المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌274 - باب الجمع بين الصلاتين - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١٣

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌271 - باب متى يقصر المسافر

- ‌272 - باب الأذان في السفر

- ‌273 - باب المسافر يصلى وهو يشكُّ في الوقت

- ‌274 - باب الجمع بين الصلاتين

- ‌275 - باب قصر قراءة الصلاة في السفر

- ‌276 - باب التطوع في السفر

- ‌277 - باب التطوع على الراحلة والوتر

- ‌278 - باب الفريضة على الراحلة من غير عذر

- ‌279 - باب متى يتم المسافر

- ‌280 - باب إذا أقام بأرض العدو يقصر

- ‌مسألة: صلاة المسافر إذا ائتم بالمقيم، وصلاة المقيم إذا ائتم بالمسافر

- ‌281 - باب صلاة الخوف

- ‌282 - باب من قال: يقوم صفٌّ مع الإمام وصفٌّ وِجاهَ العدو

- ‌283 - باب من قال: إذا صلى ركعةً وثبت قائمًا أتموا لأنفسهم ركعةً، ثم سلموا، ثم انصرفوا فكانوا وِجاه العدو، واختلف في السلام

- ‌284 - باب من قال: يكبرون جميعًا وإن كانوا مستدبري القبلة

- ‌285 - باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة، ثم يسلم فيقوم كل صف فيصلون لأنفسهم ركعة

- ‌286 - باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة، ثم يسلم فيقوم الذين خلفه فيصلون ركعة، ثم يجيء الآخرون إلى مقام هؤلاء فيصلون ركعة

- ‌(2/ 579)].***287 -باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة، ولا يقضون

- ‌288 - باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعتين

- ‌ ومما روي فيما يتعلق بصلاة الخوف:

- ‌ التبكير والتغليس بصلاة الصبح إذا أراد الإغارة والحرب:

- ‌289 - باب صلاة الطالب

- ‌ ومما روي في الصلاة على الدواب:

- ‌ الصفة الأولى:

- ‌ الصفة الثانية:

- ‌ الصفة الثالثة:

- ‌ الصفة الرابعة:

- ‌ الصفة الخامسة:

- ‌ الصفة السادسة:

- ‌ الصفة السابعة:

- ‌ وأما الصلاة حال شدة الخوف:

- ‌290 - باب تفريع أبواب التطوع وركعات السُّنَّة

- ‌291 - باب ركعتي الفجر

- ‌292 - باب في تخفيفهما

- ‌ ومن شواهده في تخفيف الركعتين:

- ‌293 - باب الاضطجاع بعدها

- ‌294 - باب إذا أدرك الإمام ولم يصلي ركعتي الفجر

الفصل: ‌274 - باب الجمع بين الصلاتين

أخرجه الدارمي (2/ 375/ 2681)، وابن خزيمة (2/ 248/ 1260) و (4/ 151/ 2568)، والحاكم (1/ 315 - 316) و (1/ 446) و (2/ 101)، وابن أبي شيبة في المسند (9/ 321/ 1966 - مطالب)، والبزار (13/ 138/ 6532)، وأبو يعلى (7/ 288/ 4315) و (7/ 289/ 4316)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 245/ 2795)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 254)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (821)(423 - المنتقى)، والطبراني في الأوسط (3/ 375/ 3441)، وابن عدي في الكامل (5/ 169)، والبيهقي في السنن (5/ 253)، وفي الدعوات (447)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1621/ 1095)، وابن عساكر في المعجم (785).

قال الدارمي: "عثمان بن سعد: ضعيف".

وقال البزار: "وأحاديث عثمان بن سعد إنما ذكرناها لأن ألفاظها تخالف الألفاظ التي تروى عن أنس".

وقال العقيلي: "وقد روي هذا بإسناد أصلح من هذا".

وقال ابن عدي: "ولعثمان بن سعد غير ما ذكرت من الحديث، وهو حسن الحديث، مع ضعفه يكتب حديثه".

وقال ابن عساكر: "هذا حديث حسن غريب".

وقال الحاكم؛ فلم يُصِب: "هذا حديث صحيح ولم يخرجاه، وعثمان بن سعد الكاتب: ممن يجمع حديثه في البصريين"، كذا قال في موضعين.

وقال في الثالث: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه".

قلت: هو حديث منكر؛ ويغلب على ظني أن عثمان بن سعد أراد حديث أنس المذكور في الباب، في التعجيل بالظهر إذا نزل منزلًا قبل أن يرتحل، ولعل العقيلي أشار إليه، فوهم عثمان، وجعله في توديع المنزل بركعتين.

وعثمان بن سعد البصري الكاتب المعلم: لينه جماعة، وضعفه آخرون، وهو إلى الضعف أقرب، فإنه يروي عن أنس ما لا يتابع عليه، وهذا منه [انظر: تاريخ الدوري (3599)، سنن الدارمي (2/ 375/ 2681)، جامع الترمذي (1683)، ضعفاء النسائي (421)، الجرح والتعديل (1/ 326) و (6/ 153)، ضعفاء العقيلي (3/ 204)، المجروحين (2/ 96)، الكامل (5/ 168)، الميزان (3/ 34)، التهذيب (3/ 61)] [وانظر في مناكيره: ما تقدم تحت الحديث رقم (1045)].

* * *

‌274 - باب الجمع بين الصلاتين

1206 -

. . . مالك، عن أبي الزبير المكي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة؛ أن معاذ بن جبل أخبرهم، أنهم خرجوا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان

ص: 29

رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فأخَّر الصلاة يومًا، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل ثم خرج، فصلى المغرب والعشاء جميعًا.

* حديث صحيح

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 206/ 383)، ومن طريقه: مسلم في صحيحه في كتاب الفضائل (706/ 10) بعد الحديث رقم (2281)، وأبو داود (1206)، والنسائي في المجتبى (1/ 285/ 587)، وفي الكبرى (2/ 221/ 1576)، والدارمي (1/ 426/ 1515)، وابن خزيمة (2/ 82/ 968) و (3/ 101/ 1704)، وابن حبان (4/ 469/ 1595) و (14/ 475/ 6537)، وأحمد (5/ 237 و 238)، والشافعي في الأم (1/ 77) و (7/ 193)، وفي المسند (29 و 387)، وعبد الرزاق (2/ 545/ 4399)، وإسماعيل القاضي في الخامس من مسند حديث مالك (50)، وجعفر الفريابي في الدلائل (25)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (3/ 96/ 520)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 426/ 1151)، والطحاوي (1/ 160)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (3/ 240/ 1340)، والطبراني في الكبير (20/ 57/ 102)، والجوهري في مسند الموطأ (243)، وأبو نعيم في الدلائل (450)، والبيهقي في السنن (3/ 162)، وفي المعرفة (2/ 445/ 1632)، وفي الدلائل (5/ 236)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 193/ 1041)، وقال:"هذا حديث صحيح"، وفي الشمائل (629)، وأبو القاسم الأصبهاني في الدلائل (211)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (2/ 37).

رواه عن مالك: عبد اللَّه بن مسلمة القعنبي (200 و 201)، وأبو مصعب الزهري (365)، ومعن بن عيسى، وعبد اللَّه بن وهب، وعبد الرحمن بن القاسم (108 - تلخيص القابسي)، والشافعي، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن يحيى الليثي (383)، وروح بن عبادة، وأبو علي عبيد اللَّه بن عبد المجيد الحنفي، ومحمد بن عيسى الطباع، وسويد بن سعيد الحدثاني (116).

ولفظه بتمامه في الموطأ: أنهم خرجوا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عام تبوك، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

قال: فأخَّر الصلاة يومًا، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا.

ثم قال: "إنكم ستأتون غدًا، إن شاء اللَّه عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمسَّ من مائها شيئًا، حتى آتي"، فجئناها، وقد سبقنا إليها رجلان، والعين [مثل الشراك] تبِضُّ بشيءٍ من ماءٍ فسألهما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"هل مسسْتُما من مائها شيئًا؟ "، فقالا: نعم، فسبَّهما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقال لهما ما شاء اللَّه أن يقول، ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلًا قليلًا، حتى اجتمع في شيء، ثم غسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيه وجهه

ص: 30

ويديه، ثم أعاده فيها، فجرت العين بماء كثير، فاستقى الناس، ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة، أن ترى ما هاهنا قد ملئ جنانًا"[وهو في مسلم بتمامه].

* تابع مالكًا عليه مقتصرًا على موضع الشاهد:

1 -

زهير بن معاوية: حدثنا أبو الزبير، عن أبي الطفيل عامر، عن معاذ، قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان يصلي الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا.

أخرجه مسلم (706/ 52)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 295/ 1589)، والبزار (7/ 85/ 2638)، والطبراني في الكبير (20/ 58/ 105).

2 -

قرة بن خالد [وعنه: خالد بن الحارث، وعبد الرحمن بن مهدي، والنضر بن شميل، ومعاذ بن معاذ، وأبو داود الطيالسي، وأبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي]: حدثنا أبو الزبير: حدثنا عامر بن واثلة أبو الطفيل: حدثنا معاذ بن جبل، قال: جمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء.

قال: فقلت: ما حمله على ذلك؟ قال: فقال: أراد أن لا يحرج أمته.

وفي رواية ابن مهدي والنضر وأبي عامر: خرج رسول اللَّه في سفرة سافرها، وذلك في غزوة تبوك،. . . وذكر الحديث.

أخرجه مسلم (706/ 53)(2/ 443/ 701 - ط التأصيل)(144 - ط البشائر)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 295/ 1588)، وابن خزيمة (2/ 81/ 966)، وابن حبان (4/ 462/ 1591)، وأحمد (5/ 229)، والطيالسي (1/ 463/ 570)، والبزار (7/ 85/ 2637)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2235)، والطحاوي (1/ 160)، وأبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي في الأول من أماليه (80)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (3/ 238/ 1338)، والطبراني في الكبير (20/ 59/ 108)، وأبو الشيخ في أحاديث أبي الزبير عن غير جابر (44)، والخطيب في أخلاق الراوي (2/ 158/ 1479).

3 -

سفيان الثوري [وعنه: وكيع بن الجراح، وأبو أحمد الزبيري، وعبد الرزاق بن همام، وأبو اسحاق الفزاري، والحسين بن حفص الأصبهاني، وغيرهم]، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، في غزوة تبوك في السفر.

أخرجه ابن ماجه (1070)، وأحمد (5/ 230 و 236)، وعبد الرزاق (2/ 545/ 4398)، وابن أبي شيبة (2/ 209/ 8229) و (7/ 283/ 36109)، والطبراني في الكبير (20/ 57/ 101)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 88)، والبيهقي (3/ 162)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 340 و 341)، والخطيب في الموضح (2/ 439).

ص: 31

• خالفهم فوهم في إسناده: عثمان بن عمر بن فارس [ثقة]، رواه عن سفيان الثوري، عن عمرو بن دينار، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل.

أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/ 89)، والبيهقي (1/ 387) و (3/ 162).

قال البيهقي في الموضع الأول: "مخرج في الصحيح من حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل، وهو من حديث عمرو بن دينار غريب، تفرد به: عثمان بن عمر".

وقال في الموضع الثاني: "تفرد به عثمان بن عمر هكذا، ورواه غيره عن الثوري عن أبي الزبير عن أبي الطفيل".

وقال الدارقطني في العلل (6/ 40/ 965): "تفرد به: عثمان بن عمر في روايته عن الثوري، عن عمرو بن دينار، عن أبي الطفيل، عن معاذ.

وقال قائل: عن عثمان بن عمر، عن شعبة، عن عمرو بن دينار، عن أبي الطفيل، ووهم فيه.

وخالفه أصحاب الثوري: منهم وكيع، وابن مهدي، وعبد الرزاق، وعبيد اللَّه بن موسى، فرووه عن الثوري، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ، وهو الصحيح".

• وانظر أيضًا فيمن وهم فيه على الثوري: علل الدارقطني (13/ 377/ 3265).

4 -

عمرو بن الحارث [ثقة حافظ، وعنه: بكر بن مضر، وهو: ثقة ثبت، من أصحاب عمرو]، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل حدثه؛ أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر، والغرب والعشاء، حتى رجعنا.

أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 58/ 104)، وفي الأوسط (6/ 267/ 6378).

وانظر فيمن وهم فيه على عمرو بن الحارث: علل الدارقطني (13/ 376/ 3265).

5 و 6 - زيد بن أبي أنيسة، وإبراهيم بن طهمان [وهما ثقتان]:

عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل، قال: جمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، في غزوة تبوك.

وفي رواية لابن أبي أنيسة [بإسناد صحيح غريب]: غزونا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلم يزل يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة سفرنا كله.

أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 59/ 107)، وأبو الشيخ في أحاديث أبي الزبير عن غير جابر (45)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 340).

7 و 8 - أشعث بن سوار [ضعيف]، وعبد اللَّه بن لهيعة [ضعيف]:

عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل، قال: غزا النبي صلى الله عليه وسلم تبوكًا في حر شديد، فجمع بين الظهر والعصر، والمفرب والعشاء. لفظ أشعث، ولفظ ابن لهيعة بمثل لفظ ابن أبي أنيسة.

أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 58/ 106)، وأبو الشيخ في أحاديث أبي الزبير عن غير جابر (42 و 47).

ص: 32

* وقد روي حديث مالك مطولًا من وجه آخر، وخالفه في صفة الجمع:

رواه محمد بن غالب: نا غصن بن إسماعيل، عن ابن ثوبان، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل، قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فجعل يجمع بين الظهر والعصر، يصلي الظهر في آخر وقتها، ويصلي العصر في أول وقتها، ثم يسير، ويصلي المغرب في آخر وقتها ما لم يغب الشفق، ويصلي العشاء في أول وقتها حين يغيب الشفق، ثم قال حين دنا:"إنا نازلون غدًا إن شاء اللَّه تبوك، فلا يسبقنا أحدٌ إلى الماء"، قال معاذ: فكنت أول من سبق إلى الماء، فإذا رجلين قد سبقا إلى الماء، فاستقيا في قربتين معهما وكدرا الماء، فقلت: أبَعْد نهي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سبقتما واستقيتما، وجاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال:"ألم أنهكم أن لا يسبقنا إلى الماء أحد؟ "، فدعا بالقربتين، فصُبَّتا في الماء، فتوضأ وتمضمض في الماء، ودعا اللَّه، ففاض الماء، فقال:"كأنك يا معاذ إن طالت بك حياة ترى ما ها هنا قد مُلئ جنانًا".

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 11/ 4532) و (7/ 76/ 6901)، وفي مسند الشاميين (1/ 75/ 94).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن ابن ثوبان إلا غصن بن إسماعيل، تفرد به: محمد بن غالب".

قلت: هو حديث منكر بهذا السياق، إذ لم يثبت في حديثٍ مرفوع أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع جمعًا صوريًا، وإنما المعروف في حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمَع جمْع تأخير، كما تقدم في حديث مالك، وغصن بن إسماعيل: لا يُعرف إلا بالرواية عن ابن ثوبان، وهو: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وعنه: محمد بن غالب، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"ربما خالف"[تاريخ الرقة (154)، الثقات (9/ 4)، المؤتلف للدارقطني (4/ 1773)، اللسان (7/ 306)]، فمثل هذا هو في عداد المجاهيل، وإذا كان يخالف مع قلة روايته، فكيف يحتمل منه التفرد عن المشاهير! بما يخالف رواية الأثبات! وقد تفرد به عنه: محمد بن غالب الأنطاكي؛ وليس بذاك المشهور [الجرح والتعديل (8/ 55)، الثقات (9/ 139)].

* خالفهم فوهم في متنه:

هشام بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل؛ أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل، جمع بين الظهر والعصر، وإن يرتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّر الظهر حتى ينزل للعصر، وفي المغرب مثل ذلك، إن غابت الشمس قبل أن يرتحل، جمع بين المغرب والعشاء، وإن يرتحل قبل أن تغيب الشمس، أخَّر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما.

أخرجه أبو داود (1208)، قال: حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد اللَّه بن موهب الرملي الهمداني [ثقة]: حدثنا المفضل بن فضالة، والليث بن سعد، عن هشام به.

ص: 33

قال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 34) بعد حديث ابن موهب: "قال أبو داود: حديث المفضل عن الليث: حديث منكر".

وقال المنذري في مختصر السنن (1/ 345): "وقد حكي عن أبي داود أنه أنكره"، ثم قال بعد كلام طويل:"وقد حكي عن أبي داود أنه قال: ليس في تقديم الوقت حديث قائم".

• رواه من طريق أبي داود: الدارقطني (1/ 392)(2/ 241/ 1462 - ط الرسالة)، والبيهقي في السنن (3/ 162)(6/ 201/ 5596 - ط التركي)(3/ 1095/ 4920 - تهذيبه)، وفي المعرفة (2/ 445/ 1633)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 341) و (12/ 204)، وفي الاستذكار (2/ 204).

وقع في إسناده عندهم: المفضل بن فضالة، عن الليث بن سعد، هكذا برواية أحدهما عن الآخر، بينما في السنن لأبي داود هما مقرونان، كلاهما يرويه عن هشام بن سعد [انظر: التحفة (8/ 87/ 11320)].

* تابع أبا داود [في سننه] على روايته بالعطف:

جعفر بن محمد الفريابي [ثقة حافظ]، قال: حدثنا يزيد بن موهب: حدثنا المفضل بن فضالة، والليث بن سعد، عن هشام بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل؛ أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل، جمع بين الظهر والعصر،. . . الحديث.

أخرجه أبو الشيخ في أحاديث أبي الزبير عن غير جابر (43)(14/ أ - ب. مخطوط الظاهرية)، قال: حدثنا الفريابي به.

قلت: وهذا هو الأثبه بالصواب؛ أنهما مقرونان، ويؤكد ذلك:

• ما رواه جعفر بن محمد القلانسي [هو: جعفر بن محمد بن حماد القلانسي الرملي: ذكره ابن حبان في الثقات (8/ 163)، وقال الذهبي في السير (14/ 108): "صدوق عابد، كبير القدر"، وانظر: تاريخ الإسلام (20/ 328)]: ثنا يزيد بن موهب: ثنا الليث، عن هشام بن سعد، بهذا نحوه، ولم يذكر فيه: المفضل بن فضالة.

أخرجه الدارقطني (1/ 392).

• فإن قيل: خولف أبو الشيخ في روايته عن جعفر الفريابي:

فرواه مخلد بن جعفر: ثنا جعفر الفريابي: ثنا قتيبة ويزيد بن موهب الرملي، قالا: ثنا المفضل بن فضالة، عن الليث، عن هشام بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل؛ أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك،. . . الحديث.

أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 322)، قال: حدثنا مخلد به.

فيقال: هذه رواية منكرة، ولا يُعرف عن قتيبة بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه، وإنما رواه جماعة من الأئمة الحفاظ، عن قتيبة، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل، ويأتي ذكره بعد قليل.

ص: 34

وصح عن قتيبة أيضًا، عن المفضَّل بن فضالة، عن عُقَيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع ببنهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر، ثم ركب صلى الله عليه وسلم.

وهو حديث متفق عليه، سيأتي تخريجه برقم (1218).

والمحفوظ عن الفريابي ما رواه عنه: أبو الشيخ عبد اللَّه بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري الأصبهاني أبو محمد: قال أبو بكر الخطيب: "كان ابن حيان حافظًا ثبتًا ضابطًا متقنًا"، وقد وثقه جماعة، وهو أحد الأئمة الثقات الأعلام صاحب التصانيف [ذكر أخبار أصبهان (2/ 90)، تذكرة الحفاظ (3/ 945)، السير (16/ 276)، الأنساب (4/ 285)، تاريخ بغداد (12/ 223)]، وأما مخلد بن جعفر الباقَرْحي شيخ أبي نعيم الأصبهاني؛ فقد تكلموا فيه، وأوسط ما قيل في وصف حاله أنه: ثقة صحيح السماع، غير أنه لم يكن يعرف شيئًا من الحديث أراجع ترجمته في: تاريخ بغداد (13/ 176)، السير (16/ 254)، اللسان (8/ 14)].

* واختلف فيه على هشام بن سعد:

أ - فرواه المفضل بن فضالة [ثقة]، والليث بن سعد [ثقة ثبت، إمام فقيه]، عن هشام به هكذا، وقد تفرد به عن المفضل والليث: يزيد بن موهب.

ب - ورواه حماد بن خالد [الخياط: ثقة]، وأبو نعيم الفضل بن دكين [ثقة ثبت]، وجعفر بن عون [ثقة]، والليث بن سعد [وعنه: عبد اللَّه بن صالح]:

حدثنا هشام بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل، قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان لا يروح حتى يُبرد، وبجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

أخرجه أحمد (5/ 233)، وعبد بن حميد (122)، والبزار (7/ 86/ 2639)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 420/ 1143)، وابن أبي حاتم في العلل (2/ 104/ 245)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (3/ 239/ 1339)، والطبراني في الكبير (20/ 58/ 103)، وأبو القاسم الحرفي في جزء من فوائده بانتقاء أبي القاسم الطبري (31).

وبهذا يكون المثفرد بهدا اللفظ المطول المفصل في جمع التقديم من حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ؛ إنما هو: يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد اللَّه بن موهب الرملي الهمداني، وهو: ليس بذاك الحافظ الذي تقبل زيادته، أو تفرده بهذا عن المفضل والليث، وقد قال فيه بقي بن مخلد:"كان ثقة جدًا"، وقال ابن قانع:"صالح"، وروى عنه أبو زرعة وأبو داود، وذكره ابن حبان في الثقات، وله أوهام [التهذيب (4/ 410)] [انظر في أوهامه مثلًا: ما تحت الحديث رقم (223)، فضل الرحيم الودود (3/ 89/ 223)].

والأقرب عندي أن يكلون دخل له حديث في حديث، فإن ابن موهب هذا يروي حديث

ص: 35

المفضل بن فضالة، عن عُقَيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر، ثم ركب صلى الله عليه وسلم.

وهو حديث متفق عليه، سيأتي تخريجه برقم (1218).

والمحفوظ عن هشام بن سعد هو ما رواه عنه جماعة الثقات، ولفظهم قريب من لفظ مالك عن أبي الزبير، في جمع التأخير، كذلك فقد اختلف على الليث بن سعد، ورواية كاتبه عبد اللَّه بن صالح [وهو أخص بالليث من ابن موهب]، هي الموافقة لرواية الجماعة عن هشام بن سعد، فهي أولى بأن تكون محفوظة عن الليث، دون رواية ابن موهب، لكن يبقى أن هشام بن سعد أيضًا هو المتفرد بلفظ الإبراد، والذي قد يحتج به البعض على الجمع الصوري، والحديث قد رواه عن أبي الزبير جماعة من الثقات الحفاظ، فلم يذكروا فيه الإبراد، ولا جمع التقديم، مثل: مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وزهير بن معاوية، وقرة بن خالد، وعمرو بن الحارث، وزيد بن أبي أنيسة، وإبراهيم بن طهمان.

وهشام بن سعد: ثبت في زيد بن أسلم، وليس بذاك القوي في غيره، إنما يُقبل حديثه أو يُردُّ بالقرائن الدالة على حفظه للحديث، أو عدم ضبطه له، وقد ضعفه النسائي وابن معين، وليناه في رواية، ووافقهما على تليينه جماعة [انظر: التهذيب (4/ 270) وغيره] [وقد سبق الكلام على هشام بن سعد مرارًا، ومتى يقبل حديثه، ومتى يردُّ، وانظر مثلًا: ما تقدم برقم (117 و 410 و 424 و 905 و 927 و 941)].

° والحاصل: فإن حديث هشام بن سعد بكلا اللفظين عنه: حديث خطأ، وإن كان رواية الجماعة عنه [وهي المحفوظة أقرب إلى لفظ مالك عن أبي الزبير دون لفظة الابراد، وأما حديث ابن موهب المطول في جمع التقديم: فهو حديث منكر، واللَّه أعلم.

قال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 34) بعد حديث ابن موهب: "قال أبو داود: حديث المفضل عن الليث: حديث منكر".

وقال المنذري في مختصر السنن (1/ 345) بعد حديث ابن موهب: "وقد حكي عن أبي داود أنه أنكره"، ثم قال بعد كلام طويل:"وقد حكي عن أبي داود أنه قال: ليس في تقديم الوقت حديث قائم".

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 583): "وهشام مختلف فيه، وقد خالفه الحفاظ من أصحاب أبي الزبير، كمالك والثوري وقرة بن خالد وغيرهم، فلم يذكروا في روايتهم جمع التقديم".

* وانظر فيمن وهم فيه أيضًا على أبي الزبير، أو على الثوري: ما أخرجه ابن أبي حاتم في العلل (6/ 516/ 2715)، وابن الأعرابي في المعجم (193)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 523)، والدارقطني في الأفراد (2/ 133/ 4363 - أطرافه)، وفي العلل (6/ 43/ 965)، وما ذكره الدارقطني في العلل (6/ 41/ 965).

ص: 36

* ورواه قتيبة بن سعيد: أخبرنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن معاذ بن جبل؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّر الظهرَ حتى يجمعها إلى العصر، فيصليهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا، ثم صار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخَّر المغربَ حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجَّل العشاء فصلاها مع المغرب.

أخرجه أبو داود (1220)، والترمذي (553 و 554)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(3/ 97/ 521)، وابن حبان (4/ 313/ 1458) و (4/ 465/ 1593)، وأحمد (5/ 241)، والطبراني في الأوسط (5/ 12/ 4533)، وفي الصغير (656)، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي في الأول من فوائده "المزكيات" بانتقاء الدارقطني (4)، والدارقطني في السنن (1/ 392 و 393)، والحاكم في المعرفة (119 و 120)، والبيهقي (3/ 163)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 342) و (12/ 205)، والخطيب في تاريخ بغداد (12/ 465 و 466)، وفي أخلاق الراوي (2/ 158/ 1480)[وفي إسناده وهم]. وابن عساكر في تاريخ دمشق (8/ 293) و (50/ 342)، وأبو موسى المديني في اللطائف (147 - 150).

رواه عن قتيبة جماعة من الأئمة الثقات الحفاظ، منهم: أحمد بن حنبل، وأبو داود، وأبو عيسى الترمذي، وأبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي، والحسن بن سفيان النسوي، وموسى بن هارون الحمال، وأبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي السراج، ومحمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس، وعبد اللَّه بن محمد بن علي البلخي، وعبدان بن محمد بن عيسى المروزي، وكلهم أئمة حفاظ، وتابعهم غيرهم.

• تنبيه: الحديث الثاني للترمذي الذي رواه من طريق ابن المديني عن أحمد بن حنبل عن قتيبة به؛ ليس في نسخة الكروخي (1/ 45)، ولا في مطبوعة التأصيل (2/ 42)، لكنه ثابت في بعض النسخ القديمة من رواية المحبوبي وغيره، قال المزي في التحفة (8/ 88/ 11321) ناقلًا كلام الترمذي على الحديث: "قال: وروى علي بن المديني، عن أحمد بن حنبل، عن قتيبة هذا الحديث.

(ك) حدثنا بذلك عبد الصمد بن سليمان، قال: حدثنا زكريا بن يحيى اللؤلؤي، قال: حدثنا أبو بكر الأعين، عن علي بن المديني.

(ك) حديث عبد الصمد بن سليمان: ليس في الرواية، ولم يذكره أبو القاسم".

وعزاه إليه أيضًا في تهذيب الكمال (18/ 97) و (23/ 532).

وقال الذهبي في السير (11/ 22): "ومن أعجب الأمور: أن أبا عيسى الترمذي حدث به عن قتيبة، ورواه نازلًا، كما هو موجود في نسخ عدة، فقال: حدثنا عبد الصمد بن سليمان البلخي، عن زكريا بن يحيى اللؤلؤي، عن أبي بكر الأعين، عن علي بن المديني، عن أحمد، عن قتيبة، فهذا من طرق النوازل".

ص: 37

وأثبت الرواية في تاريخ الإسلام (18/ 333)، ثم قال:"قال شيخنا أبو الحجاج الحافظ [يعني: المزي]: وهو في عدة نسخ من رواية أبي العباس المحبوبي وغيره، وسقط من النسخ المتأخرة".

وقال ابن حجر في التهذيب (2/ 580) في ترجمة عبد الصمد بن سليمان: "روى عنه الترمذي حديثًا واحدًا في جمع الصلاتين"، ثم قال:"حديثه في عدة نسخ من كتاب الترمذي في الصلاة، وسقط في بعض النسخ".

ومقصدي من ذكر هذه النقول، هو أن الحديث ثابت من رواية ابن المديني عن أحمد بن حنبل في جامع الترمذي من رواية أبي العباس المحبوبي وغيره، واللَّه أعلم.

° وحديث قتيبة هذا قد اتفق أئمة الحديث على إعلاله:

قال أبو داود: "ولم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده".

وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 33) بعد حديث قتيبة هذا: "قال أبو داود: هذا حديث منكر؛ وليس في تقديم الوقت حديث قائم".

وقال الترمذي: "وحديث معاذ: حديث حسن غريب، تفرد به قتيبة، لا نعرف أحدًا رواه عن الليث غيره.

وحديث الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن معاذ: حديث غريب.

والمعروف عند أهل العلم: حديث معاذ، من حديث أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، رواه قرة بن خالد، وسفيان الثوري، ومالك، وغير واحد، عن أبي الزبير المكي.

وبهذا الحديث يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، يقولون: لا بأس أن يجمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما".

فإن قيل: وقع عند الترمذي بعد حديث ابن عمر (555) قوله: "هذا حديث حسن صحيح [يعني: حديث ابن عمر]، وحديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب: حديث حسن صحيح".

فيقال: هي زيادة مقحمة في الجامع، وهي في مخطوطة الكروخي (45/ أ)، وفي مطبوعات جامع الترمذي؛ إلا أن الطوسي لم يوردها في مستخرجه (3/ 99)، واقتصر على نقل حكم الترمذي على حديث ابن عمر وحده، وهذا الأقرب عندي للصواب؛ لأمور، منها:

أن الترمذي حكم على حديث قتيبة هذا بالحسن مع الغرابة، ثم علل ذلك بتفرد قتيبة به، ثم حكم عليه بالغرابة فقط، وهذا تضعيف ظاهر من الترمذي للحديث، وعلل ذلك بمخالفته لحديث الثقات عن أبي الزبير عن أبي الطفيل، فكيف يصححه بعد ذلك؟ ولو فعل لكان ذلك اضطرابًا منه، أو رجوعًا عن إعلاله وتضعيفه، كذلك فإن الذين نقلوا حكم الترمذي على هذا الحديث لم ينقلوا تصحيحه، مثل: ابن قدامة في المغني (2/ 57)

ص: 38

وغيره، والمنذري في مختصر السنن (1/ 349)، والنووي في الخلاصة (2585)، وابن عبد الهادي في المحرر (412)، والذهبي في السير (11/ 23)، وغيرهم.

• وقال أبو حاتم في العلل (2/ 104/ 245): "كتبت عن قتيبة حديثًا عن الليث بن سعد -لم أُصِبْه بمصر عن الليث-، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن معاذ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في سفر فجمع بين الصلاتين"، ثم قال:"لا أعرفه من حديث يزيد، والذي عندي أنه دخل له حديث في حديث".

حدثنا أبو صالح، قال: حدثنا الليث، عن هشام بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بهذا الحديث".

وفي مستخرج الطوسي (3/ 97): "قال أبو إسماعيل [يعني: محمد بن إسماعيل الترمذي]: وسمعت أحمد بن حنبل، وسئل عن هذا؟ فقال: نا به قتيبة بن سعيد، وإن عمل بهذا أجزأه".

وقال أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي [كما في المزكيات]: "قال قتيبة: عليه سبع علامات، علامة أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبي خيثمة، وأبي بكر بن شيبة، والحميدي، حتى عدَّ سبعة".

وقال ابن حبان: "سمعت محمد بن إسحاق الثقفي [يعني: أبا العباس السراج]، يقول: سمعت قتيبة بن سعيد، يقول: عليه علامة سبعةٍ من الحفاظ، كتبوا عني هذا الحديث: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والحميدي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو خيثمة، حتى عدَّ سبعةً".

قال الخطيب في التاريخ: "وعندي أن الرجلين اللذين أغفلهما: أبو زرعة عبيد اللَّه بن عبد الكريم الرازي، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، واللَّه أعلم".

وقال أبو موسى المديني: "لم يروه غير قتيبة عن الليث، فلذلك استغربوه، وكتبوه عنه"؛ يعني: أنهم علموا عليه لأجل غرابته، ومخالفة قتيبة فيه لأصحاب الليث في إسناده ومتنه، وإنما يُعرف الحديث بدون جمع التقديم، وبجعل أبي الزبير مكان يزيد.

وقال أبو سعيد ابن يونس: "وقد انفرد الغرباء عن الليث بأحاديث ليست عند المصريين عنه، فمنها. . .، ومنها: حديث قتيبة بن سعيد، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل؛ حديث الصلاة، ليس بمصر أيضًا،. . . "[تاريخ ابن عساكر (50/ 343)].

ونقل المنذري في مختصر السنن (1/ 349) عنه قوله: "لم يحدث به إلا قتيبة، ويقال: إنه غلط، وأن موضع يزيد بن أبي حبيب: أبو الزبير".

وقال الطبراني في الأوسط: "لا يُروى هذا الحديث عن معاذ بن جبل إلا بهذا الإسناد، تفرد به الليث بن سعد"، وقال في الصغير:"تفرد به قتيبة"، وهو الصواب.

وقال الدارقطني في العلل (6/ 42/ 965): "ورواه المفضل بن فضالة، عن الليث،

ص: 39

عن هشام بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بهذه القصة بعينها، وهو أشبه بالصواب، واللَّه أعلم"، يعني: أن حديث المفضل عن الليث أشبه بالصواب من حديث قتيبة عن الليث، وأن الذي قال فيه: عن أبي الزبير، أصح ممن قال فيه: عن يزيد بن أبي حبيب، وإن كان حديث المفضل في نفسه كما قلنا قبل قليل: هو حديث منكر؛ وكان الأولى أن يقول كما قال أبو حاتم: رواه عبد اللَّه بن صالح، عن الليث، عن هشام بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ، بنحو رواية الجماعة عن أبي الزبير، بدون جمع التقديم.

وقال الحاكم في المعرفة: "هذا حديث رواته أئمة ثقات، وهو شاذ الإسناد والمتن، لا نعرف له علة نعلله بها، ولو كان الحديث عند الليث، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل؛ لعللنا به الحديث، ولو كان عند يزيد بن أبي حبيب عن أبي الزبير لعللنا به، فلما لم نجد له العلتين، خرج عن أن يكون معلولًا، ثم نظرنا، فلم نجد ليزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل رواية، ولا وجدنا هذا المتن بهذه السياقة عند أحد من أصحاب أبي الطفيل، ولا عند أحد ممن رواه عن معاذ بن جبل، عن أبي الطفيل، فقلنا الحديث شاذ، وقد حدثونا عن أبي العباس الثقفي، قال: كان قتيبة بن سعيد يقول: على هذا الحديث علامة أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأبي خيثمة، حتى عد قتيبة أسامي سبعة من أئمة الحديث، كتبوا عنه هذا الحديث،. . .، قال أبو عبد اللَّه: فأئمة الحديث إنما سمعوه من قتيبة تعجبًا من إسناده ومتنه، ثم لم يبلغنا عن واحد منهم أنه ذكر للحديث علة، وقد قرأ علينا أبو علي الحافظ هذا الباب، وحدثنا به عن أبي عبد الرحمن النسائي، وهو إمام عصره، عن قتيبة بن سعيد، ولم يذكر أبو عبد الرحمن، ولا أبو علي للحديث علة، فنظرنا، فإذا الحديث موضوع، وقتيبة بن سعيد: ثقة مأمون،. . . "، ثم أسند إلى البخاري قوله:"قلت لقتيبة بن سعيد: مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل؟ فقال: كتبته مع خالد المدايني، قال البخاري: وكان خالد المدايني يدخل الأحاديث على الشيوخ"[وممن أسند أيضًا قول البخاري: البيهقي (3/ 163)].

