم سلم عليهم.
أخرجه الحاكم (1/ 335)، وأحمد (5/ 399)، وعبد الرزاق (2/ 510/ 4249)، وابن جرير الطبري في تفسيره (7/ 418)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 27/ 2338)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 310)، وفي أحكام القرآن (379 و 380)، والبيهقي (3/ 261).
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه هكذا".
* خالفهم فرواه مرفوعًا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم:
وكيع بن الجراح [ثقة حافظ، من أثبت أصحاب الثوري]، قال: حدثنا سفيان، عن الأشعث بن أبي الشعثاء، عن الأسود بن هلال، عن ثعلبة بن زهدم، قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، ومعنا حذيفة بن اليمان، فقال: أيكم صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، [فصلى بالناس]، فوصف فقال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بطائفةٍ ركعةً صفَّت خلفه، وطائفة أخرى بينه وبين العدو، فصلى بالطائفة التي تليه ركعةً، ثم نكص هؤلاء إلى مصافِّ أولئك، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 167/ 1529)، وفي الكبرى (2/ 365/ 1930)، وأحمد (5/ 385)، وابن أبي شيبة (2/ 213/ 8273).
كذا وقع عند النسائي، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم [هو: ابن راهويه]، قال: أخبرنا وكيع به بهذا اللفظ بتمامه.
لكن رواه أحمد وابن أبي شيبة، كلاهما عن وكيع به، فانتهيا إلى قوله: فقال حذيفة: أنا، قال أحمد بعدها: قال سفيان: فوصف مثل حديث ابن عباس وزيد بن ثابت.
وقال ابن أبي شيبة: قال: فصلى بالناس، قال سفيان: فذكر حديث ابن عباس وزيد بن ثابت.
هكذا بدون إتمام الحديث، وإنما بينا أن الثوري أحال على حديث ابن عباس وزيد بن ثابت، مما يدل على أن الثوري لما حدث وكيعًا بهذا الحديث لم يتمه، وإنما أحال لفظه، ولذلك فإن ابن أبي شيبة إنما أخرجه عقيب حديث ابن عباس من طريق ابن أبي الجهم، وحديث زيد بن ثابت، ويبدو أنه تحمل الأحاديث الثلاثة عن وكيع عن سفيان هكذا في سياق واحد، فقد بدأ بحديث ابن عباس فساقه بتمامه، ثم ثنى بحديث زيد ولم يتمه بل قال: قال سفيان: فذكر مثل حديث ابن عباس، ثم ثلث بحديث حذيفة، فأخرجها ابن أبي شيبة في كتابه دون أن يتصرف فيها، كما تحملها من وكيع عن سفيان، ومما يدل على ذلك أن أحمد نحا نحوه في هذا، فإنه لما أخرج حديث زيد في مسنده (5/ 183) احتاج أن يسبقه بذكر حديث ابن عباس التام حتى يعقبه بحديث زيد المحال لفظه عليه، ثم لما أخرج حديث حذيفة هذا في مسنده (5/ 385) احتاج أن يسبقه بذكر حديث ابن عباس التام حتى يعقبه بحديث حذيفة المحال لفظه عليه، والله أعلم.
وأما ما وقع في سنن النسائي فإنما هو اجتهاد ممن أتمه على لفظ حديث ابن عباس أو زيد بن ثابت مرفوعًا، وإنما هو من فعل حذيفة موقوفًا، بدليل قوله في رواية ابن أبي شيبة: فصلى بالناس؛ يعني: حذيفة، فهو موقوف على حذيفة، لكن له حكم الرفع حيث بيَّن لهم بفعله صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخوف، كما هو ظاهر من السياق، والله أعلم.
وبذا تتفق رواية أصحاب الثوري عنه في هذا الحديث، حيث رواه موقوفًا من فعل حذيفة مبينًا به فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* تابع الثوري عليه: زائدة بن قدامة [ثقة متقن]، فرواه عن الأشعث [ابن أبي الشعثاء]، فذكر بإسناده مثله.
أخرجه الطحاوي في أحكام القرآن (381).
* وحديث حذيفة هذا: حديث صحيح، رجاله ثقات مشهورون، وثعلبة بن زهدم: مختلف في صحبته، وقد صححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، واحتج به أبو دواد والنسائي وغيرهما.
* وروى إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وسفيان الثوري، وشريك بن عبد الله النخعي [واللفظ بتمامه لإسرائيل، وروى سفيان وشريك بعضًا منه أو مختصرًا]:
عن أبي إسحاق، عن سُلَيم بن عبدٍ السلولي، قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، وكان معه نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فقال لهم: أيكم شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، مُر أصحابك فيقوموا طائفتين، طائفة منهم بإزاء العدو، وطائفة منهم خلفك، فتكبر ويكبرون جميعًا، ثم تركع ويركعون ثم ترفع فيرفعون جميعًا، ثم تسجد فتسجد الطائفة التي تليك، وتقوم الطائفة الأخرى بإزاء العدو، فإذا رفعت رأسك قام الدين يلونك، وخرَّ الآخرون سجدًا، ثم تركع فيركعون جميعًا، ثم تسجد فتسجد الطائفة التي تليك، والطائفة الأخرى قائمة بإزاء العدو، فإذا رفعت رأسك من السجود سجد الذين بإزاء العدو، ثم تسلم عليهم.
وتأمر أصحابك إن هاجهم هيج، فقد حلَّ لهم القتال والكلام.
واقتصر الثوري على آخره من قول حذيفة: إن هاج بك هيج، فقد حل لك القتال والكلام؛ يعني: في الصلاة [عند ابن أبي شيبة].
أخرجه ابن خزيمة (2/ 305/ 1365)[واللفظ له]. وأحمد (5/ 406)، والطيالسي (1/ 343/ 429)، وابن أبي شيبة (2/ 215 /8288 و 8289)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 37/ 2356)، والطحاوي (1/ 311)، والبيهقي (3/ 252)، [وانظر: العلل ومعرفة الرجال (629)].
هكذا رواه الطيالسي [ثقة حافظ]، وابن أبي شيبة [ثقة حافظ]:
عن شريك به مختصرًا موقوفًا على حذيفة قوله: صلاة الخوف ركعتان وأربع سجدات، فإن أعجلك العدو فقد حلَّ لك القتال والكلام بين الركعتين [واللفظ لابن أبي شيبة].
وخالفهما فقصر بإرساله: ابن الأصبهاني [محمد بن سعيد بن سليمان الكوفي: ثقة ثبت]، قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبدٍ، قال: صلاة الخوف ركعتين
…
مثله.
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (5/ 37/ 2357)(5/ 2348/18 - ط. الفلاح).
