الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما المصرف الذي اعتبر مقترضا في عملية التحويل فيختلف عن المقترض في السفتجة، فهو شخصية اعتبارية تجمع موظفين وعمالا يتقاضون رواتب شهرية غير مرتبطة بالعمل قلة وكثرة، ويتخذ مقرا مجهزا بأثاث وأدوات وآلات كثيرة لاستقبال العملاء وقضاء حاجاتهم، ثم إن العملية ليست كتابة ورقة فحسب وإنما هي إجراءات كثيرة ذات كلفة مالية فلو لم يأخذ عمولة لما استطاع تغطية النفقات الطائلة التي ينفقها فاشتراط العمولة محقق للعدالة ومتفق مع أصل التشريع الإسلامي، وليس هناك نص أو إجماع على منع مثل ذلك.
النتيجة:
والنتيجة التي تستخلص من كل ما سبق من كلام عن التحويلات المصرفية اليوم هي أن التحويل المصرفي أو البريدي عملية مركبة من معاملتين أو أكثر، وهو عقد حديث بمعنى أنه لم يجر العمل به على هذا الوجه المركب في العهود السابقة، ولم يدل دليل على منعه، فهو صحيح جائز شرعا من حيث أصله بقطع النظر عما يحيط به من مواد قانونية يجب لمعرفة حكمها استقصاؤها تفصيلا ودراستها للحكم فيها (1) اهـ.
وقد بحث مسألة قبض الشيك هل هو قبض لمحتواه مجموعة من علماء الشريعة والاقتصاد منهم الدكتور علي السالوسي والدكتور سامي حمود والأستاذ سفر الجعيد وغيرهم وكلهم اتفوقا على أن قبض الشيك قبض لمحتواه وقد صدرت فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بذلك وفيما يلي ذكر أقوالهم:
فقد جاء في كتاب الدكتور علي السالوسي (استبدال النقود والعملات في معرض رده على الشيخ حسن أيوب حيث كان حسن أيوب يرى
(1) الموسوعة الفقهية الكويتية - الحوالة - ص229/ 235.
أن الأوراق النقدية عروض تجارة فرد عليه جزاه الله خيرا وذكر في رده أن الشيك ينقل الملكية في الحال وأنه قبض لمحتواه. وذكر رأي بعض علماء الاقتصاد ومنهم الدكتور يوسف إبراهيم فقال:
الشيك والقبض:
قال الشيخ (كان الأولى أن تطلب التوبة بشجاعة من نفسك ومن القائلين بأن الشيك يكفي عن قبض الأوراق المالية. إلخ).
وأقول:
* عاد الشيخ للحديث عن الشيك والقبض وأحب أن أسأله: لو أن الشيك لا يكفي عن القبض فما النتيجة؟ أنبحث عن حل آخر أم نقول: إن هذه النقود ليست من الأموال الربوية؟
* عندما كان يذهب المسلم إلى عبد الله بن الزبير في مكة، ويعطيه نقودا، ويأخذ سفتجة يتسلم بها ما يقابل هذه النقود من أخيه مصعب في العراق، فأين القبض هنا؟ أليست السفتجة قد قامت مقام القبض؟
ألا يقوم الشيك بما قامت به السفتجة؟
ألا يعني الشيك نقل الملكية في الحال؟ فالشيك إذن قام بدور السفتجة أو أكثر ولا يمكن أن يكون أقل منها في أداء وظيفة القبض.
* قال صاحب المغني (الحوالة بمنزلة القبض) 5/ 56.
وقال أيضا: (الحوالة كالتسليم)(67).
ونص على هذا أيضا صاحب الشرح الكبير (انظر 5/ 58 / 69).
فما رأيك في هذا؟ هل نطلب منهما التوبة؟
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(الأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع كالصلاة، والزكاة والصيام والحج، وتارة باللغة كالشمس والقمر والبر والبحر، وتارة بالعرف كالقبض والتفريق).
(مجموع الفتاوى 29/ 448).
فإذا كان القبض مرده إلى العرف فإن الشيك هو الأداة الرئيسية التي تنتقل بها ملكية النقود المودعة في الحسابات الجارية بالمصارف، وإذا تعارف الناس على نقل هذه الملكية بالتلكس مثلا ألا يكون هذا قبضا في عرفهم؟ ويمكن أن يتوصل الناس إلى وسائل أخرى تنتقل بها مليكة النقود فتقوم هذه الوسائل مقام قبض النقود ذاتها.