قلت: نعم؛ الحديث عند الليث بن سعد، رواه عنه كاتبه عبد اللَّه بن صالح، وبه أعله أبو حاتم، كما تقدم، كما أن هذا المتن قد رواه المفضل بن فضالة، لكنه منكر كما سبق بيانه، كذلك فإن الأئمة الذين سبقوا الحاكم قد أعلوا الحديث، وقد سقنا كلامهم في ذلك، وأما النسائي فقد قال عنه الذهبي في السير (11/ 22):"وأما النسائي فامتنع من إخراجه لنكارته"، وأما حكم الحاكم عليه بالوضع؛ فلكون واضعه هو خالد بن القاسم المدائني، وهو متهم بالوضع، كما سيأتي بيانه.

وقال ابن حزم في المحلى (3/ 174): "هذا الحديث أردى حديث في هذا الباب لوجوه:

ص: 40

أولها: أنه لم يأت هكذا إلا من طريق يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل، ولا يعلم أحدٌ من أصحاب الحديث ليزيد سماعًا من أبي الطفيل.

والثاني: أن أبا الطفيل صاحب راية المختار، وذكر أنه كان يقول بالرجعة.

والثالث: أننا روينا عن محمد بن إسماعيل البخاري مؤلف الصحيح، أنه قال: قلت لقتيبة: مع من كتبتَ عن الليث حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل؟ يعني: هذا الحديث الذي ذكرنا بعينه، قال: فقال لي قتيبة: كتبته مع خالد المدائني.

قال البخاري: كان خالد المدائني يدخل الأحاديث على الشيوخ، يريد: أنه كان يدخل في روايتهم ما ليس منها".

وتعقبه عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 34) بقوله: "وأما قول أبي محمد [يعني: ابن حزم] في أبي الطفيل أنه كان يحمل راية المختار، فليست هذه بعلة، ولعل أبا الطفيل كان لا يعلم بسوء مذهب المختار، وإنما خرج المختار يطلب دم الحسين، وكان قاتله حيًا، فخرج أبو الطفيل معه".

وقال ابن القيم في تهذيب السنن (1/ 181): "وقد طعن أبو محمد ابن حزم في أبي الطفيل، وردَّ روايته بكونه كان صاحب راية المختار أيضًا، مع أن أبا الطفيل كان من الصحابة، ولكن لم يكونوا يعلمون ما في نفس المختار وما يُسِرُّه، فردُّ رواية الصاحب والتابع الثقة بذلك باطل".

وقال ابن حجر في هدي الساري (2/ 1091): "أساء أبو محمد ابن حزم فضعَّف أحاديث أبي الطفيل، وقال: كان صاحب راية المختار الكذاب، وأبو الطفيل: صحابي لا شك فيه، ولا يؤثِّر فيه قول أحد، ولا سيما بالعصبية والهوى".

قلت: ولا تصح نسبة الإيمان بالرجعة للمختار، والطعن بها في الصحابي أبي الطفيل لا تجوز، فإنها من القول على الصحابة بغير علم، وهذا من سوء الأدب مع الصحابة أن تنسب إليهم الأقوال الردية المكفرة، وأقدم من وجدته نسب القول بالرجعة لأبي الطفيل: ابن قتيبة الدينوري، ولم يكن بصاحب حديث، فلعله أخذه عن غير ثقة، واللَّه أعلم [انظر: المعارف لابن قتيبة (341)، تأويل مختلف الحديث (10)، طبقات الفقهاء (34)، طبقات الحنفية (1/ 426)، السير (13/ 296)].

وقال البيهقي: "تفرد به قتيبة بن سعيد، عن ليث، عن يزيد".

ثم قال بعد أن أسند قول البخاري: "وإنما أنكروا من هذا رواية يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل، فأما رواية أبي الزبير عن أبي الطفيل: فهي محفوظة صحيحة".

قلت: إن كان يعني رواية ابن موهب عن المفضل بن فضالة؛ فهي رواية منكرة، وإن كان يعني رواية الجماعة عن هشام بن سعد عن أبي الزبير بنحو رواية مالك عن أبي الزبير، فهي رواية محفوظة، دون ذكر الإبراد الذي تفرد به هشام بن سعد، فأخطأ في ذلك، وقد سبق بيان ذلك في موضعه مفصلًا، واللَّه أعلم.

ص: 41

وقال الخطيب: "لم يرو حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن الليث غير قتيبة، وهو منكر جدًا من حديثه، ويرون أن خالدًا المدائني أدخله على الليث، وسمعه قتيبة معه، واللَّه أعلم".

وقال أبو موسى المديني: الحديث ثابت من حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل، فأما من حديث يزيد بن أبي حبيب: فلم يروه غير قتيبة عن الليث، فلذلك استغربوه، وكتبوه عنه".

وقال الذهبي في السير (11/ 22): "ما رواه أحد عن الليث سوى قتيبة، وقد أخرجه عنه أبو داود والترمذي، وأما النسائي فامتنع من إخراجه لنكارته".

وقال ابن رجب في شرح العلل (2/ 831)(2/ 706 - ط. نور الدين عتر): "وقد روى قتيبة بن سعيد عن الليث بن سعد حديث الجمع بين الصلاتين في السفر، وهو غريب جدًا، فاستنكره الحفاظ، ويقال: إنه سمعه مع خالد بن الهيثم فأدخله على الليث وهو لا يشعر، كذا ذكره الحاكم في علوم الحديث".

وقال ابن الملقن في البدر المنير (4/ 561): "وهذا إسناد على شرط الشيخين؛ لكنه فرد من الأفراد".

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 583): "وقد أعله جماعة من أئمة الحديث بتفرد قتيبة عن الليث، وأشار البخاري إلى أن بعض الضعفاء أدخله على قتيبة".

• قلت: اتفاق أهل الحديث على شيء يكون حجة، وهنا قد اتفقوا على إعلال حديث قتيبة هذا مع كون رجاله أئمة ثقات، والناظر إليه لأول وهلة يقول: إسناده صحيح، على شرط الصحيح، لكن الأئمة لم يغتروا بظاهر هذا السند، وبحثوا له عن علة خفية، وقبل أن ألخص كلامهم أحب أن أبين أنه قد اختلفت الأنظار في فهم كلام البخاري الذي نقله الحاكم:

فقال الخطيب: "يرون أن خالدًا المدائني أدخله على الليث، وسمعه قتيبة معه".

وقال ابن رجب: "يقال: إنه سمعه مع خالد بن الهيثم، فأدخله على الليث، وهو لا يشعر".

لكن قال الذهبي متعقبًا في السير (11/ 24): "هذا التقرير يؤدي إلى أن الليث كان يقبل التلقين، ويروي ما لم يسمع، وما كان كذلك؛ بل كان حجة متثبتًا، وإنما الغفلة وقعت فيه من قتيبة، وكان شيخ صدق، قد روى نحوًا من مئة ألف، فيغتفر له الخطأ في حديث واحد".

قلت: وهذا الأقرب للصواب، فإن البخاري وجَّه سؤاله لقتيبة قائلًا:"مع مَن كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب؟ "، ولم يقل: مَن الذي كان يملي عليكم؟ أو: مَن الذي كان يقرأ على الليث؟ بحيث يتهم بإدخال الحديث على الليث وتلقينه إياه، ثم لا ينتبه الليث لكون الحديث ليس من حديثه، أو أنه غيَّر في إسناده ومتنه، فردَّ قتيبة

ص: 42

قائلًا: "كتبته مع خالد المدايني"، وهذا يحتمل أن قتيبة لم يكن يكتب حال السماع، وإنما كان يحفظ، فإذا انقضى مجلس السماع، تنحى جانبًا فكتب ما سمع من حفظه، وقد يكون معه حينئذ من كان مثله، فيستعين بعضهم ببعض فيما يشكل عليه حال السماع، مِن شكٍّ في إسناد أو متن، فيستثبت أحدهم من صاحبه، فلما أخبر قتيبة بانه كتبه مع أبي الهيثم خالد بن القاسم المدائني، علم البخاري من أين دخل عليه الخلل؛ فقال البخاري:"وكان خالد المدايني يُدخل الأحاديث على الشيوخ"؛ يعني: أنه أدخله على قتيبة، واللَّه أعلم.

فإن قيل: فما تفعل بما رواه ابن حبان في المجروحين (1/ 283)(1/ 344 - ط. الصميعي)، قال: حدثني محمد بن المنذر [ثقة حافظ، يُعرف بشكَّر. الارشاد (336)، إكمال ابن ماكولا (4/ 324)، تاريخ دمشق (56/ 31)، السير (14/ 221)، تذكرة الحفاظ (2/ 748)]، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي داود البرُلُّسي [إبراهيم بن سليمان بن داود الأسدي البرلسي: ثقة حافظ متقن. تاريخ دمشق (6/ 414)، الأنساب (1/ 328)، السير (12/ 612) و (13/ 393)]، قال: حدثني سعيد بن أسد -يعني: ابن موسى- السنة [قال ابن معين: "لا بأس به، فتى صِدقٍ، صدوق"، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه أبو زرعة الرازي، وهو لا يحدث إلا عن ثقة، وأكثر عنه يعقوب بن سفيان في المعرفة. سؤالات ابن الجنيد (552)، الجرح والتعديل (4/ 5)، الثقات (8/ 271)، تاريخ الإسلام (16/ 172)، الثقات لابن قطلوبغا (4/ 461)]، قال: حدثنا يحيى بن حسان [التنيسي: ثقة]، قال:"كان خالد المدائني يأتي الليث بن سعد بالرقاع فيها أحاديث قد وصلها، فيدفعها إلى الليث، فيقرؤها له، قال يحيى بن حسان: قلت له: لا تفعل فإن عاقبته راجعة عليك، هذا إنما هو صاحب كتاب، فمن نظر في كتابه فلم يجد لهذه الأحاديث أصلًا رجع عاقبة ذلك عليك".

فيقال: إن هذا التلقين المزعوم لم يقع؛ لأن حديث الليث بقي بين أصحابه واحدًا على خلاف ما فعل خالد المدائني، بدليل تفرد قتيبة بهذا الحديث، ولم يشاركه فيه أحد ممن يروي عن الليث، لا من المصريين، ولا من الغرباء، فلو كان هذا الحديث تلقنه الليث بن سعد، فلماذا لم يحمله عنه من حضر هذا المجلس، ولعل ما نجح فيه خالد المدائني هو فقط ما يتعلق بوصل المراسيل ورفع الموقوفات في كتابه هو عن الليث، كما توضحه هاتان الواقعتان:

فقد روى العقيلي في الضعفاء (2/ 13)(1/ 576 - ط. التأصيل)، قال: حدثنا أحمد بن علي الأبار [ثقة حافظ متقن. تاريخ بغداد (4/ 306)، السير (13/ 443)]، قال: حدثنا مؤمل بن إهاب [صدوق]، قال: سمعت يحيى بن حسان، يقول: جاء المدائني فلزق أحاديث الليث بن سعد؛ إذا كان: عن الزهرى عن ابن عمر؛ أدخل سالم، وإذا كان: عن الزهرى عن عائشة؛ أدخل عروة، قلت له: اتق اللَّه! قال: ويجيء أحدٌ يعرف هذا؟

يعني: أنه إنما فعل ذلك في كتابه هو، لا أنه دفعه إلى الليث ليقرأه عليه، فإنه لو

ص: 43

قرأه في مجلس الليث بن سعد، فهل يخفى ذلك على أصحابه؟ فضلًا عن الليث؟ وما يجرؤ المدائني أن يقول ليحيى بن حسان: ويجيء أحدٌ يعرف هذا؟ يعني: ممن هم في مجلس الليث، وإنما فيمن يحدثهم المدائني بعد الليث، ممن لا يعرف حديث الليث، وليس عنده كتاب لليث بن سعد، وهذا هو ما وقع للمدائني بالعراق حيث حدث الناس بأباطيله، ولم يكن معهم كتاب لليث ليقابلوه به، فراج عليهم البهرج، وسيأتي بيان ذلك في كلام أبي حاتم، واللَّه أعلم.

ثم قال العقيلي: حدثنا أحمد بن علي الأبار [ثقة حافظ متقن]، قال: حدثنا مجاهد بن موسى [الختلي: ثقة]، قال: أتيت خالد المدائني، فقال لي: أي شيء تريد؟ قلت: حديث الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب، فأخرجه فأعطاني، فجعلت أكتب على الوِلاء، وكنا أربعةً، فقالوا لي: انتخب، فقلت: لا؛ إلا على الوِلاء، فتركوني فكتبت، ثم أعطيته يقرأ، فجعل يقرأ ويسند لي، فقلت: ليس هذا هكذا في الكتاب، فقال: اكتب كما أقول لك، فقلت: جزاك اللَّه خيرًا، فظننت أنه تركها عمدًا، حتى تبينت بعد ذلك، وقال: حدثني الليث عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حِبَّان، فقلت: حَبَّان، فقال: حِبان وحَبان واحد، وكان يحدث هذا بشيء وهذا بشيء، فقال مجاهد: رأيتهم قد جاءوا بحديث ليث بن سعد إلى يونس بن محمد، فجعلوا يقابلون بها، فإذا ليس تتفق. اهـ.

وهذا صريح في كون خالد المدائني كان يزيد عمدًا في حديث الليث ما ليس منه، ويؤكد ذلك، ما قاله أبو حاتم في القاسم هذا:"متروك الحديث، صحِب الليث من العراق إلى مكة وإلى مصر، فلما انصرف كان يحدث عن الليث بالكثير، فخرج رجل من أهل العراق، يقال له: أحمد بن حماد الكذوا [كذا] بتلك الكتب إلى مصر، فعارض بكتب الليث، فإذا قد زاد فيه الكثير وغيَّره، فتُرك حديثه"[كذا قال في الجرح].

وقال في العلل (410) لما سئل عن حديث غريب غير هذا رواه المصريون عن الليث، قال أبو حاتم:"هذا حديث باطل موضوع، لا أصل له، أُرى أن هذا الحديث من رواية خالد بن القاسم المدائني، وكان المدائني خرج إلى مصر، فسمع من الليث، فرجع إلى المدائن، فسمعوا منه الناس، فكان يوصِّل المراسيل، ويضع لها أسانيد، فخرج رجلٌ من أهل الحديث إلى مصر في تجارة، فكتب كُتُبَ الليث هناك، وكان يقال له: محمد بن حماد الكَذُو -يعني: القرع-، ثم جاء بها إلى بغداد، فعارضوا بتلك الأحاديث، فبان لهم أن أحاديث خالد مفتعلة".

فدل ذلك على أن المدائني كان يتعمد وصل المراسيل، وإلزاقها، ويضع لها أسانيد، وينسب ذلك لليث بن سعد كذبًا وزورًا، لذا أطلق عليه جماعةٌ الكذب، ونسبوه إلى الوضع، ولا يروج مثل هذا على الحافظ الثقة الثبت المتيقظ الليث بن سعد، حتى يفسد المدائني عليه حديثه وهو لا يدري، ويلقنه فيتلقن، وهذه سُبَّة نبرئ منها الإمام الثبت، لذا

ص: 44

قال ابن عدي في خالد المدائني هذا: "له عن الليث بن سعد غير حديث منكر، والليث بريء من رواية خالد عنه تلك الأحاديث"، وقال صاعقة:"كان خالد بن القاسم المدائني كذابًا، كان يدعي ما لم يسمع، وكتبت عنه ألوفًا، وروى أحاديث لم تكن بمصر، ولم تحدَّث عن الليث، كان يضع أحاديث من ذات نفسه".

قلت: فالحمل في هذا الحديث على خالد بن القاسم المدائني، وهو: متروك الحديث، كذبه إسحاق بن راهويه، وأبو زرعة الرازي، وإبراهيم بن يعقوب السعدي أبو إسحاق الجوزجاني، ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة، واتهمه الأخير بالوضع، وكذلك أبو حاتم الرازي، واتهمه بتعمد وصل الأسانيد: أحمد وابن معين وأبو حاتم وزكريا الساجي [العلل ومعرفة الرجال (5335)، مسائل الكوسج (3252)، التاريخ الكبير (3/ 167)، كنى مسلم (3575)، ضعفاء أبي زرعة (2/ 745)، ضعفاء النسائي (171)، ضعفاء العقيلي (2/ 13)، الجرح والتعديل (3/ 347)، علل الحديث (410)، المجروحين (1/ 282)، الكامل (3/ 10) (4/ 251 - ط. الرشد)، ضعفاء الدارقطني (84)، تاريخ بغداد (8/ 301)، تاريخ الإسلام (15/ 136)، اللسان (3/ 333)، وغيرها كثير].

وبهذا تميل النفس إلى ترجيح ما ذهب إليه البخاري، من أن خالدًا المدائني قد أدخل هذا الحديث على قتيبة بن سعيد، وأنه حديث موضوع، لا أصل له بهذا الإسناد، واللَّه أعلم.

° ويمكن تلخيص كلام الأئمة في نقد هذا الحديث بما يأتي:

• تفرُّد قتيبة بن سعيد به عن الليث بن سعد.

• لا يُعرف هذا الحديث عن الليث بن سعد بهذا الإسناد إلا من رواية قتيبة عنه.

• لا يُعرف هذا الحديث بمصر عن الليث بن سعد.

• مخالفة قتيبة لأحد أصحاب الليث المصريين المكثرين عنه والمختصين به، وهو: أبو صالح عبد اللَّه بن صالح كاتب الليث، حيث قال: حدثنا الليث، عن هشام بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحو رواية جماعة الحفاظ عن أبي الزبير، دون لفظ الإبراد.

• المعروف عند أهل العلم في حديث معاذ:

ما رواه مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وزهير بن معاوية، وقرة بن خالد، وعمرو بن الحارث، وزيد بن أبي أنيسة، وإبراهيم بن طهمان، وغيرهم:

عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء.

• ومنهم من قال: أصل هذا الحديث: ما رواه المفضل بن فضالة، عن الليث، عن هشام بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بهذه القصة بعينها في جمع التقديم، وهو قول مرجوح؛ فإن رواية المفضل هذه رواية منكرة، مخالفة لرواية جماعة الحفاظ عن أبي الزبير.

ص: 45

• لا يُعرف هذا الحديث من حديث يزيد بن أبي حبيب إلا من هذا الوجه.

• لا يُعرف ليزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل رواية إلا في هذا الحديث.

• احتمال أن يكون دخل لقتيبة حديث في حديث.

• هذا الحديث عليه علامة سبعةٍ من الحفاظ، كتبوا عن قتيبة هذا الحديث: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والحميدي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو خيثمة زهير بن حرب، ورأى الخطيب أن تمام السبعة: أبو زرعة عبيد اللَّه بن عبد الكريم الرازي، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، وقد علموا عليه لأنهم استغربوه جدًا، وتعجبوا من إسناده ومتنه، ففي تتابع جهابذة النقاد على استنكار هذا الحديث ما لا يدع مجالًا للشك في نكارته، وعدم ثبوته.

• حديث غلط، وأن موضع يزيد بن أبي حبيب: أبو الزبير.

• حديث شاذ الإسناد والمتن، مع كون رواته أئمة ثقات.

• حديث منكر.

• حديث غريب.

• حديث موضوع، وضعه خالد بن القاسم المدائني، وهو: متهم بالوضع؛ حيث أدخله على قتيبة بن سعيد، وهذا ما أميل اليه، واللَّه أعلم.

• ليس في تقديم الوقت حديث تاثم، وهذا منها، واللَّه الموفق للصواب.

* فإن قيل: حديث معاذ هذا في جمع التقديم له شواهد تدل على أن له أصلًا:

1 -

حديث ابن عباس:

يرويه حسين بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عباس، عن عكرمة، وعن كريب، عن ابن عباس، قال: ألا أخبركم عن صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في السفر؟ قلنا: بلى، قال: كان إذا زاغت له الشمس في منزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب، وإذا لم تزغ له في منزله سار حتى إذا حانت العصر نزل فجمع بين الظهر والعصر، وإذا حانت له المغرب وهو في منزله جمع بينها وبين العشاء، وإذا لم تحن له في منزله ركب حتى إذا حانت العشاء نزل فجمع بينهما.

قلت: هو حديث منكر من حديث عكرمة، وسيأتي تخريجه في موضعه تحت الحديث رقم (1214).

2 -

حديث أنس بن مالك:

يرويه يعقوب بن محمد الزهري: نا محمد بن سعد: نا ابن عجلان، عن عبد اللَّه بن الفضل، عن أنس بن مالك؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر فزاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر جميعًا، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس جمع بينهما في أول وقت العصر، وكان يفعل ذلك في المغرب والعشاء.

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 299/ 7552)، بإسناد صحيح إلى يعقوب.

ص: 46

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عبد اللَّه بن الفضل إلا ابن عجلان، ولا عن ابن عجلان إلا محمد بن سعد، تفرد به: يعقوب بن محمد الزهري".

قلت: عبد اللَّه بن الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث الهاشمي: مدني ثقة، سمع أنس بن مالك، وروايته عنه في صحيح البخاري (4906)، والراوي عن محمد بن عجلان: محمد بن سعد الأنصاري الأشهلي: مدني، سكن بغداد، ثقة.

لكن الشأن في المتفرد بهذا الحديث، وهو: يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري، وهو مدني نزل بغداد، ضعفه الجمهور، ومشاه بعضهم، لكن قال فيه أحمد:"ليس بشيء، ليس يسوي شيئًا"، وقال أبو زرعة:"واهي الحديث"، وقال مرة:"منكر الحديث"، وهذا توهين شديد من اثنين من المعتدلين في نقد الرجال، وقال ابن عدي:"أحاديثه لا يتابع عليها"، وله مناكير وأباطيل تفرد بها عن الثقات المشاهير، وقد روى حديثًا باطلًا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في دفن الشعر وقلامة الظفر، قال فيه أبو زرعة:"حديث باطل، ليس له عندي أصل"، ثم قال:"ويعقوب بن محمد هذا: شيخ واهي الحديث"، وله أباطيل أخرى بهذا الإسناد، فضلًا عن أوهامه في الأسانيد [العلل ومعرفة الرجال (3/ 396/ 5745)، سؤالات البرذعي (2/ 352 و 449 و 691)، ضعفاء العقيلي (4/ 445)، الجرح والتعديل (9/ 214)، علل ابن أبي حاتم (2414 و 2533)، الثقات (9/ 284)، الكامل (7/ 149)، علل الدارقطني (2/ 83/ 127) و (3/ 152/ 324) و (12/ 111/ 2492)، أطراف الغرائب والأفراد (949 و 2455 و 3017 و 5504 و 5921)، الموضح (1/ 146)، تاريخ بغداد (14/ 269)، الميزان (4/ 454)، التهذيب (4/ 447)].

وعليه: فهو حديث منكر.

3 -

حديث أنس:

يرويه إسحاق بن راهويه: أنا شبابة بن سوار، عن ليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فزالت الشمس؛ صلى الظهر والعصر جميعًا ثم ارتحل.

وهو حديث منكر [يأتي تخريجه تحت الحديث رقم (1218)].

والمحفوظ عن شبابة بن سوار: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر، أخَّر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر، ثم يجمع بينهما.

• والحاصل: فليس هناك ما يشهد بأن لحديث معاذ في جمع التقديم أصلًا بهذا السياق، وأما نفس جمع التقديم فسيأتي الكلام عنه لاحقًا في المسألة التالية.

° نرجع بعد ذلك لحديث مالك الذي أخرجه أبو داود في الباب:

فقد احتج بعض الأئمة بحديث معاذ بن جبل في الجمع بين الصلاتين حال النزول:

قال الشافعي في الأم (1/ 77): "وهذا وهو نازلٌ غيرُ سائر؛ لأن: قوله: دخل ثم خرج؛ لا يكون إلا وهو نازل، فللمسافر أن يجمع نازلًا وسائرًا".

ص: 47

قلت: لعل الإمام الشافعي رحمه اللَّه تعالى لما أخرج الحديث مختصرًا، مقتصرًا فيه على موضع الشاهد من الجمع بين الصلاتين، ولم يورده بتمامه، لم يظهر له معارضة بقية الحديث لما سبق إليه الفهم، حيث قال معاذ بعده مباشرة: ثم قال [يعني: النبي صلى الله عليه وسلم]: "إنكم ستأتون غدًا، إن شاء اللَّه عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمسَّ من مائها شيئًا، حتى آتي"، فدل هذا السياق على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في حال مسيره، ولم يكن بعد انتهى من سفره، حيث لم يبلغ تبوك، وهي مقصده مذ خرج من المدينة، وأما أنه صلى الله عليه وسلم كان ينزل في الطريق لأجل الاستراحة والصلاة والنوم والأكل ونحو ذلك مما يحتاج إليه المسافر، فلا يسمى ذلك نزولًا؛ لأنه ما زال سائرًا، وأما إذا أراد مطلق النزول الذي هو مقابل ركوب الدابة حال السير، فليس بحجة أيضًا على مراده؛ لأن الفريضة لا تصلى على الراحلة، ولا بد لها من النزول، وإن أراد بالنزول مقابله من الجد في السير، فيقال: كلاهما سائر، يباح له الجمع، جد في السير، أم نزل لأخذ راحته، وحديث معاذ هذا دليل على عدم اختصاص الجمع بمن جدَّ به السير؛ خلافًا لما دل عليه حديث ابن عمر الآتي.

وأما توجيه الحديث، في قوله: ثم دخل ثم خرج، فيمكن حمله على أنه صلى الله عليه وسلم لما اقترب من تبوك، ولم يعد بينه وبينها إلا يومٌ، نزل مدة طويلة، لأجل النظر في أمر الجيش، ووضع خططه، ونحو ذلك مما يحتاجه من الاستعداد لملاقاة عدوه، فجمع الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في هذا النزول، وهو كما ذكرت فإنه لا يخرجه ذلك عن كونه سائرًا مسافرًا حيث لم يبلغ بغيته، كما أنه يحتمل أنه لم يكن عزم على المقام في ذلك المكان هذه المدة، كأن يكون نزل لصلاة الظهر والعصر، وهو عازم على الرحيل، ثم بدا له أن يمكث لأمر عارض، ودخل عليه الليل، وذلك كله بخلاف ما لو نزل محله الذي قصده بالسفر، وضرب فيه خيامه، وعسكر فيه، انتظارًا لملاقاة العدو، فهذا عندئذ يسمى نزولًا، يصلي كل صلاة في وقتها، أو يجمع بين الصلاتين إن احتاج إلى ذلك، واللَّه أعلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ظاهره أنه كان نازلًا في خيمة في السفر"[مجموع الفتاوى (24/ 64)].

* قال ابن خزيمة في صحيحه محتجًا بحديث معاذ (2/ 83): "في الخبر ما بان وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وهو نازل في سفره غير سائر وقت جمعه بين الصلاتين؛ لأن قوله: "أخر الصلاة يومًا، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا"، تبين أنه لم يكن راكبًا سائرًا في هذين الوقتين اللذين جمع فيهما بين المغرب والعشاء، وبين الظهر والعصر، وخبر ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جدَّ به السير جمع بين الصلاتين، ليس بخلاف هذا الخبر؛ لأن ابن عمر قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينهما حين جدَّ به السير، فأخبر

ص: 48

بما رأى من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومعاذ بن جبل قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع بين الصلاتين، وهو نازل في المنزل غير سائر، فخبر بما رأى النبي صلى الله عليه وسلم فعله، فالجمع بين الصلاتين إذا جدَّ بالمسافر السير جائز؛ كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم[كما في حديث ابن عمر]، وكذلك جائز له الجمع بينهما وإن كان نازلًا لم يجدَّ به السير، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم[كما في حديث معاذ]، ولم يقل ابن عمر: إن الجمع بينهما غير جائز إذا لم يجد به السير، لا أثرًا عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولا مخبرًا عن نفسه".

وقال ابن المنذر في الأوسط (2/ 420): "ولعل بعض من لم يتسع في العلم يحسب أن الجمع بين الصلاتين في السفر لا يجوز إلا في الحال التي يجد بالمسافر السير، وليس ذلك كذلك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الظهر والعصر وهو نازل غير سائر".

وقال أيضًا بعد حديث هشام بن سعد: "فدل قوله: "فكان لا يروح" على أنه جمع بينهما وهو نازل غير سائر، ودل على ذلك حديث مالك عن أبي الزبير عن أبي الطفيل،. . . "، ثم نقل كلام ابن خزيمة السابق ذكره بتصرف، وقال في آخره:"ولم يذكر أحدٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الجمع بين الصلاتين في السفر في حالٍ دون حالٍ؛ فيوقف عن الجمع بينهما لنهي النبي صلى الله عليه وسلم".

° والدليل على جواز الجمع حال النزول عند الحاجة؛ ليس هو حديث معاذ بن جبل هذا؛ وإنما هي أدلة أخرى، فمنها:

1 -

حديث أبي جيحفة رضي الله عنه في نزوله صلى الله عليه وسلم بالأبطح، قبل خروجه من مكة في حجة الوداع، وقبل طواف الوداع:

• فقد روى سفيان الثوري: حدثنا عَوْنُ بن أبي جُحَيْفَةَ، عن أبيه، قال: أتيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بمكة، وهو بالأبطح، في قُبَّةٍ له حمراءَ من أَدَم، قال: فخرج بلال بوَضوئه، فمن نائل وناضح، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم عليه حُلَّةٌ حمراء، كأني أنظر إلى بياض ساقيه، قال: فتوضَّأ، وأذَّن بلال، قال: فجعلت أتتبَّع فاه هاهنا وهاهنا، يقول يمينًا وشمالًا، يقول: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، قال: ثم رُكِزَتْ له عَنَزَة، فتقدم فصلى الظهر ركعتين، يَمُرُّ بين يديه الحمار والكلب لا يُمْنَع، ثم صلى العصر ركعتين، ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة.

أخرجه البخاري (634)، ومسلم (503/ 249) واللفظ له.

• ورواه شعبة، عن عون بن أبي جحيفة، قال: سمعت أبي، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم بالبطحاء، وبين يديه عَنَزَة، الظهرَ ركعتين والعصرَ ركعتين، يمر بين يديه المرأةُ والحمارُ.

وفي رواية: خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالهاجرة، فأُتي بوَضوء فتوضأ، فصلى بنا الظهر والعصر، وبين يديه عَنَزَة، والمرأة والحمار يمرون من ورائها.

أخرجه البخاري (495 و 499 و 3553)، ومسلم (503/ 253).

• ورواه مالك بن مغول، قال: سمعت عون بن أبي جحيفة، ذكر عن أبيه، قال:

ص: 49

دُفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالأبطح في قبة، وكان بالهاجرة، خرج بلال فنادى بالصلاة، ثم دخل فأخرج فضل وَضوء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فوقع الناس عليه يأخذون منه، ثم دخل فأخرج العنَزَة، وخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، كأني أنظر إلى وَبِيص ساقيه، فركز العنَزَة، ثم صلى الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، يَمُرُّ ببن يديه الحمار والمرأة.

أخرجه البخاري (3566)، ومسلم (503/ 251).

• ورواه شعبة، قال: حدثنا الحكم، قال: سمعت أبا جحيفة، يقول: خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالهاجرة [إلى البطحاء]، فأُتي بوَضوء فتوضأ، فجعل الناس يأخذون من فضل وَضوئه، فيتمسحون، له، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، وبين يديه عنَزة، [وفي رواية: وإن الظُّعُنَ لتمرُّ بين يديه].

أخرجه البخاري (187 و 501 و 3553)، ومسلم (503/ 252 و 253).

وراجع تخريجه مفصلًا في فضل الرحيم الودود (6/ 130 - 148/ 520).

* وظاهر حديث ألي جحيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، فصلاهما ركعتين ركعتين، جمع تقديم في وقت الظهر بالهاجرة، وقد كان حينئذٍ نازلًا بالأبطح بعد نفره من منى، وقبل طوافه للوداع.

والدليل على أنه جمع بينهما: أن أبا جحيفة جمع بعض شرائط الصلاة وما يتعلق بها، مثل: دخول وقت الظهر، وأذان بلال لها، والوضوء، ونصب العنزة بين يديه، ثم ذكر صلاته صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر ركعتين ركعتين مقرونتين، حيث لم يذكر للعصر ما يدل على أنه صلاها لوقتها، بل صلاهما جميعًا في أول وقت الظهر بالهاجرة، ويزيد ذلك وضوحًا رواية شعبة، ومالك بن مغول، فقال في رواية لشعبة: فصلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، وبين يديه عنَزة، [وفي رواية: وإن الظُّعُنَ لتمرُّ بين يديه]، وقال في رواية مالك: فركز العنَزَة، ثم صلى الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، يَمُرُّ بين يديه الحمار والمرأة.

2 -

حديث جابر الطويل في حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وموضع الشاهد منه: ثم أذن [بلال]، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئًا، ثم ركب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف،. . . الحديث.

أخرجه مسلم (1218)[ويأتي عند أبي داود برقم (1905 و 1906)].

• وموضع الاستدلال بهذا الحديث؛ أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر جمع تقديم، وكان نازلًا بعرفة.

3 -

أحاديث الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة جمع تأخير:

ومنها مثلًا: ما رواه مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد اللَّه، عن ابن عمر؛ أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعًا.

أخرجه مسلم (703)[ويأتي عند أبي داود برقم (1926)].

فإذا نظرنا إلى هذه المواضع الثلاثة في جمعه صلى الله عليه وسلم حال النزول وجدناها جميعًا في

ص: 50

حجة الوداع، فإذا جمعنا إليها: صلاته صلى الله عليه وسلم بمنى يوم التروية، ثم أيام التشريق الثلاثة كل صلاة في وقتها ركعتين ركعتين، ولم يجمع بين الظهر والعصر، ولا بين المغرب والعشاء، وجدنا أن الجمع في المواضع الثلاثة المتقدمة إنما كان لحاجة، ففي عرفة كان الجمع لأجل التفرغ للعبادة والدعاء والذكر، وأما بالمزدلفة فلكونه لم يصِلْها إلا بعد دخول وقت العشاء، وأما بالأبطح فلكونه كان يتهيأ للخروج من مكة، ينتظر اجتماع الناس إليه، بخلاف نزوله بمنى فلم يكن ثمة حاجة للجمع، واللَّه أعلم.

قال الشافعي: "لأنه أرفق به يوم عرفة تقديم العصر؛ لأن يتصل له الدعاء فلا يقطعه بصلاة العصر، وأرفق به بالمزدلفة أن يتصل له السير فلا يقطعه بالنزول للمغرب، لما في ذلك من التضييق على الناس"[المعرفة (2/ 447)].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والمقصود أن اللَّه لم يبح لأحد أن يؤخر الصلاة عن وقتها بحالٍ، كما لم يبح له أن يفعلها قبل وقتها بحالٍ، فليس جمع التأخير بأولى من جمع التقديم؛ بل ذاك بحسب الحاجة والمصلحة، فقد يكون هذا أفضل، وقد يكون هذا أفضل، وهذا مذهب جمهور العلماء"[مجموع الفتاوى (24/ 57)].

وقال أيضًا (24/ 64): "كان يجمع أحيانًا في السفر، وأحيانًا لا يجمع، وهو الأغلب على أسفاره أنه لم يكن يجمع بينهما.

وهذا يبين أن الجمع ليس من سنة السفر كالقصر؛ بل يفعل للحاجة، سواء كان في السفر أو الحضر، فإنه قد جمع أيضًا في الحضر لئلا يحرج أمته، فالمسافر إذا احتاج إلى الجمع جمع، سواء كان ذلك لسيره وقت الثانية أو وقت الأولى وشق النزول عليه، أو كان مع نزوله لحاجة أخرى، مثل أن يحتاج إلى النوم والاستراحة وقت الظهر ووقت العشاء، فينزل وقت الظهر وهو تعبان سهران جائع محتاج إلى راحة وأكل ونوم، فيؤخر الظهر إلى وقت العصر، ثم يحتاج أن يقدم العشاء مع المغرب وينام بعد ذلك ليستيقظ نصف الليل لسفره، فهذا ونحوه يباح له الجمع.