* قال البيهقي (3/ 262): "فقول الراوي في رواية ثعلبة: صف موازي العدو، يريد به حال السجود، وقوله: ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء وجاء أولئك، يريد به: تقدُّم الصف المؤخَّر وتأخُّر الصف المقدَّم بعد الفراغ من الركعة الأولى، وفي ذلك قضاء الركعتين مع الإمام، فلا يحتاجون إلى قضاء شيء بعده، وذلك بيِّنٌ في رواية سليم بن عبدٍ عن حذيفة، وتلك القصة وهذه واحدة فوجب حمل إحدى الروايتين على الأخرى، مع ما فيه من الاتفاق لسائر الروايات، وبالله التوفيق".
وقال ابن رجب في الفتح (6/ 30): "وقد روي حديث حذيفة بألفاظ محتملة، وهذه الرواية مفسرة لما أجمل في تلك".
• قلت: قد اختلف على أبي إسحاق السبيعي في متن هذا الحديث وصفة الصلاة فيه:
أ - فرواه عنه بهذه الكيفية التي جاءت في حديث جابر وأبي عياش الزرقي: إسرائيل وحده، وروى منه سفيان الثوري وشريك الجملة الأخيرة في صلاة شدة الخوف حسب.
ب - وخالف إسرائيلَ في لفظه: محمدُ بن أبان الجعفي [محمد بن أبان بن صالح القرشي الجعفي الكوفي: ضعيف. انظر: اللسان (6/ 488) وغيره]، وأشعث بن سوار الكندي [ضعيف]:
فروياه عن أبي إسحاق، عن سليم بن عبد السلولي، قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقال لنا يومًا: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، قال: كيف رأيته يصنع؟ قال: فرقنا فرقتين، فتقدم وأقام طائفة منهم معه، وأقام الطائفة الأخرى من ورائهم يردون القوم، فصلى بالدين معه ركعة وسجدتين، ثم قام هؤلاء إلى مقام أصحابهم، وجاء أولئك فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة وسجدتين، وقد كان قال لهم:"إن هاجكم القوم هيجًا فقد حلَّ لكم القتال والكلام". لفظ الجعفي.
ولفظ أشعث: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، ومعه حذيفة بن اليمان وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: من سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"صفَّ صفًا مما يليك، وصفًا مما يلي العدو، فصلِّ بمن يليك ركعة وسجدتين، وسلم، ثم ينطلق هؤلاء يصلون معك ركعة وسجدتين ثم سلم".
أخرجه سعيد بن منصور (2/ 239/ 2506)، والسهمي في تاريخ جرجان (47).
ج - وتابعهما على كيفية الصلاة، لكن أبهم سليم بن عبد السلولي:
معمر بن راشد [ثقة، وليس بالثبت في أبي إسحاق]، فرواه عن أبي إسحاق، قال: حدثني من شهد سعيد بن العاص في غزوة يقال لها ذات الخشب، ومعه حذيفة، فقال سعيد: أيكم شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فأمرهم حذيفة فلبسوا السلاح، ثم قال: إن هاجكم هيج فقد حلَّ لكم القتال، قال: فصلى بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرف هؤلاء فقاموا مقام أولئك، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة أخرى، ثم سلم عليهم.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 510/ 4248)، وعنه: أحمد (5/ 404).
هكذا اختلف على أبي إسحاق في صفة هذه الصلاة، فمرة يرويه على هيئة حديث جابر وأبي عياش الزرقي، ومرة يرويه على هيئة حديث ثعلبة بن زهدم عن حذيفة.
وشيخه في هذا الحديث: سُلَيم بن عبدٍ السلولي: قال الشافعي: "وسليم بن عبد عند أهل العلم ممن سألت عنه: مجهول"، وقال العجلي:"كوفي تابعي ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، ولا يُعرف روى عنه سوى أبي إسحاق السبيعي، والسبيعي مكثر من الرواية عمن لا يُعرفون إلا من طريقه، قال علي بن المديني:"روى أبو إسحاق عن سبعين أو ثمانين لم يرو عنهم غيره"، والعجلي وابن حبان معروفان بتساهلهما في توثيق المجاهيل من التابعين [التاريخ الكبير (4/ 126)، ثقات العجلي (657)، الجرح والتعديل (4/ 212)،
الثقات (4/ 330)، المعرفة للبيهقي (3/ 13)، شرح مسلم للنووي (1/ 73)، السير (5/ 394)، التعجيل (411)، اللسان (4/ 184)، الثقات لابن قطلوبغا (5/ 79)].
قلت: حديث ثعلبة بن زهدم لم يختلف فيه في كيفية الصلاة، بخلاف حديث أبي إسحاق السبيعي، وأين سليم بن عبد السلولي - على جهالته -؛ من ثعلبة بن زهدم - وقد جزم بعضهم بصحبته -، فحديث ثعلبة أولى عندي بالقبول؛ لاسيما وقد توبع على الصفة التي أتى بها في نفس هذه الغزوة بطبرستان مع سعيد بن العاص:
* فقد روى عفان بن مسلم [ثقة ثبت]، والعباس بن الوليد النرسي [ثقة]:
عن عبد الواحد بن زياد [ثقة مأمون]، قال: حدثنا أبو روق عطية بن الحارث [ليس به بأس. راجع ترجمته في فضل الرحيم (2/ 316/ 178)]، قال: حدثني مُخمِل بن دَماث [وتحرف في الأحكام إلى: محمد بن رماث]، قال: غزوت مع سعيد بن العاص، قال: فسأل الناس: من شهد منكم صلاة الخوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال حذيفة: أنا، صلى بطائفة من القوم ركعة، وطائفة مواجهة العدو، ثم ذهب هؤلاء فقاموا مقام أصحابهم مواجهو العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم سلم، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان، ولكل طائفة ركعة. لفظ عفان.
وفي رواية العباس: أنه صلى بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مستوقِلو العدو، أو قال: مستقبلو العدو، ثم ذهبت هذه الطائفة، فقامت مقام أصحابهم، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان، ولكل طائفة ركعة.
أخرجه أحمد (5/ 395)، وعفان بن مسلم في جزء من حديثه (49 - رواية أبي علي الحسن بن المثنى العنبري). والسرقسطي في الدلائل (1/ 248/ 32)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 310)(5/ 207 - نخب الأفكار). وفي أحكام القرآن (382).
مخمل بن دماث: مُخمِل على وزن مسلم، ودماث على وزن قطام، قال البخاري:"سمع حذيفة في صلاة الخوف، يعد في الكوفيين"، وذكره ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (8/ 65)، الأسماء المفردة (177)، الجرح والتعديل (8/ 429)، الثقات (5/ 463)، المؤتلف للدارقطني (4/ 2116)، التعجيل (1013)].
وجهالة مخمل هذه لا تضره في هذه الحالة، فقد تابع في روايته الثقات، فرواية من رواه موافقًا لثعلبة بن زهدم أولى من رواية من خالفه، مع كون رواية المخالف لم تسلم من الاختلاف على رواتها في المتن، والله أعلم.