* الشيك يقوم مقام قبض النقود ولكن لو سلمنا جدلا بأنه لا يقوم بهذا فهنا تأتي الضرورة التي تبيح المحظورة، إلى أن نجد حلا آخر.
* يسأل الشيخ: هل قيل لك إنه لا حل عند الاقتصاديين إلا هذا؟ والجواب: لقد عرضت هذا الأمر على عدد من الاقتصاديين، ورجعت إلى كتب آخرين، فما وجدت ما يمنع جعل الشيك يقوم مقام القبض، بل وجدت من يعتبر الشيك نقودا بالفعل ووجدت بعد هذا من يقول للشيخ حسن بأن اعتبار الشيك ليس قبضا عاجلا قول يرد عليه الاقتصاديون.
وممن طلبت رأيهم في هذا الموضوع بعض الأساتذة من كلية التجارة بجامعة الكويت وأذكر أنهم قالوا بأن بعض البنوك الأجنبية تقوم بصرف قيمة الشيك قبل تحصيله مما يدل على أن الشيك أصبح له قوة مشابهة لقوة النقود. وقالوا كذلك أنه في بعض البلاد - كإنجلترا مثلا - هناك من يتعامل في المعاملات اليومية السائدة بالشيكات بدل النقود.
وما أذكره أيضا أني عرضت هذا الأمر قبل نشر البحث الثاني على أحد هؤلاء الإخوة وهو الأستاذ الدكتور عبد العزيز رجب فأيد ما قلته ولم يعارضه بل عارض كلام الشيخ.
وفي الفصل الدراسي الأول من العام (1402 - 1403) جاءنا من
تجارة الأزهر أستاذ زائر لتدريس الاقتصاد الإسلامي بجامعة قطر وهو الدكتور يوسف إبراهيم فطلبت رأيه في هذا الموضوع فكتب يقول:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن النقود في اصطلاح الاقتصاديين هي كل ما يستخدم وسيطا في تبادل السلع والخدمات ويلقى القبول العام من الناس، دون نظر إلى الشكل الذي تكون عليه فقد تتخذ النقود الشكل المعدني مثل النقود الذهبية والنقود الفضية التي عرفتها البشرية منذ فترة ليست بالقصيرة ولا زالت تعرف بعضها حتى اليوم في صورة ضيقة، وقد تتخذ النقود الشكل الورقي، مثل النقود الورقية الإلزامية التي تصدرها البنوك المركزية وقد تتخذ شكل النقود الائتمانية (المصرفية) التي تقدمها البنوك التجارية وبالشكل الأخير من أشكال النقود (النقود الائتمانية) تجرى معظم المعاملات في الاقتصاديات الحديثة والتي يقتصر دور النقود المعدنية فيها على استخدامها نقودا مساعدة فقط، بينما تستخدم النقود الورقية في الصفقات ذات القيم الصغيرة أما الصفقات والمعاملات الأساسية في هذه الاقتصاديات فإنها تتم بواسطة النقود الائتمانية أو المصرفية والتي ليس لها أداة غير الشيك.
وتتمتع الأنواع الثلاثة بالخاصيتين الجوهريتين للنقود وهما كونهما وسيطي التبادل وكونها تلقى القبول العام، فلا فرق في ذلك بين النقود المعدنية والنقود الورقية والنقود المصرفية والذي يأخذ (الشيك) في معاملة من المعاملات فإنه يأخذ نوعا من النقود ما في ذلك شك. وإذا كان بعض الناس في بعض المجتمعات لا يثقون في النقود الائتمانية ثقتهم في النقود الورقية فإن ذلك راجع إلى إلفهم التعامل بهذه النقود وعدم إلفهم التعامل بالنقود الائتمانية، ذلك أن النقود الورقية تحمل من المخاطر أكثر مما تحمله النقود الائتمانية بل والنقود المعدنية التي ربما تكون زيوفا فليس هناك نوع
من النقود يخلو من المخاطر، بل ربما تكون النقود الائتمانية من أقلها مخاطر، الأمر الذي جعلها تغطي الجزء الأكبر من المعاملات في المجتمعات المتقدمة اقتصاديا وستحتل نفس المكانة في بقية المجتمعات في المستقبل، بل لعل القبول بها لقي استجابة أكثر من الاستجابة التي قوبلت بها النقود الورقية عند نشأتها. فالنقود الائتمانية والشيك أداتها هي أهم أنواع النقود في العصر الحديث ما في ذلك شك.