وأما النازل أيامًا في قرية أو مصر، وهو في ذلك كأهل المصر، فهذا وإن كان يقصر لأنه مسافر؛ فلا يجمع، كما أنه لا يصلى على الراحلة، ولا يصلى بالتيمم، ولا يأكل الميتة، فهذه الأمور أبيحت للحاجة، ولا حاجة به إلى ذلك، بخلاف القصر فإنه سنة صلاة السفر".

قلت: قد دلت الأحاديث الماضية على جواز جمع النازل في المصر للحاجة، واللَّه أعلم.

* وخلاصة ما تقدم:

أ - أنه لم يثبت حديث في جمع التقديم حال السير.

ب - ثبت في جمع التقديم حال النزول في المصر للحاجة:

حديث جابر في الجمع بين الظهر والعصر بعرفة.

ص: 51

حديث أبي جحيفة في الجمع بين الظهر والعصر بالأبطح.

ج - الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حال السير هو جمع التأخير.

د - ثبت في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا زالت الشمس صلى الظهر وحدها ثم ارتحل، ولم يكن يجمع إليها العصر.

• فقد روى عُقَيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر، ثم ركب صلى الله عليه وسلم.

وهو حديث متفق عليه، ويأتي تخريجه برقم (1218).

• وروى المسحاج بن موسى، قال: قلت لأنس بن مالك: حدِّثنا ما سمعتَ من رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: كنَّا إذا كنَّا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في السفر فقُلنا: زالتِ الشمسُ، أو لم تَزُلْ؛ صلى الظهر، ثم ارتحل.

وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل منزلًا فقال فيه، لم يرتحل منه حتى يصلي الظهر.

وهو حديث صحيح، تقدم برقم (1204).

• وروى شعبة: حدثني حمزة العائذي، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلًا لم يرتحل حتى يصليَ الظهرَ، فقال له رجلٌ: وإن كان بنصف النهار؟ قال: وإن كان بنصف النهار.

وهو حديث صحيح، تقدم برقم (1205).

هـ - لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل وقت الصلاة وهو نازل أخرها وارتحل حتى يصليها مع التي بعدها حال السير، كان تغرب الشمس وهو بمكة، فيؤخرها حتى يصليها مع العشاء بسرف [يأتي تخريجه برقم (1215)، وهو حديث ضعيف]، وإنما الذي ثبت:

أنه كان يصلي الحاضرة وحدها إذا دخل وقتها، ثم يرتحل [كما في حديث أنس].

كما أنه أخر الأولى فجمعها مع الثانية حال النزول [كما في حديث معاذ حال نزوله أثناء السير].

* ومما روي أيضًا في الجمع بين الصلاتين في غزوة تبوك:

حديث أبي هريرة:

يرويه محمد بن خالد بن عثمة [بصري، لا بأس به، ليس من أصحاب مالك، ويخطئ عليه]، وإسحاق بن إبراهيم الحنيني [مدني، نزل طرسوس: ضعيف، قال البخاري: "في حديثه نظر"، وقال الذهبي: "صاحب أوابد"، التهذيب (1/ 114)، الميزان (1/ 179)]، وإسماعيل بن داود المخراقي [هو: إسماعيل بن داود بن مخراق: منكر الحديث، يروي عن مالك بن أنس وسليمان بن بلال وأهل المدينة ما لا أصل له، قال ابن حبان:"يسرق الحديث ويسويه"، اللسان (2/ 119)، المجروحين (1/ 129)]:

ص: 52

عن مالك، عن داود بن الحصين، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: جمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، في غزوته إلى تبوك.

أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (2/ 337 و 338 و 339)، وذكره الدارقطني في العلل (10/ 300/ 2020).

* وخالفهم أصحاب مالك، منهم: عبد اللَّه بن مسلمة القعنبي، وأبو مصعب الزهري، ومعن بن يزيد، وعبد اللَّه بن وهب، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرزاق بن همام [وهم ثقات، وفيهم أثبت الناس في مالك]، وسويد بن سعيد الحدثاني، ومحمد بن الحسن الشيباني:

فرووه عن مالك، عن داود بن الحصين، عن [عبد الرحمن بن هرمز] الأعرج؛ أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك. هكذا مرسلًا.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 205/ 382 - رواية يحيى الليثي)(200 - رواية القعنبي)(364 - رواية أبي مصعب)(116 - رواية الحدثاني)(203 - رواية الشيباني)، وعنه: عبد الرزاق (2/ 545/ 4397)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 338).

وهذا هو الصواب؛ مرسلًا بإسناد مدني صحيح.

• واختلف على يحيى بن يحيى الليثي، هل رواه في الموطأ مسندًا، أم مرسلًا كالجماعة؟

قال أحمد بن خالد بأنه رواه مسندًا، ثم قال:"وأصحاب مالك جميعًا على إرساله عن الأعرج"، ثم ذكر ابن عبد البر أنه من المحتمل أن ابن وضاح هو الذي جعله في موطأ يحيى مرسلًا، وقد كان فيه متصلًا، تصرفًا منه في الموطأ، ثم قال:"وما أدري كيف هذا؟! إلا أن روايتنا لهذا الحديث في الموطأ عن يحيى مرسلًا".

وقال أبو العباس الداني في كتاب الإيماء إلى أطراف الموطأ (3/ 420): "هكذا جاء في بعض الطرق عن يحيى بن يحيى صاحبنا مسندًا، والأصح عنه إرساله، وكذلك هو عند جمهور رواة الموطأ مرسلًا، ليس فيه: عن أبي هريرة.

وأسنده محمد بن المبارك الصوري، ومحمد بن خالد بن عثمة، وغيرهما عن مالك".

• واختلف أيضًا على أبي مصعب الزهري، فرواه في الموطأ مرسلًا كالجماعة، وروي عنه خارج الموطأ متصلًا.

أخرجه من طريقه متصلًا: أبو بكر ابن المقرئ في المنتخب من غرائب حديث مالك (26)، والجوهري في مسند الموطأ (326).

قال الدارقطني: "لم يسنده عن أبي المصعب غير جعفر بن صباح، وهو في الموطأ عند أبي المصعب وغيره مرسلًا".

وقال الجوهري: "هذا حديث مرسل في الموطأ، لا أعلم أحدًا أسنده فقال فيه: عن أبي هريرة؛ غير محمد بن المبارك الصوري، واللَّه أعلم".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (2/ 337): "وهذا الحديث هكذا رواه جماعة من

ص: 53

أصحاب مالك مرسلًا؛ إلا أبا المصعب في غير الموطأ، ومحمد بن المبارك الصوري، ومحمد بن خالد بن عثمة، ومطرف، والحنيني، وإسماعيل بن داود المخراقي، فإنهم قالوا: عن مالك، عن داود بن الحصين، عن الأعرج، عن أبي هريرة، مسندًا".

* * *

1207 -

. . . أيوب، عن نافع؛ أن ابن عمر استُصرِخ على صفية وهو بمكة، فسار حتى غربت الشمس، وبدت النجوم، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عجِلَ به أمرٌ في سفرٍ، جمع بين هاتين الصلاتين، فسار حتى غاب الشفق، فنزل فجمع بينهما.

* حديث صحيح

أخرجه أبو عوانة (2/ 78/ 2386)، وابن حبان (4/ 306/ 1455)، وأحمد (2/ 51)، وعبد الرزاق (2/ 547/ 4402)، والبزار (12/ 179/ 5822)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 429/ 1155)، والطحاوي (1/ 162)، والبيهقي (3/ 159).

رواه عن أيوب السختياني: حماد بن زيد [واللفظ له]، وإسماعيل بن علية [وهما أثبت الناس في أيوب]، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، ومعمر بن راشد.

ولفظ حماد عند البيهقي أتم: أن ابن عمر استُصرخ على صفية بنت أبي عبيد، وهو بمكة وهي بالمدينة، فأقبل فسار حتى غربت الشمس وبدت النجوم، فقال له رجل كان يصحبه: الصلاة الصلاة! فسار ابن عمر، فقال له سالم: الصلاة! فقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمرٌ في سفرٍ جمع بين هاتين الصلاتين، فسار حتى إذا غاب الشفق جمع بينهما، وسار ما بين مكة والمدينة ثلاثًا.

ورواية ابن علية [عند أحمد] بنحوها، وفيها: فسار في تلك الليلة مسيرة ثلاث ليال، وفيها: فسار حتى غاب الشفق ثم نزل فجمع بينهما.

* تابع أيوب السختياني عليه:

1 -

مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا عَجِلَ [وفي رواية: جدَّ] به السيرُ جمع بين المغرب والعشاء.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 207/ 384)، ومن طريقه: مسلم (703/ 42)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 292/ 1577)، والنسائي في المجتبى (1/ 289/ 598)، وفي الكبرى (2/ 224/ 1585)، وأحمد (2/ 7 و 63)، والشافعي في الأم (7/ 185)، وفي المسند (387)، وعبد الرزاق (2/ 544/ 4394)، والطحاوي (1/ 161)، والجوهري في مسند الموطأ (650)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 161)، والبيهقي في السنن (3/ 159)، وفي المعرفة (2/ 448/ 1641)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 192/ 1039)، وقال:"متفق على صحته"، وابن عساكر في تاريخ دمشق (43/ 564).

ص: 54

رواه عن مالك: يحيى بن يحيى النيسابوري، وعبد اللَّه بن مسلمة القعنبي (201 م)، وأبو مصعب الزهري (366)، وعبد الرحمن بن مهدي، والشافعي، وعبد اللَّه بن وهب، ويحيى بن يحيى الليثي، وقتيبة بن سعيد، وسويد بن سعيد الحدثاني (117)، ومحمد بن الحسن الشيباني (201).

2 -

عبيد اللَّه بن عمر العمري، قال: أخبرني نافع؛ أن ابن عمر كان إذا جدَّ به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق، ويقول: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا جدَّ به السير جمع بين المغرب والعشاء. لفظ يحيى [عند مسلم].

ولفظ عبدة [عند الترمذي]: عن ابن عمر؛ أنه استغيث على بعض أهله، فجدَّ به السير، فأخَّر المغرب حتى غاب الشفق، ثم نزل فجمع بينهما، ثم أخبرهم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك إذا جدَّ به السير.

وفي رواية حماد بن مسعدة: أن عبيد اللَّه سأل نافعًا، فقال: بعدما غاب الشفق بساعة.

أخرجه مسلم (703/ 43)، وأبو عوانة (2/ 78/ 2387)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 293/ 1578)، والترمذي (555)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام" (3/ 99/ 522) [لكن وقع عنده: قبل أن يغيب الشفق، وهو وهم]. وأحمد (2/ 4 و 54 و 80 و 102)، ومحمد بن عاصم الثقفي في جزئه (21)، والبزار (12/ 38/ 5428)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2096 و 2097)، والطحاوي (1/ 162)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (105)، وابن الأعرابى في المعجم (2358)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (388)، والدارقطني في السنن (1/ 392)، وفيما انتقاه من حديث أبي الطاهر الذهلي (117)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (51)، وأبو طاهر المخلص في الثامن من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (176)(1752 - المخلصيات)، وتمام في فوائده (1296)، والبيهقي (3/ 159)، والخطيب في تاريخ بغداد (7/ 270)، وفي الكفاية (220).

رواه عن عبيد اللَّه بن عمر: سفيان الثوري [وقع في روايته مقرونًا بيحيى بن سعيد الأنصاري، وموسى بن عقبة]، ويحيى بن سعيد القطان، وعبدة بن سليمان، ومحمد بن عبيد الطنافسي، وزائدة بن قدامة، وهشيم بن بشير، وعلي بن مسهر، وإسحاق بن يوسف الأزرق، وحماد بن مسعدة [وهم ثقات].

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

° فائدة: وقع عند الرامهرمزي ومن طريقه الخطيب في الكفاية: "قال يحيى [يعني: القطان]: حَدَّثتُ بهذا الحديث ست عشرة سنة بمكة، فكنت أقول: قبل أن يغيب الشفق، ثم نظرت في كتابى فإذا هو: بعد ما يغيب الشفق".

3 -

موسى بن عقبة [ثقة، إمام في المغازي]، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان

ص: 55

رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا جدَّ به السير، أو حزبه أمر، جمع بين المغرب والعشاء.

وفي رواية: أُخبر ابن عمر بوجع امرأته، وهو في سفر، فأخَّر المغرب، فقيل له: الصلاةَ، فسكت، وأخرها بعد ذهاب الشفق، حتى ذهب هوي من الليل، ثم نزل فصلى المغرب، ثم قال: هكذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يفعل إذا جدَّ به السير.

أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 289/ 599)، وابن حبان (4/ 356/ 1455)، وأحمد (2/ 80)، وعبد الرزاق (2/ 547/ 4402)، ومحمد بن عاصم الثقفي في جزئه (21)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2099)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 429/ 1155)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (105)، والدارقطني (1/ 392).

رواه عن موسى بن عقبة: سفيان الثوري، ومعمر بن راشد.

4 -

يحيى بن سعيد الأنصاري [ثقة ثبت، إمام]، عن نافع، قال: كنت مع عبد اللَّه بن عمر، وحفص بن عاصم [بن عمر]، ومساحق بن عمرو [بن خداش]، قال: فغابت الشمس، فقيل لابن عمر: الصلاةَ! قال: فسار، فقيل له: الصلاةَ! فقال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا عجل به السير أخَّر هذه الصلاة، وأنا أريد أن أؤخرها، قال: فسرنا حتى نصف الليل، أو قريبًا من نصف الليل، قال: فنزل، فصلاها. وفي رواية: سرنا إلى قريب من ربع الليل ثم نزل فصلى.

أخرجه أبو عوانة (2/ 78/ 2389)، وابن خزيمة (2/ 84/ 970)، وأحمد (2/ 77 و 80)، ومحمد بن عاصم الثقفي في جزئه (21)، والبزار (12/ 40/ 5433)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (105)، والدارقطني في السنن (1/ 392)، وفيما انتقاه من حديث أبي الطاهر الذهلي (117)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (51)، وأبو طاهر المخلص في الثامن من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (176)(1752 - المخلصيات).

رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري: يزيد بن هارون، وأبو خالد الأحمر سليمان بن حيان، وسفيان الثوري [رواه الثوري عن يحيى بن سعيد، مقرونًا بعبيد اللَّه بن عمر، وموسى بن عقبة، ورواه عن الثوري: عبد الرزاق، ويحيى بن آدم، ومخلد بن يزيد]، وهشيم بن بشير [رواه عن يحيى مقرونًا بعبيد اللَّه بن عمر].

وانظر فيمن وهم فيه على الثوري ما أخرجه الدارقطني في العلل (13/ 20/ 2906).

5 -

ورواه الليث بن سعد [ثقة ثبت، إمام]، قال: حدثني نافع؛ أن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما عجل [به] السير ذات ليلة، وكان قد استصرخ على بعض أهله ابنة أبي عبيد، فسار حتى همَّ الشفق أن يغيب، وأصحابه ينادونه للصلاة، فأبى عليهم، حتى إذا أكثروا عليه، قال: إني رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم[إذا عجل به السير] يجمع بين هاتين الصلاتين؛ المغرب والعشاء، وأنا أجمع بينهما.

ص: 56

أخرجه أبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2095)، والطحاوي (1/ 161).

6 -

ورواه عمر بن محمد بن زيد [ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب: مدني ثقة]: حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن ابن عمر أنه أقبل من مكة وجاءه خبر صفية بنت أبي عبيد فأسرع السير، فلما غابت الشمس قال له إنسان من أصحابه: الصلاة! فسكت، ثم سار ساعة، فقال له صاحبه: الصلاة! فسكت، فقال الذي قال له الصلاة: إنه ليعلم من هذا علمًا لا أعلمه، فسار حتى إذا كان بعدما غاب الشفق بساعة، نزل فأقام الصلاة، وكان لا ينادي لشيء من الصلاة [وفي رواية: من الصلوات] في السفر، فقام فصلى المغرب والعشاء جميعًا جمع بينهما، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جدَّ به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق بساعة، وكان يصلي على ظهر راحلته أين توجهت به السبحة في السفر، ويخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك.

أخرجه أبو عوانة (2/ 78/ 2388)، والبزار (12/ 38/ 5429)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (104)، والطبراني في الكبير (12/ 302/ 13182)، والدارقطني (1/ 390 - 391)، والبيهقي (3/ 160).

قال الذهبي في تهذيب السنن (3/ 1093): "إسناده ثابت".

قلت: هكذا رواه عن عمر بن محمد بن زيد: الوليد بن مزيد، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، وعبد الله بن وهب [مختصرًا، وقرن سالمًا بنافع][وهم ثقات حفاظ].

وهذا لفظ الوليد بن مزيد، ولم يسق البزار لفظ أبي عاصم وإنما أحاله على حديث عبيد الله بن عمر، ولفظ ابن وهب مختصر.

* وخالفهم: عاصم بن محمد [ثقة]، فرواه عن أخيه عمر بن محمد، عن نافع، عن سالم، قال: أتى عبدَ الله بن عمر خبرٌ من صفية فأسرع السير، ثم ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وقال: بعد أن غاب الشفق بساعة.

أخرجه الدارقطني (1/ 391).

قلت: رواية الجماعة هي الصواب، والحديث معروف عن نافع وسالم، لا عن نافع عن سالم، فجعل بعضهم مكان حرف العطف: عن.

وأما رفع هذا القيد: "بعد أن يغيب الشفق بساعة"؛ فإنه شاذ، والصواب وقفه على ابن عمر، فقد رواه جماعة الثقات عن نافع موقوفًا على ابن عمر، مع اختلاف بينهم في توقيت نزوله، لا سيما وفيهم أثبت الناس في نافع: مالك، وعبيد الله، وأيوب.

7 -

ورواه ابن جريج [ثقة حافظ، من أثبت أصحاب نافع]، قال: أخبرني نافع، قال: جمع ابن عمر بين الصلاتين [في السفر] مرةً واحدةً، قال: جاءه خبر عن صفية بنت أبي عبيد، أنها وجِعةٌ، فارتحل بعد أن صلى العصر، [وترك الأثقال]، ثم أسرع السير، فسار حتى حانت صلاة المغرب، فكلمه رجل من أصحابه فقال: الصلاةَ! فلم يرجع إليه،

ص: 57

ثم كلمه آخر فلم يرجع إليه، وكلمه آخر فلم يرجع إليه شيئًا، ثم كلمه آخر، فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استعجل [به السير] أخَّر هذه الصلاة حتى يجمع بين الصلاتين. لفظ عبد الرزاق، وما بين المعكوفين لمحمد بن بكر البرساني.

أخرجه أحمد (2/ 150)، وعبد الرزاق (2/ 547/ 4401)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2098).

8 -

ورواه إسماعيل بن أمية [ثقة ثبت]، عن نافع؛ أن ابن عمر كان يصلي في السفر كل صلاة لوقتها؛ إلا صلاةً، أُخبر بوجع امرأته، فإنه جمع بين المغرب والعشاء، فقيل له؟ فقال: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل إذا جدَّ به المسير، جمع بين المغرب والعشاء، فكان في بعض حديثهم: إلى الربع من الليل، أخَّرهما جميعًا.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 547/ 4403)، ومن طريقه: أبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2100).

وبهاتين الروايتين يتبين لنا أن ابن عمر لم يجمع بين الصلاتين في السفر إلا في هذه الواقعة، وأنه كان في أسفاره يصلي كل صلاة لوقتها، والله أعلم [وانظر للفائدة: الأوسط لابن المنذر (2/ 425)].

9 -

ورواه عبد العزيز بن أبي رواد [صدوق، له ما لا يتابع عليه]، عن نافع، قال: أخبرني ابن عمر؛ أن صفية بنت أبي عبيد امرأته تموت، قال: سار حتى أظلمنا، وظننا أنه قد نسي، قال: فجعلنا نقول: الصلاةَ! وهو لا يجيبنا حتى ذهب نحو من ربع الليل، قدر ما يسير المثقلون من عرفة إلى مزدلفة، ثم نزل فصلى المغرب، ثم أقبل علينا فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجله المسير أو أزمع به المسير جمع بين هاتين الصلاتين، ثم صلى العشاء.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 546/ 4400).

وأظن قوله: أزمع به المسير، هو بمعنى ما قبله: عجله المسير، يعني: إذا جدَّ به السير فلم ينزل حتى يدخل وقت العشاء ويغيب الشفق؛ لأن: الإزماع من الإقدام، وقيل: زمع مقلوب عزم، فكأن المسير أقدم به وتطاول حتى خرج به عن وقت المغرب وغاب الشفق، والله أعلم [راجع معنى الإزماع: جمهرة اللغة (2/ 817)، الاشتقاق (95)، معجم تهذيب اللغة (2/ 1556)، معجم الصحاح (457)، معجم المقاييس في اللغة (460)].

(10 و 11) ورواه يحيى بن أبي كثير [ثقة ثبت، وعنه: شيبان بن عبد الرحمن النحوي، وهو: ثقة، من أصحاب يحيى]، وعبد الله بن عمر العمري [ليس بالقوي]:

عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به السير [وقال العمري: جدَّ به السير] جمع بين المغرب والعشاء.

ولفظ العمري عند ابن المنذر: عن ابن عمر أنه كان يصلي في السفر كل صلاة لوقتها. قلت: يعني إلا هذه السفرة.

ص: 58

أخرجه أحمد (2/ 106)، والبزار (12/ 39/ 5431)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 424/ 1150).

12 -

ورواه محمد بن إسحاق [مدني، صدوق]، عن نافع، قال: كان ابن عمر إذا أعجله السير أخَّر المغرب حتى إذا ذهب الشفق نزل، فجمع بينها وبين عشاء الآخرة، ويقول: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل إذا أعجله السير.

أخرجه عبد بن حميد (749).

13 -

ورواه عقبة بن عبد الله الأصم [ضعيف]، عن نافع؛ أن ابن عمر حدثه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أعجله السير أخر المغرب حتى يجمع بينهما وبين العشاء الآخرة، وقد فعله ابن عمر وأنا معه.

أخرجه أبو أمية الطرسوسي في مسند ابن عمر (85).

14 -

ورواه حجاج بن أرطأة [ليس بالقوي، وروايته هنا بالمعنى]، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في السفر.

أخرجه ابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (55)، بإسناد صحيح إلى حجاج.

15 -

ورواه عبد الرحمن السراج [هو: عبد الرحمن بن عبد الله السراج البصري: ثقة، ذكره ابن المديني في الطبقة السابعة من أصحاب نافع]، عن نافع، قال: كنت مع ابن عمر في سفر، فأسرع السير حتى غربت الشمس، فناديته: يا أبا عبد الرحمن الصلاة! فسار حتى اشتبكت النجوم، ثم نزل فصلى المغرب وصلى العشاء ركعتين، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجِل به أمر صلى هكذا.

أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 68/ 3630)، من طريق: هلال بن بشر الذارع [هو البصري الأحدب المترجم في التهذيب، وهو: ثقة]، قال: نا سالم بن نوح، عن عمر بن عامر [صدوق]، عن عبد الرحمن السراج به.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عبد الرحمن السراج إلا عمر بن عامر، ولا رواه عن عمر إلا سالم بن نوح، تفرد به: هلال بن بشر".

قلت: هو حديث غريب، تفرد به سالم بن نوح العطار: ليس به بأس، لكن له غرائب وأفراد لينوه بسببها [انظر: التهذيب (1/ 680)، الميزان (2/ 113)]، وهذا منها [وانظر في مناكيره أيضًا: ما تقدم تحت الحديث رقم (607)، الشاهد السادس].

* قال البيهقي: "اتفقت رواية يحيى بن سعيد الأنصاري، وموسى بن عقبة، وعبيد الله بن عمر، وأيوب السختياني، وعمر بن محمد بن زيد، عن نافع على أن جمع ابن عمر بين الصلاتين كان بعد غيبوبة الشفق، وخالفهم من لا يدانيهم في حفظ أحاديث نافع".

قلت: وتابعهم أيضًا: إسماعيل بن أمية، وابن إسحاق، وعبد العزيز بن أبي رواد، وهم أثبت في نافع، وأكثر عددًا ممن خالفهم في ذلك.

ص: 59

16 -

فقد رواه أسامة بن زيد [الليثي مولاهم: صدوق، صحيح الكتاب، يخطئ إذا حدث من حفظه، وقد أنكروا عليه أحاديث. تقدمت ترجمته مفصلة عند الحديث رقم (394 و 600 و 619)]، قال: أخبرني نافع؛ أن ابن عمر رضي الله عنه جدَّ به السير، فراح روحة، لم ينزل إلا لظهر أو لعصر، وأخَّر المغرب حتى صرخ به سالم، قال: الصلاة! فصمت ابن عمر رضي الله عنهما، حتى إذا كان عند غيبوبة الشفق، نزل فجمع بينهما، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هكذا إذا جدَّ به السير.

أخرجه الطحاوي (1/ 163).

وهذه رواية منكرة؛ فقد رواه ابن جريج وقال فيه: فارتحل بعد أن صلى العصر، وهذا ظاهره أنه صلى العصر بمكة، لا في أثناء الطريق، وابن جريج أثبت في نافع من أسامة بن زيد الليثي، ورواية أيوب تؤيد رواية ابن جريج.

وكذلك قوله: حتى إذا كان عند غيبوبة الشفق نزل فجمع بينهما، والمحفوظ من رواية جماعة من أصحاب نافع أن نزول ابن عمر كان بعد غياب الشفق، واختلفوا في تحديد المدة، فمنهم من قال: بعد غيابه بساعة، ومنهم من قال: حتى ذهب هوي من الليل، ومنهم من قال: قريبًا من نصف الليل، أو ربع الليل، ومنهم من قال: ربع الليل، ومن هؤلاء: أيوب السختياني، وعبيد الله بن عمر، وموسى بن عقبة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعمر بن محمد بن زيد، وإسماعيل بن أمية، ومحمد بن إسحاق، وعبد العزيز بن أبي رواد.

17 -

ورواه محمد بن عبيد بن محمد بن واقد المحاربي، وهارون بن إسحاق، وعلي بن المنذر الطريقي [وهم ثقات]:

قالوا: حدثنا محمد بن فضيل [صدوق]، عن أبيه [كوفي، ثقة]، عن نافع، وعبد الله بن واقد؛ أن مؤذن ابن عمر قال: الصلاة! قال: سِرْ سِرْ، حتى إذا كان قبل غُيُوب الشفق [وفي رواية: قبل غيبوبة الشفق] نزل فصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق وصلى العشاء، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجِلَ به أمرٌ صنع مثل الذي صنعت، فسار في ذلك اليوم والليلة مسيرة ثلاث.

أخرجه أبو داود (1212)، والبزار (12/ 39/ 5430)، والدارقطني (1/ 393)(2/ 244/ 1467 - ط. الرسالة).

* ورواه جرير بن عبد الحميد [ثقة]، ووكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، وغيرهما:

عن فضيل بن غزوان [كوفي، ثقة]، عن نافع، وعبد الله بن واقد [ولم يذكر وكيع: عبد الله بن واقد]، قالا: جاء الصريخُ ابنَ عمر بأن صفية بنت أبي عبيد ثقيلة، فسار ابن عمر في ليلةٍ مسيرَ ثلاث ليال، قال: فقلت له: الصلاة، المغرب، الصلاة! فسكت، ثم قلت: الصلاة، فسكت، مرارًا، فلما كاد يغيب الشفق نزل فصلى المغرب والعشاء، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بادر حاجة صنع كما صنعت. لفظ جرير، وأما لفظ وكيع فبنحو لفظ ابن فضيل.

ص: 60

أخرجه أبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2101)، والطبراني في الأوسط (7/ 308/ 7578)، والدارقطني (1/ 393)(2/ 244/ 1466 - ط. الرسالة)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 304).

وهذا حديث شاذ بذكر النزول قبل غياب الشفق، والمحفوظ: أن ابن عمر إنما نزل بعد غياب الشفق، كما رواه ثقات أصحاب نافع وغيرهم: أيوب السختياني، وعبيد الله بن عمر، وموسى بن عقبة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعمر بن محمد بن زيد، وإسماعيل بن أمية، ومحمد بن إسحاق، وعبد العزيز بن أبي رواد.

18 -

ورواه عيسى بن يونس، والوليد بن مزيد، والوليد بن مسلم، وبشر بن بكر [وهم ثقات]:

قال ابن مزيد: سمعت ابن جابر، يقول: حدثني نافع، قال: خرجت مع عبد الله بن عمر وهو يريد أرضًا له، فنزل منزلًا، فأتاه رجل فقال له: إن صفية بنت أبي عبيد لما بها، ولا أظن أن تدركها، وذلك بعد العصر، قال: فخرج مسرعًا ومعه رجل من قريش [يسايره]، فسرنا حتى إذا غابت الشمس لم يقل لي: الصلاة، وكان عهدي بصاحبي وهو محافظ على الصلاة، فلما أبطأ قلت: الصلاةَ يرحمك الله! فما التفت إليَّ، ثم مضى كما هو حتى إذا كان من آخر الشفق نزل فصلى المغرب، ثم أقام الصلاة، وقد توارى الشفق فصلى بنا، ثم أقبل علينا، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل به الأمر [وفي رواية: السير] صنع هكذا.

أخرجه أبو داود (1213)[من طريق عيسى بن يونس، ولم يسق لفظه]. والنسائي في المجتبى (1/ 288/ 595)، وفي الكبرى (2/ 223/ 1582)[من طريق الوليد بن مسلم بنحوه]، والطحاوي (1/ 163)[من طريق بشر بن بكر]. والطبراني في مسند الشاميين (622)[من طريق الوليد بن مسلم]. والدارقطني (1/ 393)(2/ 244/ 1468 - ط. الرسالة)[من طريق الوليد بن مزيد] و (2/ 245/ 1469 - ط. الرسالة)[من طريق عيسى]. والبيهقي (3/ 160)[من طريق الوليد بن مزيد، واللفظ له].

قال البيهقي: "وبمعناه رواه فضيل بن غزوان، وعطاف بن خالد، عن نافع، ورواية الحفاظ من أصحاب نافع أولى بالصواب، فقد رواه سالم بن عبد الله، وأسلم مولى عمر، وعبد الله بن دينار، وإسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب وقيل: ابن ذؤيب، عن ابن عمر نحو روايتهم".

قلت: وهو كما قال، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر: شامي ثقة، ورواية أثبت الناس في نافع هي الصواب، ويقال فيه مثل ما قيل في سابقه: حديث شاذ بذكر النزول قبل غياب الشفق.

19 -

العطَّاف بن خالد، عن نافع، قال: أقبلنا مع ابن عمر [صادرين] من مكة، [حتى إذا كنا ببعض الطريق استُصرخ على صفية زوجته، فأسرع السير، وكان إذا غابت

ص: 61

الشمسُ نزل فصلى المغرب]، فلما كان تلك الليلة سار بنا حتى أمسينا، فظننا أنه نسي الصلاة، فقلنا له: الصلاةَ! فسكت، وسار حتى كاد الشفق أن يغيب، ثم نزل فصلى، وغاب الشفق فصلى العشاء، ثم أقبل علينا فقال: هكذا كنا نصنع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير.

أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 288/ 596)، وفي الكبرى (2/ 223/ 1581)، والطحاوي (1/ 163)، والدارقطني (1/ 393 - 394)(2/ 245/ 1470 - ط. الرسالة)، وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (24)، وابن عساكر في المعجم (390).

قلت: هو حديث شاذ بذكر النزول قبل غياب الشفق، وعطاف بن خالد: ليس به بأس، أعرض عنه صاحبا الصحيح، وقد حدث بأحاديث لم يتابع عليها [التهذيب (3/ 112)، الميزان (3/ 69)، وانظر في أوهامه: ما تقدم برقم (581 و 656)].

* والحاصل: أن الثابت عن ابن عمر: أنه إنما صلى المغرب وجمع بينها وبين العشاء بعد غياب الشفق، وأن نزوله لصلاة المغرب لم يكن قبل غياب الشفق، وإنما كان بعده بمدة، فمنهم من قدرها بساعة، أو بربع الليل، أو قريبًا من نصف الليل، أو بعد ذهاب هوي من الليل، هكذا رواه جماعة من ثقات أصحاب نافع الذين سميناهم، وهكذا رواه جماعة من أصحاب ابن عمر يأتي ذكر أحاديثهم، وهم: سالم بن عبد الله بن عمر، وأسلم العدوي مولى عمر، وإسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب، وعبد الله بن دينار.

20 -

ورواه مختصرًا بدون موضع الشاهد:

عبد الله بن عون [ثقة ثبت]، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه سار من مكة إلى المدينة في ثلاث، حين استصرخ على صفية.

أخرجه ابن سعد في الطبقات (4/ 157)، ابن أبى شيبة (3/ 228/ 13698).

21 -

وخالفهم جميعًا فوهم في متنه:

خصيف بن عبد الرحمن الجزري [ليس بالقوي، سيئ الحفظ]، فرواه عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا جدَّ به السير أخَّر الظهر وعجَّل العصر، وأخَّر المغرب وعجَّل العشاء.

أخرجه البزار (12/ 40/ 5432).

وهذا حديث منكر.

وله طرق أخرى عن ابن عمر:

1 -

روى شعيب بن أبي حمزة، وسفيان بن عيينة، ومعمر بن راشد، ومحمد بن الوليد الزبيدي، وإبراهيم بن أبي عبلة، وعبد الرحمن بن نمر اليحصبي [وهم من ثقات أصحاب الزهري]، وغيرهم:

عن الزهري، قال: أخبرني سالم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم-

ص: 62

إذا أعجله السير في السفر يؤخِّر صلاةَ المغرب، حتى يجمع بينها وبين العشاء.

قال سالم: وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يفعله إذا أعجله السير، ويقيم المغرب فيصليها ثلاثًا، ثم يسلم، ثم قلما يلبث حتى يقيم العشاء، فيصليها ركعتين، ثم يسلم، ولا يسبح بينهما بركعة، ولا بعد العشاء بسجدة، حتى يقوم من جوف الليل. لفظ شعيب [عند البخاري (1091 و 1109)] [ووقع عند السراج (2094): رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا عجل به السير في السفر يقيم صلاة المغرب فيصليها ثلاثًا، ثم يسلم، ثم قلما يلبث حتى يقصر صلاة العشاء، فيصليها ركعتين، ثم يسلم، ولا يسبح بينهما بركعة، ولا يسبح بعد العشاء بسجدة، حتى يقوم من جوف الليل. هكذا مرفوعًا، ورفعه وهم؛ إنما هو فعل ابن عمر، وهو المحفوظ من حديث أبي اليمان عن شعيب].

وقال ابن عيينة [عند البخاري (1106)، ومسلم (703/ 44)]: كان النبي صلى الله عليه وسلم[وفي رواية: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجمع بين المغرب والعشاء إذا جدَّ به السير.

وقال معمر [عند عبد الرزاق]: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل في السير جمع بين المغرب والعشاء.

ولفظ الزبيدي [عند أبي عوانة]: أن ابن عمر جمع بين المغرب والعشاء في سفر، وأذن في كل واحد منهما بالإقامة، ولا يسبح بينهما، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجله السير يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء.

أخرجه البخاري (1091 و 1106 و 1109)، ومسلم (703/ 44)، وأبو عوانة (2/ 78/ 2385) و (2/ 79/ 2390)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 293/ 1579)، والنسائي في المجتبى (1/ 287/ 592) و (1/ 290/ 600)، وفي الكبرى (2/ 222/ 1580)، والدارمي (1/ 427/ 1517)، وابن خزيمة (2/ 81/ 964 و 965)، وابن الجارود (226)، وأحمد (2/ 8 و 148)، والشافعي في المسند (26)، وعبد الرزاق (2/ 544/ 4392 و 4393)، والحميدي (628)، وابن أبي شيبة (2/ 209/ 8226) و (7/ 283/ 36108)، وأبو يعلى (9/ 298/ 5422) و (9/ 368/ 5485) و (9/ 398/ 5530)، والروياني (1390)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2090 و 2093 و 2094)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2785)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 420/ 1142)، والطحاوي (1/ 161)، وابن الأعرابي في المعجم (1351)، والطبراني في الكبير (12/ 278/ 13107) و (12/ 13128/284)، وفي مسند الشاميين (70) و (4/ 122/ 2894) و (4/ 230/ 3152)، والبيهقي في السنن (3/ 159 و 165)، وفي المعرفة (2/ 448/ 1640)، وأبو القاسم المهرواني في فوائده "المهروانيات"(161)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 66/ 928)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (43/ 206).