* والحاصل: فإن حديث حذيفة هذا حديث صحيح من رواية ثعلبة بن زهدم عنه، وقد تابعه على صفة الصلاة فيه: مخمل بن دماث، وأما رواية سليم بن عبد المخالفة لهما في الكيفية، فهي غلط، وأولى منها رواية من رواه عن أبي إسحاق السبيعي متابعًا فيه لثعلبة بن زهدم، وإن كان رواتها ليسوا بأقوياء في أبي إسحاق، والله أعلم.
* وأما حديث عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس:
• فقد رواه يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، وقبيصة بن عقبة، وعبد الرزاق بن همام، والحسين بن حفص الأصبهاني [وهم ثقات من أصحاب الثوري، وفيهم أثبت الناس في الثوري، مثل: يحيى بن سعيد، وابن مهدي، ووكيع]، وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي [صدوق، كثير الوهم، سيئ الحفظ، ليس بذاك في الثوري، وضعفه جماعة في سفيان. التقريب (619)، شرح علل الترمذي (2/ 726)، التهذيب (4/ 188)]:
عن سفيان [الثوري]، قال: حدثني أبو بكر بن أبي الجهم، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذي قَرَدٍ [أرض من أرض بني سليم] [وفي رواية قبيصة: والمشركون بينه وبين القبلة]، فصفَّ الناس خلفه صفَّين، صفًا خلفه، وصفًا موازيَ العدو، فصلى بالذين خلفه ركعةً، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعةً، ولم يقضوا. لفظ القطان.
وقال عبد الرزاق في آخره: ثم سلم عليهم جميعًا، ثم انصرفوا، فكان للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان، ولكل واحد من الفريقين ركعة.
أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (218)، والنسائي في المجتبى (3/ 169/ 1533)، وفي الكبرى (1/ 280/ 520) و (2/ 366/ 1934)، وابن خزيمة (2/ 294/ 1344)، وابن حبان (7/ 122/ 2871)، والحاكم (1/ 335)، وأحمد (1/ 232 و 357) و (5/ 183) و (5/ 385)، وعبد الرزاق (2/ 511/ 4251)، وابن أبي شيبة (2/ 213/ 8271) و (7/ 422/ 37003)، وابن جرير الطبري في تفسيره (7/ 418)، وأبو العباس السراج في مسنده (1574 و 1575)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2376 و 2377)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 29/ 2344)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 309)، وفي أحكام القرآن (376)، والبيهقي في السنن (3/ 262)، وفي المعرفة (3/ 11/ 1839 م)، والخطيب في الموضح (2/ 557)[وفي سنده سقط]، وابن حجر في التغليق (4/ 116).
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه الألفاظ".
قال ابن حجر في الفتح (2/ 433): "فزاد في آخره: ولم يقضوا، وهذا كالصريح في اقتصارهم على ركعة ركعة".
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم، وأبو بكر بن عبد الله بن أبي الجهم العدوي: ثقة فقيه.
* تابع الثوري عليه:
أ - شريك بن عبد الله النخعي [صدوق، سيئ الحفظ، وروايته هنا صحيحة، فإن الراوي عنه: إسحاق بن يوسف الأزرق، وهو ثقة، من قدماء أصحاب شريك، وممن كتب عنه من كتابه. انظر: مسائل أبي داود (1992)، المدرج للخطيب (1/ 454)، ما تحت
الحديث رقم (765)، والحديث رقم (996)]، عن أبي بكر بن صخير، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، مثله.
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (7/ 419).
ب - ورواه جعفر بن عون الغمري، عن أبي عميس - هذا من ولد عمرو بن حريث صاحب النبي صلى الله عليه وسلم -، قال: سمعت أبا بكر بن عبد الله بن أبي الجهم، يحدث عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة؛ أن الوليد بن عبد الملك كتب إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يأمره أن يسأل فقهاء من قبله من أهل المدينة عن صلاة الخوف، فأرسل عمر إلى فقهائهم فسألهم، فجاء عبيد الله بن عبد الله، فاختلف عليه القول، فقال: دع ما يقول هؤلاء، حدثني عبد الله بن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالناس صلاة الخوف، فصلى بطائفة منهم فقاموا معه، فصلوا ركعة، ثم إنهم ركضوا، وجاءت الطائفة الأخرى فصلوا معه الركعة الأخرى، ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشهد وسلم، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان، وللناس ركعة ركعة.
أخرجه الطحاوي في أحكام القرآن (375)، قال: حدثنا أبو أمية، قال: حدثنا جعفر بن عون به.
قلت: جعفر بن عون المخزومي الكوفي مشهور بالرواية بل ومن المكثرين عن أبي العميس عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود المسعودي الكوفي، وروايته عنه في الصحيحين، كما أن أبا العميس معروف بالرواية عن أبي بكر بن أبي الجهم، وأما قوله في الإسناد عن أبي العميس:"هذا من ولد عمرو بن حريث صاحب النبي صلى الله عليه وسلم"؛ فإنما المراد به جعفر بن عون لا أبو العميس، فالأول هو: جعفر بن عون بن جعفر بن عمرو بن حريث، فظهر بذلك أنه ابن حفيد عمرو بن حريث الصحابي، وأما نسبته غمريًا فهو تصحيف من العَمري نسبة إلى جده الأدنى عمرو بن حريث، والله أعلم.
ولعل الوهم فيه من شيخ الطحاوي، فإن أبا أمية: هو الطرسوسي، محمد بن إبراهيم بن مسلم الخزاعي: صدوق يهم [التهذيب (3/ 493)، الميزان (3/ 447)]؛ قال ابن حبان في الثقات (9/ 137): "وكان من الثقات، دخل مصر فحدثهم من حفظه من غير كتاب بأشياء أخطأ فيها؛ فلا يعجبني الاحتجاج بخبره إلا ما حدث من كتابه".
وعليه: فالإسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، كما سبق تقريره، ويزيده ثبوتًا اشتماله على قصة تدل حفظ راويها وضبطه.
* قال الشافعي في اختلاف الحديث (10/ 178 - الأم): "وقد روي حديثٌ لا يُثبِت أهلُ العلم بالحديث مثله؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بذي قرد بطائفة ركعة ثم سلموا، وبطائفة ركعة ثم سلموا، فكانت للإمام ركعتان وعلى كل طائفة ركعة".
قال الشافعي: "وإنما تركناه؛ لأن جميع الأحاديث في صلاة الخوف مجتمعة على أن على المأمومين من عدد الصلاة مثل ما على الإمام، وكذلك أصل الفرض في الصلاة على
الناس واحد في العدد، ولأنه لا يثبُت عندنا مثلُه؛ لشيءٍ في بعض إسناده" [سنن البيهقي (3/ 262)، المعرفة (3/ 11)].