يوسف إبراهيم
هذا ما كتبه الدكتور يوسف إبراهيم. ومن قبله كثيرون كتبوا عن الشيك، ونقله للملكية، وبينوا أن معظم المدفوعات النقدية تسوى بواسطة الشيكات التي أصبحت أهم أدوات الائتمان في العصر الحديث وما ذكروا لنا حلولا أخرى أو التفكير في حلول أخرى، بل تحدثوا عن ميزات التعامل بالشيكات من حيث الملاءمة واليسر والأمان وحماية القانون.
حتى لا نطيل هنا انظر على سبيل المثال:
مقدمة في النقود والبنوك للدكتور شافعي، ص51: 55، والمبسوط في الأوراق التجارية للدكتور صلاح الدين الناهي ص560 - 573.
ومن الاعتراضات التي تذكر هنا:
- أن الشيك قد يكون بدون رصيد، فلا يتم قبض.
- وقد يتعلق صرف الشيك على شرط وصول إخطار للبنك من صاحب الرصيد، وبهذا يتأخر القبض.
- وقد يعارض صاحب الرصيد في صرف الشيك، فلا يتم القبض أو يتأخر.
وهذه الاعتراضات لا تمنع ما انتهينا إليه. فمخاطر الشيك بدون رصيد قد لا تقل عن مخاطر الأوراق النقدية المزيفة وغالبا لا يعرف من قام بالتزييف.
ومما يذكر في هذا المجال أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما فكر في جعل الدراهم من الجلود كان مرد هذا إلى التزييف الذي لحق بالدراهم آنذاك.
وإن كان حامل النقود المزيفة لا يحميه القانون ما دام المزيف غير معروف فإن حامل الشيك يحميه القانون حيث ينص قانون العقوبات على توقيع عقوبة النصب على كل من أعطى بسوء نية شيكا لا يقابله رصيد قائم أو قابل للسحب أو كان أقل من قيمة الشيك أو سحب بعد إعطاء الشيك كل الرصيد أو بعضه بحيث لا يفي الباقي بقيمة الشيك أو أمر المسحوب عليه بعدم الدفع. وهذه الحماية القانونية كان لها أثرها في تعامل الناس بالشيكات في العصر الحديث. اهـ.
كما بحث المسألة الدكتور سامي حمود في كتابه الذي نال به الدكتوراة وأسماه " تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية " حيث عقد فصلا تحت عنوان (القبض في مصارفة البنك) قال فيه ما نصه:
" تتفق الآراء الفقهية على فساد الصرف إذا لم يكن فيه قبض فقد نقل السبكي في المجموع عن ابن المنذر أنه قال (أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد)(1).
ولكن الآراء الفقهية تختلف في المراد بالقبض فالقبض على ما يرى الحنفية مراد به التعيين باعتبار أن اليد في قوله صلى الله عليه وسلم «يدا بيد (2)» ليس مرادا بها اليد الجارحة - كما يقول الكاساني في معرض رده على أخذ الشافعي بظاهر اللفظ في هذا الحديث - بل يمكن حمل اليد على التعيين لأنها آلته ولأن الإشارة باليد سبب التعيين (3)، ولذلك فإنه إذا وقع البيع
(1) السبكي، مرجع سابق، الجزء العاشر، ص65.
(2)
صحيح البخاري البيوع (2061)، صحيح مسلم كتاب المساقاة (1589)، سنن النسائي كتاب البيوع (4575)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 372).
(3)
السبكي، مرجع سابق، الجزء العاشر، ص65.
على مال ربوي بمال ربوي آخر (قمح بشعير مثلا) فإن تعيينهما يقوم - عند الحنفية - مقام القبض ولكن الأمر يختلف عندهم بالنسبة للنقود، وذلك لأن الدراهم والدنانير لا تتعين عند الحنفية بالتعيين ولذلك كان لا بد من التقابض (1).