2 -

وروى يونس بن يزيد [ثقة، من أصحاب الزهري]، عن ابن شهاب، قال سالم: كان ابن عمر رضي الله عنهما يجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة.

ص: 63

قال سالم: وأخر ابن عمر المغرب، وكان استُصرِخ على امرأته صفية بنت أبي عبيد، فقلت له: الصلاةَ! فقال: سِرْ، فقلت: الصلاةَ! فقال: سِرْ، حتى سار ميلين أو ثلاثة، ثم نزل فصلى، ثم قال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إذا أعجله السير.

وقال عبد الله: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير يؤخر المغرب، فيصليها ثلاثًا، ثم يسلم، ثم قلما يلبث حتى يقيم العشاء، فيصليها ركعتين، ثم يسلم، ولا يسبح بعد العشاء حتى يقوم من جوف الليل. [واللفظ بتمامه للبخاري].

وفي رواية له [عند مسلم]: عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم بن عبد الله؛ أن أباه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير في السفر يؤخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين صلاة العشاء.

علقه البخاري برقم (1092)، ووصله: مسلم (703/ 45)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 293/ 1580).

* ورواه ابن أبي ذئب عن الزهري، واختلف عليه الثقات في إسناده [أخرجه أبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2783 و 2784)] [وابن أبي ذئب: ثقة، وفي روايته عن الزهري شيء].

* تنبيه: رواية ابن أبي ذئب عن الزهري في الجمع بمزدلفة، أخرجها البخاري (1673)، ويأتي تخريجها في السنن برقم (1927).

* وانظر فيمن وهم فيه على الزهري: ما أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 235/ 5183)[وفي إسناده: زكريا بن عيسى، وهو: منكر الحديث. الجرح والتعديل (3/ 597)، اللسان (3/ 511)].

* هكذا رواه الزهري عن سالم عن ابن عمر:

وخالفه:

كثير بن قاروندا [وعنه: يزيد بن زريع، والنضر بن شميل]، قال: سألت سالم بن عبد الله عن صلاة أبيه في السفر، وسألناه هل كان يجمع بين شيء من صلاته في سفره؟ [فقال: لا؛ إلا بجمع، ثم أتيته] فذكر أن صفية بنت أبي عبيد كانت تحته، فكتبت إليه وهو في زَرَّاعة له: أني في آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من الآخرة، فركب فأسرع السير إليها؛ حتى إذا حانت صلاة الظهر قال له المؤذن: الصلاة يا أبا عبد الرحمن! فلم يلتفت حتى إذا كان بين الصلاتين نزل، فقال: أقم، فإذا سلمت فأقم، فصلى، ثم ركب حتى إذا غابت الشمس قال له المؤذن: الصلاة، فقال: كفعلك في صلاة الظهر والعصر، ثم سار حتى إذا اشتبكت النجوم نزل، ثم قال للمؤذن: أقم، فإذا سلمت فأقم، فصلى ثم انصرف، فالتفت إلينا، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حضر [وفي نسخة: إذا حفز] أحدكم الأمرُ الذي يخاف فوته فليُصلِّ هذه الصلاة". لفظ يزيد.

وفي رواية النضر:. . . فسار حتى إذا كان بين الصلاتين نزل، فقال للمؤذن: أقم،

ص: 64

فإذا سلمتُ من الظهر فأقم مكانك، فأقام، فصلى الظهر ركعتين ثم سلم، ثم أقام مكانه فصلى العصر ركعتين، ثم ركب، فأسرع السير حتى غابت الشمس، فقال له المؤذن: الصلاة يا أبا عبد الرحمن! فقال: كفعلك الأول، فسار حتى إذا اشتبكت النجوم نزل، فقال: أقم، فإذا سلمتُ فأقم، فصلى المغرب ثلاثًا، ثم أقام مكانه فصلى العشاء الآخرة، ثم سلم واحدة تلقاء وجهه، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حضر أحدكم أمر يخشى فوته فليصل هذه الصلاة".

أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 588/285) و (1/ 288 - 289/ 597)، وفي الكبرى (2/ 221/ 1577)، والطبراني في الكبير (12/ 319/ 13233).

قلت: هو حديث منكر بهذا السياق؛ كثير بن قاروندا: ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جمع من الثقات [التهذيب (3/ 464)]، وحري به أن يضعَّف.

فقد قال ابن القطان عنه في بيان الوهم (5/ 41/ 2280) وهو بصدد الكلام عن هذا الحديث بعينه: "وهو ممن لا تعرف حاله؛ وإن كان قد روى عنه جماعة، منهم: يزيد بن زريع، والنضر بن شميل، وروح بن عبادة، وعلي بن عبد العزيز.

وإلى هذا؛ فإن الحديث المذكور منكر، من حيث عُلِم من رواية ابن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع فقط، فأما هذا اللفظ الذي قال بعده؛ فلا يعرف إلا من رواية كثير هذا".

قلت: هكذا أنكر عليه ابن القطان الفاسي هذا الحديث، لتفرده فيه بزيادات لم يأت بها غيره، وراجع الكلام عن كثير بن قاروندا في موضع سابق عند الحديث رقم (520)، الطريق رقم (22)[فضل الرحيم الودود (6/ 145/ 520)].

3 -

ورواه محمد بن عمرو بن علقمة، عن سالم، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جدَّ به السير أخَّر هذه الصلاة، يعني: المغرب.

أخرجه البزار (12/ 268/ 6046)، بإسناد صحيح إلى محمد بن عمرو.

وهو حديث صحيح.

4 -

وروى سعيد بن أبي مريم: أخبرنا محمد بن جعفر، قال: أخبرني زيد -هو: ابن أسلم-، عن أبيه، قال: كنت مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بطريق مكة، فبلغه عن صفية بنت أبي عبيد شدَّةُ وجعٍ، فأسرع السير حتى كان بعد غروب الشفق نزل، فصلى المغرب والعتمة، جمع بينهما، وقال: إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا جدَّ به السير أخَّر المغرب، وجمع بينهما.

أخرجه البخاري (1805 و 3000)، والبيهقي (3/ 160)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 66/ 927).

5 -

وروى أحمد بن حنبل، والحميدي، والشافعي، وإسحاق بن راهويه، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وإبراهيم بن بشار الرمادي، وغيرهم:

عن سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن إسماعيل بن عبد الرحمن [ابن أبي ذؤيب الأسدي]-شيخ من قريش-، قال: صحبت ابن عمر إلى الحمى، فلما غربت

ص: 65

الشمس هِبْتُ أن أقول له: الصلاةَ، فسار حتى ذهب بياض الأفق وفحمة العشاء [وقال في رواية الحميدي: فلما غاب الشفق، ولم يقل: حتى ذهب بياض الأفق وفحمة العشاء]، ثم نزل فصلى المغرب ثلاث ركعات، ثم صلى ركعتين على إثرها، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل.

زاد الحميدي: قال سفيان: وكان ابن أبي نجيح كثيرًا إذا حدث بهذا الحديث لا يقول فيه: فلما غاب الشفق، يقول: فلما ذهب بياض الأفق وفحمة العشاء نزل فصلى، فقلت له؟ فقال: إنما قال إسماعيل: غاب الشفق، ولكني أكرهه، فإذًا أقول هكذا؛ لأن مجاهدًا حدثنا: أن الشفق النهار، قال سفيان: فأنا أحدث به هكذا مرة وهكذا مرة.

أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 286 - 287/ 591)، وفي الكبرى (2/ 224/ 1583)، وأحمد (2/ 12)، والشافعي في الأم (1/ 77)، وفي المسند (29)، والحميدي (697)، والطحاوي (1/ 161)، وابن حبان في الثقات (4/ 18)، والطبراني في الكبير (13/ 61/ 13687)، والبيهقي في السنن (3/ 161)، وفي المعرفة (2/ 449/ 1642)، والضياء في المختارة (13/ 136/ 218).

وهذا إسناد صحيح، وإسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب الأسدي: ثقة.

6 -

وروى الليث بن سعد، قال: قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن [قال ابن وهب: يعني: كتب إليه]: حدثني عبد الله بن دينار -وكان من صالحي المسلمين صدقًا ودينًا-، قال: غابت الشمس، ونحن مع عبد الله بن عمر، فسرنا، فلما رأيناه قد أمسى قلنا له: الصلاةَ! فسكت، فسار حتى غاب الشفقُ، وتصوَّبتِ النجومُ، فنزل فصلى الصلاتين جميعًا، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جدَّ به السيرُ صلى صلاتي هذه، يقول: جمع بينهما بعد ليلٍ.

أخرجه أبو داود (1217)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 704)، والطبراني في الأوسط (8/ 294/ 8677)، والبيهقي (3/ 160)، وأبو موسى المديني في اللطائف (417).

رواه عن الليث بن سعد: عبد الله بن وهب، ويحيى بن عبد الله بن بكير، وأبو صالح عبد الله بن صالح.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن ربيعة إلا الليث".

وهذا إسناد صحيح، ورواية الليث بن سعد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن في صحيح البخاري (2346 و 2347)، وقد روى عنه أيضًا بواسطة.

7 -

وروى عبد الله بن نافع [هو الصائغ المدني، وهو: ثقة، صحيح الكتاب، في حفظه لين]، عن أبي مودود [عبد العزيز بن أبي سليمان المدني: ثقة. التهذيب (2/ 586)]، عن سليمان بن أبي يحيى، عن ابن عمر، قال: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرةً.

أخرجه أبو داود (1209)، قال: حدثنا قتيبة: حدثنا عبد الله بن نافع به.

ص: 66

وهذا الحديث وهمٌ وخطأ؛ إنما هو من فعل ابن عمر.

وسليمان بن أبي يحيى، قال أبو حاتم:"ما بحديثه بأس"، وذكره ابن حبان في الثقات، وسماه سليمان بن يحيى، وما له في الكتب الستة سوى هذا الحديث [الجرح والتعديل (4/ 149)، الثقات (4/ 304)، إكمال مغلطاي (6/ 102)، التهذيب (2/ 112)].

فإما أن يكون الوهم منه في هذا الحديث، أو يكون الوهم من عبد الله بن نافع، فإن في حفظه لينًا، إذا حدث من حفظه ربما أخطأ، وقد تكلم في حفظه: أحمد، والبخاري، وأبو حاتم، وابن حبان، وغيرهم، وكتابه أصح؛ فهو صحيح الكتاب، وليس عندنا ما يدل على أنه حدث بهذا الحديث من كتابه [انظر: التهذيب (2/ 443)، الميزان (2/ 513)، السير (10/ 371)، سؤالات أبي داود للإمام أحمد (211)، سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي (375)، الجرح والتعديل (5/ 183)] [راجع في أوهامه: فضل الرحيم الودود (4/ 129/ 338) و (5/ 520/ 497)].

قال أبو داود: "وهذا يروى عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، موقوفًا على ابن عمر؛ أنه لم يُرَ ابن عمر جمع بينهما قطٌّ إلا تلك الليلة، يعني: ليلة استُصرخ على صفية.

وروي من حديث مكحول، عن نافع؛ أنه رأى ابن عمر فعل ذلك مرةً أو مرتين".

وقال البيهقي: "هذا الإسناد ليس بواضح، وقد روينا عن ابن عمر بالأسانيد الصحيحة إخباره عن دوام فعله صلى الله عليه وسلم بقوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم"[مختصر الخلافيات (2/ 324)].

قلت: أما المرفوع من هذا الحديث: فهو كما رواه الجماعة من أصحاب ابن عمر.

ولفظ نافع عن ابن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جدَّ به السير جمع بين المغرب والعشاء.

ولفظ سالم عن أبيه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير في السفر يؤخِّر صلاةَ المغرب، حنى يجمع بينها وبين العشاء.

وهذا السياق يدل على أن ابن عمر رأى النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة يجمع بين المغرب والعشاء كلما أعجله السير وجدَّ به، وأن هذه كانت عادته صلى الله عليه وسلم.

وأما ابن عمر: فقد جاء التصريح من بعض أصحاب نافع بأن هذا الجمع لم يقع من ابن عمر في السفر إلا مرة واحدة.

فهذا ابن جريج [وهو: ثقة حافظ، من أثبت أصحاب نافع]، قال: أخبرني نافع، قال: جمع ابن عمر بين الصلاتين في السفر مرةً واحدةً،. . . الحديث.

وهذا إسماعيل بن أمية [وهو: ثقة ثبت]، رواه عن نافع؛ أن ابن عمر كان يصلي في السفر كل صلاة لوقتها؛ إلا صلاةً، أُخبر بوجع امرأته،. . . الحديث.

وحكاه أبو داود من رواية أيوب، ومن رواية مكحول، كلاهما عن نافع به.

* وللحديث إسناد آخر غريب: أخرجه جعفر المستغفري في فضائل القرآن (566).

ص: 67

* ولم أذكر هنا طرق حديث سالم ونافع عن ابن عمر في الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة، فقد أرجأت الكلام عليها إلى موضعها من كتاب المناسك (1926 - 1933)، فقد استطرد أبو داود في ذكر طرقها هناك.

* وقد روي حديث ابن عمر هذا:

* من حديث أنس بإسناد تالف [أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 371/ 7759)][تفرد به عن ثابت البناني: المنذر بن زياد الطائي، وهو: متروك، كذبه الفلاس، واتُّهم بالوضع. اللسان (8/ 152)].

* ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ولا يثبت [أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 263/ 8584)] [تفرد به عن عمرو: عبد الكريم بن أبي المخارق، أبو أمية البصري: مجمع على ضعفه، وقال النسائي والدارقطني: متروك، وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله:"ضعيف"، وفي رواية أبي طالب:"ليس هو بشيء، شبه المتروك"، التهذيب (2/ 603)، الميزان (2/ 646)، الجرح والتعديل (6/ 60)].

* قال ابن خزيمة بعد حديث ابن عمر (970): "في هذا الخبر وخبر ابن شهاب عن أنس: ما بان وثبت أن الجمع بين الظهر والعصر في وقت العصر، وبين المغرب والعشاء في وقت العشاء بعد غيبوبة الشفق؛ جائزٌ، لا على ما قال بعض العراقيين: إن الجمع بين الظهر والعصر: أن يصلي الظهر في آخر وقتها، والعصر في أول وقتها، والمغرب في آخر وقتها قبل غيبوبة الشفق،. . .".

***

1208 -

قال أبو داود: حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني: حدثنا المفضل بن فضالة، والليث بن سعد، عن هشام بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل، جمع بين الظهر والعصر، وإن يرتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّر الظهر حتى ينزل للعصر، وفي المغرب مثل ذلك، إن غابت الشمس قبل أن يرتحل، جمع بين المغرب والعشاء، وإن يرتحل قبل أن تغيب الشمس، أخَّر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما.

قال أبو داود: رواه هشام بن عروة، عن حسين بن عبد الله، عن كريب، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث المفضل والليث.

• حديث منكر

تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1206).

ص: 68

وأما ما علقه أبو داود من حديث ابن عباس: فهو حديث منكر من حديث عكرمة، وسيأتي تخريجه في موضعه تحت الحديث رقم (1214).

***

1209 -

قال أبو داود: حدثنا قتيبة: حدثنا عبد الله بن نافع، عن أبي مودود، عن سليمان بن أبي يحيى، عن ابن عمر، قال: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء قطُّ في السفر إلا مرةً.

قال أبو داود: وهذا يروى عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، موقوفًا على ابن عمر؛ أنه لم يُرَ ابن عمر جمع بينهما قطُّ إلا تلك الليلة، يعني: ليلة استُصرخ على صفية.

وروي من حديث مكحول، عن نافع؛ أنه رأى ابن عمر فعل ذلك مرةً أو مرتين.

***

هذا الحديث وهمٌ وخطأ؛ إنما هو من فعل ابن عمر

تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1207).

1210 -

. . . مالك، عن أبي الزبير المكي، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا، في غير خوف ولا سفر.

قال: قال مالك: أُرى ذلك كان في مطر.

قال أبو داود: ورواه حماد بن سلمة نحوه عن أبي الزبير، ورواه قرة بن خالد، عن أبي الزبير، قال: في سفرة سافرناها إلى تبوك.

حديث صحيح

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 207/ 385)، ومن طريقه: مسلم (705/ 49)، وأبو عوانة (2/ 81/ 2397)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 294/ 1584)، وأبو داود (1210)، والنسائي في المجتبى (1/ 290/ 601)، وفي الكبرى (2/ 224 - 225/ 1586)، وابن خزيمة (2/ 85/ 972)، وابن حبان (4/ 471/ 1596)، والشافعي في الأم (7/ 205)، وفي السنن (22)، وفي المسند (214)، وإسماعيل القاضي في الخامس من مسند حديث مالك (51 و 52)، والطحاوي (1/ 160)، والجوهري في مسند الموطأ (245)، والبيهقي في السنن (3/ 166)، وفي المعرفة (2/ 452/ 1647)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 197/ 1043)، وقال:"صحيح"، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 69/ 934).

رواه عن مالك: عبد الله بن مسلمة القعنبي (203)، وعبد الله بن يوسف التنيسي، ويحيى بن يحيى النيسابوري، والشافعي، وأبو مصعب الزهري (368)، وعبد الرحمن بن

ص: 69

القاسم (109 - بتلخيص القابسي)، وعبد الله بن وهب، وقتيبة بن سعيد، ويحيى بن يحيى الليثي (385)، وسويد بن سعيد الحدثاني (117).

قال ابن عبد البر في التمهيد (12/ 209): "وهذا حديث صحيح إسناده ثابت".

وقال في الاستذكار (2/ 210): "وهذا الحديث صحيح، لا يختلف في صحته".

وانظر فيمن وهم في إسناده على مالك: ما أخرجه ابن المظفر في غرائب مالك (40).

* تابع مالكًا عليه، لكن قيده بالمدينة، زيادة على نفي كونه حال السفر:

أ - زهير بن معاوية [كوفي، ثقة ثبت]: حدثنا أبو الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعًا بالمدينة، في غير خوف ولا سفر.

قال أبو الزبير: فسألت سعيدًا: لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني، فقال: أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته.

أخرجه مسلم (705/ 50)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 295/ 1585)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2237)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2632)، والطبراني في الكبير (12/ 74/ 12518)، والبيهقي (3/ 166)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 198/ 1044)، وقال:"صحيح".

ب - سفيان الثوري [كوفي، ثقة حافظ، إمام حجة، وعنه: أبو نعيم الفضل بن دكين، ومحمد بن يوسف الفريابي، وعبد الرزاق بن همام، وعبد الله بن الوليد العدني، وعبيد الله بن موسى العبسي، وزافر بن سليمان، وغيرهم]، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر بالمدينة، في غير سفر ولا خوف.

قال: قلت لابن عباس: ولم تراه فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته.

أخرجه أبو عوانة (2/ 81/ 2398)، وأحمد (1/ 283)، وعبد الرزاق (2/ 555/ 4435)، والبزار (11/ 58/ 4753) و (11/ 222/ 4987)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2238)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 433/ 1159)، والطبراني في الكبير (12/ 74/ 12516)، وأبو الشيخ في أحاديث أبي الزبير عن غير جابر (65 - 67)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 88)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 215).

تنبيه: هكذا رواه الثقات من أصحاب الثوري، فقالوا: في غير سفر ولا خوف.

* وخالفهم: إسماعيل بن عمرو البجلي [عند أبي الشيخ وأبي نعيم][وهو: منكر الحديث عن الثوري، حدث عنه بما لا يتابع عليه. اللسان (2/ 155)]، وعبيد الله بن موسى العبسي الكوفي [عند البزار (4753)] [وهو: ثقة، تكلم فيه لأجل تشيعه، وقال أحمد:"كان صاحب تخليط"]:

ص: 70

فروياه عن الثوري به، وقالا: في غير مطر ولا خوف، وهي رواية شاذة، والله أعلم.

* وانظر أيضًا فيمن وهم فيه على الثوري: ما أخرجه أبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (187)(1206 - المخلصيات)، والخليلي في الإرشاد (1/ 328)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 88 - 89).

ج - سفيان بن عيينة [كوفي، سكن مكة، ثقة حافظ، إمام]، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثمانيًا [جميعًا، وسبعًا جميعًا، في غير خوف ولا سفر [وفي رواية: وهو مقيم من غير سفر ولا خوف].

قال سعيد: فقلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أحد من أمته.

أخرجه ابن خزيمة (2/ 85/ 971)، وأحمد (1/ 349)، والشافعي في السنن (24)، والحميدي (471)، وأبو يعلى (4/ 290/ 2401)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2234)، والبيهقي في السنن (3/ 166)، وفي المعرفة (2/ 454/ 1649).

رواه عن ابن عيينة: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، والشافعي، والحميدي، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وعبد الجبار بن العلاء، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي.

د - حماد بن سلمة [بصري، ثقة]، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة في غير خوف ولا سفر.

أخرجه البيهقي (3/ 166)، بإسناد صحيح إلى حماد.

هكذا رواه عن حماد بن سلمة: حجاج بن منهال [وهو: بصري ثقة، مكثر عن حماد].

وتابعه: عمر بن موسى السامي [وهو الحادي الكديمي البصري، وهو ضعيف؛ يسرق الحديث، ويخالف في الأسانيد، قاله ابن عدي، وغفل عنه ابن حبان فذكره في الثقات، وقال: "ربما أخطأ"، الكامل (5/ 54)، الثقات (8/ 445)، اللسان (6/ 111 و 151)]، قال: نا حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، من غير خوف؛ لكي لا يحرج أمته.

أخرجه البزار (11/ 222 - 223/ 4989).

* وخالفهما فوهم في إسناده:

عبيد الله بن موسى [العبسي الكوفي، مقل عن حماد، وهو: ثقة، تكلم فيه لأجل تشيعه، وقال أحمد: "كان صاحب تخليط"]: ثنا حماد بن سلمة، عن عاصم، عن الشعبي، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة في غير خوف.

أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 86/ 12558)، بإسناد صحيح إلى عبيد الله.

قلت: هي رواية شاذة، ولا يُعرف هذا من حديث الشعبي، ولا من حديث عاصم بن سليمان الأحول.

ص: 71

هـ - ابن جريج [مكي، ثقة، وعنه: حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة ثبت، من أثبت أصحاب ابن جريج]، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، بمثل حديث مالك.

أخرجه الطحاوي (1/ 160).

و - خالد بن يزيد الجمحي [مصري، ثقة]، عن أبي الزبير المكي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر من غير خوف؛ أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته.

أخرجه أبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2239)، بإسناد صحيح إلى خالد الجمحي.

ز - داود بن أبي هند [بصري، ثقة متقن، وعنه: مسلم بن خالد الزنجي المكي الفقيه، وهو: ليس بالقوي]، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء [من غير خوف ولا سفر].

أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 74/ 12519)، وابن شاهين في الناسخ (242 و 243).

ح - هشام بن سعد [مدني صدوق، له أوهام، ولم يكن بالحافظ، ولم يخالف الثقات فيما روى هاهنا]: ثنا أبو الزبير، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في المدينة، من غير خوف ولا سفر. لفظ جعفر بن عون، وفي رواية الليث [والإسناد إليه ضعيف]: وهو مقيم على غير خوف ولا شيء اضطره إلى ذلك [وهي رواية منكرة].

قلت: لم ترى يا ابن عباس؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته.

أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 74/ 12517)، وأبو القاسم الحرفي في جزء من فوائده بانتقاء أبي القاسم الطبري (30)، وعنه: البيهقي (3/ 167).

رواه عن هشام بن سعد: الليث بن سعد، وجعفر بن عون، أما الليث بن سعد فلا يثبت الإسناد إليه؛ إن كان تفرد به شيخ الطبراني: بكر بن سهل الدمياطي، وهو: ضعيف [اللسان (2/ 344)، تاريخ دمشق (10/ 379)][راجع ترجمته تحت الحديث رقم (652)، وقد تقدمت ترجمته مرارًا]، وأما جعفر بن عون: فالإسناد إليه صحيح.

ط - عن زياد بن سعد [خراساني، نزل مكة، ثم اليمن، ثقة ثبت]، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

أخرجه الطبراني في الصغير (1028)، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن هارون الموصلي [قال الدارقطني: "لا بأس به، ما علمت إلا خيرًا"، سؤالات السهمي (77)، تاريخ بغداد (2/ 191)]: حدثنا محمد بن عمار الموصلي [هو محمد بن عبد الله بن عمار

ص: 72

الموصلي: الثقة الحافظ؛ إلا أن له عن أهل الموصل عفيف بن سالم وغيره: إفرادات وغرائب، قاله ابن عدي في الكامل (6/ 279)]: حدثنا عمر بن أيوب [الموصلي: صدوق]، عن مَصاد بن عقبة [روى عنه جماعة من الثقات، وقال ابن حبان في الثقات: "مستقيم الحديث على قلته"، وقال الحاكم: "لم يسند تمام العشرة"، وقال ابن القطان الفاسي: "لا نعرف حاله"، الجرح والتعديل (8/ 440)، طبقات الأسماء المفردة (107)، الثقات (7/ 497)، سؤالات السجزي (208)، الإكمال لابن ماكولا (7/ 198)، بيان الوهم (3/ 112/ 804)، تاريخ الإسلام (10/ 462)]، عن زياد بن سعد به.

قال الطبراني: "لم يروه عن زياد بن سعد إلا مصاد، تفرد به عمر بن أيوب".

قلت: هو غريب من حديث زياد بن سعد.

* وأخيرًا: قال البزار: "وهذا الحديث رواه عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير جماعة، فاقتصرنا على من ذكرنا منهم".

قلت: هكذا اشتهر حديث أبي الزبير، وطارت به الركبان، فرواه عنه أهل بلده المكيون، وتابعهم: أهل المدينة، وأهل الكوفة، وأهل البصرة، وأهل مصر، فاشتهر بذلك في الحجاز والعراق ومصر، والله أعلم.

* خالفهم جميعًا في إسناده، وزاد فيه طاوسًا وهمًا منه:

حميد بن قيس الأعرج المكي [ليس به بأس، قال عنه أحمد مرة: "ليس هو بقوي في الحديث"، تقدمت ترجمته تحت الحديث رقم (785)، وفي الإسناد إليه: إسماعيل بن أبي أويس، وهو: ليس به بأس، له غرائب لا يتابع عليها][أخرجه أبو الشيخ في أحاديث أبي الزبير عن غير جابر (69 و 105) (16/ ب) و (20/ ب) مخطوط الظاهرية].

* خالفهم فجعله في السفر، ودخل له حديث في حديث:

قرة بن خالد [السدوسي البصري: ثقة ثبت]: حدثنا أبو الزبير: حدثنا سعيد بن جبير: حدثنا ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك، فجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

قال سعيد: فقلت لابن عباس: ما حمله على ذلك، قال: أراد أن لا يحرج أمته.

أخرجه مسلم (705/ 51)، وأبو عوانة (2/ 80/ 2394) و (2/ 81/ 2395)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 295/ 1587)، وابن خزيمة (2/ 82/ 967)، والبزار (11/ 222/ 4988)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2236)، والطحاوي (1/ 160)، والطبراني في الكبير (12/ 75/ 12520).

رواه عن قرة بن خالد: يحيى بن سعيد القطان، وخالد بن الحارث، ومعاذ بن معاذ، وعبد الرحمن بن مهدي، ومعتمر بن سليمان، وأبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي.

* ووقع في رواية لعبد الرحمن بن مهدي [عند ابن خزيمة والسراج،: نا قرة، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، ولم يذكر متنه، وقال: بمثل ذلك، يعني:

ص: 73

حديثه عن قرة، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل، السابق ذكره تحت الحديث رقم (1206)، وهو بنفس المتن المذكور آنفًا.

وظاهر صنيع الطحاوي أن لفظ ابن مهدي عن قرة؛ بمثل لفظ مالك عن أبي الزبير عن سعيد، وظاهر صنيع أبي نعيم أن لفظ ابن مهدي بنحو لفظ الطيالسي الآتي، وظاهر صنيع البزار أن لفظ أبي عامر بنحو لفظ حماد بن سلمة عن أبي الزبير.

وأخاف أن يكون قرة قد ساق حديث أبي الطفيل عن معاذ بن جبل تامًّا، ثم ساق إسناد سعيد بن جبير عن ابن عباس، فلم يذكر متنه، وأحال على متن حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ؛ لاشتراكهما في مطلق الجمع، فأتى من فصل الحديثين في الرواية وجعل المتن الأول للإسناد الثاني؛ اعتمادًا منه على فهم قرة حين قال بأن حديث أبي الزبير عن سعيد مثل حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل، وهما متغايران، والله أعلم.

ثم وجدت بعد ذلك رواية أبي داود الطيالسي ويحيى بن سلام، عن قرة بمثل رواية الجماعة عن أبي الزبير، مما يدل على أن الوهم فيه من قرة بن خالد، حيث دخل له حديث في حديث، فكان مرة يرويه كالجماعة في حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس في الجمع بالمدينة، ومرة يقلب متنه، ويرويه بلفظ أبي الطفيل عن معاذ، في الجمع بتبوك.

* قال أبو داود الطيالسي ويحيى بن سلام: حدثنا قرة بن خالد، قال: حدثنا أبو الزبير، قال: حدثنا سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء.

قلت: ما أراد بذلك؟ قال: أراد أن لا تُحرَجَ أُمَّتُه.

أخرجه الطيالسي (4/ 354/ 2751)، وأبو عوانة (2/ 80/ 2394) و (2/ 81/ 2396)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 295/ 1587).

بل مما يزيد الأمر عندي تأكيدًا أن قرة لم يضبط هذا الحديث، وكان يضطرب في إسناده ومتنه:

* ما رواه مسلم بن إبراهيم [الفراهيدي: ثقة مأمون، كان يحفظ حديث قرة]، قال: حدثنا قرة بن خالد، عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في السفر.

أخرجه سمويه في فوائده (11)، وابن حبان (4/ 461/ 1590).

وقوله في هذا الحديث: عن جابر؛ وهم من قرة بن خالد، وسلوك للجادة.

* وقد روي عن قرة بوجه آخر غير ما تقدم، ولفظه: جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير علة [أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 92/ 12644)، وابن عدي في الكامل (2/ 175)][وهو حديث منكر؛ ولا يثبت عن قرة؛ إذ الراوي عنه: جارية بن هرم، وهو: متروك، منكر الحديث. اللسان (2/ 413)].

ص: 74

* وقد توبع قرة بن خالد على قيد السفر من وجه ضعيف، رواه أحد الضعفاء، واضطرب في متنه:

رواه أشعث بن سوار [ضعيف]، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في السفر.

أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 75/ 12521).

لكن أشعث بن سوار قد اضطرب في متنه، ورواه مرة أخرى بإسناده، فقال فيه: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وهو مقيم بالمدينة، من غير خوف؛ لكي لا يحرج أمته.

أخرجه البزار (11/ 59/ 4754) و (11/ 221/ 4986)، وأبو الشيخ في أحاديث أبي الزبير عن غير جابر (70).

* قال الدارقطني في العلل (6/ 43/ 965): "واختلف عن أبي الزبير في إسناد هذا الحديث:

فقيل: عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وهو الصحيح عنه.

وقيل: عن أبي الزبير عن جابر، قاله قرة بن خالد، والثوري من رواية إسحاق الأزرق وآخر لا أذكره، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبي الزبير عن جابر، وجمع قرة بن خالد في روايته عن أبي الزبير بهذا الحديث، بين حديث أبي الطفيل عن معاذ، وبين حديث أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبين حديث أبي الزبير عن جابر، فيشبه أن يكون الأقاويل كلها محفوظة، والله أعلم".

قال البيهقي بعد حديث قرة عن أبي الزبير عن سعيد عن ابن عباس: "وكان قرة بن خالد أراد حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ، فهذا لفظ حديثه، أو روى سعيد بن جبير الحديثين جميعًا، فسمع قرة أحدهما، ومن تقدم ذكره الآخر، وهذه أشبه، فقد روى قرة حديث أبي الطفيل أيضًا، ورواه حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير، فخالف أبا الزبير في متنه".

قلت: حديث أبي الزبير عن جابر: لا يثبت إسناده؛ إنما هي أوهام ومناكير وشذوذات وسلوك للجادة عن أبي الزبير، وتقدم ذكر من وهم فيه على الثوري في موضعه، وسيأتي الكلام على بقية طرقه برقم (1215).

وأما حديث قرة بن خالد، فقد بينت كيف اضطرب فيه قرة بن خالد، والحديث محفوظ عن أبي الزبير بالوجهين:

عن أبي الطفيل عن معاذ، في قصة الجمع بغزوة تبوك.

وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس، في قصة الجمع بالمدينة.

وهما حديثان متغايران، لكن قرة بن خالد كان يحدث بحديث سعيد بن جبير مثل الجماعة بحديث الجمع في الحضر، وكان أحيانًا ينقلب عليه فيرويه ويجعل متنه بمثل متن حديث أبي الطفيل عن معاذ في الجمع بتبوك، والله أعلم.

ص: 75

* ورواه أحد المتروكين فدخل له حديث في حديث:

رواه عمر بن صهبان [متروك، منكر الحديث]، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك يؤخر الظهر حتى يبرد، ثم يصلي الظهر والعصر، ثم لا ينزل حتى يغيب الشفق، ثم يصلي المغرب والعشاء.

أخرجه البزار (11/ 60/ 4755) و (11/ 223/ 4990)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 165).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه بهذا اللفظ، عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس؛ إلا عمر بن صهبان، وهو عمر بن محمد بن صهبان: رجل من أهل المدينة، ليس بالقوي، وقد روى عنه جماعة من أهل العلم، واحتملوا حديثه".

قلت: هو حديث منكر بهذا السياق؛ لأجل عمر بن صهبان، وهو: متروك، منكر الحديث، واهي الحديث.

* وانظر فيمن وهم فيه أيضًا على أبي الزبير: ما أخرجه أبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 523).

* وقد روي حديث مرفوع على ما تأوله مالك؛ لكنه لا يصح:

عن سعد بن عائذ القرظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الصلاتين بين المغرب والعشاء في المطر [أخرجه الطبراني في الكبير (6/ 41/ 5453)، وعنه: أبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1266 - 1267/ 3186) و (4/ 2074/ 5216)][وهو حديث منكر؛ تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (6/ 153/ 520)].

***

1211 -

. . . الأعمش، عن حبيب [بن أبي ثابت]، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم[بين] الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، من غير خوف، ولا مطر.

فقيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يُحرِجَ أمته.

حديث صحيح؛ دون قوله: ولا مطر، فهو شاذ، والمحفوظ: ولا سفر

أخرجه مسلم (705/ 54)، وأبو عوانة (2/ 82/ 2399) و (2/ 82/ 2400)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 296/ 1590)، والنسائي في المجتبى (1/ 290/ 602)، وفي الكبرى (2/ 225/ 1587)، والترمذي (187)، وأحمد (1/ 223 و 354)(2/ 492/ 1978 - ط. المكنز) و (2/ 783/ 3386 - ط. المكنز)، والبزار (11/ 244/ 5023)، والدولابي في الكنى (2/ 829/ 1449)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2245 و 2246)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 432/ 1158)، والمحاملي في الأمالي (101 -

ص: 76

رواية ابن مهدي الفارسي)، والبيهقي (3/ 167)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 214)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 70/ 937).

رواه عن الأعمش: أبو معاوية، ووكيع بن الجراح، وعثام بن علي [وهم كوفيون ثقات، وفيهم من أثبت أصحاب الأعمش: أبو معاوية ووكيع]، والفضل بن موسى السيناني [مروزي: ثقة].

* وروي عن الثوري عن الأعمش، وليس من حديثه:

أ - رواه سعد بن سعيد الجرجاني: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:. . . فذكر مثله.

أخرجه السهمي في تاريخ جرجان (159)، والطبراني في الأوسط (5/ 113/ 4830).

قال الطبراني: "لم يرو هذه الأحاديث عن سفيان إلا سعد بن سعيد، تفرد به: إسحاق بن إبراهيم"، يعني: الجرجاني.