قال البيهقي (3/ 262) بعد أن ساق كلام الشافعي: "هذا حديث لم يخرجه البخاري ولا مسلم في كتابيهما، وأبو بكر بن أبي الجهم يتفرد بذلك هكذا عن عبيد الله بن عبد الله، وقد يحتمل أن يكون مثل صلاته بعسفان، فإن قوله: ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف أولئك وجاء أولئك؛ أراد به في تقدُّم الصف المؤخَّر وتأخُّر الصف المقدَّم، وقد روى الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، ما دل على ذلك مع اختلافٍ فيه عن الزهري وقتَ حراسة أحد الصفين، ورواه عكرمة عن ابن عباس، وقد مضى ذكر هذه الروايات، وفي ذلك دليل على صحة هذا التأويل".
وانظر في ذلك أيضًا تأويل الطحاوي لأحاديث الباب.
* قلت: أما دعوى عدم الثبوت، فهي غير صحيحة، فهو حديث ثابت، صحيح الإسناد، وليس له علة، وقد أثبته جماعة من أئمة الحديث ونقاده:
قال أحمد في رواية علي بن سعيد في صلاة الخوف: "قد روي ركعة وركعتان، ابن عباس يقول: ركعة ركعة، إلا أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان وللقوم ركعة، وما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها صحاح"[الفتح لابن رجب (6/ 27)].
وقد احتج به البخاري في جزء القراءة، وكذا احتج به النسائي في صحاحه، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وهم من أئمة الحديث الشافعية، فلم يتابعوا الشافعي على تضعيفه.
وأما دعوى تفرد أبي بكر بن أبي الجهم به عن عبيد الله، فدعوى غير صحيحة، بل تابعه الزهري عليه، وأخرجه من طريقه البخاري في صحيحه وفي جزء القراءة، وعبارته في جزء القراءة تدل على أنه يراهما بمعنى واحد، وأن الزهري لم يخالف ابن أبي الجهم:
قال البخاري في القراءة خلف الإمام (115) بعدما أخرج حديث ابن عباس مرفوعًا: "وفي الخوف ركعة"، وحديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس مرفوعًا، قال:"وكذلك يروى عن حذيفة وزيد بن ثابت وغيرهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة"، ثم أخرج حديث أبي بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:"مثله"، يعني: مثل حديث الزهري.
وأما دعوى أن البخاري ومسلمًا لم يخرجاه، فيقال: لم يخرجا كل ما صح من أحاديث صلاة الخوف، بل قد نص البخاري على تحسين أحاديث في صلاة الخوف أخرج واحدًا منها في صحيحه ولم يخرج البعض الآخر [كما في علل الترمذي (166 - 168)].
وأما دعوى أن جميع الأحاديث في صلاة الخوف مجتمعة على أن على المأمومين من عدد الصلاة مثل ما على الإمام، وأن أصل الفرض في الصلاة على الناس واحد في العدد:
فيقال: قد صحت أحاديث هذا الباب، والتي تدل على أن المأمومين يجتزون بركعة واحدة، بينما يصلي بهم الإمام ركعتين، وصلاة الخوف لا تقاس على بقية الصلوات لاختلاف هيئتها، وتعدد صفاتها، فهي تختلف بحسب اختلاف أحوال المسلمين مع أعدائهم، وبحسب شدة الخوف، ويجوز فيها من الأفعال ما لا يجوز في صلاة الأمن، بل منها ما لو وقع في صلاة الأمن لأبطلها، والله أعلم.
* وأما رواية الزهري فقد رواها:
محمد بن حرب، عن الزبيدي، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس معه، فكبر وكبروا معه، وركع وركع ناس منهم معه، ثم سجد وسجدوا معه، ثم قام للثانية، فقام [وفي رواية: فتأخَّر] الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم، وأتت الطائفة الأخرى، فركعوا [مع النبي صلى الله عليه وسلم] وسجدوا معه، والناس كلهم في صلاة [يكبرون]، ولكن يحرس بعضهم بعضًا.
أخرجه البخاري في الصحيح (944)، وفي القراءة خلف الإمام (217)، والنسائي في المجتبى (3/ 169/ 1534)، وفي الكبرى (2/ 366/ 1935)، وابن حبان (7/ 134/ 2880)، وأبو العباس السراج في مسنده (1573)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2375)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 36/ 1758)، والدارقطني (2/ 58)، والبيهقي (3/ 258).
وقد أخطأ ابن حبان حين أتبع حديث ابن عمر في قضاء الطائفين ركعة ركعة بعد السلام، بهذا الحديث، وترجم له بقوله:"ذكر البيان بأن القوم في الصلاة التي وصفناها كانوا يحرسون بعضهم بعضًا"، وإنما القول فيه كما قال البخاري، بأن هذا الحديث يروى عن حذيفة وزيد بن ثابت وغيرهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة، وأنه مثل حديث ابن أبي الجهم عن عبيد الله عن ابن عباس.
* ورواه النعمان بن راشد [ليس بالقوي]، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة الخوف، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمنا خلفه صفين، وكبر وركع وركعنا جميعًا الصفان كلاهما، ثم رفع رأسه ثم خر ساجدًا وسجد الصف الذي يليه، وثبت الآخرون قيامًا يحرسون إخوانهم، فلما فرغ من سجوده وقام خرَّ الصف المؤخر سجودًا، فسجدوا سجدتين ثم قاموا، فتأخَّر الصف المقدَّم الذي يليه، وتقدَّم الصف المؤخَّر، فركع وركعوا جميعًا، وسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه، وثبت الآخرون قيامًا يحرسون إخوانهم، فلما قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خر الصف المؤخَّر سجودًا، فسجدوا، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (1572)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2374)، والدارقطني (2/ 58)، ومن طريقه: البيهقي (3/ 258).
قال ابن رجب في الفتح (6/ 27): "وإذا اختلف أبو بكر بن أبي الجهم والزهري، فالقول قول الزهري، ولعل مسلمًا ترك تخريج هذا الحديث للاختلاف في متنه، وقد صحح الإمام أحمد إسناده.
قال في رواية علي بن سعيد في صلاة الخوف: قد روي ركعة وركعتان، ابن عباس يقول: ركعة ركعة، إلا أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان وللقوم ركعة، وما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها صحاح.
وقال في رواية حرب: كل حديث روي في صلاة الخوف فهو صحيح الإسناد، وكل ما فعلت منه فهو جائز.
وقد حمل بعضهم معنى رواية أبي بكر بن أبي الجهم على معنى رواية الزهري، وقال: إنما المراد أن الصفين صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حرس أحد الصفين في الركعة الأولى، والآخر في الثانية، وإنما لم يقضوا بعد سلام النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم قضوا ما تخلفوا به عنه قبل سلامه، كما في رواية النعمان بن راشد، عن الزهري.
وأما قوله: فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان وللقوم ركعة، فهو من قول سفيان، كما هو مصرح به في رواية البيهقي، وذلك ظن ظنه، قد خالفه غيره فيه"، ثم استشهد على صحة هذا التأويل بما رواه داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس، وقد سبق ذكره تحت حديث أبي عياش الزرقي (1236).