فإذا انتقلنا من حالة الكلام في البيع الذي يجري فيه الصرف بالمناولة (خذ وهات) إلى حالة وقوع الصرف في الذمة فإن الصورة تتضح بأن المراد من القبض هو التعيين الذي تثبت به الحقوق وليس المراد شكله بالأخذ والإعطاء فلنستمع إلى ما يرويه ابن عمر رضي الله عنهما بقوله: «كنت أبيع الإبل في البقيع (أبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، فوقع في نفسي من ذلك، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة - أو قال حين خرج من بيت حفصة - فقلت: يا رسول الله رويدك أسألك: إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ بالدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تفرقا وبينكما شيء (2)» .
ومن الواضح أن هذا التصارف الجاري على ما في الذمة ليس فيه تقابض بمظهره الشكلي بأن يبرز كل طرف ما يريد مصارفته بل كان يتم على أساس أن الحق القائم بهيئة دنانير في الذمة يسدد بما يؤدى في مقابلها من دراهم بسعر اليوم.
وقد أشكلت هذه النقطة على بعض من نظر إلى أن هذا الحديث المروي عن ابن عمر معارض بحديث أبي سعيد بالنسبة لما جاء فيه «ولا تبيعوا منها غائبا بناجز (3)» فقال ابن عبد البر موضحا ذلك الإشكال على ما جاء في تكملة المجموع. (وليس الحديثان بمتعارضين عند أكثر
(1) الكسائي مرجع سابق ج7، ص3190.
(2)
البيهقي، مرجع سابق، الجزء الخامس، ص284.
(3)
صحيح البخاري البيوع (2177)، صحيح مسلم المساقاة (1584)، سنن الترمذي البيوع (1241)، سنن النسائي البيوع (4570)، موطأ مالك البيوع (1324).
الفقهاء، لأنه يمكن استعمال كل واحد منهما، فحديث ابن عمر مفسر، وحديث أبي سعيد الخدري مجمل فصار معناه لا تبيعوا غائبا - ليس في ذمة - بناجز. وإذا حملا على هذا لم يتعارضا (1). اهـ.
ومن ذلك يؤخذ أن غاية القبض هي إثبات اليد، فإذا كان ذلك حاصلا فلا ينظر للشكل في المبادلة، ولذا كان الصرف في الذمة جائزا، سواء كان أحدهما دينا والآخر نقدا أو كان المبلغان عبارة عن دينين في ذمة كل من من المتصارفين.
فقد جاء في المدونة ما يلي:
قلت: أرأيت لو أن لرجل علي مائة دينار، فقلت: بعني المائة دينار التي لك علي بألف درهم أدفعها إليك ففعل، فدفعت إليه تسعمائة، ثم فارقته قبل أن دفع إليه المائة الباقية.
قال: قال مالك: لا يصلح ذلك ويرد الدراهم، وتكون الدنانير التي عليه على حالها. قال مالك - ولو قبضها كلها كان ذلك جائزا (2).
وأورد ابن رشد الخلاف في مسألة الصرف بين دينين في ذمة المتصارفين فقال:.
المسألة السادسة: واختلفوا في الرجلين يكون لأحدهما على صاحبه دنانير وللآخر عليه دراهم هل يجوز أن يتصارفاها وهي في الذمة؟.
فقال مالك: ذلك جائز - إذا كانا قد حلا معا.
وقال أبو حنيفة - يجوز في الحال وفي غير الحال.
وقال الشافعي والليث - لا يجوز ذلك حلا أو لم يحلا (3).
وحجة من لم يجز العملية (الشافعي والليث) أنه غائب بغائب وقد
(1) السبكي، المرجع السابق، الجزء العاشر، ص105.
(2)
مالك بن أنس، المدونة الكبرى، مرجع سابق، الجزء الثامن، ص393.
(3)
ابن رشد الحفيد، مرجع سابق، الجزء الثاني، ص200.
بينا أن قابلية الدين حال المطالبة لا تبقي في المسألة إلا الشكل الذي يجري فيه إبراز كل طرف ما عليه من دين للآخر، وهذا الإبراز وسيلة إبراء لا أكثر فإذا توصلنا إليه بالمصارفة فما المانع؟
ومع ذلك فإن المراد هو بيان مدى الرحمة في اختلاف الأئمة - أثابهم الله جميعا بما قدموا وما خدموا هذا الفقه العظيم.
فإذا انتقلنا لتطبيق المسألة على واقع العمل المصرفي فإننا نجد أن الصرف إما أن يكون على الصندوق أو بالحساب.