وهذا منكر من حديث الثوري، تفرد به عنه: سعد بن سعيد الجرجاني، وهو: ضعيف، روى عن الثوري ما لا يتابع عليه، وهذا منه [اللسان (4/ 29)]، ولم يروه عنه سوى: إسحاق بن إبراهيم بن أحمد الجرجاني: ولم أر فيه جرحًا ولا تعديلًا [تاريخ بغداد (6/ 402)، المنتخب من السياق لتاريخ نيسابور (384)، الأنساب (5/ 121)].

وإنما رواه أصحاب الثوري عنه، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، كما تقدم تحت الحديث السابق.

ب - ورواه سعيد بن عثمان، قال: ثنا الأحولان؛ يحيى بن سعيد، وأبو نعيم، أحول البصرة وأحول الكوفة، قالا: ثنا سفيان الثوري، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير علة. قلت لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته.

أخرجه أبو الشيخ في طبقات المحدثين (2/ 411).

قلت: وهذا باطل من حديث يحيى بن سعيد القطان، ومن حديث أبي نعيم الفضل بن دكين، تفرد به عنهما: سعيد بن عثمان، وهو: سعيد بن عثمان بن عيسى الكريزي؛ ضعيف، حدث بأصبهان مناكير [اللسان (4/ 67 و 70)].

* خالف أصحاب الأعمش فأفحش في الغلط:

إسحاق بن إبراهيم شاذان: ثنا سعد بن الصلت، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:. . . فذكره، لكن قال: في غير سفر ولا مطر.

أخرجه أبو الشيخ في طبقات المحدثين (4/ 281)، والدارقطني في الثالث من الأفراد (11)(1/ 437/ 2380 - أطرافه)، والخطيب في الموضح (1/ 440)، وفي تاريخ بغداد (5/ 194).

ص: 77

قال الدارقطني: "هذا حديث غريب من حديث الأعمش عن عمرو بن مرة، تفرد به: سعد بن الصلت عنه، وتفرد به: إسحاق شاذان عن سعد".

وقال الخطيب في التاريخ: "خالفه عبيد الله بن عمرو، فرواه عن الأعمش عن سعيد بن جبير، لم يذكر بينهما أحدًا، كذلك قال علي بن حجر عن عبيد الله، وقال عمرو بن عثمان الكلابي عن عبيد الله بن عمرو عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير، ورواه حماد بن شعيب عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، والمشهور: ما رواه وكيع وغيره عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس".

قلت: هو حديث منكر؛ إسحاق بن إبراهيم النهشلي المعروف بشاذان الفارسي: قال ابن أبي حاتم: "صدوق"، وذكره ابن حبان في الثقات، وله مناكير وغرائب جمعها ابن منده [الجرح والتعديل (2/ 211)، الثقات (8/ 120)، السير (12/ 382)، اللسان (2/ 33)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 307)].

وسعد بن الصلت؛ هو جد شاذان لأمه: ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (4/ 86)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في الثقات (6/ 378)، وقال:"ربما أغرب"، وقال الذهبي في السير (9/ 317):"هو صالح الحديث، وما علمت لأحد فيه جرحًا".

قلت: هو كثير التفرد عن المشاهير، وله مناكير وغرائب، وهذا منها.

وأما ما ذكره الخطيب من اختلاف فيه على الأعمش: فأما عبيد الله بن عمرو الرقي، فهو: ثقة فقيه، وكان راويةً لزيد بن أبي أنيسة، مكثرًا عن عبد الكريم الجزري وأحفظ مَن روى عنه، ولم يكن من أصحاب الأعمش، وأما حماد بن شعيب: فقد ضعفوه، وقال البخاري:"فيه نظر"[اللسان (3/ 270)].

والقول فيه: قول أصحاب الأعمش المقدمين فيه: أبو معاوية ووكيع بن الجراح.

* قال البزار: "وهذا الحديث زاد فيه حبيب: "من غير خوف ولا مطر"، وغيره لا يذكر المطر، على أن عبد الكريم قد قال نحو ذلك، والحفاظ يروونه: "من غير خوف ولا عذر""[كذا وقع في المطبوعة: ولا عذر، ولعلها تحرفت عن: ولا سفر، كذا رواه الحفاظ].

وقال ابن خزيمة في صحيحه (2/ 85): "فأما ما روى العراقيون: أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة في غير خوف ولا مطر، فهو غلط وسهو، وخلاف قول أهل الصلاة جميعًا".

وقال البيهقي في السنن: "ولم يخرجه البخاري مع كون حبيب بن أبي ثابت من شرطه، ولعله إنما أعرض عنه -والله أعلم- لما فيه من الاختلاف على سعيد بن جبير في متنه، ورواية الجماعة عن أبي الزبير أولى أن تكون محفوظة، فقد رواه عمرو بن دينار عن جابر بن زيد أبي الشعثاء عن ابن عباس بقريب من معنى رواية مالك عن أبي الزبير".

ص: 78

وقال في المعرفة (2/ 455): "ورواه حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، فقال: "في غير خوف ولا مطر"، ورواية أبي الزبير أولى، لموافقتها رواية عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس، وأما قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته؛ فقد يجمع بينهما لأجل المطر، حتى لا يحرج أمته بالعود إلى المسجد والمشي في الطين، والله أعلم".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (12/ 210): "هكذا يقول الأعمش في هذا الحديث: عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "من غير خوف ولا مطر"، وحديث مالك عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال فيه: "من غير خوف ولا سفر"، وهو الصحيح فيه إن شاء الله، والله أعلم.

وإسناد حديث مالك عند أهل الحديث والفقه: أقوى وأولى، وكذلك رواه جماعة عن أبي الزبير كما رواه مالك:"من غير خوف ولا سفر"، منهم الثوري وغيره؛ إلا أن الثوري لم يتأول فيه المطر، وقال فيه: لئلا يحرج أمته".

وقال الخطابي في المعالم (1/ 229): "هذا حديث لا يقول به أكثر الفقهاء، وإسناده جيد إلّا ما تكلموا فيه من أمر حبيب"، ثم ذكر مذاهب الناس فيه.

قلت: وهو كما قالوا؛ وقد تعقب ابنُ تيمية البيهقيَّ بقوله: "تقديم رواية أبى الزبير على رواية حبيب بن أبى ثابت: لا وجه له؛ فإن حبيب بن أبى ثابت من رجال الصحيحين، فهو أحق بالتقديم من أبى الزبير، وأبو الزبير من أفراد مسلم، وأيضًا فأبو الزبير اختلف عنه عن سعيد بن جبير في المتن، تارة يجعل ذلك في السفر، كما رواه عنه قرة، موافقة لحديث أبى الزبير عن أبى الطفيل، وتارة يجعل ذلك في المدينة، كما رواه الأكثرون عنه عن سعيد،. . ."، ثم أطال وأسهب في الرد [مجموع الفتاوى (24/ 75)].

* قلت: لم يختلف على أبي الزبير في متن الحديث اختلافًا قادحًا يدل على عدم ضبطه للحديث، بل الوهم في المتن إنما هو من قرة بن خالد، كما تقدم بيانه في الحديث السابق، حيث بينت أن قرة لم يضبط هذا الحديث، وكان يضطرب في إسناده ومتنه.

ومن دلائل ضبط أبي الزبير لهذا الحديث: أنه روى حديثين في الجمع بين الصلاتين بإسنادين مختلفين، وسياقين مختلفين، وفي أحدهما قصة طويلة، ولم يسلك فيه الجادة المعروفة، إذ لم يرو واحدًا منهما عن جابر، ثم إنه قد رواه عن أبي الزبير جماعة من الثقات الحفاظ والأئمة النقاد.

وأما حديث الأعمش: فإنه وإن كان إسناده كوفيًّا؛ إلا أن عدم اشتهاره عن الأعمش، على علو كعبه ومكانته في الحفظ والعلم، ليجعل النفس لا تطمئن إليه؛ ونحن لا نشكك في ثبوته عن الأعمش، فهو ثابت عنه، ولكن ترك الحفاظ المكثرين من أصحاب الأعمش لروايته عن الأعمش مع علمهم به، ولعلهم تحملوه عن الأعمش ثم امتنعوا من التحديث به عن الأعمش، لأجل هذه اللفظة التي تفرد بها حبيب، فأين أصحاب الأعمش

ص: 79

على كثرتهم الكاثرة عن هذا الحديث، مثل: سفيان الثوري وشعبة وزائدة وابن نمير وحفص بن غياث وأبي عوانة ويحيى بن سعيد القطان وجرير بن عبد الحميد وحماد بن أسامة وزهير بن معاوية وأبي الأحوص وشيبان النحوي وعبد الله بن إدريس وعبد الواحد بن زياد وابن فضيل وابن أبي زائدة ويعلى بن عبيد الطنافسي، وغيرهم كثير.

وفي المقابل:

فإن حديث أبي الزبير المكي، وهو أدنى في الحفظ والعلم من الأعمش بكثير، إلا أن حديثه قد اشتهر في بلده وخارجها: فرواه عنه: من أهل مكة: ابن جريج وابن عيينة، ومن أهل المدينة: مالك وهشام بن سعد، ومن أهل الكوفة: سفيان الثوري وزهير، ومن أهل البصرة: حماد بن سلمة، وقرة بن خالد، ومن أهل مصر: خالد بن يزيد الجمحي، وغيرهم.

ومن هؤلاء من هم من أصحاب الأعمش المكثرين عنه، مثل: سفيان الثوري وزهير، فلماذا يُعرضان عن حديث الأعمش، ويذهبان لحديث أبي الزبير.

ورواه شعبة وجماعة عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، وأعرضوا عن حديث الأعمش هذا.

كذلك فإن الثوري وشعبة وابن جريج أيضًا ممن يروي عن حبيب بن أبي ثابت، فلماذا أعرضوا عن حديثه هذا، وذهبوا إلى حديث أبي الزبير وعمرو بن دينار.

وحبيب بن أبي ثابت: ثقة؛ لكنه روى حديثين منكرين: حديث تصلي الحائض وإن قطر الدم على الحصير، وحديث القُبلة [راجع: فضل الرحيم الودود (2/ 320/ 180) و (3/ 371/ 298)].

وقد أُنكر عليه هذا الحديث أيضًا، وغلطه فيه الأئمة، وقد سبق نقل كلام البزار وابن خزيمة والبيهقي وابن عبد البر والخطابي في ذلك.

* والحديث قد رواه أيضًا: حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعًا وثمانيًا، الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

قال أيوب: لعله في ليلة مطيرة، قال: عسى.

أخرجه البخاري (543).

وهذا التفسير من أيوب، يوافق تفسير مالك، والقائل: عسى، يحتمل أن يكون عمرو بن دينار، ويحتمل أن يكون أبا الشعثاء جابر بن زيد، فإن أيوب السختياني قد روى عنهما جميعًا، وقد جزم ابن حجر في الفتح (2/ 23) بأنه أبو الشعثاء، والله أعلم.

* وله أسانيد أخرى عن سعيد بن جبير:

1 -

روى العوام بن حوشب [ثقة ثبت]، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، بالمدينة وهو مقيم، في غير خوف ولا سفر، وإنما أراد بذلك السعة لأمته.

ص: 80

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 173/ 7195).

من طريق عبد الله بن خراش عن العوام به.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن العوام إلا عبد الله بن خراش".

قلت: هو منكر من حديث العوام بن حوشب؛ تفرد به عبد الله بن خراش، وهو: متروك، منكر الحديث، وقد أكثر الرواية عن عمه العوام بن حوشب بما لا يتابع عليه؛ حتى قال ابن عدي:"ولا أعلم أنه يروي عن غير العوام أحاديث، وعامة ما يرويه غير محفوظ"[الكامل (4/ 210)، التهذيب (2/ 326)، الميزان (2/ 413)].

2 -

إسماعيل بن جعفر: ثنا حبيب بن حسان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر بالمدينة، من غير سفر ولا علة، كي لا يكون على أمته حرج.

أخرجه علي بن حجر في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (466).

وإسناده واهٍ بمرة؛ حبيب بن حسان؛ هو: ابن أبي الأشرس، وهو: متروك، منكر الحديث [انظر: اللسان (2/ 544) وغيره].

3 -

قيس بن الربيع، عن عمار الدهني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم ثمانيًا وسبعًا، وهو مقيم بالمدينة.

أخرجه إسماعيل الصفار في فوائده (32 - رواية ابن رزقويه)، وابن الأعرابي في المعجم (738)، والطبراني في الأوسط (3/ 20/ 2337)، والدارقطني في الأفراد (1/ 438/ 2384 - أطرافه).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عمار إلا قيس".

وقال الدارقطني: "غريب من حديث عمار عنه، تفرد به قيس بن الربيع عنه".

قلت: إسناده لا يصح؛ عمار بن معاوية الدهني: لم يسمع من سعيد بن جبير شيئًا، قد صرح هو بذلك، وقال به أحمد بن حنبل [العلل ومعرفة الرجال (2/ 459/ 3033)، ضعفاء العقيلي (3/ 323)، تحفة التحصيل (236)]، وقيس بن الربيع: ليس بالقوي، ضعفه غير واحد، وابتلي بابنٍ له كان يُدخل عليه ما ليس من حديثه فيحدث به [التهذيب (3/ 447)، الميزان (3/ 393)].

4 -

وروى إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع [مدني، ضعيف]، ومحمد بن راشد [المكحولي: ثقة]:

عن عبد الكريم أبي أمية [وقيل: الجزري، ولعلها نسبة من أحد الرواة اجتهادًا منه]، عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وطاوس، [وجابر بن زيد]، وعطاء بن أبي رباح؛ أخبروه عن ابن عباس؛ أنه أخبرهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الظهر والعصر، ويجمع بين المغرب والعشاء في السفر، من غير أن يعجله أمر، أو يطلبه عدو، أو يخاف شيئًا. وفي رواية: ولا يطلب عدوًا، ولا يطلبه.

ص: 81

أخرجه ابن ماجه (1069)، وعبد الرزاق (2/ 548/ 4404)، والطبراني في الكبير (11/ 58/ 11071)، وأبو طاهر المخلص في الرابع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (86)(701 - المخلصيات).

قلت: هو حديث منكر بهذا السياق؛ عبد الكريم بن أبي المخارق، أبو أمية البصري: مجمع على ضعفه، وقال النسائي والدارقطني: متروك، وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله:"ضعيف"، وفي رواية أبي طالب:"ليس هو بشيء، شبه المتروك"[التهذيب (2/ 603)، الميزان (2/ 646)، الجرح والتعديل (6/ 60)].

* وحديث سعيد بن جبير، وأبي الشعثاء جابر بن زيد، عن ابن عباس؛ إنما هو في الجمع بالمدينة، لا في السفر، وقد تقدم حديث سعيد، ويأتي حديث أبي الشعثاء برقم (1214).

* وحديث طاوس إنما يُعرف عن ابن عباس موقوفًا عليه.

رواه معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه؛ أن ابن عباس كان يجمع بين الظهر والعصر في السفر.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 549/ 4408)، ومن طريقه: ابن المنذر في الأوسط (2/ 423/ 1148).

* وكذلك حديث عطاء بن أبي رباح إنما هو موقوف على ابن عباس:

فقد روى ابن جريج، قال: أخبرني عطاء؛ أن ابن عباس جمع بين المغرب والعشاء ليلة خرج من أرضه.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 549/ 4409).

* ومما روي أيضًا عن سعيد بن جبير؛ مما لا يصح سنده:

5 -

ما أخرجه الدارقطني في الثالث والثمانين من الأفراد (29)(1/ 445/ 2433 - أطرافه)[تفرد به الحسن بن عمارة، وهو: متروك].

***

1212 -

. . . محمد بن فضيل، عن أبيه، عن نافع، وعبد الله بن واقد؛ أن مؤذن ابن عمر قال: الصلاة! قال: سِرْ سِرْ، حتى إذا كان قبل غُيُوب الشفق نزل فصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق وصلى العشاء، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجِلَ به أمرٌ صنع مثل الذي صنعت، فسار في ذلك اليوم والليلة مسيرة ثلاث.

قال أبو داود: رواه ابن جابر، عن نافع، نحو هذا بإسناده.

حديث شاذ بذكر النزول قبل غياب الشفق تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1207)، الطريق رقم (17).

ص: 82

1213 -

. . . عيسى، عن ابن جابر، بهذا المعنى.

قال أبو داود: ورواه عبد الله بن العلاء، عن نافع، قال: حتى إذا كان عند ذهاب الشفق نزل فجمع بينهما.

حديث شاذ بذكر النزول قبل غياب الشفق تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1207)، الطريق رقم (18).

1214 -

قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب، ومسدد، قالا: حدثنا حماد بن زيد.

(ح) وحدثنا عمرو بن عون: أخبرنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثمانيًا وسبعًا، الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

ولم يقل سليمان ومسدد: بنا.

قال أبو داود: ورواه صالح مولى التوأمة، عن ابن عباس، قال: في غير مطر.

حديث متفق على صحته من حديث حماد

أخرجه من طريق سليمان بن حرب:

أبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 297/ 1592)، والبيهقي (3/ 167).

وأخرجه من طريق مسدد: البيهقي (3/ 167).

ولم أقف على من أخرجه من طريق عمرو بن عون.

وأخرجه من طريق أبي داود: ابن عبد البر في التمهيد (12/ 217).

هكذا رواه عن حماد بن زيد: سليمان بن حرب، ومسدد بن مسرهد، وعمرو بن عون [وهم ثقات].

* وتابعهم:

أبو الربيع الزهراني [سليمان بن داود العتكي، وهو: ثقة]، وأبو النعمان [عارم محمد بن الفضل: ثقة ثبت]، ومحمد بن عبيد بن حساب [ثقة]، وقتيبة بن سعيد [ثقة ثبت]، وعاصم بن علي [صدوق]:

عن حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعًا وثمانيًا، الظهر والعصر، والمغرب والعشاء. زاد قتيبة: يجمع بين الصلاتين.

ص: 83

قال أيوب: لعله في ليلة مطيرة، قال: عسى. لفظ عارم [عند البخاري].

أخرجه البخاري (543)، ومسلم (705/ 56)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 297/ 1592)، والنسائي في الكبرى (1/ 228/ 381)، وابن حبان (4/ 473/ 1597)، والطبراني في الكبير (12/ 137/ 12808)، والبيهقي (3/ 167)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 69/ 935).

قال ابن حجر في الفتح (2/ 23): "فقال أيوب، هو: السختياني، والمقول له هو: أبو الشعثاء، قوله: عسى، أي أن يكون كما قلت".

وتفرد عارم بالزيادة التفسيرية لأيوب لا يضر؛ فإنه ثقة ثبت، قال أبو حاتم:"إذا حدثك عارم فاختم عليه، وعارم لا يتأخَّر عن عفان، وكان سليمان بن حرب يقدم عارمًا على نفسه، إذا خالفه عارم في شيء رجع إلى ما يقول عارم، وهو أثبت أصحاب حماد بن زيد بعد عبد الرحمن بن مهدي"[الجرح والتعديل (8/ 58)]، وقد رواها البخاري عنه في صحيحه، والبخاري ممن سمع من عارم قبل الاختلاط، قال ابن حجر في هدي الساري (2/ 1183):"إنما سمع منه البخاري سنة ثلاث عشرة قبل اختلاطه بمدة، وقد اعتمده في عدة أحاديث".

* تابع حماد بن زيد عليه:

1 -

شعبة [وعنه: غندر محمد بن جعفر، وآدم بن أبي إياس، والنضر بن شميل، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وأسد بن موسى، وحسين بن محمد]، قال: حدثنا عمرو بن دينار، قال: سمعت جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم سبعًا جميعًا، وثمانيًا جميعًا. زاد في رواية: كأنه في الحضر.

أخرجه البخاري (562)، وأبو عوانة (2/ 82/ 2401)، وأحمد (1/ 273 و 285)، والبزار (11/ 410/ 5257)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2242 و 2243)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1628)، والطحاوي (1/ 160).

وانظر فيمن وهم فيه على شعبة: ما أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 31).

2 -

سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانيًا جميعًا، وسبعًا جميعًا، قلت: يا أبا الشعثاء أظنه أخَّر الظهر، وعجَّل العصر، وأخَّر المغرب، وعجَّل العشاء، قال: وأنا أظن ذاك.

وفي رواية ابن المديني [عند البخاري]: عن عمرو، قال: سمعت أبا الشعثاء جابرًا، قال: سمعت ابن عباس.

أخرجه البخاري (1174)، ومسلم (705/ 55)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 296/ 1591)، والنسائي في المجتبى (1/ 286/ 589)، وفي الكبرى (1/ 226/ 375)، وأحمد (1/ 221)، والشافعي في السنن (23)، والحميدي (470)، وابن أبي شيبة (2/ 209/ 8227) و (7/ 283/ 36107)، والبزار (11/ 411/ 5258)، وأبو يعلى (4/ 282/ 2394)،

ص: 84

وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2240 و 2241)، والطحاوي (1/ 160)، والبيهقي في السنن (3/ 166 و 168)، وفي المعرفة (2/ 454/ 1650)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 219 و 220)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 70/ 936).

هكذا رواه عن ابن عيينة: أحمد بن حنبل، والحميدي، والشافعي، وأبو بكر ابن أبي شيبة [عند مسلم]، وعلي بن المديني [عند البخاري]، وإبراهيم بن بشار [عند أبي نعيم]، وعثمان بن أبي شيبة [عند البيهقي]، وأحمد بن عبدة [عند البزار]، وعبد الجبار بن العلاء، ومحمد بن الصباح، وزياد بن أيوب [عند السراج][وفيهم أثبت أصحاب ابن عيينة، من كبار الأئمة النقاد]، وغيرهم، ففصلوا قول عمرو بن دينار وأبي الشعثاء.

* وأدرجه في الحديث، فصيره مرفوعًا: قتيبة بن سعيد [عند النسائي]، حيث قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ثمانيًا جميعًا، وسبعًا جميعًا، أخَّر الظهر وعجَّل العصر، وأخَّر المغرب وعجَّل العشاء.

وهذا وهم ظاهر.

قال ابن عبد البر في التمهيد (12/ 219): "رواه قتيبة بن سعيد عن ابن عيينة بإسناده مثله؛ فأقحم في الحديث قول أبي الشعثاء وعمرو بن دينار".

وقال أيضًا: "الصحيح في حديث ابن عيينة هذا غير ما قال قتيبة؛ حين جعل التأخير والتعجيل في الحديث، وإنما هو ظن عمرو وأبي الشعثاء".

قال البزار: "وهذا الحديث قد روي عن ابن عباس من وجوه، و [هذا] الإسناد من أصح إسناد يروى في ذلك".

* وانظر أيضًا فيمن وهم فيه على ابن عيينة: ما أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 65/ 12549).

(3 - 7) - ابن جريج، ومعمر بن راشد، وحماد بن سلمة، وروح بن القاسم، وأبو طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر [ولا يصح عنه؛ فإن الراوي عنه: عبد الله بن زياد بن سمعان، وهو: متروك، اتهمه بالكذب غير واحد]:

عن عمرو بن دينار؛ أن أبا الشعثاء أخبره؛ أن ابن عباس أخبره، قال: صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانيًا جميعًا، وسبعًا جميعًا بالمدينة.

قال ابن جريج: [قال عمرو:] فقلت لأبي الشعثاء: إني لأظن النبي صلى الله عليه وسلم أخَّر من الظهر قليلًا، وقدَّم من العصر قليلًا، قال أبو الشعثاء: وأنا أظن ذلك.

أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 290/ 603)، وفي الكبرى (1/ 229/ 382)، وأبو عوانة (2/ 82/ 2402)، وأحمد (1/ 366)، والطيالسي (4/ 341/ 2735) وعبد الرزاق (2/ 555/ 4436)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2244)، وأبو العباس الأصم في جزء من حديثه (50 - رواية أبي الحسن الطرازي)(458 - مجموع مصنفاته)، والطبراني في الكبير (12/ 137/ 12805 و 12806).

ص: 85

وممن تأول الحديث على ظن عمرو بن دينار وأبي الشعثاء في الجمع الصوري: ابن عبد البر في التمهيد (12/ 220)، وفي الاستذكار (2/ 213).

لكن فيه تكلف ظاهر، قال الخطابي في المعالم (1/ 228):"ظاهر اسم الجمع عرفًا لا يقع على من أخر الظهر حتى صلاها في آخر وقتها، وعجل العصر فصلاها في أول وقتها؛ لأن: هذا قد صلى كل صلاة منهما في وقتها الخاص بها، وإنما الجمع المعروف بينهما: أن تكون الصلاتان معًا في وقت إحداهما"[وانظر: الفتح لابن حجر (2/ 580)، عمدة القاري (7/ 151)].

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 24): "وإرادة نفي الحرج يقدح في حمله على الجمع الصوري؛ لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج".

قلت: ولا يثبت حديث مرفوع في الجمع الصوري، وسيأتي لذلك مزيد بيان في آخر الباب.

* وانظر فيمن وهم فيه على ابن جريج: ما أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (1260)، والدارقطني في الأفراد (1/ 480/ 2673 - أطرافه).

8 -

محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان ركعات جميعًا، وسبع ركعات جميعًا، من غير مرض ولا علة.

أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 137/ 12807)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 90).

وهذا منكر بهذه الزيادة التي في آخره: من غير مرض ولا علة، والتي تفرد بها عن عمرو بن دينار: محمد بن مسلم الطائفي، وهو: صدوق، يخطئ إذا حدث من حفظه، وكتابه أصح، وله غرائب، وقد ضعفه أحمد على كل حال، من كتاب وغير كتاب [انظر: التهذيب (3/ 696)، الميزان (4/ 40)، التقريب (564)].

وقد رواه عن عمرو بن دينار بدون هذه الزيادة جماعة من الثقات الحفاظ، وفيهم أثبت أصحاب عمرو، وهم: سفيان بن عيينة، وحماد بن زيد، وشعبة، وابن جريج، ومعمر بن راشد، وحماد بن سلمة، وروح بن القاسم.

وانظر أيضًا فيمن وهم في إسناده على عمرو بن دينار: علل ابن أبي حاتم (2/ 469/ 525)، علل الدارقطني (13/ 21/ 2907) و (13/ 363/ 3251)، معجم الشيوخ للصيداوي (321).

* تابع عمرو بن دينار عليه:

حبيب بن أبي حبيب، عن عمرو بن هَرِم، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس؛ أنه صلى بالبصرة الأولى والعصر ليس بينهما شيء، والمغرب والعشاء ليس بينهما شيء، فعل ذلك من شغل.

وزعم ابن عباس أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الأولى والعصر ثمان سجدات ليس بينهما شيء. لفظ حبان بن هلال [عند النسائي].

ص: 86

أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 286/ 590)، وفي الكبرى (2/ 222/ 1578)، والطيالسي (4/ 342/ 2736)، وابن عدي في الكامل (2/ 400 - 401).

وإسناده ليس بالقوي؛ حبيب بن أبي حبيب يزيد الجرمي البصري الأنماطي: ليِّن الحديث، وتقدم الكلام عليه، راجع: فضل الرحيم الودود (5/ 347/ 447)، وما تقدم تحت الحديث رقم (1198).

* وخالفهما:

حفص بن عمر الجدي: ثنا قزعة بن سويد، عن أبي حية، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بخيبر ستة أشهر، يصلي الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا.

أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 256/ 6337).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن جابر بن زيد إلا أبو حية، تفرد به: قزعة بن سويد".

قلت: هو حديث باطل؛ أبو حية المكي: روى عنه قزعة بن سويد، وقد فرق ابن منده بين أبي حية هذا وبين أبي حية بن قيس الوادعي الراوي عن علي، وبينه وبين أبي حية الثقفي الراوي عن معقل بن يسار، وبينه وبين أبي حية الكلبي والد أبي جناب يحيى بن أبي حية [فتح الباب (2388 - 2391)]، وعليه: فهو أحد المجاهيل.

وقزعة بن سويد: ليس بالقوي، وحفص بن عمر الجُدِّي: منكر الحديث، قاله الأزدي [هكذا ترجمه الذهبي في الميزان (1/ 567)، اللسان (3/ 237)]، والله أعلم.

* ولحديث ابن عباس أسانيد أخرى، منها:

1 -

روى حماد بن زيد [وعنه: أبو الربيع الزهراني، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، وأبو داود الطيالسي، وسليمان بن حرب، وعبيد الله بن عمر القواريري، ويونس بن محمد المؤدب، ولوين محمد بن سليمان المصيصي، وإسحاق بن أبي إسرائيل؛ وهم ثقات]:

والمعتمر بن سليمان [وعنه: نصر بن علي الجهضمي، وهو: ثقة ثبت]:

كلاهما: عن الزبير بن الخريت، عن عبد الله بن شقيق، قال: خطبنا ابن عباس يومًا بعد العصر حتى غربت الشمس، وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون: الصلاةَ الصلاةَ، قال: فجاءه رجل من بني تميم، لا يفتر، ولا ينثني: الصلاةَ الصلاةَ، فقال ابن عباس: أتعلمني بالسُّنَّة؟ لا أمَّ لك! ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة فسألته، فصدَّق مقالته.

أخرجه مسلم (705/ 57)، وأبو عوانة (2/ 82/ 2403)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 297/ 1593)، وأحمد (1/ 251)، والطيالسي (4/ 282/ 2675) و (4/

ص: 87

440/ 2843)، والبزار (16/ 256/ 9440) و (17/ 27/ 9540)، وأبو أحمد الحاكم في فوائده (13)، وأبو طاهر المخلص في العاشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (140)(2295 - المخلصيات)، والبيهقي (3/ 168)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 71/ 938).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم يروى من حديث عبد الله بن شقيق عن ابن عباس وأبي هريرة إلا عن الزبير بن الخريت عن عبد الله بن شقيق، ولا نعلم أسند الزبير عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة رضي الله عنه إلا هذا الحديث".

قال أبو نعيم الحداد: "ويمكن أن خطبة ابن عباس هذه كانت في سفر؛ لأن وكيعًا روى القصة عن عمران بن حدير، عن عبد الله بن شقيق بإسناده، فقال: كما نجمع في السفر"، قلت: ظاهره أن جمع بهم في الحضر، وإلا لما أنكر عليه الناس، ولما حاك ذلك في صدر عبد الله بن شقيق، وإنما وقع في رواية ابن أبي شيبة الآتية تفسيرًا من الراوي: يعني: في السفر، والله أعلم.

2 -

وروى وكيع بن الجراح، وحماد بن سلمة، ومروان بن معاوية، ومعاذ بن معاذ [وهم ثقات حفاظ]، وأبو جابر محمد بن عبد الملك الأزدي [ليس بقوي. اللسان (7/ 316)]:

عن عمران بن حدير، عن عبد الله بن شقيق العقيلي، [أن ابن عباس أخر صلاة المغرب ذات ليلة]، قال: قال رجل لابن عباس: الصلاةَ، فسكت، ثم قال: الصلاةَ، فسكت، ثم قال: الصلاةَ، فسكت، ثم قال: لا أمَّ لك أتعلمنا بالصلاة، وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. زاد في رواية ابن أبي شيبة عن وكيع تفسيرًا من الراوي: يعني: في السفر، وشذ أبو جابر الأزدي، فقال في آخره: على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، وهي زيادة منكرة، لم يأت بها الحفاظ.

أخرجه مسلم (705/ 58)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 297/ 1594)، وابن أبي شيبة (2/ 210/ 8231)، وأبو يعلى (4/ 408/ 2531)، والطحاوي (1/ 161)، وأبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات"(636)، والبيهقي (3/ 168)، وغيرهم.

قال البيهقي: "وليس في رواية عبد الله بن شقيق عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذين الوجهين الثابتين عنه؛ نفي المطر، ولا نفي السفر، فهو محمول على أحدهما، أو على ما أوله عمرو بن دينار، فليس في روايتهما ما يمنع ذلك التأويل، وقد روينا عن ابن عباس وابن عمر الجمع في المطر، وذلك يؤكد تأويل من أوله بالمطر، والله أعلم".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (12/ 217): "ومن روى حديثًا كان أعلم بمخرجه".

قلت: فهذا مالك وأيوب -على مكانتهما في العلم والفقه- يتأولانه بالمطر، وهذا أبو الشعثاء راويه عن ابن عباس لا يستبعد أن يكون جمع فيه جمعًا صوريًّا، وقد سبق بيان ضعف هذا الوجه، وما تأوله به مالك وأيوب أقوى وأولى؛ وذلك مراعاة لأحاديث

ص: 88

المواقيت، والتي هي أصل محكم، يُردُّ إليها ما تشابه من الأحاديث المشكلة، لاسيما وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالتفريط من أخر الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة الأخرى، وأن ما رخص فيه الشرع للمسافر من قصر الصلاة وجمع الصلاتين في وقت إحداهما لا يتعدى فيه موضع الرخصة، وهو السفر، فليس له أن يفعل ذلك في الحضر؛ إلا لدليل في غاية الظهور والبيان، وسيأتي لذلك مزيد بيان بعد ذكر هذه الطرق.

3 -

وروى داود بن قيس الفراء [مدني، ثقة]، وابن جريج [مكي، ثقة، ممن روى عن صالح مولى التوأمة قبل اختلاطه]:

عن صالح مولى التوأمة؛ أنه سمع ابن عباس، يقول: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، بالمدينة في غير سفر ولا مطر [وفي رواية: في غير خوف ولا مطر].

قال: قلت لابن عباس: لم تراه فعل ذلك؟ قال: أراه للتوسعة على أمته.

أخرجه أحمد (1/ 346)، وعبد الرزاق (2/ 555/ 4434)، وابن أبي شيبة (2/ 210/ 8230)، وعبد بن حميد (709)، وأبو يعلى (5/ 80/ 2678) والطحاوي (1/ 160)، والطبراني في الكبير (10/ 326/ 10803) و (10/ 327/ 10804)، وابن عدي في الكامل (4/ 57)، وأبو الشيخ في جزء من حديثه بانتقاء ابن مردويه (35)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 408) و (2/ 166).

رواه عن داود بن قيس جماعة من الثقات، منهم: وكيع بن الجراح، وأبو نعيم الفضل بن دكين، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرزاق بن همام، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وسفيان الثوري [وهو غريب من حديثه].

هكذا اشتهر حديث داود بن قيس الفراء، وتداوله المصنفون، بينما حديث ابن جريج يعدُّ من الغرائب، حيث لم يروه عنه راويته عبد الرزاق، ولا أصحابه المكثرون عنه، وإنما تفرد به عنه: يحيى بن سعيد الأموي، ولا رواه من طريقه سوى ابن عدي في كامله، والأموي: ليس به بأس، صاحب غرائب [التهذيب (4/ 356)، الميزان (4/ 380)]؛ فلا أراه يثبت من حديث ابن جريج.

وعليه: فإن هذا الإسناد: إسناد ضعيف؛ صالح بن أبي صالح مولى التوأمة: ثقة، كان قد اختلط، فمن سمع منه قبل الاختلاط فهو صحيح، وإلا فلا، ولم أجد من نص على سماع داود بن قيس منه قبل اختلاطه [انظر: التهذيب (2/ 201)، الكواكب النيرات (33)، شرح علل الترمذي (2/ 749)]، والله أعلم.

4 -

الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة مقيمًا غيرَ مسافر، سبعًا وثمانيًا.

أخرجه أحمد (1/ 221)، وعنه: البخاري في التاريخ الكبير (1/ 180).

غريب من حديث عكرمة، تفرد به الحكم بن أبان العدني؛ وهو: صدوق، فيه لين،

ص: 89

وله أوهام وغرائب، ويتفرد عن عكرمة بما لا يتابع عليه [راجع ترجمته وشيئًا من غرائبه: فضل الرحيم الودود (6/ 547/ 590) و (7/ 522/ 688) و (8/ 86/ 717)].

* فإن قيل: تابعه عليه:

أشعث بن سوار [ضعيف]، قال: حدثنا عكرمة، عن ابن عباس، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة، من غير خوف ولا مطر، فقلت لابن عباس: ولم فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أراد التخفيف عن أمته، أن لا يحرج أمته.

أخرجه ابن شاهين في الناسخ (241).