قلت: أما دعوى اختلاف أبي بكر بن أبي الجهم والزهري في هذا الحديث على عبيد الله؛ فليس هذا بصحيح، بل قد جزم البخاري فيما سبق نقله في جزء القراءة أن الحديثين متفقان على صفة واحدة، وهي أن المأمومين إنما صلوا ركعة واحدة، وقد نقل ابن رجب نفسه تصحيح أحمد لحديث ابن عباس في الركعة الواحدة، وإعراض مسلم عنه لا يضره؛ لأنه لم يخرج كل ما صح من أحاديث صلاة الخوف، وقد نص على تصحيحها أحمد والبخاري.
وأما حديث النعمان بن راشد فهو وهم منه، وليس هو بالقوي، ولا يقاس النعمان بمحمد بن الوليد الزبيدي الثقة الثبت، وهو: من أثبت أصحاب الزهري، قدَّمه أبو حاتم في الزهري على معمر، والله أعلم.
* وأما حديث مجاهد عن ابن عباس مرفوعًا؛ فسيأتي برقم (1247).
* وأما حديث عبد الله بن شقيق، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
فقد رواه عبد الصمد بن عبد الوارث [ثقة]، قال: حدثني سعيد بن عبيد الهنائي، قال: حدثنا عبد الله بن شقيق [ثقة]، قال: حدثنا أبو هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نازلًا بين ضَجنان وعُسفان يحاذي المشركين، فقال المشركون: إن لهؤلاء صلاة هي أهم [وفي رواية: أحب] إليهم من أبنائهم وأبكارهم [وهي العصر]، أجمعوا أمركم، ثم ميلوا عليهم ميلةً واحدةً، فجاء جبربل فأمره أن يقسم أصحابه نصفين، يصلي بطائفة منهم، وطائفة مقبلون على عدوهم قد أخذوا حِذْرَهم وأسلحتهم، فيصلي بهم ركعة، ثم يتأخر هؤلاء، ويتقدم أولئك فيصلي بهم ركعة، [وفي رواية: وأخذ هؤلاء الآخرون حِذْرَهم وأسلحتهم]، تكون لهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ركعة، وللنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان.
أخرجه الترمذي (3035)، والنسائي في المجتبى (3/ 174/ 1544)، وفي الكبرى (2/ 371/ 1945)، وابن حبان (7/ 123/ 2872)، وأحمد (2/ 522)، والبزار (16/ 258/ 9441)، وابن جرير الطبري في تفسيره (7/ 420).
قال الترمذي في العلل (167) نقلًا عن البخاري قوله: "وحديث عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة: حسن".
وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، غريب من حديث عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة".
وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة إلا سعيد بن عبيد، ولا عن سعيد إلا عبد الصمد".
قلت: هو إسناد لا بأس به، رجاله ثقات؛ عدا سعيد بن عبيد الهنائي البصري، قال أبو حاتم:"شيخ"، وقال ابن معين:"ثقة"، وقال أبو بكر البزار:"ليس به بأس"، وقال الدارقطني:"صالح"، وذكره ابن حبان في الثقات [سؤالات ابن طهمان الدقاق (181)، الجرح والتعديل (4/ 47)، الثقات (6/ 352)، تاريخ أسماء الثقات (431 و 449)، سؤالات البرقاني (186)، الفتح لابن حجر (12/ 232)، التهذيب (2/ 33)].
فهو حديث حسن، والله أعلم.
* وأما حديث يزيد بن صهيب الفقير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
فيرويه عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي [وعنه: يزيد بن زريع، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن المبارك، وجعفر بن عون، وأبو قطن عمرو بن الهيثم، وأبو داود الطيالسي، وبقية بن الوليد]، والحكم بن عتيبة [وعنه: شعبة]، ومسعر بن كدام، وأبو إسحاق الشيباني سليمان بن أبي سليمان:
قال المسعودي: أنبأني يزيد الفقير، أنه سمع جابر بن عبد الله، [في رواية عمرو بن الهيثم: سألت جابر بن عبد الله عن الركعتين في السفر؛ أقصرهما؟ فقال: الركعتان في السفر تمام، إنما القصر واحدة واحدة عند القتال] [وفي رواية يزيد بن زريع وابن المبارك: يُسأل عن الصلاة في السفر؛ أقصرهما؟ قال: لا، إن الركعتين في السفر ليستا بقصر، وإنما القصر واحدة عند القتال، ثم] قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأقيمت الصلاة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقامت خلفه طائفةٌ، وطائفةٌ مواجهة العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، وسجد بهم سجدتين، ثم إنهم انطلقوا فقاموا مقام أولئك الذين كانوا في وجه العدو، وجاءت تلك الطائفة فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعةً، وسجد بهم سجدتين، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم، فسلم الذين خلفه، وسلم أولئك.
وفي رواية شعبة عن الحكم: فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان، ولهم ركعة واحدة.
وفي رواية أبي إسحاق: فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان، ولكل صف منهم ركعة ركعة.
ورواه مختصرًا: وكيع، قال: حدثنا المسعودي، ومسعر، عن يزيد الفقير، عن
جابر بن عبد الله، قال: صلاة الخوف ركعة ركعة [بن أبي شيبة (2/ 215/ 8281)].
وكذا رواه بقية عن المسعودي به [ابن جرير (4/ 392) (381)].
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 174/ 1545) و (3/ 1546/175)، وفي الكبرى (2/ 371/ 1946) و (2/ 372/ 1947)، وفي الرابع من الإغراب (123)، وأبو عوانة (2/ 88/ 2421)، وابن خزيمة (2/ 1347/295 و 1348) و (2/ 304/ 1364)، وابن حبان (7/ 120/ 2869)، وأحمد (3/ 298)، وابن المبارك في الجهاد (252)، والطيالسي (3/ 336/ 1898)، وابن أبي شيبة (2/ 214/ 8276) و (2/ 215/ 8281)، وابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 392) و (7/ 416 - 417 و 419 - 420)، وفي تهذيب الآثار (1/ 239/ 381 - مسند عمر)، وأبو العباس السراج في مسنده (1567)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2368)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 333/ 2233) و (5/ 28/ 2341) و (5/ 29 /2343)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 310)، وفي أحكام القرآن (383)، وابن أبي حاتم في التفسير (4/ 1053/ 5898)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 695/ 1406)، وأبو علي الرفاء في فوائده (165)، وأبو بكر الإسماعيلي في المعجم (2/ 560)، وابن حزم في المحلى (4/ 271)، والبيهقي (3/ 263)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (65/ 254).
وهذا الحديث من صحيح حديث المسعودي؛ فإن المسعودي كان قد اختلط، وممن سمع منه قبل الاختلاط ممن روى عنه هذا الحديث: يزيد بن زريع، ووكيع بن الجراح، وجعفر بن عون، وأبو قطن عمرو بن الهيثم، وابن المبارك يقرب منهم، فإنه قديم الوفاة، وهو أكبر ممن سمع من المسعودي بعد الاختلاط [انظر: الكواكب النيرات (35)، شرح علل الترمذي (2/ 747)، التقييد والإيضاح (430)].