فيقال: لا يثبت من حديث أشعث؛ فإن الراوي عنه: الحسن بن عمرو بن سيف العبدي، وهو: متروك، كذبه ابن المديني والبخاري [التاريخ الكبير (2/ 299)، الجرح والتعديل (3/ 26)، كنى مسلم (2263)، التهذيب (1/ 410)]. وشيخ ابن شاهين، هو: أبو العباس ابن عقدة، الحافظ المكثر: شيعي، اختلف الناس فيه، ضعفه غير واحد، وقواه آخرون [السير (15/ 340)، اللسان (1/ 603)].

5 -

إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع [مدني، ضعيف]، عن عبد الكريم [الجزري]، عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وطاوس، [وجابر بن زيد]، وعطاء أخبروه، عن ابن عباس أنه أخبرهم؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الظهر والعصر، ويجمع بين المغرب والعشاء في السفر، من غير أن يعجله أمر، أو يطلبه عدو، أو يخاف شيئًا. وفي رواية: ولا يطلب عدوًا، ولا يطلبه.

أخرجه ابن ماجه (1069)، والطبراني في الكبير (11/ 58/ 11071)، وأبو طاهر المخلص في الرابع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (86)(701 - المخلصيات).

قلت: هو حديث منكر بهذا السياق؛ لتفرد ابن مجمع به على ضعفه، عن عبد الكريم بن مالك الجزري الثقة المشهور، دون بقية أصحابه الثقات.

6 -

ليث بن أبي سليم [ضعيف؛ لاختلاطه وعدم تميز حديثه]:

رواه مرة عن طاوس، ورواه مرة أخرى عن مجاهد:

كلاهما عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، في السفر والحضر.

أخرجه أحمد (1/ 360)، وإسحاق بن راهويه (9101 - مسند ابن عباس)، والطبراني في الكبير (11/ 70/ 11073).

وهذا حديث ضعيف مضطرب.

7 -

يزيد بن أبي زياد، عن عطاء، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين، بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

أخرجه أبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (1/ 458/ 172).

ص: 90

لا يثبت من حديث عطاء بن أبي رباح المكي؛ تفرد به عنه: يزيد بن أبي زياد الكوفي، وهو في الأصل: صدوق عالم؛ إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير، وكان إذا لُقِّن تلقن، فهو: ليس بالقوى؛ كما قال أكثر النقاد، لأجل ما صار إليه أمره [انظر: التهذيب (9/ 344)، الميزان (4/ 423)، وقد تقدم الكلام عليه مرارًا].

* قال الترمذي في أول كتاب العلل الصغير: "جميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم؛ ما خلا حديثين: حديث ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: "إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه"، وقد بينا علة الحديثين جميعًا في الكتاب".

وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (261): "وقد روى الناس أحاديث متصلة وتركوا العمل بها، منها: حديث سفيان وحماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، بالمدينة آمنًا لا يخاف، والفقهاء جميعًا على ترك العمل بهذا؛ إما لأنه منسوخ، أو لأنه فعله في حال ضرورةٍ؛ إما لمطر، أو شغل".

* قلت: قد أخذ جماعة بظاهر هذه الرواية، وبعمل ابن عباس بها، حيث أباح له الجمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر كالمطر والمرض، وإنما لأدنى حاجة، قال ابن سيرين:"لا بأس بالجمع بين الصلاتين فى الحضر إذا كانت حاجةٌ أو شئٌ؛ ما لم يتخذه عادة"، وأجاز ذلك ربيعة بن عبد الرحمن، وأشهب، وجماعة آخرون من متأخري الفقهاء [ذكرهم الخطابي في المعالم (1/ 229)، والنووي في شرحه على مسلم (5/ 219)، وانظر: الفتح لابن رجب (3/ 94)]، وممن قال بذلك أيضًا: ابن المنذر (2/ 433 - الأوسط)، وابن حبان (4/ 471 - الصحيح)، وابن بطال (2/ 170 - شرح البخاري).

قال ابن المنذر: "إذا ثبتت الرخصة في الجمع بين الصلاتين؛ جمع بينهما للمطر والريح والظلمة، ولغير ذلك من الأمراض وسائر العلل"، معتمدًا في ذلك قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته [الأوسط (2/ 433)].

بل قد ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، فقال ابن المنذر في الأوسط (2/ 432):"وقالت طائفة: الجمع بين الصلاتين في الحضر مباح؛ وإن لم تكن علة، قال: لأن الأخبار قد ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الصلاتين بالمدينة، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بينهما في المطر، ولو كان ذلك في حال المطر لأدي إلينا ذلك، كما أدي إلينا جمعه بين الصلاتين، بل قد ثبت عن ابن عباس الراوي بحديث الجمع بين الصلاتين في الحضر؛ لما سئل: لم فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته"، إلى أن قال: "ولو كان ثم مطر من أجله جمع بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لذكره ابن عباس عن السبب الذي جمع بينهما، فلما لم يذكره وأخبر بأنه أراد أن لا يحرج أمته، دل على أن جمعه كان في

ص: 91

غير حال المطر، وغير جائز دفع يقين ابن عباس مع حضوره بشك مالك".

* وقد روي نحوه عن ابن عمر؛ ولا يصح [أخرجه عبد الرزاق (2/ 556/ 4437)][وفي إسناده انقطاع].

* ويمكن أن يقال في حديث ابن عباس هذا:

أن هذا الحديث ليس حديثًا قوليًّا صادرًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في رفع الحرج عن المكلفين فيما أوجب عليهم ربهم من الالتزام بمواقيت الصلوات، كما قال تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وقال تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} [البقرة: 238]، وقوله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)} [آل عمران: 133]، وعموم الأحاديث الدالة على المحافظة على الصلوات في أوقاتها، مثل حديث ابن مسعود، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها" قلت: ثم أي؟ قال: "ثم بر الوالدين" قلت: ثم أي؟ قال: "ثم الجهاد في سبيل الله" قال: حدثني بهن، ولو استزدته لزادني [أخرجه البخاري (527 و 5970 و 7534)، ومسلم (85/ 139)، وتقدم تحت الحديث رقم (426)]، وحديث عبادة بن الصامت، قال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "افترض الله خمس صلوات على خلقه، من أدَّاهنَّ كما افتُرض عليه، لم ينقص من حقهن شيئًا استخفافًا؛ فإن له عند الله عهدًا أن لا يعذبه، ومن انتقص من حقهنَّ شيئًا استخفافًا به؛ فإنه يلقى الله ولا عهد له، إن شاء عذبه وان شاء غفر له"[وهو حديث حسن بمجموع طرقه، تقدم برقم (425)، وقد ختمت الكلام على أحاديث فضل الصلاة في وقتها بقولي: فإنه لا يصح في هذا الباب شيء صريح، والصحيح: غير صريح، مثل حديث ابن مسعود: "الصلاة على وقتها"، والذي يظهر لي من معناه -والله أعلم-: إيقاع الصلاة المفروضة في وقتها المختار، بحيث لا يخرج بها إلى وقت الكراهة، أو الاضطرار، أو إلى وقت الصلاة الأخرى، بل طالما أداها في وقت الاختيار فقد أداها على الوجه المأمور به، لكن هذا لا يمنع من القول بأن تعجيل الصلوات في أول الوقت: أفضل؛ إلا العشاء إذا لم يشق على المأمومين، وإلا الظهر في شدة الحر].

كذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجل بالصلوات في أوائل أوقاتها على الدوام؛ إلا ما استثني، ولأن المعجل يأمن الفوت بالنسيان والشغل.

ومن الأحاديث التي يمكن استعمالها في الرد على من توسع في العمل بحديث ابن عباس، يجمع الصلاتين لأدنى حاجة وسبب:

* ما رواه أبو عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر! كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة؟ "، أو قال:"يؤخرون الصلاة؟ " قلت: يا رسول الله فما تأمرني؟ قال: "صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلِّها، فإنها لك نافلة".

ص: 92

وهو حديث صحيح، أخرجه مسلم (648/ 238 - 240)، وقد تقدم تخريجه برقم (431)، وانظر شواهده هناك.

* وما رواه عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة، في قصة نومهم عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس، وفيه:"أما إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصلِّ الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى"، وهو حديث صحيح، أخرجه مسلم (681)، وقد تقدم تخريجه برقم (437)، وانظر طرقه هناك.

* وما جاء في حديث بريدة وأبي موسى: فلما كان من الغد: صلى الفجر وانصرف، فقلنا: أطلعت الشمس؟ فأقام الظهر في وقت العصر الذي كان قبله [وفي حديث بريدة: فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر]، وصلى العصر وقد اصفرت الشمس -أو قال: أمسى-، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء إلى ثلث الليل، ثم قال:"أين السائل عن وقت الصلاة؟ الوقت فيما بين هذين".

وهما حديثان صحيحان، أخرجهما مسلم (613 و 614)، وراجع تخريجهما في فضل الرحيم الودود (4/ 394/ 395) و (4/ 401).

وقد دل هذان الحديثان على عدم اشتراك وقت الظهر مع وقت العصر، ولا وقت المغرب مع وقت العشاء، وكذلك أحاديث المواقيت الدالة على هذا المعنى، مثل:

* حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"وقت الظهر ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت المغرب ما لم يسقط نور الشفق، ووقت العشاء إلى نصف الليل، ووقت صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس".

أخرجه مسلم (612/ 172)، وتقدم تخريجه برقم (396).

وهذه الأحاديث ما هي إلا إشارات لما ورد في بابها، ومن أراد المزيد فليراجع مواضعها من الأصل في فضل الرحيم الودود.

قال ابن رجب في الفتح (3/ 88) معلقًا على حديث أبي ذر: "ولو كان الجمع جائزًا من غير عذر لم يحتج إلى ذلك، فإن أولئك الأمراء كانوا يجمعون لغير عذر، ولم يكونوا يؤخرون صلاة النهار إلى الليل، ولا صلاة الليل إلى النهار".

وممن عارض حديث ابن عباس هذا بأحاديث المواقيت: أحمد بن حنبل في رواية ابنه صالح، حيث سأله صالح عن هذا الحديث، فقال:"قد جاءت الأحاديث بتحديد المواقيت للظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأما المريض فأرجو"[مسائل صالح (582)، وانظر: الفتح لابن رجب (3/ 88)][وانظر له في ذلك أقوالًا أخرى، لكنها غير صريحة، يمكن تأويلها: مسائل الكوسج (417)، مسائل أبي داود (526)].

قلت: وأما حديث ابن عباس؛ فإنه ينقل واقعة حال لا عموم لها؛ إذا أدخلناها في عموم الأدلة الشرعية لتتفق معها وجدنا أنه لابد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أوقعها على خلاف ما هو معهود منه من المحافظة على الصلوات في أوائل أوقاتها لعذر طارئ [انظر: المعرفة (2/ 453)].

ص: 93

ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم إذا كانوا قد اعتادوا من النبي صلى الله عليه وسلم إيقاع الصلاة في أول وقتها، ثم يأتي صلى الله عليه وسلم فيصلي صلاتي الظهر والعصر مجموعة في وقت الثانية، أو الأولى، ثم يصلى المغرب والعشاء في وقت إحداهما، فيفعل في الحضر ما عُهد منه فعله في السفر، فكيف يسكت الصحابة عن ذلك؟ فلا يسألون، ولا يقوم أحدهم لكي يستفصل منه صلى الله عليه وسلم، هل وقع ذلك نسخًا لمواقيت الصلاة؟ أم أن ذلك لتشريع خاص سوف يخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بما جدَّ فيه من الوحي؟ كما حدث في قصة ذي اليدين التي نقلها عدد من الصحابة، منهم: أبو هريرة وعمران بن حصين [راجع الأحاديث المتقدمة برقم (1008 - 1018)]؛ ويدخل في هذا المعنى أيضًا: ما انتبه له عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، إلا أنه يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: إني رأيتك صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه؟ قال: "عمدًا صنعته"[راجع: فضل الرحيم الودود (2/ 287/ 172)]، فإذا لم يُنقل شيءٌ من ذلك؛ علمنا يقينًا أن هذه الواقعة؛ إنما وقعت مراعاة لعذر طارئ من الأعذار المبيحة للجمع، مثل المطر ونحوه، ولذا تأوله مالك وأيوب السختياني بالمطر، ولا يُعارض ذلك بقول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته، فإيقاع الجمع في الحضر لأجل المطر هو عين رفع الحرج عنهم، لا كما ادعاه ابن المنذر.

والاحتجاج به للمريض قال به جماعة، قال مالك:"فالمريض أولى بالجمع لشدة ذلك عليه ولخفته على المسافر، وإنما الجمع رخصة لتعب السفر ومؤنته إذا جد به السير؛ فالمريض أتعب من المسافر وأشد مؤنة،. . .، فهو أولى بالرخصة، وهي به أشبه منها بالمسافر"، وقال الليث:"يجمع المريض"، وبه قال أحمد وإسحاق [المدونة (1/ 116)، مسائل الكوسج (317)، شرح البخاري لابن بطال (2/ 170)، التمهيد (12/ 216 و 218)، المغني (2/ 59)].

ومثل ذلك ما وقع لابن عباس في فهم ما كان من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بفسخ الحج إلى العمرة في حجة الوداع، ففهمه ابن عباس على الإيجاب مطلقًا، وأن الفسخ يلزم كل من أهل بالحج مفردًا، بينما فهمه أشياخ الصحابة مثل أبي بكر وعمر على دخول العمرة في الحج، خلافًا لما كانت تعتقده العرب في ذلك.

وكذلك ما وقع من اجتهادات لابن عباس، لخفاء بعض العلم عليه، أو لاستنباطها من نص آخر، فأقامها البعض مقام النص، وليس الأمر كذلك:

مثل: قوله بأنه لا ربا إلا في النسيئة، وأنه لا ربا فيما كان يدًا بيد [راجع: البخارى (2178 و 2179)، مسلم (1596)].

ومثل: خفاء تحريم متعة النساء عليه حتى أعلمه علي بن أبي طالب بتحريمها، وأغلظ له القول، وكان مما قال له:"إنك رجل تائه"[راجع: البخاري (5115 و 6961)، مسلم (1407)، أبو عوانة (3/ 28/ 4079)].

ومثل: خفاء كون النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال، فأخطأ ابن عباس وقال:

ص: 94

تزوجها وهو محرم، وهمه في ذلك سعيد بن المسيب، روي عنه ذلك من وجهين، قال في أحدهما:"وهِلَ ابنُ عباس -وإن كانت خالته-، ما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد ما أحل"، وقال أحمد بن حنبل:"ابن المسيب يقول: وهم ابن عباس، وميمونة تقول: تزوجني وهو حلال"[الفتح (9/ 165)]، وقال ابن تيمية:"وفيه [يعني: صحيح البخاري] عن بعض الصحابة ما يقال: إنه غلط، كما فيه: عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم، والمشهور عند أكثر الناس: أنه تزوجها حلالًا"[مجموع الفتاوى (18/ 73)]، وقال ابن القيم في الزاد (1/ 113):"فإن السفير بينهما بالنكاح أعلم الخلق بالقصة، وهو أبو رافع، وقد أخبر أنه تزوجها حلالًا، وقال: كنت أنا السفير بينهما، وابن عباس إذ ذاك له نحو العشر سنين أو فوقها، وكان غائبًا عن القصة لم يحضرها، وأبو رافع رجل بالغ، وعلى يده دارت القصة، وهو أعلم بها"[وانظر أيضًا: (3/ 372)]، وقال في موضع آخر (5/ 113):"قال ابن عباس: تزوجها محرمًا، وقال أبو رافع: تزوجها حلالًا، وكنت الرسول بينهما، وقول أبي رافع: أرجح، لعدة أوجه: أحدها: أنه إذ ذاك كان رجلًا بالغًا، وابن عباس لم يكن حينئذٍ ممن بلغ الحلم، بل كان له نحو العشر سنين، فأبو رافع إذ ذاك كان أحفظ منه، الثاني: أنه كان الرسول بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينها، وعلى يده دار الحديث، فهو أعلم به منه بلا شك، وقد أشار بنفسه إلى هذا إشارة متحقق له ومتيقن، لم ينقله عن غيره بل باشره بنفسه، الثالث: أن ابن عباس لم يكن معه في تلك العمرة، فإنها كانت عمرة القضية، وكان ابن عباس إذ ذاك من المستضعفين الذين عذرهم الله من الولدان، وإنما سمع القصة من غير حضور منه لها، الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة بدأ بالطواف بالبيت ثم سعى بين الصفا والمروة وحلق ثم حلَّ، ومن المعلوم أنه لم يتزوج بها في طريقه، ولا بدأ بالتزويج بها قبل الطواف بالبيت، ولا تزوج في حال طوافه، هذا من المعلوم أنه لم يقع، فصح قول أبي رافع يقينًا، الخامس: أن الصحابة رضي الله عنهم غلطوا ابن عباس، ولم يغلطوا أبا رافع، السادس: أن قول أبي رافع موافق لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المحرم، وقول ابن عباس يخالفه، وهو مستلزم لأحد أمرين، إما لنسخه، وإما لتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بجواز النكاح محرمًا، وكلا الأمرين مخالف للأصل، ليس عليه دليل فلا يقبل، السابع: أن ابن أختها يزيد بن الأصم شهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالًا، قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس، ذكره مسلم".

ومثل: قوله اجتهادًا منه: الطواف صلاة؛ إلا أن الله أباح فيه الكلام.

فإن هذا اجتهاد من ابن عباس، إذ هو راوي هاتيك الواقعة التي تكلم فيها النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الطواف، فقد روى البخاري (1620 و 1621 و 6702 و 6703) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ وهو يطوف بالكعبة بإنسان ربط يده إلى إنسان بسَيْرٍ أو بخيط أو بشيء غير ذلك، فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده، ثم قال:"قُدْهُ بيده".

ومن المعلوم أن الطواف لداخل المسجد الحرام يقوم مقام صلاة ركعتي تحية

ص: 95

المسجد، فابن عباس قد ترجم هذه الواقعة بقوله: الطواف صلاة؛ إلا أن الله أباح فيه الكلام؛ يعني: بذلك إباحة الكلام في الطواف حسب، لا أن الطواف في أحكامه كالصلاة، ولم يستثن من أحكامها سوى الكلام، وهذا ما يظهر لكل عاقل، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع، والله أعلم.

ومثل: اجتهاده بتعزير من أتى حائضًا بأن يتصدق بدينار أو بنصف دينار [راجع: فضل الرحيم الودود (3/ 254/ 264)].

وهنا يمكن أن يقال مثل ذلك، بأنه قد خفي على ابن عباس السبب المقتضي للجمع، بينما أدرك ذلك الصحابة، فلم يشكل عليهم هذا الجمع، ولم يعتنوا بنقله إلينا، بينما ابن عباس -لصغر سنه إذ ذاك- لم يظهر له وجه الجمع، فقال ما قال، ويؤكد ذلك أن أبا هريرة لم يحدث بذلك حتى سأله عنه عبد الله بن شقيق، لكونه من مسائل العلم التي لا تخفى، مما ينقله العامة عن العامة، ولا تحتاج لنقل الخاصة، والله أعلم.

فإن قيل: لم ينفرد ابن عباس بهذا الحديث؛ ففي رواية عبد الله بن شقيق؛ أنه قال: فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة فسألته، فصدَّق مقالته.

فيقال: نعم؛ اتفق ابن عباس وأبو هريرة على نقل واقعة حال، مفادها أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا، وليس فيه بيان كونه جمع تقديم أم تأخير، ولا فيه بيان وجه هذا الجمع والداعي إليه، وظاهر الواقعة أنها لم تقع إلا مرة واحدة، فكيف يقبل هذا النقل المجرد عن سببه، مع كونه ناقلًا عن الأصل، وهو إقامة الصلاة في أوقاتها المشروعة، فهل يقبل في ذلك مجرد اجتهاد ابن عباس، بقوله: أراد ألا يحرج أمته، ثم هل ما نفاه ابن عباس هنا بقوله: من غير خوف ولا سفر؛ يعني: نفي ما عدا ذلك من أسباب الجمع؟

كذلك فإن هذا الحديث يمكن التمثيل به للقاعدة المشهورة: وقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال، وسقط بها الاستدلال، قال الزركشي في البحر المحيط (3/ 154) أثناء مناقشته لهذه القاعدة وعلاقتها بالقاعدة الأخرى المعارضة لها: ترك الاستفصال في وقائع الأحوال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال [وقد سبق في مقام آخر أن حررت القول: بأن القاعدة الأولى تختص بالأفعال، وأما الثانية فتختص بالأقوال]، قال الزركشي:"المراد بسقوط الاستدلال في وقائع الأعيان؛ إنما هو بالنسبة إلى العموم إلى أفراد الواقعة، لا سقوطُه مطلقًا؛ فإن التمسك بها في صورةٍ ما مما يُحتمل وقوعُها عليه غيرُ ممتنع، وهكذا الحديث: أنه عليه السلام جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير مرض [كذا، ولعله سبق قلم من المصنف، والصحيح: خوف] ولا سفر، فإن هذا يحتمل أنه كان في مطر، وأنه كان في مرض، ولا عموم له في جميع الأحوال، فلهذا حملوه على البعض، وهو المطر؛ لمرجِّح للتعيين".

كذلك فإن فعل ابن عباس الذي رواه عنه عبد الله بن شقيق؛ لما احتج بفعل النبي صلى الله عليه وسلم-

ص: 96

في الجمع؛ نقول لمن احتجوا به على رفع الحرج بإطلاق: هل لكم أن تفعلوا مثل فعل ابن عباس، كأن يقوم الأمير فيخطب الناس حتى يخرج وقت الظهر، أو حتى يخرج وقت المغرب، فيجمع صلاة الظهر مع العصر، أو المغرب مع العشاء، فهل له ذلك؟

بل معنا في ذلك النص في حديث أبي ذر على المنع من ذلك، وقد تقدم ذكره.

وكذلك فإن الذي فعله ابن عباس هنا متأولًا بخبر الجمع في الحضر هو داخل في عموم ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو عين ما أنكره جماعة من الصحابة والتابعين على ما وقع في عهد خلفاء بني أمية من تأخير الصلوات، مثل إنكار أبي مسعود الأنصاري على المغيرة بن شعبة، وإنكار عروة بن الزبير على عمر بن عبد العزيز [راجع فضل الرحيم الودود (4/ 368/ 394)]، وإنكار ابن مسعود على أمراء وقته تأخير الصلاة عن وقتها [راجع فضل الرحيم الودود (5/ 288/ 432)]، وقصة يزيد الضبي مع الحكم بن أيوب في إنكاره عليه تأخير الجمعة وهو يخطب [راجع فضل الرحيم الودود (5/ 52/ 403)]، وغير ذلك، ولو كان للأمراء حق في تأخير الصلاة لحاجة، أو جمعها بالتي تليها، لما جاء الخبر في الإنكار عليهم، ولما أنكر عليهم الصحابة، والله أعلم.

وأخيرًا: فإن بقي في نفس المخالف شيء، فنقول له: لا شك أن حديث ابن عباس عندك من مشكل العلم ومتشابهه، وقد وجب علينا رد المتشابه إلى المحكم، وهو باب المواقيت بأدلتها والتي سبق أن ذكرت طرفًا يسيرًا منها، لذا قال أحمد في رد ظاهر هذا الحديث:"قد جاءت الأحاديث بتحديد المواقيت للظهر والعصر والمغرب والعشاء"[مسائل صالح (582)]، والله أعلم.

* وعلى العكس من ذلك: فقد كان بعض الصحابة لا يرون الجمع بين الصلاتين في السفر جائزًا إلا من عذر زائد على وصف السفر، فقد تقدم النقل عن ابن عمر أنه كان يصلي الصلوات لوقتها في السفر، ولم يجمع بين المغرب والعشاء إلا لما جاءه خبر زوجته صفية، ونقل أيضًا عن أصحاب ابن مسعود أنهم كانوا يصلون الصلاة لوقتها في السفر، وسئل الحسن عن جمع الصلاتين في السفر؟ فكان لا يعجبه ذلك إلا من عذر، وصح نحوه عن ابن سيرين، خلافًا لما تقدم نقله عنه [انظر: مصنف ابن أبي شيبة (2/ 211/ 8247 - 8251) و (2/ 212/ 8255 و 8256)].

* ومما قال الشافعي في توجيه حديث ابن عباس:

قال الشافعي في الأم (1/ 76): "فلما أمَّ جبريل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في الحضرِ لا في مطرٍ، وقال: "ما بين هذين وقتٌ"، لم يكن لأحدٍ أن يعمدَ أن يصلى الصلاة في حضرٍ ولا في مطرٍ إلا في هذا الوقت، ولا صلاة إلا منفردةٌ؛ كما صلى جبريلُ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بَعدُ مقِيمًا في عمره، ولما جمع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة آمنًا مقِيمًا لم يحتمل إلا أن يكونَ مخالفًا لهذا الحديث؛ أو يكون الحالُ التي جمع فيها حالًا غير الحال التي فرَّقَ فيها، فلم يَجُزْ أن يقال جَمعهُ في الحضرِ مخالفٌ لإفراده في الحضر، من

ص: 97

وجهين: أنه يوجَدُ لكلِّ واحدٍ منهما وجهٌ، وأن الذي رواه منهما معًا واحدٌ، وهو ابن عباس، فعلمنا أن لجَمْعِهِ في الحضرِ علَّةٌ فرَّقتْ بينه وبين إفراده، فلم يكُنْ إلا المطرُ -والله تعالى أعلم- إذا لم يكُنْ خوفٌ، ووجدْنا في المطرِ علَّةَ المشقَّة، كما كان في الجمع في السفرِ علَّةُ المشقَّة العامَّة".

* وقال ابن خزيمة (2/ 85)(2/ 170 - ط. الميمان): "لم يختلف العلماء كلهم أن الجمع بين الصلاتين في الحضر في غير المطر غير جائز، فعلمنا واستيقنا أن العلماء لا يجمعون على خلاف خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيح من جهة النقل، لا معارض له عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يختلف علماء الحجاز أن الجمع بين الصلاتين في المطر جائز، فتأولنا جمع النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر على المعنى الذي لم يتفق المسلمون على خلافه، إذ غير جائز أن يتفق المسلمون على خلاف خبر النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يرووا عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرًا خلافه، فأما ما روى العراقيون: أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة في غير خوف ولا مطر، فهو غلط وسهو، وخلاف قول أهل الصلاة جميعًا، ولو ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع في الحضر في غير خوف ولا مطر: لم يحل لمسلم علم صحة هذا الخبر أن يحظر الجمع بين الصلاتين في الحضر في غير خوف ولا مطر، فمن ينقل في رفع هذا الخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في غير خوف ولا سفر ولا مطر، ثم يزعم أن الجمع بين الصلاتين على ما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بينهما غير جائز، فهذا جهل وإغفال، غير جائز لعالم أن يقوله".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (12/ 210): "أجمع العلماء على أنه لا يجوز الجمع بين الصلاتين في الحضر لغير عذر على حالٍ البتة؛ إلا طائفة شذت".

وقال في الاستذكار (2/ 212): "وقالت طائفة شذت عن الجمهور: الجمع بين الصلاتين في الحضر وإن لم يكن مطر - مباح؛ إذا كان عذرٌ وضيقٌ على صاحبه، ويشقُّ عليه، وممن قال ذلك: محمد بن سيرين، وأشهب صاحب مالك، وكان ابن سيرين لا يرى بأسًا أن يجمع بين الصلاتين إذا كانت حاجةٌ أو عذرٌ ما لم يتخذه عادة، وقال أشهب بن عبد العزيز: لا بأس بالجمع عندي بين الصلاتين كما جاء في الحديث: "من غير خوف ولا سفر"، وإن كانت الصلاة في أول وقتها أفضل.

* قلت: قد صح عن أهل المدينة أنهم كانوا يجمعون بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة، فكان ابن عمر يصلي معهم، لا يعيب ذلك عليهم:

روى مالك بن أنس، وأيوب السختياني، وعبيد الله بن عمر، ورجاء بن حيوة، ومحمد بن عجلان:

عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر، جمع معهم. واللفظ لمالك.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 208/ 386)، وعبد الرزاق (2/ 556/ 4438 و 4439

ص: 98

و 4441)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 430/ 1157)، والبيهقي في السنن (3/ 168)، وفي المعرفة (2/ 453/ 1648).

قال ابن رجب في الفتح (3/ 91): "وقد عُلم شدة متابعة ابن عمر للسنة، فلو كان محدَثًا لم يوافقهم عليه ألبتة".

* وقد خالف أحد التلفى أصحاب نافع، فرواه عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة أو مظلمة جمع بين هاتين الصلاتين، يعني: المغرب والعشاء، وهو حديث منكر باطل، تفرد به: جعفر بن أبي جعفر ميسرة الأشجعي، وهو منكر الحديث جدًّا [اللسان (2/ 476)][أخرجه الخطيب في الموضح (1/ 537)].

* وروى عبد الرحمن بن مهدي وسليمان بن بلال، عن هشام بن عروة، قال: رأيت أبان بن عثمان يجمع بين الصلاتين في الليلة المطيرة، فيصليها معه عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن، لا ينكرونه.

وقال عبيد الله بن عمر: رأيت سالمًا والقاسم يصليان معهم -يعني: الأمراء- في الليلة المطيرة.

وهؤلاء هم أكثر فقهاء المدينة السبعة، مما يعني أنه كان أمرًا معهودًا، جرى عليه عمل أهل المدينة وفقهائها، وهو يقوي ما ذهب إليه مالك في تأويل الحديث، وقد قال بالجمع في الحضر في الليلة المطيرة بين المغرب والعشاء: مالك، وأحمد، وإسحاق، وزاد مالك الجمع بينهما في حال الطين والظلمة، وذهب الشافعي إلى القول بالجمع في حال المطر بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء [الأوسط لابن المنذر (2/ 430)] التمهيد (12/ 211)].

قال ابن عبد البر في التمهيد (12/ 215): "أجمع المسلمون أنه ليس لمسافر ولا مريض ولا في حال المطر يجمع بين الصبح والظهر، ولا بين العصر والمغرب، ولا بين العشاء والصبح، وإنما الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين صلاتي المغرب والعشاء، صلاتي النهار، وصلاتي الليل".

* قال الترمذي بعد حديث الأعمش (187): "وفي الباب عن أبي هريرة".

حديث ابن عباس: قد روي عنه من غير وجه، رواه جابر بن زيد، وسعيد بن جبير، وعبد الله بن شقيق العقيلي، وقد روي عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا".

* قلت: يشير إلى ما يعارضه في الباب، ومما روي في خلاف ذلك:

ما رواه المعتمر بن سليمان [ثقة]، عن أبيه [ثقة]، عن حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من جمع بين الصلاتين من غير عذر؛ فقد أتى بابًا من أبواب الكبائر"، ورواه بعضهم مطولًا، كما في الرواية الآتية.

أخرجه الترمذي (188)، والحاكم (1/ 275)(1/ 657/ 1033 - ط الميمان)، وابن

ص: 99

أبي الدنيا في ذم المسكر (4)، والحارث بن أبي أسامة (464 - بغية الباحث)، والبزار (2/ 126/ 1356 - كشف)، وأبو يعلى (4/ 235/ 2348) و (5/ 136/ 2751)، وابن أبي حاتم في التفسير (3/ 932/ 5207)، وابن حبان في المجروحين (1/ 243)، والطبراني في الكبير (11/ 215/ 11538) و (11/ 216/ 11540)، والدارقطني في السنن (1/ 395)، وفي الأفراد (1/ 464/ 2554 - أطرافه)، وابن شاهين في الناسخ (245)، والبيهقي في السنن (3/ 169)، وفي الشعب (5/ 13/ 5599)، والخطيب في الموضح (1/ 556)، وعلقه العقيلي في الضعفاء (1/ 247).

* ورواه أيضًا: عبد الحكيم بن منصور [متروك، كذبه ابن معين]، عن حسين بن قيس، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابًا من أبواب الكبائر، ومن شرب شرابًا حتى يذهب عقله الذي أعطاه الله صلى الله عليه وسلم فقد أتى بابًا من أبواب الكبائر، ومن شهد شهادة يجتاح بها مال امرئ مسلم فقد أوجب النار".

أخرجه ابن شاهين في الناسخ (244).

قال الترمذي: "وحنش هذا هو أبو علي الرحبي، وهو حسين بن قيس، وهو: ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أحمد وغيره.

والعمل على هذا عند أهل العلم: أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة، ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض، وبه يقول أحمد وإسحاق.

وقال بعض أهل العلم: يجمع بين الصلاتين في المطر، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، ولم ير الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين".

وقال البزار: "لا نعلمه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، وحنش هو: ابن قيس الرحبي،. . .، وليس بالقوي، وإنما يكتب من حديثه ما يرويه غيره".

وقال العقيلي في أبي علي الرحبي بعدما أورد له حديثين منكرين هذا أحدهما: "وله غير حديث لا يتابع عليه، ولا يُعرف إلا به"، ثم قال في حديثه هذا:"لا أصل له، وقد روي عن ابن عباس بإسناد جيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء".

وقال الحاكم: "حنش بن قيس الرحبي يقال له: أبو علي، من أهل اليمن، سكن الكوفة: ثقة، وقد احتج البخاري بعكرمة، وهذا الحديث قاعدة في الزجر عن الجمع بلا عذر، ولم يخرجاه"، فخالف الناس.

وقال الدارقطني: "حنش هذا هو أبو علي الرحبي: متروك".

وقال البيهقي: "تفرد به حسين بن قيس أبو علي الرحبي المعروف بحنش، وهو: ضعيف عند أهل النقل، لا يحتج بخبره".

ص: 100

وقال ابن عبد البر في التمهيد (12/ 210): "وهو حديث ضعيف".

وقال في موضع آخر (5/ 77): "وهذا حديث -وإن كان في إسناده من لا يحتج بمثله أيضًا من أجل حنش هذا- فإن معناه صحيح من وجوه".

قلت: هو حديث منكر، تفرد به عن عكرمة مولى ابن عباس المدني، دون بقية أصحابه الثقات على كثرتهم؛ أحد المتروكين: الحسين بن قيس الرحبي أبو علي الواسطي، ولقبه: حنش، وهو: متروك، منكر الحديث، قال البخاري:"أحاديثه منكرة جدًّا، ولا يكتب حديثه"[التهذيب (1/ 434)].

* قلت: وقد روي عن عمر موقوفًا عليه قوله، وفي سنده اختلاف، وفيه مقال [أخرجه عبد الرزاق (1/ 535/ 2035) و (2/ 552/ 4422)، وابن أبي شيبة (2/ 212/ 8253)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 424/ 1149)، والبيهقي (3/ 169)][قال الشافعي: "وليس هذا بثابت عن عمر، هو مرسل"، وقال ابن المنذر: "غير ثابت؛ لانقطاع إسناده"، وقال البيهقي: "هو مرسل، أبو العالية: لم يسمع من عمر"، وانظر: المراسيل (203 - 205)، تحفة التحصيل (107)، لكن قال الذهبي في تهذيب السنن (3/ 1101/ 4948): "بلى؛ سمع منه"][قلت: قد أثبت لأبي العالية الرياحي السماع من عمر: البخاري ومسلم وغيرهما، لكن هذه الرواية الأقرب أنها من كتاب عمر لأبي موسى؛ وهي واقعة يغلب على الظن عدم شهوده لها. انظر: العلل ومعرفة الرجال (465 و 3441)، الكنى للبخاري (939)، التاريخ الكبير (3/ 326)، كنى مسلم (2340)، الجرح والتعديل (3/ 510)، إكمال الإكمال (4/ 93)، السير (7/ 204)، تحفة التحصيل (107)].

* وروى البيهقي (3/ 169) من طريق: عبد الله بن محمد بن الحسن الرمجاري: ثنا عبد الرحمن بن بشر [ثقة]: ثنا يحيى بن سعيد [القطان: إمام حافظ، ثقة متقن]، عن يحيى بن صبيح [ثقة]، قال: حدثني حميد بن هلال [ثقة]، عن أبي قتادة -يعني: العدوي-؛ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عامل له: ثلاث من الكبائر: الجمع بين الصلاتين إلا في عذر، والفرار من الزحف، والنهبى.

قال البيهقي في السنن: "أبو قتادة العدوي أدرك عمر رضي الله عنه، فإن كان شهده كتب فهو موصول، وإلا فهو إذا انضم إلى الأول صار قويًا".

وقال في المعرفة (2/ 452): "ورواه أبو قتادة العدوي؛ أن عمر كتب إلى عامل له، وليس فيه أنه شهد الكتابة، فهو مرسل، كما قال الشافعي، ثم السفر عذر، وكذلك المطر".

قلت: عبد الله بن محمد بن الحسن الرمجاري، هو: ابن الشرقي المترجم له في السير (15/ 40)، وفي الميزان (2/ 494)، واللسان (4/ 569)، وهو أخو الحافظ أبي حامد ابن الشرقي، وسماعاته صحيحة، لكن تكلموا فيه لأجل شرب المسكر، ولا أظنه تفرد بهذه الرواية؛ فقد وجدتها من طريق آخر، وبه يثبت عدم سماعه له من عمر:

ص: 101

فقد روى ابن أبي حاتم في التفسير (3/ 932/ 5207)، قال: حدثنا الحسن بن محمد الصباح: ثنا إسماعيل بن علية، عن خالد الحذاء، عن حميد بن هلال، عن أبي قتادة -يعني: العدوي-: قال: قرئ علينا كتاب عمر: من الكبائرِ جمعٌ بين الصلاتين، يعني: من غير عذر.

وإسناده صحيح إلى أبي قتادة العدوي، تميم بن نُذَير، وهو: بصري، تابعي ثقة، يروي عن عمر، وقال أبو حاتم في المراسيل:"وروايته عن بلال مرسلة"، ولم يتطرق إلى روايته عن عمر، وكأنها عنده متصلة، وقال البزار:"أدرك الجاهلية، وسمع من عمر بن الخطاب"، وذكره ابن سعد ضمن جماعة من أهل البصرة ممن أدرك عمر، وذكره بعض المتأخرين في الصحابة وهمًا، والله أعلم [طبقات ابن سعد (7/ 130)، التاريخ الكبير (2/ 151)، كنى مسلم (2804)، الجرح والتعديل (2/ 441)، الثقات (4/ 85)، المؤتلف والمختلف (4/ 2258)، الإصابة (865)].

لكن باجتماع رواية أبي العالية الرياحي، وأبي قتادة العدوي، كلاهما عن كتاب عمر لأبي موسى، أو أحد عماله، مما يزيده قوة، والله أعلم.

* وروي أيضًا من قول أبي موسى الأشعري، ولا يصح [أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 212/ 8252)] [وفي إسناده: حنظلة السدوسي، وهو: ضعيف، وأبو هلال الراسبي محمد بن سليم، وليس بالقوي].

* وقد صح عن ابن عباس أيضًا الجمع في السفر:

1 -

فقد روى إبراهيم بن طهمان، عن الحسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة الظهر والعصر [في السفر]، إذا كان على ظهر سير، ويجمع بين المغرب والعشاء.

علقه البخاري (1107). ووصله: الدارقطني في الأفراد (1/ 476/ 2637 - أطرافه)، والبيهقي (3/ 164)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 66/ 926)، وهو في مشيخة ابن طهمان برقم (194).

من طريق: محمد بن عبدوس النيسابوري [أبو بكر السيسمراباذي: شيخ لابن حبان وأبي علي الحافظ، يحدث من أصل كتابه، وأخذ عنه ابن حبان بالرملة، وكان يحدث بنسخة ابن طهمان وغيره بالرملة. الأنساب (3/ 360)، تاريخ الإسلام (24/ 162)]: ثنا أحمد بن حفص بن عبد الله بن راشد النيسابوري [ثقة، روى عنه البخاري في الصحيح]: حدثني أبي [صدوق، كاتب ابن طهمان، وراوي نسخته]: حدثني إبراهيم بن طهمان به.

ويغلب على ظني أن ابن عبدوس قد توبع عليه إما متابعة تامة وإما متابعة قاصرة؛ لسببين.

الأول: أن البخاري ممن يروي عن أحمد بن حفص النيسابوري، فلعله رواه عنه، فيكون متابعًا لابن عبدوس متابعة تامة، ولو رواه من غير طريق أحمد بن حفص فمتابعته قاصرة.

ص: 102

والثاني: قال الدارقطني في الأفراد: "تفرد به حسين بن ذكوان عنه"، يعني: عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس، وهذا يعني: أن ابن طهمان لم ينفرد به عن حسين المعلم، والله أعلم.

قلت: ولأجل تفرد الحسين بن ذكوان المعلم به عن يحيى بن أبي كثير، فهو حديث صحيح غريب، وحسين المعلم: ثقة، من أثبت أصحاب يحيى، ممن يحتمل تفرده عنه، والله أعلم.

ولا يُعلُّ حديثه بما رواه الجماعة، عن يحيى بن أبي كثير، عن حفص بن عبيد الله بن أنس، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في السفر. [سيأتي تخريجه تحت الحديث رقم (1219)].

وذلك لأن حسينًا المعلم قد رواه عن يحيى بالوجهين جميعًا، وقد اشتمل حديث عكرمة عن ابن عباس على زيادة ليست في حديث حفص عن أنس، وقد قرنهما البخاري متتابعين في نسق واحد معلقين، والله أعلم.

* وقد روي مطولًا من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا؛ لكن في الإسناد إليه: أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السعدي، وهو: ضعيف.

أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 277/ 902).

2 -

وروى إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع [مدني، ضعيف]، ومحمد بن راشد [المكحولي: ثقة]: عن عبد الكريم أبي أمية [وقيل: الجزري، ولعلها نسبة من أحد الرواة اجتهادًا منه]، عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وطاوس، [وجابر بن زيد]، وعطاء بن أبي رباح؛ أخبروه عن ابن عباس؛ أنه أخبرهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الظهر والعصر، ويجمع بين المغرب والعشاء في السفر، من غير أن يعجله أمر، أو يطلبه عدو، أو يخاف شيئًا. وفي رواية: ولا يطلب عدوًا، ولا يطلبه.

أخرجه ابن ماجه (1069)، وعبد الرزاق (2/ 548/ 4404)، والطبراني في الكبير (11/ 58/ 11071) و (11/ 131/ 11370)، وأبو طاهر المخلص في الرابع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (86)(701 - المخلصيات).

قلت: هو حديث منكر بهذا السياق؛ عبد الكريم بن أبي المخارق، أبو أمية البصري: مجمع على ضعفه، وقال النسائي والدارقطني: متروك، وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله:"ضعيف"، وفي رواية أبي طالب:"ليس هو بشيء، شبه المتروك"[التهذيب (2/ 603)، الميزان (2/ 646)، الجرح والتعديل (6/ 60)].

* وحديث سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ إنما هو في الجمع بالمدينة، لا في السفر، وقد تقدم.

* وحديث طاوس إنما يُعرف عن ابن عباس موقوفًا عليه.

ص: 103

رواه معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه؛ أن ابن عباس كان يجمع بين الظهر والعصر في السفر.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 549/ 4408)، ومن طريقه: ابن المنذر في الأوسط (2/ 423/ 1148).

* وكذلك حديث عطاء بن أبي رباح إنما هو موقوف على ابن عباس:

فقد روى ابن جريج، قال: أخبرني عطاء؛ أن ابن عباس جمع بين المغرب والعشاء ليلة خرج من أرضه.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 549/ 4409).

* وانظر أيضًا فيمن وهم فيه على عطاء فرفعه: ما أخرجه أحمد (1/ 217)(7/ 454/ 8208 - إتحاف)، والطبراني في الكبير (11/ 121/ 11326)، وفى الأوسط (5/ 363/ 5562).

وفي إسناده: يزيد بن أبي زياد الكوفي، وهو: ضعيف، كان يتلقن.

* وانظر أيضًا: ما أخرجه أحمد (1/ 351)[وهو حديث ضعيف، فيه: الحجاج بن أرطأة، وليس بالقوي، والحكم عن مقسم، ولم يسمعه منه].

* وأما أبو الشعثاء جابر بن زيد، فقد رواه عن ابن عباس بالوجهين، وقد تقدم حديثه عن ابن عباس في الجمع في الحضر.

* وأما حديثه في الجمع في السفر:

فقد رواه عبدة بن سليمان [ثقة ثبت، روى عن ابن أبي عروبة قبل الاختلاط، وهو من أثبت الناس سماعًا منه. التقريب (635)، الكواكب النيرات (25)، شرح العلل (2/ 743)]، ومحمد بن إبراهيم بن أبي عدي [ثقة، سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط]، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف [صدوق، من أروى الناس عن ابن أبى عروبة، كان عالمًا به إلا أنه سمع منه قبل الاختلاط وبعده، فلم يميز بين هذا وهذا]:

عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يجمع بين الصلاتين في السفر، ويقول: من السُّنَّة.

ولفظ عبدة: من السُّنَّة الجمع بين الصلاتين في السفر.

أخرجه البزار (11/ 50/ 4740) و (11/ 416/ 5267)، والطبراني في الكبير (12/ 140/ 12826)، والبيهقي (3/ 165).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا يذكره عن جابر بن زيد إلا قتادة".

قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

* خالفه: سعيد بن بشير [ضعيف، يروي عن قتادة المنكرات]، فرواه عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في غزوة بني المصطلق.

ص: 104

أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 140/ 12825)، وفي مسند الشاميين (4/ 48/ 2696)[ولفظه بنحو لفظ ابن أبي عروبة].

وهذا منكر بهذا القيد، والمعروف الأول، والوهم فيه من شيخ الطبراني في الكبير، وهو: عبد الله بن الحسين بن جابر المصيصي: اتهمه ابن حبان بسرقة الحديث وقلب الأسانيد [اللسان (4/ 456)]، وقد رواه على الصواب عند الطبراني في مسند الشاميين: أبو زرعة الدمشقي [عبد الرحمن بن عمرو النصري: ثقة حافظ]، ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في السفر، فبرئ سعيد بن بشير من عهدته.

3 -

وروى عبد الرزاق، وحجاج بن محمد المصيصي، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، وعثمان بن عمر بن فارس [وهم ثقات، وعبد الرزاق وحجاج وأبو عاصم: من أثبت الناس في ابن جريج، وأكثرهم عنه رواية]:

عن ابن جريج، قال: أخبرني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، وعن كريب، عن ابن عباس، قال: ألا أخبركم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر؟ قلنا: بلى، قال: كان إذا زاغت له الشمس في منزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب، وإذا لم تزغ له في منزله سار حتى إذا حانت العصر نزل فجمع بين الظهر والعصر، وإذا حانت له المغرب وهو في منزله جمع بينها وبين العشاء، وإذا لم تحن له في منزله ركب حتى إذا حانت العشاء نزل فجمع بينهما. لفظ عبد الرزاق.

قال عبد الرزاق: وقال لي المقدام: ما سمعنا هذا من ابن جريج، ولا جاء به غيرك.

أخرجه أحمد (1/ 367)، وعبد الرزاق (2/ 548/ 4405)، والبزار (11/ 37/ 4719)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (100 - 102)، والطبراني في الكبير (11/ 210/ 11522)، وابن عدي في الكامل (2/ 350)، والدارقطني (1/ 388)، والبيهقي (3/ 163).

وعزاه المزي في التحفة (4/ 550/ 6021) للترمذي في الصلاة من جامعه، ونقل عن الترمذي قوله:"حسن صحيح، غريب من حديث ابن عباس"، ثم قال المزي:"هذا الحديث في رواية أبي حامد أحمد بن عبد الله بن داود التاجر المروزي، عن الترمذي، ولم يذكره أبو القاسم".

قلت: لم أجد من ترجم لأبي حامد التاجر ترجمة مستقلة، إنما ذكروه فيمن روى عن أبي عيسى الترمذي، ولا أظن هذه الرواية تثبت عن الترمذي، فضلًا عن حكمه على الحديث؛ ولم أجد لحسين بن عبد الله رواية عند الترمذي غير هذا الموضع، وليس هو في رواية أبي العباس المحبوبي راوي الجامع عن الترمذي، ثم إن الترمذي قد ضعف هذا المتن مع مجيئه بإسناد ظاهره الصحة، وهو حديث قتيبة بن سعيد: أخبرنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن معاذ بن جبل؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّر الظهرَ حتى يجمعها إلى العصر،

ص: 105

فيصليهما جميعًا،. . . الحديث [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1206)]، وهذا إسناد رجاله ثقات، لكنه معلول، وقد ضعفه الترمذي فقال:"وحديث الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن معاذ: حديث غريب"، فكيف يضعف ما ظاهره الصحة، ثم يرجع فيصحح حديثًا إسناده ظاهر الضعف، نقل الترمذي نفسه عن شيخه البخاري قوله في راويه حسين هذا بأنه ذاهب الحديث!

* خالفهم: عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، فرواه عن ابن جريج، قال: أخبرني هشام بن عروة، عن حسين بن عبد الله، عن كريب، عن ابن عباس، نحوه.

أخرجه أبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (103).

قال أبو بكر النيسابوري: نا ابن أبي مسرة؛ عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: نا عبد المجيد به.

قلت: لا تثبت هذه الرواية عن ابن جريج؛ فإن أبا يحيى ابن أبي مسرة: ثقة مشهور [انظر: الجرح والتعديل (5/ 6)، الثقات (8/ 369)، السير (12/ 632)]، لكن أبوه: ليس بالمشهور، ولم أر من تكلم فيه بجرح أو تعديل، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد: صدوق يخطئ، كان عالمًا بحديث ابن جريج؛ ويهِم عليه فيه، وأنكر عليه ابن عدي أحاديث تفرد بها عن ابن جريج وغيره [انظر: التهذيب (2/ 606)، إكمال مغلطاي (8/ 297)، الميزان (2/ 648)، السير (9/ 434)، تاريخ ابن معين للدوري (3/ 86/ 361)، الجرح والتعديل (6/ 64)، الضعفاء الكبير (3/ 96)، المجروحين (2/ 161)، الكامل (5/ 344 - مطبوع)(2/ 325/ ب - مخطوط)، سؤالات البرقاني (317)، الإرشاد (1/ 166 و 233)، شرح علل الترمذي (2/ 682)، التقريب (392)].

قال الدارقطني: "ورواه عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج، عن هشام بن عروة، عن حسين، عن كريب، عن ابن عباس، وكلهم ثقات، فاحتمل أن يكون ابن جريج سمعه أولًا من هشام بن عروة عن حسين، كقول عبد المجيد عنه، ثم لقي ابن جريج حسينًا فسمعه منه، كقول عبد الرزاق وحجاج عن ابن جريج: حدثني حسين،. . .".

قال البيهقي: "وروي عن محمد بن عجلان ويزيد بن الهاد وأبي أويس المدني، عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس، وهو بما تقدم من شواهده يقوى، وبالله التوفيق".

* قلت: رواه ابن عجلان [صدوق]، ويزيد بن عبد الله بن الهاد [ثقة]، وهشام بن عروة [ثقة، وقد أفرد كريبًا، ولفظه قريب من لفظ ابن جريج]، وأبو أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس المدني [ليس به بأس، لينه بعضهم، رواه عن عكرمة وحده]، وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى [متروك، كذبه غير واحد، وقد أفرد كريبًا]:

عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة [وعن كريب]، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زاغت الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا، وإذا ارتحل قبل أن تزيغ أخرهما حتى يصليهما في وقت العصر. بألفاظ متقاربة.

ص: 106

أخرجه الشافعي في الأم (7/ 185)، وفي المسند (48)، وعبد بن حميد (613)، والطبراني في الكبير (11/ 211/ 11523 - 11526)، والدارقطني (1/ 389)، والبيهقي في المعرفة (2/ 447/ 1638 و 1639)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 195/ 1042)، وفي الشمائل (630).

وهو حديث منكر من حديث عكرمة؛ حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس الهاشمي المدني: ضعيف، قال أحمد:"له أشياء منكرة"، وقال العقيلي:"وله غير حديث لا يتابع عليه من حديث ابن عباس"، وتركه أحمد وابن المديني والنسائي، وقال البخاري:"ذاهب الحديث"، بل نقل البخاري في التاريخ الكبير في ترجمة عبد الله بن يزيد الهذلي بإسناد لا بأس به: أن حسينًا كان يتهم بالزندقة، ونقله عنه العقيلي في الضعفاء، وتسهل فيه بعضهم فاكتفى بتضعيفه أو تليينه، وله أشياء منكرة، وكان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، ومشاه بعضهم؛ لم يخبروا حاله [التهذيب (1/ 424)، التاريخ الكبير (2/ 388) و (5/ 227)، سؤالات أبي داود (566)، علل الترمذي الكبير (389)، تاريخ ابن أبي خيثمة (2/ 956/ 4088 - السفر الثاني) و (2/ 297/ 3004 - السفر الثالث)، ضعفاء العقيلي (1/ 245) و (2/ 316)، الجرح والتعديل (3/ 57)، تاريخ الضعفاء لابن شاهين (119)، إكمال مغلطاي (74 - التراجم الساقطة)].

وهذا الحديث مداره على حسين هذا، وانظر فيمن وهم في إسناده: علل ابن أبي حاتم (1/ 183/ 526).

فإن قيل: قد احتج أحمد بحديث حسين هذا؛ كما في مسائل ابنه عبد الله (859 و 860)].

فيقال: حسين قد ضعفه أحمد، ونقل عنه الأثرم -وهو من كبار أصحاب أحمد- قوله:"له أشياء منكرة"، ونقل أبو داود عنه بأنه منكر الحديث، بل نقل البخاري عن أحمد أنه ترك حسينًا هذا [التاريخ الأوسط (2/ 54/ 1766)، سؤالات أبي داود (566)]، فكيف يحتج بحديثه بعدُ؛ إلا أن يكون احتجاجه به قبل أن يتبين أمره، والله أعلم.

والإمام قد يفوته الشيء، ولا يقدح ذلك في إمامته وسعة علمه، وقد وقع للإمام أحمد شيء من ذلك غير هذا، مثل احتجاجه بحديث حجاج بن أرطأة، عن قتادة، عن أنس، قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين أملحين، فقرب أحدهما، فقال:"بسم الله، اللهم منك ولك،. . ." الحديث، وهو حديث منكر؛ قال فيه ابن حبان:"هذا خبر باطل"[راجع تخريجه في بحوث حديثية في الحج (264)، وانظر أيضًا: فضل الرحيم الودود (10/ 108 - 109/ 922)].

قال ابن تيمية في ذلك (21/ 494 - المجموع): "وكان أحمد يحتج أحيانًا بأحاديث ثم يتبين له أنها معلولة، كاحتجاجه بقوله: "لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين"، ثم تبين له بعد ذلك أنه معلول فاستدل بغيره".

ص: 107

• ومما يؤكد كون حديث حسين هذا منكر من حديث عكرمة:

أن يحيى بن أبي كثير [وهو: ثقة ثبت، روايته عن عكرمة في صحيح البخاري]، قد رواه عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاتى الظهر والعصر [في السفر]، إذا كان على ظهر سير، ويجمع بين المغرب والعشاء. وهو حديث صحيح غريب، علقه البخاري في صحيحه (1107) بصيغة الجزم [وقد تقدم ذكره قريبًا]، وهو المحفوظ في ذلك من حديث عكرمة عن ابن عباس، وأن المتن الذي أتى به حسين بن عبد الله عن عكرمة: متن منكر، لا يشهد له حديث صحيح، فضلًا عن ضعف حسين هذا، ومخالفته من هو أثبت منه بألف مرة في حديث عكرمة عن ابن عباس، والله أعلم.

4 -

وروى سليمان بن حرب [ثقة حافظ، لزم حماد بن زيد تسع عشرة سنة. التهذيب (2/ 88)]، وعارم [محمد بن الفضل: ثقة ثبت، أثبت أصحاب حماد بن زيد بعد عبد الرحمن بن مهدي. الجرح والتعديل (8/ 58)]، ويونس بن محمد المؤدب [ثقة ثبت]، والحسن بن موسى الأشيب [ثقة]:

ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن ابن عباس -ولا أعلمه إلا مرفوعًا، وإلا فهو عن ابن عباس-؛ أنه كان إذا نزل منزلًا في السفر، فأعجبه المنزل، أقام فيه حتى يجمع بين الظهر والعصر ثم يرتحل، فإذا لم يتهيأ له المنزل مدَّ في السفر فسار فأخر الظهر حتى يأتي المنزل الذي يريد أن يجمع فيه بين الظهر والعصر. لفظ سليمان بن حرب.

ولفظه عند أحمد من طريق يونس وحسن: كان إذا نزل منزلًا فأعجبه المنزل؛ أخَّر الظهر حتى يجمع بين الظهر والعصر،. . . .

أخرجه أحمد (1/ 244) عن يونس والحسن به. والبيهقي (3/ 164)، بإسناد صحيح إلى سليمان بن حرب وعارم به. والضياء في المختارة (11/ 95/ 84)، من طريق أحمد.

هكذا شك في رفعه حماد بن زيد عن أيوب.

قال ابن حجر في الفتح (2/ 583): "ورجاله ثقات؛ إلا أنه مشكوك في رفعه، والمحفوظ أنه موقوف".

* ثم رواه البيهقي (3/ 164) أيضًا بنفس الإسناد، وهو إسناد صحيح إلى: حجاج بن منهال: ثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن ابن عباس، قال: إذا كنتم سائرين فنابكم المنزل فسيروا حتى تصيبوا منزلًا تجمعون بينهما، وإن كنتم نزولًا فعجل بكم أمرٌ فاجمعوا بينهما ثم ارتحلوا.

هكذا موقوفًا بغير شك، وهو الأشبه بالصواب، فمن جزم وضبط أولى ممن شك ولم يدر؛ أهو مرفوع أم موقوف، ولو كان المرفوع محفوظًا لانتثر، وحدث به الناس، وأودعه المصنفون في كتبهم؛ إذ كيف يُهجر إسناد مثل هذا في ثقة رجاله وشهرتهم، ويشتهر إسناد حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس على ضعفه، وقلة حديثه.

ص: 108

وعليه: فإن الموقوف هو المحفوظ من حديث ابن عباس هذا، وهذا إسناد منقطع رجاله ثقات، أبو قلابة: لم يسمع من ابن عباس، قال الطحاوي:"أبو قلابة لا سماع له من ابن عباس"[مشكل الآثار (6/ 380)]، وكثيرًا ما يدخل رجلًا بينه وبين ابن عباس [انظر: تحفة التحصيل (176)].

***

1215 -

. . . عبد العزيز بن محمد، عن مالك، عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غابت له الشمس بمكة، فجمع بينهما بسَرِف.

حديث غريب

أخرجه النسائي في المجتبى (1/ 287/ 593)، والطحاوي (1/ 161)، وابن عدي في الكامل (7/ 226)، والبيهقي في السنن (3/ 164)، وفي المعرفة (2/ 450/ 1644)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 206).

رواه عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي: يحيى بن محمد الجاري، ونعيم بن حماد.

ولفظ المؤمَّل بن إهاب عن يحيى الجاري [عند النسائي]: غابت الشمس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فجمع بين الصلاتين بسَرِف.

قال ابن عبد البر في التمهيد: "ولمالك رحمه الله عن أبي الزبير حديث غريب صحيح، ليس في الموطأ عند أحد من رواته فيما علمت، والله أعلم".

قلت: هو حديث غريب من حديث مالك، ثم من حديث الدراوردي:

فإن نعيم بن حماد المروزي: ضعيف، له مناكير كثيرة تفرد بها عن الثقات المشاهير [انظر: التهذيب (4/ 234)، الميزان (4/ 267)].

ويحيى بن محمد بن عبد الله بن مهران الجاري: قال العجلي ويحيى بن يوسف الزِّمِّي: "ثقة"، وأورد ابن عدي هذا الحديث في ترجمته، وختمها بقوله:"ليس بحديثه بأس"، لكن قال عن حديثه هذا:"وهذا يرويه يحيى الجاري عن الدراوردي عن مالك، ويُروى عن الحماني عن الدراوردي أيضًا"، مما يدل على استغرابه من حديث مالك، بل ومن حديث الدراوردي أيضًا، والدليل على أن قول ابن عدي هذا ليس توثيقًا للجاري على المعهود من إطلاق هذا الاصطلاح؛ نقله في أول الترجمة جرح البخاري الشديد له [راجع الكلام عن بعض إطلاقات ابن عدي، والتي تحمل على التعديل: فضل الرحيم الودود (8/ 333/ 755)]، وقد ذكر يحيى الجاريَّ ابنُ حبان في الثقات، وقال:"يُغرب"، ثم أعاد ذكره في المجروحين، وقال: "يروي عن الدراوردي، روى عنه مؤمَّل بن إهاب، كان ممن يتفرد بأشياء لا يتابع عليها، على قلة روايته، كأنه كان يهم كثيرًا، فمن هنا وقع المناكير في روايته، يجب التنكب عما انفرد من الروايات، وإن احتجَّ به محتجٌّ فيما وافق الثقات لم أر

ص: 109

بذلك بأسًا"، قلت: ذكرُه في المجروحين أولى وأنسب لحاله من ذكره في عموم الثقات، فإن قليلَ الرواية إذا كان يهم كثيرًا في قلة ما يروي، وينفرد بما لا يُتابع عليه؛ فحري به أن يُضعَّف، لذا قال فيه البخاري إمام الصنعة: "يتكلمون فيه"، وهذا جرح شديد، يسقط روايته، ونقله عنه العقيلي فأدخله في ضعفائه، وأنكر عليه حديثًا آخر غير هذا، وقال: "وهذا الحديث لا يتابع عليه يحيى"، وبهذا يكون قد أدخله في الضعفاء: العقيلي وابن حبان وابن عدي وغيرهم، وساقوا الأدلة على ضعفه، وأما الدارقطني فإنه لما ذكره في العلل (13/ 87/ 2972) قال: "لا بأس به"، وذلك لما ذكر له روايةً عن مالك خالف فيها أصحاب مالك، فرفعها، وزاد فيها ألفاظًا لم يأت بها غيره، وصرح الدارقطني بأن ما زاده الجاري هذا ليس بمحفوظ، وأن الصحيح عن مالك موقوف، فكيف يكون لا بأس به؟ لاسيما وقد لخص الذهبي القول فيه بقوله: "ليس بالقوي" [صحيح أبي عوانة (2/ 471/ 3868)، الضعفاء الكبير (4/ 428)، الجرح والتعديل (9/ 184)، الثقات (9/ 259)، المجروحين (3/ 130)، الميزان (4/ 406)، الكاشف (2/ 375)، إكمال مغلطاي (12/ 360)، التهذيب (4/ 386)].

وعلى هذا: فهو حديث غريب من حديث عبد العزيز الدراوردي فضلًا عن مالك.

• ورواه عبد الله بن شبيب: حدثنا قدامة بن شهاب: حدثنا مالك، عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم غربت له الشمس بمكة، فصلاها بسرف، وذلك تسعة أميال.

أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (12/ 207).

قلت: ولا يثبت هذا عن مالك أيضًا؛ قدامة بن شهاب: بصري، ليس به بأس [التهذيب (3/ 433)]، والمتفرد به عنه: عبد الله بن شبيب أبو سعيد الربعي: أخباري علامة؛ لكنه واهٍ، ذاهب الحديث، وكان يسرق الحديث [الميزان (2/ 438)، اللسان (4/ 499)].

• ورواه مقلوبًا: إبراهيم بن يزيد الخوزي، عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غربت له الشمس وهو بسرِف، فلم يُصلِّ المغرب حتى دخل مكة.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 554/ 4432).

وهذا حديث منكر؛ إبراهيم بن يزيد الخوزي: متروك، منكر الحديث، وقد قلب متنه، وقد روي أنه: غربت له الشمس بمكة، فصلاها بسرف.

* والحاصل: فإن هذا الحديث غريب الإسناد، لا يثبت من حديث مالك، لم يروه أحد من أصحاب الموطآت، ولا من ثقات أصحاب مالك المشهورين، كما لا يثبت أيضًا من حديث الدراوردي، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي: صدوق، كان سيئ الحفظ، يخطئ إذا حدث من حفظه، وكان كتابه صحيحًا؛ إلا أنه كان يحدث من كتب الناس فيخطئ أيضًا [انظر: التهذيب (2/ 592) وغيره]، وهو من أقران مالك، يشاركه في كثير من شيوخه، والله أعلم.

ص: 110

* وأما متنه فهو منكر؛ فإن الثابت المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل وقت الصلاة الحاضرة وهو نازل فإنه لا يرتحل حتى يصليها:

• فقد روى ابن شهاب، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر، ثم ركب صلى الله عليه وسلم.

أخرجه البخاري (1111 و 1112)، ومسلم (704/ 46)، ويأتي برقم (1218).

• وروى محمد بن المنكدر، وإبراهيم بن ميسرة، أنهما سمعا أنس بن مالك، يقول: صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهرَ بالمدينةِ أربعًا، والعصرَ بذي الحليفة ركعتين.

وهو حديث متفق على صحته [تقدم برقم (1202)].

• وروى عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان التيمي، عن أنس بن مالك أنه أخبره؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى مكة صلى الظهر بالشجرة سجدتين.

وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه برقم (1084)، وذكرته تحت الحديث رقم (1202).

وهذا الحديث يخالف حديث محمد بن المنكدر، وإبراهيم بن ميسرة، وأبي قلابة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعًا، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين.

ويوافق حديث أشعث بن عبد الملك الحمراني، عن الحسن، عن أنس بن مالك؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر، ثم ركب راحلته فلما علا على جبل البيداء أهلَّ.

أخرجه أبو داود (1774)، ويأتي تخريجه في موضعه.

ويوافق حديث قتادة، عن أبي حسان، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدم، وقلَّدها نعلين، ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج.

أخرجه مسلم (1243)، ويأتي تخريجه عند أبي داود برقم (1752).

ويمكن الجمع بينها بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعًا، ثم انطلق إلى ذي الحليفة فأدرك العصر بها، وصلاها ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم مكث بها حتى صلى الظهر، ثم أشعر بدنته، وأهل بالحج والعمرة، وارتحل متجهًا إلى مكة.

وراجع ما جاء في هذا المعنى من أحاديث، تحت الحديث السابق برقم (1202)، والشاهد أن كل هذه الأحاديث تدل على المعنى المذكور، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصلاة الحاضرة قبل أن يرتحل إذا دخل وقتها.

• وروى المسحاج بن موسى، قال: قلت لأنس بن مالك: حدِّثنا ما سمعتَ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال: كنَّا إذا كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فقُلنا: زالتِ الشمسُ، أو لم تَزُلْ؟ صلى الظهر، ثم ارتحل.

ص: 111

وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل منزلًا فقال فيه، لم يرتحل منه حتى يصلي الظهر.

وهو حديث صحيح، تقدم برقم (1204).

• وروى شعبة: حدثني حمزة العائذي، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلًا لم يرتحل حتى يصليَ الظهرَ، فقال له رجلٌ: وإن كان بنصف النهار؟ قال: وإن كان بنصف النهار.

وهو حديث صحيح، تقدم برقم (1205).

* ولجابر أحاديث أخرى في الجمع، ولا تثبت عنه أيضًا:

1 -

روى قرة بن خالد [وعنه: مسلم بن إبراهيم الفراهيدي]، عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في السفر.

أخرجه ابن حبان (4/ 461/ 1590).

وهو حديث أخطأ في إسناده قرة بن خالد، وسلك الجادة والطريق السهل؛ راجع الحديث السابق برقم (1210).

2 -

وروى ابن لهيعة، عن أبي الزبير، أنه قال: سألت جابرًا: هل جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء؟ قال: نعم، زمان غزونا بني المصطلق.

أخرجه أحمد (3/ 348).

وإسناده ضعيف؛ لأجل ابن لهيعة.

3 -

وروى علي بن مسهر [كوفي، ثقة]، عن ابن أبي ليلى [ليس بالقوي، كان سيئ الحفظ جدًّا]، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 209/ 8228) و (7/ 283/ 36110). ومن طريقه: أبو الفضل الزهري في حديثه (406)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 341)، وفي الاستذكار (2/ 204).

ولا يثبت هذا من حديث عطاء بن أبي رباح، ولا من حديث جابر.

4 -

وروى الربيع بن يحيى الأشناني، قال: ثنا سفيان الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، بالمدينة للرخص، من غير خوف ولا علة.

أخرجه الطحاوي (1/ 161)، وابن أبي حاتم في العلل (2/ 205/ 313 - ط. الحميد)، وابن جميع الصيداوي في معجم شيوخه (193)، وتمام في الفوائد (404)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 88)، وفي تاريخ أصبهان (1/ 443)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 217).

قال أبو حاتم: "حدثنا الربيع بن يحيى عن الثوري؛ غير أنه باطل عندي، هذا خطأ،

ص: 112

لم أدخله في التصنيف، أراد: أبا الزبير عن جابر، أو: أبا الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، والخطأ من الربيع".

قال أبو نعيم: "غريب من حديث الثوري عن محمد، تفرد به الربيع، واختلف على الثوري في الجمع بين الصلاتين من وجوه عدة".

وقال ابن عبد البر: "في إسناده نظر".

قلت: هو حديث باطل من حديث الثوري، رواه أصحاب الثوري الثقات، مثل: أبي نعيم الفضل بن دكين، ومحمد بن يوسف الفريابي، وعبد الرزاق بن همام، وعبد الله بن الوليد العدني، وغيرهم:

عن سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر بالمدينة، في غير سفر ولا خوف.

وهذا هو المعروف فيه [تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (1210)]، والربيع بن يحيى الأشناني: روى عنه جماعة من الأئمة ممن لا يروي إلا عن الثقات، وقال أبو حاتم:"ثقة ثبت"، ومع ذلك فقد حمل عليه في هذا الحديث، وعدَّه باطلًا، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن قانع:"ضعيف"، وقال البرقاني: سمعت الدارقطني يقول: "الربيع بن يحيى الأشناني: ضعيف، ليس بالقوي، يخطئ كثيرًا"، ونقل عن الدارقطني أيضًا أنه قال في هذا الحديث بعينه:"وهذا حديث ليس لمحمد بن المنكدر فيه ناقة ولا جمل"، وقال الحاكم:"قلت للدارقطني: الربيع بن يحيى الأشناني؟ قال: ليس بالقوي، يروي عن الثوري، عن ابن المنكدر، عن جابر: الجمع بين الصلاتين، هذا يسقط مئة ألف حديث"[سؤالات البرقاني (156 و 654)، سؤالات الحاكم (319)، التهذيب (1/ 596)].

• وروي أيضًا: عن الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر؛ ولا يثبت أيضًا عن الثوري؛ إنما هو سلوك للجادة، ولزوم للطريق السهل [أخرجه الدارقطني في العلل (13/ 377/ 3265)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 88 - 89)].

• وروي عن شعبة، عن أبي الزبير عن جابر، ولا يثبت؛ إنما هو سلوك للجادة، ولزوم للطريق السهل [أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 31)].

***

1216 -

قال أبو داود: حدثنا محمد بن هشام -جار أحمد بن حنبل-: حدثنا جعفر بن عون، عن هشام بن سعد، قال: بينهما عشرة أميال، يعني: بين مكة وسَرِف.

إسناده صحيح إلى هشام بن سعد مقطوعًا عليه

أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (3/ 164).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "عشرة أميال: ثلاثة فراسخ وثلث، والبريد أربعة

ص: 113

فراسخ، وهذه المسافة لا تقطع في السير الحثيث حتى يغيب الشفق، فإن الناس يسيرون من عرفة عقب المغرب، ولا يَصِلُون إلى جمعٍ إلا وقد غاب الشفق، ومن عرفة إلى مكة بريد، فجمعٌ دون هذه المسافة، وهم لا يصِلون إليها إلا بعد غروب الشفق، فكيف بسرف؛ وهذا يوافق حديث ابن عمر، وأنس، وابن عباس؛ أنه إذا كان سائرًا أخَّر المغرب إلى أن يغرب الشفق، ثم يصليهما جميعًا" [مجموع الفتاوى (24/ 70)].