وهكذا رواه عن شعبة: حجاج بن محمد المصيصي، ومحمد بن جعفر غندر، ومحمد بن بكر البرساني، وابن أبي عدي، وروح بن عبادة.
ولم أجد أحدًا منهم ذكر قضاء ركعة أخرى، خلافًا لما نقل أبو داود بقوله:"وقد قال بعضهم عن شعبة في حديث يزيد الفقير: إنهم قضوا ركعة أخرى"؛ بل هو مخالف لكلام جابر في أول الحديث عند إجابته للسائل.
وترجم ابن المنذر لحديث شعبة هذا بقوله: "ذكر الخبر الموافق للأخبار التي ذكرناها الدال على أن الفريقين لم يقضيا".
وانظر تأويل الطحاوي والبيهقي للحديث، حيث تأولاه بأنهم قضوا ركعة أخرى، قال البيهقي:"ويكون في حكم شيء أثبته بعض الرواة دون بعض، فيؤخذ بقول المثبت، والأصل وجوب العدد حتى يثبت جواز النقصان عنه بما لا يحتمل التأويل، والله أعلم".
قلت: وهذا الحديث بهذه الزيادة الثابتة التي في أوله لا يحتمل التأويل؛ وذلك لأن الصحابي نفسه راوي الحديث هو ممن شهد صلاة الخوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنه يترجم للحديث بين يديه، فيقول: إنما القصر واحدة عند القتال، وليس ركعتين كصلاة المسافر،
فيبدأ بتقرير حكم المسألة بكلام قاطع لا يحتمل التأويل، ثم يحتج بالحديث على ذلك بما لا يدع مجالًا للشك: أن كل طائفة صلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة واحدة فقط، واجتزأت بها، ولم تقض ركعة أخرى بعد سلام النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن خزيمة: "قول جابر: إن الركعتين في السفر ليستا بقصر، أراد ليستا بقصر عن صلاة المسافر".
وحديث جابر هذا: حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وقد صححه أبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان، واحتج به النسائي وغيره.
* وأما حديث أبي موسى، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
فقد رواه عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث؛ أن بكر بن سوادة حدثه، عن زياد بن نافع، حدثه عن أبي موسى؛ أن جابر بن عبد الله حدثهم؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف يوم محارب وثعلبة، لكل طائفة ركعة وسجدتين.
أخرجه سعيد بن منصور (2/ 239/ 2505)، وابن جرير الطبري في تفسيره (7/ 420)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2384/ 5842)، وعلقه البخاري في الصحيح (4126)، بصيغة الجزم، قال: وقال بكر بن سوادة: حدثني زياد به.
وهذا إسناد مصري متصل، رجاله ثقات مشهورون؛ عدا زياد بن نافع: لم يرو عنه سوى بكر بن سوادة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي:"مصرى تابعي ثقة"، وذكره ابن خلفون في الثقات [التاريخ الكبير (3/ 376)، معرفة الثقات (515)، الجرح والتعديل (3/ 547)، الثقات (6/ 330)، الإكمال لابن ماكولا (1/ 121)، الأنساب (1/ 225)، إكمال مغلطاي (5/ 124)، اللسان (3/ 563)، التهذيب (1/ 655)].
وأما أبو موسى راويه عن جابر: فقد وقع في رواية أبي نعيم في المعرفة من طريق حرملة بن يحيى عن ابن وهب، قال: عن أبي موسى الغافقي [وهو صحابي مشهور بكنيته، قيل: اسمه مالك بن عبادة. التاريخ الكبير (7/ 301)، كنى البخاري (91)، الجرح والتعديل (8/ 212)، الإصابة (4/ 223) و (5/ 729) و (7/ 392)]، وذهب أبو مسعود الدمشقي في الأطراف [الجمع للحميدي (2/ 310)، تهذيب الكمال (9/ 522) و (20/ 430)]، والحميدي في الجمع (2/ 310)، وابن الأثير في جامع الأصول (5/ 734) إلى أن أبا موسى المذكور هنا هو: عُلَي بن رباح، وهو: تابعي مصري ثقة، ومال إلى هذا أيضًا: المزي وابن حجر [وانظر أيضًا: التحفة (2/ 400)، الفتح لابن رجب (6/ 37)، التوضيح (21/ 258)، التهذيب (3/ 161) و (4/ 596)].
وقال أبو داود: "رجل من التابعين ليس بالأشعري".
قال ابن حجر في الفتح (7/ 420): "وأما أبو موسى فيقال: إنه عُلَي بن رباح، وهو تابعي معروف أخرج له مسلم، ويقال: هو الغافقي، واسمه مالك بن عبادة، وهو صحابي معروف أيضًا، ويقال: إنه مصري لا يعرف اسمه، وليس له في البخاري أيضًا إلا هذا
الموضع"، وقال في هدي الساري (245): "يقال: هو علي بن رباح، وقيل: هو أبو موسى الغافقي، ولا يثبت".
• ولم ينفرد به عمرو بن الحارث عن بكر بن سوادة، فقد تابعه عليه ابن لهيعة:
فقد روى أبو الحسن الخلعي في الحادي عشر من الخلعيات (4)(392 - الخلعيات). ومن طريقه ابن حجر في التغليق (4/ 117).
بإسناد رجاله ثقات، عدا شيخ الخلعي: أبي عبد الله شعيب بن عبد الله بن أحمد بن المنهال [روى عنه جماعة من المصنفين، ترجم له أبو إسحاق الحبال في وفيات المصريين (301)، وقال: "يتكلم في مذهبه"، قال الذهبي: "كأنه يريد الرفض"، وقال الذهبي: "وكان أسند من بقي بديار مصر". تاريخ الإسلام (29/ 403)، السير (17/ 513)، اللسان (4/ 251)]؛ إلى عمرو بن خالد [الحراني: ثقة]، قال: حدثنا ابن لهيعة [ضعيف]، عن بكر بن سوادة، عن زياد بن نافع، عن أبي موسى أن جابر بن عبد الله حدثهم؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف يوم محارب وثعلبة، لكل طائفة ركعة وسجدتين.
قلت: وهذه متابعة صالحة، وحديث أبي موسى عن جابر جيد في المتابعات.
* وروي ذلك أيضًا عن كعب، رجل من الصحابة:
رواه عبد الله بن وهب [وهو محفوظ عنه بالوجهين، خلافًا لما قاله أبو نعيم في المعرفة]، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، قال: ثني بكر بن سوادة؛ أن زياد بن نافع حدثه، عن كعب - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قطعت يده يوم اليمامة -: أن صلاة الخوف لكل طائفة ركعة وسجدتان.
أخرجه سعيد بن منصور (2/ 239 - 240/ 2507)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 239/ 382 - مسند عمر)، وفي تفسيره (7/ 417)، والمحاملي في الأمالي (255)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2384/ 5841).
قال ابن حجر في الإصابة (5/ 614): "أظن في إسناده انقطاعًا"، يعني: بين زياد بن نافع وكعب.
قلت: هذا موقوف بإسناد مصري متصل لا بأس به، زياد بن نافع: سمع كعبًا، وكعب الأقطع: له صحبة، قاله البخاري وغيره [التاريخ الكبير (3/ 376) و (7/ 222)، الجرح والتعديل (7/ 161)، الاستيعاب (3/ 1326)، الإصابة (5/ 614)].
وله حكم الرفع؛ إذ مثله لا يقال من قبل الرأي والاجتهاد.
* وأما حديث سماك الحنفي، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
رواه شعبة [وعنه: غندر محمد بن جعفر]، ومسعر بن كدام [وعنه: يحيى بن سعيد القطان، ووكيع بن الجراح، وأبو نعيم الفضل بن دكين]:
عن سماك الحنفي، قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر؟ فقال: ركعتانِ تمامٌ غيرُ قصر، إنما القصر صلاة المخافة، فقلت: وما صلاة المخافة؟ قال: يصلي الإمام بطائفة
ركعة، ثم يجيء هؤلاء إلى مكان هؤلاء، ويجيء هؤلاء إلى مكان هؤلاء، فيصلي بهم ركعة، فتكون للإمام ركعتين، ولكل طائفة ركعة ركعة. لفظ شعبة.
ولفظ مسعر: عن النبي صلى الله عليه وسلم ر أنه صلى بهؤلاء ركعة، وبهؤلاء ركعة، في صلاة الخوف.
وفي رواية له: إنها ليست بقصرٍ، ولكنها تمامٌ؛ سنة الركعتين في السفر. موقوفًا.
وفي أخرى: الركعتان في السفر تمام غير قصر.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 204/ 8167)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 238/ 380 - مسند عمر)، وفي التفسير (7/ 416)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 333 / 2234)، والطبراني في الكبير (13/ 284/ 14049) و (13/ 285/ 14054)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 242)، والبيهقي (3/ 263)(6/ 491/ 6119 - ط. هجر).
وحديث شعبة موقوف بإسناد صحيح، له حكم الرفع؛ إذ لا مجال للرأي فيه، وسماك هو: ابن الوليد الحنفي، أبو زُميل: ثقة، ويؤيده حديث مسعر فهو صريح في الرفع.
قال أبو نعيم بعد حديث مسعر المرفوع: "غريب، تفرد به ابن أبي بكر [يعني: المقدمي، عن يحيى عن مسعر"، قلت: لا يضره تفرده؛ فالمقدمي: ثقة، مكثر عن القطان، وروايته عنه في صحيح مسلم، وتابعه عن مسعر: وكيع وأبو نعيم بالموقوف.
• ورواه روح بن عبادة عن شعبة به في صلاة الخوف مرفوعًا.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 295/ 1349).
قلت: هو حديث صحيح، وهو حجة على المخالفين في إثبات القول بالركعة الواحدة، لاسيما مع قول ابن عمر لما سئل عن صلاة السفر: ركعتانِ تمامٌ غيرُ قصر، إنما القصر صلاة المخافة؛ فدل بما لا يدع مجالًا للشك، أن صلاة المخافة ركعة واحدة، ولا قضاء بعدها، والله أعلم.
* وانظر أيضًا: ما أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 273/ 13092)[وفي إسناده: رشدين بن سعد، وهو: ضعيف، وشيخه: محمد بن سهم، وهو: مجهول. التاريخ الكبير (1/ 111)، الجرح والتعديل (7/ 279)، الثقات (7/ 425)، المؤتلف للدارقطني (3/ 1230)، الثقات لابن قطلوبغا (8/ 330)].
* وروي عن ابن عمر من وجه آخر، ولا يصح:
فقد روى محمد بن الحارث: حدثني محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة المسايفة ركعة، على أي وجه كان الرجل يجزئ عنه، فإذا - أحسبه قال: - فعل ذلك لم يُعِد".
أخرجه البزار (12/ 31/ 5406).
قال البزار بعد أن ساق عشرة أحاديث بهذا الإسناد: "وأحاديث محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن عمر كثيرة، وهي كثيرة المناكير، وإنما أخرجنا منها ما يحسن إخراجه؛ لأن محمدًا: ضعيف الحديث عند أهل العلم".
ثم ساق حديثًا آخر ثم قال: "محمد بن الحارث: روى عنه عفان، وهو رجل مشهور ليس به بأس، وإنما يأتي نكرة هذه الأحاديث من محمد بن عبد الرحمن".
وقال ابن حجر في البلوغ (484): "رواه البزار بإسناد ضعيف".
قلت: هذا حديث منكر، محمد وأبوه: ضعيفان، لكن أبوه أمثل منه، فإن محمدًا هذا: منكر الحديث، قال ابن حبان:"روى عن أبيه نسخة موضوعة"، ورواية أبيه عن ابن عمر: مرسلة، قال صالح جزرة:"حديثه منكر، ولا يعرف أنه سمع من أحد من الصحابة إلا من سُرَّق"، وقال الأزدي:"منكر الحديث، يروي عن ابن عمر بواطيل"[التقريب (572 و 869)، التهذيب (2/ 494) و (3/ 623)، المغني (1/ 596) و (2/ 334)، الميزان (2/ 551) و (3/ 617)].
ومحمد بن الحارث بن زياد بن الربيع الحارثي البصري: ضعيف، قال عمرو بن علي الفلاس:"روى أحاديث منكرة، وهو متروك الحديث"، وضعفه جماعة، ومشاه آخرون، وقالوا بأن البلية في أحاديثه من قِبَل ابن البيلماني [التهذيب (3/ 535)].
• وأما حديث زيد بن ثابت:
فقد رواه يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وبشر بن السري، ووكيع بن الجراح، وقبيصة بن عقبة، وعبد الرزاق بن همام، ومؤمل بن إسماعيل:
عن سفيان [الثوري]، عن الرُّكَين بن الربيع [وفي رواية: حدثني الرُّكَين بن الربيع]، عن القاسم بن حسان، قال: أتيت زيد بن ثابت، فسألته عن صلاة الخوف، فقال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفٌّ خلفه، وصفٌّ بإزاء العدو، فصلى بهم ركعةً، ثم ذهبوا إلى مصافِّ إخوانهم، وجاء الآخرون فصلى بهم ركعةً، ثم سلم، فكان للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان، ولكل طانفة ركعةٌ.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 168/ 1531)، وفي الكبرى (2/ 365/ 1932)، وابن خزيمة (2/ 294/ 1345)، وابن حبان (7/ 121/ 2870)، وأحمد (5/ 183)، وعبد الرزاق (2/ 510/ 4250)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 213/ 8272) و (7/ 422/ 37004)، وفي المسند (137)، وابن جرير الطبري في تفسيره (7/ 418)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 27/ 2339)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 310)، وفي أحكام القرآن (377 و 378)، والطبراني في الكبير (5/ 153/ 4919)، والبيهقي في السنن (3/ 262)، وفي المعرفة (3/ 12/ 1839 م).