***

1217 -

. . . الليث، قال: قال ربيعة -يعني: كتب إليه-: حدثني عبد الله بن دينار، قال: غابت الشمس وأنا عند عبد الله بن عمر، فسرنا، فلما رأيناه قد أمسى، قلنا: الصلاةَ! فسار حتى غاب الشفقُ، وتصوَّبتِ النجومُ، ثم إنه نزل فصلى الصلاتين جميعًا، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جدَّ به السيرُ صلى صلاتي هذه، بقول: يجمع بينهما بعد ليل.

قال أبو داود: رواه عاصم بن محمد، عن أخيه، عن سالم، ورواه ابن أبي نجيح، عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب، أن الجمع بينهما من ابن عمر كان بعد غيوب الشفق.

حديث صحيح

تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1207)، وكذا تخريج ما علقه أبو داود.

***

1218 -

. . . المفضَّل، عن عُقَيل، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر، ثم ركب صلى الله عليه وسلم.

قال أبو داود: كان مُفضَّل قاضي مصر، وكان مجاب الدعوة، وهو ابن فَضَالة.

حديث متفق على صحته

أخرجه البخاري (1111 و 1112)، ومسلم (704/ 46)، وأبو عوانة (2/ 80/ 2393)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 293/ 1581)، والنسائي في المجتبى (1/ 284/ 586)، وفي الكبرى (2/ 220/ 1575)، وابن حبان (4/ 463/ 1592)، وأحمد (3/ 247 و 265)، وعبد بن حميد (1165)، والبزار (13/ 26/ 6329)، والطبراني في الأوسط (8/ 80/ 8025)، والدارقطني في السنن (1/ 390)، وفي الأفراد (1/ 228/ 1125 - أطرافه)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 321)، والبيهقي (3/ 161)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 67/ 930).

ص: 114

رواه عن المفضل بن فضالة: قتيبة بن سعيد، ويزيد بن خالد بن يزيد ابن موهب، وحسان بن عبد الله الواسطي، ويحيى بن غيلان [وهم ثقات]، وأبو زيد عبد الرحمن بن أحمد بن أبي الغمر المصري الفقيه [روى عنه جماعة من الثقات، منهم: البخاري في غير الصحيح، وأبو زرعة الرازي، وقال ابن وضاح: "لقيته بمصر، وهو شيخ ثقة"، الجرح والتعديل (5/ 274)، المؤتلف للدارقطني (3/ 1708)، فتح الباب (2934)، ترتيب المدارك (4/ 22)، الإكمال (7/ 33)، تاريخ الإسلام (17/ 242)، التهذيب (2/ 543)].

* ورواه أبو رجاء، وأبو معاوية:

قالا: ثنا المفضل بن فضالة، عن عقيل، عن الزهري، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يجمع بين الظهر والعصر في السفر؛ أخَّر الظهر حتى يكون أول وقت العصر ثم ينزل فيجمع بينهما، وكان يؤخِّر المغرب حتى يكون أول وقت العشاء ثم ينزل فيجمع بينهما.

أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2/ 429/ 1156)(3/ 133/ 1153 - ط. الفلاح)، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: نا أبو رجاء وأبو معاوية به.

قلت: أبو معاوية المذكور في هذا الإسناد هو المفضل بن فضالة نفسه، فإن أبا معاوية محمد بن خازم الكوفي الضرير صاحب الأعمش لا يُعرف بالرواية عن المفضل، وهما متقاربان في الطبقة، مختلفان في الموطن، المفضل: مصري، وأبو معاوية: كوفي، وأما أبو معاوية شيبان بن عبد الرحمن النحوي البصري نزيل الكوفة فإنه أكبر من المفضل، ولا يُعرف بالرواية عنه أيضًا، ويحتمل أن يكون وقع في الإسناد ذكر المفضل باسمه وكنيته فجاء من فصل بين الكنية والاسم، وجعل أحدهما راويًا عن الآخر؛ فإنه لا يُعرف من يروي عن المفضل ممن يكنى بأبي معاوية، إنما هي كنيته.

وأما أبو رجاء فهو قتيبة بن سعيد، وهو أحد من رواه عنه باللفظ الأول.

وهذا الحديث وهمٌ سندًا ومتنًا، والمحفوظ: رواية جماعة الثقات عن المفضل، والتي أخرجها الشيخان، ويبدو لي أنه دخل لراويه حديث في حديث فإن هذا اللفظ الأخير هو لفظ ابن لهيعة عن عقيل، ورواه بنحوه أيضًا جابر بن إسماعيل عن عقيل، وروى أوله الليث عن عقيل [ويأتي ذكرها]، وليس هذا هو لفظ المفضل، ولا أستبعد أن يكون الوهم من شيخ ابن المنذر: محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ البغدادي نزيل مكة، روى عنه جماعة من الأئمة الحفاظ، وقال ابن أبي حاتم:"صدوق"، وقال ابن خراش:"هو من أهل الفهم والأمانة"، وذكره ابن حبان في الثقات [الجرح والتعديل (7/ 190)، الثقات (9/ 133)، تاريخ بغداد (2/ 38)، التهذيب (3/ 513)]، والله أعلم.

* تابع المفضل بن فضالة:

ليث بن سعد [وعنه: شبابة بن سوار، وعبد الله بن صالح]، عن عقيل بن خالد، عن

ص: 115

الزهري، عن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر، أخَّر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر، ثم يجمع بينهما.

أخرجه مسلم (704/ 47)، وأبو عوانة (2/ 79/ 2392)، وابن حبان (4/ 309/ 1456)، ومحمد بن عاصم الثقفي في جزئه (43)، وأبو يعلى (6/ 303/ 3619) [وسقط من إسناده: الليث بن سعد]. والدارقطني (1/ 389)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 321)، والبيهقي (3/ 161).

هكذا رواه عن شبابة: عمرو بن محمد الناقد [ثقة حافظ]، والحسن بن محمد بن الصباح [الزعفراني، صاحب الشافعي: ثقة]، ومحمد بن عاصم الثقفي [صدوق]، وعيسى بن أحمد البلخي [ثقة]، وسعيد بن بحر القراطيسي [ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الخطيب: "كان ثقة"، وقال الذهبي: "ثقة مسند"، وحدث عنه جماعة من الحفاظ. تاريخ بغداد (9/ 93)، تاريخ الإسلام (19/ 153)]، وحميد بن الربيع الخزاز [ذاهب الحديث. تقدم الكلام عنه مرارًا، راجع مثلًا: فضل الرحيم الودود (10/ 369/ 975)][وسقط من إسناده: الليث بن سعد، عند أبي يعلى].

• خالفهم: إسحاق بن راهويه [ثقة حافظ]: أنا شبابة بن سوار، عن ليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فزالت الشمس؛ صلى الظهر والعصر جميعًا ثم ارتحل.

أخرجه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 294/ 1582)، والبيهقي في السنن (3/ 162)، وفي المعرفة (2/ 446/ 1636)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 68/ 931).

قال الذهبي في تهذيب السنن (3/ 1094): "هذا على صحة إسناده: منكر".

وقال في السير (11/ 379): "فهذا منكر، والخطأ فيه من جعفر"؛ يعني: الفريابي، وقد توبع عليه، وكان الذهبي استدركه على نفسه فقال بعدها:"ومع حال إسحاق وبراعته في الحفظ؛ يمكن أنه لكونه كان لا يحدث إلا من حفظه جرى عليه الوهم في حديثين من سبعين ألف حديث، فلو أخطأ منها في ثلاثين حديثًا لما حطَّ ذلك رتبته عن الاحتجاج به أبدًا، بل كون إسحاق تتبع حديثه فلم يوجد خطأ قط سوى حديثين يدل على أنه أحفظ أهل زمانه".

وقال في الميزان (1/ 183): "فهذا على نبل رواته: منكر"، ثم قال:"ولا ريب أن إسحاق كان يحدث الناس من حفظه، فلعله اشتبه عليه، والله أعلم"[وانظر: فتح الباري لابن حجر (2/ 583)].

قلت: وهو كما قال، والمحفوظ ما رواه جماعة الثقات عن شبابة، وتابعهم عليه أبو صالح كاتب الليث، والوهم هنا في تقديم العصر مع الظهر جمع تقديم، وإنما رواه على تأخير الظهر إلى وقت العصر جمع تأخير: الليث بن سعد، ومفضل بن فضالة، وجابر بن إسماعيل، وابن لهيعة، كلهم عن عقيل به، وهو الصواب.

* ورواه عبد الله بن صالح [أبو صالح كاتب الليث: صدوق، كثير الغلط، وكانت

ص: 116

فيه غفلة]: ثنا مفضل، والليث، وابن لهيعة، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يجمع بين الظهر والعصر؛ أخَّر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر، ثم يجمع بينهما.

أخرجه الدارقطني (1/ 390)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 321)، والبيهقي في المعرفة (2/ 446/ 1635).

هكذا رواه عن أبي صالح عبد الله بن صالح: إبراهيم بن الحسين بن علي أبو إسحاق الهمذاني الكسائي [المعروف بابن ديزيل: ثقة حافظ. الإكمال لابن ماكولا (4/ 265)، تاريخ دمشق (6/ 387)، السير (13/ 184)، اللسان (1/ 265)]، ومطلب بن شعيب [وأفرد في روايته الليث] [وهو: ثقة، له أبي صالح حديث منكر. اللسان (8/ 86)]، وهاشم بن يونس العصار [مصري، روى عنه جماعة من الثقات، وهو شيخ لأبي عوانة والطبراني وغيرهما، وصحح له الحاكم في مواضع من مستدركه، وهو مشهور بالرواية عن أبي صالح. المستدرك (1749 و 2729 و 2874 و 8825 - ط. التأصيل)، الإكمال (6/ 388)، الأنساب (4/ 199)، تاريخ الإسلام (25/ 484)، توضيح المشتبه (6/ 283)].

• خالفهم، فقلب إسناده، وجعل يونس بن يزيد مكان عقيل بن خالد:

هارون بن كامل بن يزيد [العصار، مصري، مجهول الحال، شيخ للطحاوي والعقيلي والطبراني، لم يعرفه ابن رجب ولا الهيثمي. الإكمال (6/ 388)، الأنساب (4/ 199)، جامع العلوم والحكم (2/ 331)، تاريخ الإسلام (21/ 318)، توضيح المشتبه (6/ 282)، مجمع الزوائد (10/ 369)، مغاني الأخيار (3/ 170)]: ثنا عبد الله بن صالح: حدثني الليث: حدثني يونس، عن ابن شهاب، عن أنس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يجمع بين الظهر والعصر؛ أخَّر الظهر حتى يدخل وقت العصر، ثم يجمع بينهما.

أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 322).

قلت: وهذا حديث مقلوب، إنما هو عقيل بن خالد، وهم فيه شيخ الطبراني، فجعله يونس بن يزيد.

• ورواه ابن لهيعة [ضعيف]، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين -يعني: في السفر-؛ أخَّر الظهر حتى يدخل وقت العصر، ثم يجمع بينهما، وإذا أراد أن يجمع بين المغرب والعشاء؛ أخَّر المغرب حتى يدخل وقت العشاء، ثم يجمع بينهما.

أخرجه البزار (13/ 25/ 6328)، بإسناد صحيح إلى ابن لهيعة.

قلت: قد رواه الليث بن سعد، والمفضل بن فضالة؛ فلم يذكرا فيه الشق الثاني، في تأخير المغرب إلى العشاء، لكنه محفوظ بهذا اللفظ؛ فلم ينفرد به ابن لهيعة، تابعه عليه: جابر بن إسماعيل [عند مسلم]، وهو الحديث الآتي:

***

ص: 117

1219 -

. . . ابن وهب: أخبرني جابر بن إسماعيل، عن عقيل، بهذا الحديث بإسناده، قال: ويؤخِّرُ المغربَ حتى يجمع بينها وبين العشاء، حين يغيب الشفق.

حديث صحيح

أخرجه مسلم (704/ 48)، وأبو عوانة (2/ 79/ 2391)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 294/ 1583)، والنسائي في المجتبى (1/ 287/ 594)، وفي الكبرى (2/ 222/ 1579)، وابن خزيمة (2/ 83 - 84/ 969)(2/ 167/ 969 - ط. الميمان)، وابن وهب في الجامع (205)، والطحاوي (1/ 164)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 321)[وسقط إسناده]. والبيهقي في السنن (3/ 161)، وفي المعرفة (2/ 446/ 1637)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 192/ 1040)، وقال:"متفق على صحته"، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (2/ 68/ 932).

وعلقه أبو داود بعد الحديث رقم (1234).

رواه عن ابن وهب: سليمان بن داود بن حماد المهري، وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، وعمرو بن سوَّاد بن الأسود بن عمرو، وبحر بن نصر، والحارث بن مسكين، ويونس بن عبد الأعلى [وهم مصريون ثقات].

• تنبيه: وقع سقط في صحيح ابن خزيمة من رواية يونس، حيث جعله عن يونس بن عبد الأعلى الصدفي، قال: أخبرني جابر، فسقط بينهما ابن وهب، إذ هو المتفرد بالرواية عن جابر بن إسماعيل، كما أنه شيخ ليونس، وقد وقع على الصواب بإثبات ابن وهب بينهما: عند أبي عوانة والطحاوي.

ولفظ الحديث بتمامه [عند مسلم]: عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا عجِلَ عليه السفر [وفي رواية: عجل به السير]، يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر، فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء، حين يغيب الشفق.

* وله أسانيد أخرى عن أنس:

أ - روى حسين بن ذكوان المعلم، وعلي بن المبارك، وحرب بن شداد، وأبان بن يزيد، ومعمر بن راشد:

عن يحيى بن أبي كثير، عن حفص بن عبيد الله بن أنس، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة المغرب والعشاء في السفر.

ولفظ معمر [عند عبد الرزاق]: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في السفر.

أخرجه البخاري (1110) موصولًا. و (1108) معلقًا. وأحمد (3/ 138 و 151)، وعبد الرزاق (2/ 545/ 4395)، والطحاوي (1/ 162).

ص: 118

هكذا رواه يحيى بن أبي كثير [وهو: ثقة ثبت] عن حفص، وهو المحفوظ.

• وتابعه عليه: أسامة بن زيد الليثي، وهو: صدوق، صحيح الكتاب، يخطئ إذا حدث من حفظه، وقد أنكروا عليه أحاديث [تقدمت ترجمته مفصلة عند الحديث رقم (394 و 600 و 619)].

قال أبو داود بعد الحديث رقم (1234): "وروى أسامة بن زيد، عن حفص بن عبيد الله -يعني: ابن أنس بن مالك-؛ أن أنسًا كان يجمع بينهما حين يغيب الشفق، ويقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك، ورواية الزهري، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله".

* خالفهما في متنه فوهم:

محمد بن إسحاق [صدوق، وعنه: يزيد بن هارون]، فرواه عن حفص بن عبيد الله بن أنس، قال: كنا نسافر مع أنس بن مالك، فكان إذا زالت الشمس وهو في منزلٍ لم يركب حتى يصلي الظهر، فإذا راح فحضرت صلاة العصر؛ فإن سار من منزله قبل أن تزول فحضرت الصلاة، قلنا له: الصلاة! فيقول: سيروا، حتى إذا كان بين الصلاتين نزل فجمع بين الظهر والعصر، ثم يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وصل ضحوته بروحته صنع هكذا.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 210/ 8232) و (7/ 283/ 36111).

قال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الكبرى (2/ 336): "وحديث مسلم أجلُّ وأعلى إسنادًا من حديث ابن أبي شيبة وأشهر".

• وأخرجه البزار (13/ 96/ 6458)، قال: حدثنا طليق بن محمد الواسطي [روى عنه جماعة من الأئمة كالنسائي وابن خزيمة، وقال ابن حبان: "استقامته في الحديث استقامة الأثبات"، الثقات (8/ 328)، التهذيب (2/ 247)]: ثنا يزيد بن هارون، عن محمد بن إسحاق، عن حفص، قال: كان أنس إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخَّر الظهر إلى آخر وقتها، وصلاها، وصلى العصر في أول وقتها، ويصلي المغرب في آخر وقتها، ويصلي العشاء في أول وقتها، ويقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الصلاتين في السفر.

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا تابع حفص بن عبيد الله على روايته هذه، وقد رواه الزهري بخلاف ما رواه حفص".

قلت: هذا حديث منكر؛ والمعروف عن أنس فيما رواه عنه الزهري؛ تأخير الأولى حتى يجمعها مع الثانية في وقت الثانية، ورواية يحيى بن أبي كثير عن حفص مجملة تفصلها رواية أسامة بن زيد الليثي، فتتفق مع رواية الزهري عن أنس، فظهر بذلك نكارة رواية ابن إسحاق، والله أعلم.

ب - وروى يعقوب بن محمد الزهري: نا محمد بن سعد: نا ابن عجلان، عن عبد الله بن الفضل، عن أنس بن مالك؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر فزاغت الشمس قبل أن يرتحل؛ صلى الظهر والعصر جميعًا، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس جمع بينهما في أول وقت العصر، وكان يفعل ذلك في المغرب والعشاء.

ص: 119

وهو حديث منكر، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1206).

***

1220 -

قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد: أخبرنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن معاذ بن جبل؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّر الظهرَ حتى يجمعها إلى العصر، فيصليهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا، ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخَّر المغربَ حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجَّل العشاء فصلاها مع المغرب.

قال أبو داود: ولم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده.

حديث موضوع، لا أصل له بهذا الإسناد.

تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1206).

* وفي الباب أيضًا:

1 -

حديث عبد الله بن عمرو:

يرويه حجاج بن أرطأة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في غزوة بني المصطلق.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 211/ 8244) و (7/ 283/ 36112)[واللفظ له]. وأحمد (2/ 179 و 180 و 204)[ولفظه في الموضع الثاني: جمع بين الصلاتين في السفر].

ولا يثبت هذا الحديث؛ حجاج بن أرطأة: ليس بالقوي، ولم يذكر سماعًا، قال أبو نعيم الفضل بن دكين:"لم يسمع حجاج من عمرو بن شعيب إلا أربعة أحاديث، والباقي عن محمد بن عبيد الله العرزمي"، قال ابن رجب:"يعني: أنه يدلس بقية حديثه عن عمرو: عن العرزمي"[شرح العلل (2/ 855)]، والعرزمي: متروك.

* وروى عمر بن حبيب قاضي البصرة، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين، بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، مقيمًا غير مسافر، بغير سفر ولا مطر.

أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 37).

قال ابن عدي: "وهذا الحديث عن ابن جريج: غير محفوظ".

قلت: هو حديث منكر؛ لتفرد عمر بن حبيب البصري به عن ابن جريج المكي الإمام، دون بقية أصحابه على كثرتهم، وعمر بن حبيب هذا: ضعيف، لا يحتمل تفرده عن ابن جريج.

ص: 120

2 -

حديث أسامة بن زيد:

يرويه أبو أسامة حماد بن أسامة [وعنه: أبو السائب سلم بن جنادة بن سلم الكوفي: ثقة، قال عنه أبو أحمد الحاكم: "يخالف في بعض حديثه"، وقد وهم فيه على أبي أسامة. التهذيب (2/ 64)]، وسالم بن نوح [ليس به بأس، له غرائب وأفراد لينوه بسببها. انظر: التهذيب (1/ 680)، الميزان (2/ 113)]:

عن الجريري، عن أبي عثمان، عن أسامة بن زيد، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جدَّ به السير جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

أخرجه الترمذي في العلل (161)[وسقط من إسناده أبو أسامة بين أبي السائب والجريري]. والبزار (7/ 56/ 2603 و 2604)، وابن عدي في الكامل (3/ 347)، والدارقطني في الأفراد (1/ 143/ 581 - أطرافه).

قال الترمذي: "سألت محمدًا [يعني: البخاري] عن هذا الحديث؟ فقال: الصحيح هو موقوف عن أسامة بن زيد".

وقال البزار: "وهذا الحديث قد رواه غير واحد عن الجريري عن أبي عثمان عن أسامة موقوفًا، وأسنده أبو أسامة وسالم بن نوح، ورواه التيمي عن أبي عثمان عن أسامة بن زيد موقوفًا".

وقال الدارقطني: "تفرد به الجريري عن أبي عثمان النهدي".

• قلت: وهو كما قال البخاري؛ الصحيح موقوف على أسامة:

فقد رواه أبو أسامة حماد بن أسامة [ثقة ثبت، ممن سمع من الجريري قبل اختلاطه، ورواه عن أبي أسامة في المحفوظ عنه: أبو بكر ابن أبي شيبة؛ الحافظ الثبت المتقن]، وغيره [كما قال البزار]:

عن الجريري، عن أبي عثمان، قال: كان أسامة بن زيد إذا عجل به السير جمع بين الصلاتين.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 211/ 8241).

وهذا موقوف على أسامة بإسناد صحيح.

• ورواه سليمان التيمي، عن أبي عثمان [النهدي]، قال: سافرت مع أسامة بن زيد، وسعيد بن زيد، وكانا يجمعان بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 549/ 4407)، وابن أبي شيبة (2/ 210/ 8236)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 423/ 1145).

وهذا موقوف على أسامة بإسناد صحيح، على شرط الصحيح.

3 -

حديث أبي هريرة:

يرويه محمد بن أبان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجمع بين الصلاتين في السفر.

أخرجه البزار (15/ 256/ 8722 و 8723).

ص: 121

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن زيد بن أسلم إلا محمد بن أبان، وقد تقدم ذكرنا لمحمد بن أبان في غير هذا الحديث"، وقال عنه في الحديث السابق على هذا:"ومحمد بن أبان: رجل من أهل الكوفة، وهو ابن أبان بن صالح: لم يكن بالحافظ، وقد حدث عنه جماعة من الأجلة، منهم: أبو الوليد وأبو داود وغيرهما".

قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به عن أهل المدينة: محمد بن أبان بن صالح القرشي الجعفي الكوفي، وهو: ضعيف [انظر: اللسان (6/ 488) وغيره].

• وقد أرجأت الكلام عن أحاديث الجمع بين الظهر والعصر بعرفة [حديث جابر عند أبي داود برقم (1905 و 1906)]، وبين المغرب والعشاء بجمع [حديث ابن عمر عند أبي داود برقم (1926 - 1933)]، إلى مواضعها من كتاب المناسك، وإن كنت قد أشرت إليها تحت حديث معاذ السابق برقم (1206).

* ومما روي في الجمع الصوري مرفوعًا، غير ما تقدم ذكره في حديث ابن عمر:

1 -

حديث ابن مسعود:

رواه ابن أبي ليلى، عن أبي قيس [عبد الرحمن بن ثروان الأودي]، عن هزيل بن شرحبيل، عن عبد الله بن مسعود؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في السفر.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 211/ 8246)، والبزار (5/ 414/ 2046)، وأبو يعلى (9/ 284/ 5413)، والطحاوي (1/ 160)، والطبراني في الكبير (10/ 39/ 9881).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عبد الله إلا بهذا الإسناد".

* خالفه: أبو مالك النخعي [عبد الملك بن الحسين، وهو: متروك، منكر الحديث]، فرواه عن حجاج [هو: ابن أرطأة، وهو ليس بالقوي]، عن عبد الرحمن بن ثروان، عن هزيل بن شرحبيل، عن عبد الله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء، ويؤخر هذه في آخر وقتها، ويعجل هذه في أول وقتها.

أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 39/ 9880).

وهذا إسناد واهٍ بمرة.

* وخالفهما: عبد الله بن عبد القدوس، فرواه عن الأعمش، عن عبد الرحمن بن ثروان، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأولى والعصر، وبين المغرب والعشاء، فقيل له في ذلك، فقال:"صنعت هذا لكي لا تحرج أمتي".

أخرجه مكرم البزاز في الثاني من فوائده (241)، والطبراني في الكبير (10/ 218/ 10525)، وفي الأوسط (4/ 252/ 4117).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا عبد الله، ولا رواه عن عبد الله إلا الحسين [يعني: ابن عيسى بن ميسرة الرازي]، وأحمد بن حاتم الطويل".

قلت: هو حديث باطل من حديث الأعمش، تفرد به عنه: عبد الله بن عبد القدوس،

ص: 122

وهو ضعيف، فكيف يقبل تفرده عن الأعمش دون أصحابه الثقات والضعفاء على كثرتهم، لا سيما وقد اختلف فيه على أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان، والمحفوظ عنه ما رواه الثوري وشعبة.

* خالفهم أميرا المؤمنين في الحديث: شعبة [وعنه: الطيالسي]، وسفيان الثوري [وعنه: وكيع بن الجراح]:

فروياه عن أبي قيس، قال: سمعت الهزيل [بن شرحبيل]، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأخَّر الظهر وعجَّل العصر وجمع بينهما، وأخَّر المغرب وعجَّل العشاء وجمع بينهما. واللفظ لشعبة.

أخرجه الطيالسي (374)، وابن أبي شيبة (2/ 210/ 8239).

وهذا مرسل بإسناد جيد.

قال الطيالسي: "لم يقل شعبة فيه: عن عبد الله، قال: وروي عن ابن أبي ليلى أنه وصله عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم".

قلت: وهِم في وصله ابن أبي ليلى، وليس هو بذاك القوي، كان سيئ الحفظ جدًّا، والصواب المرسل.

2 -

حديث عائشة:

رواه مغيرة بن زياد، عن عطاء، عن عائشة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤخر الظهر، ويعجل العصر، ويؤخر المغرب، ويعجل العشاء في السفر.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 210/ 8238)، وأحمد (6/ 135)، وإسحاق بن راهويه (3/ 632/ 1213)، والطحاوي (1/ 164).

قلت: هو حديث منكر، المغيرة بن زياد البجلي الموصلي: ليس بالقوي، له أحاديث أنكرت عليه، حتى ضعفه بسببها بعضهم، وقالوا بأنه منكر الحديث، بل قال أحمد:"كل حديث رفعه مغيرة فهو منكر"، ونظر بعضهم إلى أحاديثه المستقيمة التي وافق فيها الثقات فقووه بها، وهو عندي ليس ممن يحتج به، لا سيما إذا خالف الثقات [التهذيب (4/ 132)، الميزان (4/ 160)، العلل ومعرفة الرجال (1/ 400/ 815) و (2/ 45/ 1501) و (2/ 510/ 3361) و (3/ 29/ 4012) و (3/ 35/ 4054 - 4056) و (3/ 163/ 4729)، تاربخ دمشق (60/ 4)][راجع ما تقدم ذكره في ترجمته تحت الحديث رقم (1200)، في أواخره، في الكلام عن طرق حديث عائشة].

3 -

حديث علي بن أبي طالب:

يرويه أبو أسامة [حماد بن أسامة: ثقة ثبت]، عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن جده؛ أن علي بن أبي طالب كان يسير إذا غربت الشمس، حتى إذا كاد أن يظلم ينزل فيصلي المغرب، ثم يدعو بعشائه فيأكل، ثم يصلي العشاء على إثرها [ثم يرتحل]، ثم يقول: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي.

ص: 123

أخرجه أبو داود (1234)، والنسائي في الكبرى (2/ 224/ 1584)، وابن أبي شيبة (2/ 211/ 8245)، والبزار (2/ 255/ 664)، وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند (1/ 136)، وأبو يعلى (1/ 358/ 464) و (1/ 418/ 548)، والضياء في المختارة (2/ 311 و 312/ 687 - 689).

رواه عن أبي أسامة: إسحاق بن راهويه، ومحمد بن المثنى، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأخوه عثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن معمر.

قال أبو داود بعد الحديث: "وروى أسامة بن زيد، عن حفص بن عبيد الله -يعني: ابن أنس بن مالك-؛ أن أنسًا كان يجمع بينهما حين يغيب الشفق، ويقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك، ورواية الزهري، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله".

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن علي إلا بهذا الإسناد وهذا الكلام لفظه ومعناه".

قلت: سمع محمد بن عمر: أباه، قاله ابن سعد وأبو أحمد الحاكم [تاريخ دمشق (54/ 416 و 417)]، وسمع عمر بن علي بن أبي طالب: أباه، قاله أبو حاتم [الجرح والتعديل (6/ 124)]، وأسند البخاري في تاريخه الكبير (6/ 179) عن عمر أنه رأى عليًّا رضي الله عنه شرب قائمًا.

وعمر بن علي بن أبي طالب: وثقه العجلي، وقال البرقاني للدارقطني:"الحسين بن زيد بن علي بن الحسين، عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي؟ فقال: كلهم ثقات"، وذكره ابن حبان في الثقات، روى عنه أولاده الثلاثة، وأبو زرعة عمرو بن جابر الحضرمي [التاريخ الكبير (6/ 179)، الجرح والتعديل (6/ 124)، الثقات (5/ 146)، معرفة الثقات (1359)، سؤالات البرقاني (85)، تاريخ دمشق (45/ 302)، تاريخ الإسلام (5/ 197) و (6/ 163)، التهذيب (3/ 245)، إكمال مغلطاي (10/ 105)، التقريب (457) وقال: "ثقة"].

وابنه محمد: وثقه الدارقطني ضمن جماعة، كما تقدم، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جماعة، وقال ابن سعد:"وكان قليل الحديث"، لكن قال ابن القطان الفاسي:"لا تعرف حاله"، ومع ذلك فقد حسَّن له، وقال ابن القيم في الزاد:"وقد استُنكر بعض حديثه"، وقال ابن حجر:"صدوق"، وقال الذهبي في الكاشف:"ثقة"، وقال في الميزان:"ما علمت به بأسًا، ولا رأيت لهم فيه كلامًا، وقد روى له أصحاب السنن الأربعة، فما استُنكِر له حديث"[الثقات (5/ 353)، سؤالات البرقاني (85)، تاريخ دمشق (54/ 413)، بيان الوهم (4/ 267/ 1806) و (3/ 354/ 1100)، تاريخ الإسلام (8/ 531)، زاد المعاد (2/ 79)، إكمال مغلطاي (10/ 289)، الميزان (3/ 668)، الكاشف (2/ 205)، التهذيب (3/ 655)، التقريب (555)].

وابنه عبد الله: روى عنه جماعة من الثقات، منهم: عبد الله بن المبارك، وقال ابن

ص: 124

المديني: "هو وسط"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"يخطئ ويخالف"، وقال ابن سعد:"كان قليل الحديث"، ووثقه الدارقطني ضمن جماعة، كما تقدم، وصحح له ابن خزيمة وابن حبان حديثًا في صوم التطوع في فضل صيام السبت والأحد، وهو الحديث الذي رواه عنه ابن المبارك، وصحح له الحاكم حديثًا آخر، وذكره البخاري في التاريخ الكبير، ولم يذكر له سماعًا من أبيه، وقال ابن القطان الفاسي:"لا تُعرف حاله"[التاريخ الكبير (5/ 187)، الجرح والتعديل (5/ 155)، الثقات (7/ 1)، تاريخ دمشق (32/ 357)، صحيح ابن خزيمة (2167)، صحيح ابن حبان (3616 و 3646)، بيان الوهم (4/ 269)، التهذيب (2/ 427)].

قلت: يشكل على توثيق الدارقطني لهؤلاء المذكورين في الإسناد: أن الحسين بن زيد بن علي قد ضعفه أو لينه: ابن المديني وابن معين وأبو حاتم، وقال ابن عدي:"أرجو أنه لا بأس به، إلا أني وجدت في بعض حديثه النكرة"[التهذيب (1/ 423)، الكامل (2/ 351)].

قلت: وكذلك شيخه عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، هو وسط كما قال ابن المديني، تعرف وتنكر، ورواية ابن المبارك عنه حديثًا واحدًا لا تعني قبول كل حديثه الذي رواه، وهذا ما أبان عنه ابن حبان حين أدخله في الثقات لأجل مروياته المستقيمة عنده، ثم أشار إلى وقوع الوهم والخطأ والمخالفة في بعض ما يروي، فإذا كان كذلك مع قلة ما يروي، فكيف يُسلك به مسلك العدول الثقات؟! فمثل هذا إذا انفرد بحديث لم يتابع عليه؛ لم يحتج به، ولم يقبل منه، مثل هذا الحديث.

فهذا الحديث قد جاء بالجمع الصوري، وهو مخالف لما ثبت بالأسانيد الصحيحة المتفق عليها، من حديث ابن عمر [راجعه برقم (1207)]، ومن حديث أنس [راجعه برقم (1218 و 1219)]؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤخر المغرب حتى يغيب الشفق ثم يصليها مع العشاء، وهذا هو ما أشار إليه أبو داود والبزار، حيث أعلاه، أما البزار فبالتفرد، وأما أبو داود فبالمخالفة لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

* وعلى هذا فإن حديث علي هذا: حديث ضعيف، والله أعلم.

فإن قيل: روي من طريق آخر يشهد لصحته؛ فيقال: ثبت العرش ثم انقش:

* رواه أحمد بن محمد بن سعيد [هو أبو العباس ابن عقدة، الحافظ المكثر: شيعي، اختلف الناس فيه، ضعفه غير واحد بسبب كثرة الغرائب والمناكير في حديثه، وقواه آخرون. السير (15/ 340)، اللسان (1/ 603)]: ثنا المنذر بن محمد: ثنا أبي: [ثنا أبي: زيادة من المطبوعتين، وليست في الإتحاف ولا في الأحكام الوسطى ولا في البدر المنير] ثنا محمد بن الحسين بن علي بن الحسين: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل حين تزول الشمس جمع الظهر والعصر، وإذا مد له السير أخَّر الظهر وعجل العصر ثم جمع بينهما.

ص: 125

أخرجه الدارقطني (1/ 391)(2/ 239/ 1459 - ط. الرسالة)(11/ 349/ 14175 - إتحاف المهرة)، قال: حدثنا أحمد به.

قال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 32): "والمنذر بن محمد ومحمد بن الحسين: لم أجد لهما ذكرًا"[ونقله ابن الملقن في البدر المنير (4/ 568)].

قال ابن حجر في التلخيص (2/ 123): "في إسناده من لا يُعرف، وفيه أيضًا: المنذر القابوسي، وهو: ضعيف".

قلت: هو حديث باطل؛ راويه عن علي: هو الحسين رضي الله عنه سبط النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه: ابنه علي، وهو: زين العابدين: ثقة ثبت عابد فقيه، وعنه: ابنه الحسين، وهو: ثقة، وعنه: ابنه محمد: لم أقف له على ترجمة، فهو مجهول، والمنذر بن محمد بن المنذر: قال الدارقطني: "ليس بالقوي"، وقال في غرائب مالك:"ضعيف"[اللسان (8/ 153)]، وإن كان هو القابوسي، فقد قال عنه الدارقطني:"مجهول"، وقال أيضًا:"متروك الحديث"[اللسان (8/ 153)، سؤالات الحاكم (234)]، وأبوه وجده: لا يُعرفان.

فكيف يُروى إسناد في غاية الصحة لأهل البيت، بإسناد غريب جدًّا، مسلسل بالمجاهيل، وينفرد به أحد الضعفاء، ثم لا يُعرف إلا من طريق ابن عقدة الشيعي صاحب الغرائب والمناكير.

4 -

حديث أبي سعيد الخدري:

يرويه محمد بن عبد الواهب الحارثي: ثنا أبو شهاب الحناط، عن عوف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وأخر المغرب وعجل العشاء فصلاهما جميعًا.

أخرجه البزار (18/ 81/ 17)، مختصرًا. والطبراني في الأوسط (8/ 71/ 7994)، والخطيب في تاريخ بغداد (2/ 390).

قال إبراهيم بن أورمة: "ما بالعراق حديث أغرب أو أحسن منه".

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يُروى عن أبي سعيد إلا من هذا الوجه، ولا رواه عن عوف إلا أبو شهاب، ومحمد بن عبد الواهب: رجل مشهور، ثقة بغدادي، كان أحد العباد".

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عوف إلا أبو شهاب، تفرد به: محمد بن عبد الواهب".

قلت: هو حديث غريب؛ تفرد به محمد بن عبد الواهب بن الزبير بن زنباع أبو جعفر الحارثي: روى عنه جماعة من الثقات الحفاظ، منهم عبد الله بن الإمام أحمد، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"ربما أخطأ"، وقال البزار وصالح جزرة وأبو عبد الله الحاكم:"ثقة"، وقال الدارقطني:"ثقة له غرائب"، فهو: لا بأس به، وله غرائب وأفراد، ويخطئ في بعض ما يروي [كشف الأستار (686)، مسند البزار (12/ 224/ 5934)، تاريخ وفيات

ص: 126