* تابع الثوري عليه:
أ - قيس بن الربيع [ليس بالقوي]، عن الركين بن الربيع، عن القاسم بن حسان، قال: أرسلني وديعة الأنصاري إلى زيد بن ثابت أسأله عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخوف، فأتيته فسألته، فحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه، ففرقهم فرقة تلقاء وجوه عدوهم، وفرقة تلقاءه، فصلى بالذين يلونه ركعة ثم انطلقوا إلى مصاف إخوانهم، ثم جاء
الآخرون فصلى بهم ركعة، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان، وللقوم ركعة ركعة.
أخرجه الطيالسي (1/ 502/ 613).
ب - شريك بن عبد الله النخعي، عن الركين، عن القاسم بن حسان، قال: سألت زيد بن ثابت عن صلاة الخوف؛ فقال: لم يصلِّ بنا إلا مرة - يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم -.
وفي رواية: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف مرةً، لم يصلِّ بنا قبلها ولا بعدها.
أخرجه ابن أبي شيبة في المسند (134)، والطبراني في الكبير (5/ 153/ 4920).
وهذه رواية منكرة، تفرد بها شريك عن الركين، وشريك سيئ الحفظ، وقال ابن حزم في المحلى (5/ 41) بأنه حديث ساقط، ثم قال:"فكيف يستحل ذو دين أن يعارض بهذه السوءة أحاديث الكوافِّ من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين: إنهم شهدوا صلاة الخوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرات: مرة بذي قرد، ومرة بذات الرقاع، ومرة بنجد، ومرة بين ضجنان وعسفان، ومرة بأرض جهينة، ومرة بنخل، ومرة بعسفان، ومرة يوم محارب وثعلبة، ومرة إما بالطائف وإما بتبوك، وقد يمكن أن يصليها في يوم مرتين للظهر والعصر، وروى ذلك عن الصحابة أكابر التابعين والثقات الأثبات، ونعوذ باللّه من الخذلان".
قلت: المحفوظ: رواية الثوري وقيس بن الربيع عن الركين، وقد صحت أحاديث صلاة الخوف من طرق كثيرة، ووجوه متعددة، يُقطع معها يقينًا بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف مرات عديدة، وفي عدة غزوات متفرقة، وقد صح لنا من هيئاتها سبع هيئات، يأتي ذكرها ملخصًا في آخر أبواب صلاة الخوف.
وحديث زيد بن ثابت: حديث صحيح؛ رجاله ثقات، والقاسم بن حسان: سمع زيد بن ثابت، وقال أحمد بن صالح:"ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات [الجرح والتعديل (7/ 108)، الثقات (5/ 305)، تاريخ أسماء الثقات (1148)، التهذيب (3/ 409)].
وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان، واحتج به النسائي.
وانظر تأويل الطحاوي والبيهقي للحديث.
• وفي النهاية: فقد صح في صفة الركعة الواحدة بغير قضاء:
عن حذيفة بن اليمان، وابن عباس، وأبي هريرة، وجابر بن عبد الله، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وعن كعب رجل من الصحابة قطعت يده يوم اليمامة.
* وقد اعترض بعض الأئمة على هذه الهيئة:
قال الشافعي في الأم (2/ 452): "وعلى المأموم من عدد الصلاة ما على الإمام، لا يختلفان فيما على كل واحد منهما من عددها، وليس يثبت حديث روي في صلاة الخوف بذي قَرَد"، وقد سبق الرد عليه عند الكلام على حديث ابن عباس.
وانظر رد الطحاوي وإطالته في إبطال القول بالركعة، في شرح المعاني (1/ 309 - 320)، وكذلك اجتهد البيهقي في السنن (3/ 261 - 264) وفي المعرفة (3/ 11 - 14) في تأويل أحاديث الباب، ثم ختمه بقوله في السنن: "وذهب أحمد بن حنبل رحمه الله وجماعة من
أصحاب الحديث إلى أن كل حديث ورد في أبواب صلاة الخوف فالجمل به جائز، وبالله التوفيق".
• وقد احتج بعضهم بآية صلاة الخوف في القرآن على إبطال كل هيئة تخالف نص الآية؛ إلا بتأويل، مثلما فعل الطحاوي.
واحتج عليهم مخالفوهم بالآية أيضًا:
قال ابن المنذر (5/ 29): "فقال بعض الناس: حديث ابن عباس أثبتته الأخبار بظاهر كتاب الله؛ لأن الله ذكر الطائفة الأولى قال: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} النساء: 102]، ولم يذكر عليها وجوب قضاء، ثم قال في الطائفة الأخرى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102]، ولم يوجب على واحدة من الطائفتين قضاءً، والله أعلم".
• وأختم بذكر أقوال بعض الأئمة ممن قال بظاهر هذه الأحاديث:
قال أحمد في رواية علي بن سعيد في صلاة الخوف: "قد روي ركعة وركعتان، ابن عباس يقول: ركعة ركعة، إلا أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان وللقوم ركعة، وما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها صحاح"[الفتح لابن رجب (6/ 27)].
وقال البخاري في القراءة خلف الإمام (115) بعدما أخرج حديث ابن عباس مرفوعًا: "وفي الخوف ركعة"، وحديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس مرفوعًا، قال:"وكذلك يروى عن حذيفة وزيد بن ثابت وغيرهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة"، ثم أخرج حديث أبي بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:"مثله"، يعني: مثل حديث الزهري.
وقد ساق هذه الأحاديث للاحتجاج بها على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، حيث قال قبل ذلك:"ومما يدل عليه قول ابن عباس: فرض الله على لسان نبيكم صلاة الخوف ركعة، وقال ابن عباس: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الخوف بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة، فالذي يدرك الركوع والسجود من صلاة الخوف وهي ركعة لم يقم قائمًا في صلاته أجمع ولم يدرك شيئًا من القراءة".
وقال أبو داود: "باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة، ولا يقضون".
وقال الترمذي في الجامع (567): "وروي عن غير واحد؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين ركعةً ركعةً، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان، ولهم ركعةٌ ركعةٌ".
وقال ابن خزيمة: "باب صلاة الإمام في شدة الخوف بكل طائفة من المأمومين ركعة واحدة، لتكون للإمام ركعتان ولكل طائفة ركعة، وترك الطائفتين قضاء الركعة الثانية، وفي هذا ما دل على جواز فريضة للمأموم خلف الإمام المصلي نافلة".
وقال ابن حبان: "ذكر وصف صلاة المرء في الخوف إذا أراد أن يصليها جماعة ركعة واحدة"، ثم أسند حديث يزيد الفقير عن جابر، وقال أيضًا: "ذكر البيان بأن القوم الذين