فإذا كان الصرف نقدا على الصندوق فلا إشكال في المسألة حيث يسلم المتصارف نقوده (من الجنيهات الإسترلينية - مثلا) ليستلم من صندوق المصرف العملة المطلوبة من الجنس الآخر. فهنا تقابض حال منجز.
أما إذا كان الصرف بالحساب فإن المودع يتسلم إيصال الإيداع الذي يحمل تاريخ اليوم الذي فيه الإيداع، ويقوم المصرف بقيد القيمة المعادلة للعملة الوطنية. وهذا قبض، لأن فيه تعيينا لحق العميل تجاه المصرف.
ولو كان للعميل حسابان أحدهما بالجنيه الإسترليني مثلا - والآخر بالدولار، وأراد أن يصارف من أحدهما ليضيفه للآخر فإنه يأمر المصرف بإجراء القيود بالمصارفة بسعر يوم التنفيذ فتكون العملية تبديل دين بدين بما يشبه مصارفة الدين بالدين، وهي العملية الجائزة عند مالك (إذا كان الدينان حالين) والجائزة أيضا عند أبي حنيفة (حل الدينان أم لم يحلا).
هذا ومن الجدير بالإشارة إلى أن سير المصارف على نظام القيد المزدوج في إجراء القيود لا يسمح للمصرف إلا أن يجري العملية بشقها في كل حال لأن كل قيد دائن لا بد أن يقابله قيد مدين وهذا أمر معروف ومتفق عليه في علم المحاسبة.
وتقوم المصارف العالمية بالإضافة إلى أعمال الصرف العادي مع العملاء بيعا وشراء بإجراء عمليات يطلق عليها اصطلاح الترجيح وهي - في نطاق الصرف - تنطوي على شراء عملات أجنبية من سوق (لندن مثلا) لبيعها في سوق آخر (نيويورك) بهدف ربح فرق السعر بين المركزين - إذا وجد ذلك الفرق.
وتتم العملية على أساس السعر الحاضر وتقيد الحقوق في دفتر كما لو كانت عملية صرف لعميل له لدى المصرف حسابان أو أكثر بأنواع مختلفة من العملات وفي ضوء ذلك فإن أعمال الترجيح للاستفادة من فروق الأسعار بين مراكز العملات الأجنبية في الأسواق العالمية مقبولة في موازين النظر الفقهي الإسلامي باعتبار أنها أعمال صرف حاضر مع التقابض الحسابي المتبادل.
وهكذا يتبين أن القبض في بيوع الصرف - على أساس السعر الحاضر - لا يمثل مشكلة بالنسبة للعمل المصرفي المراعى فيه الخضوع لضوابط الشريعة الغراء وذلك لأن التقابض سواء كان يدويا (بالمناولة) أو حسابيا (بالقيود الدفترية) مبني على إثبات الحق المنجز بالنسبة للطرفين المتبايعين. اهـ.
وتحدث الأستاذ بجامعة أم القرى ستر بن ثواب الجعيد في رسالة تقدم بها لنيل الماجستير بعنوان " أحكام الأوراق النقدية والتجارية في الفقه الإسلامي " وقد اشتركت في نقاش هذه الرسالة في جامعة أم القرى فقال:
الفرع السادس حكم اقتران الصرف بالإجارة في التحويل بالشيكات:
ذكرنا فيما سبق حكم الشيك في التحويل إذا كان النقد من جنس
واحد والآن نبين ما لو أراد المستأجر - طالب التحويل - أن يستلم المبلغ في البلد الآخر بنقد يخالف النقد الذي تقدم به إلى المصرف أو هو موجود في حسابه مع الصرف.
وإذا فرضنا أن زيدا من الناس تقدم إلى المصرف بمبلغ عشرة آلاف ريال سعودي مثلا ويريد أن يحرر له المصرف شيكا بهذا المبلغ على أن يتسلمه في مصر مثلا بالجنيهات المصرية أو الدولار الأمريكي أو أي عملة أخرى مخالفة للعملة التي جاء بها.
والمسألة ذات جوانب:
الأول: إذا كان طالب الشيك جاء بنقده معه ثم سلمه إلى المصرف وطلب منه أن يحرر له شيكا إلى مصر يتسلمه بالجنيهات. فهنا المسألة صرف يتلوه إجارة ووكالة.
أما الصرف فبين الريالات السعودية المفروضة في المثال وبين الجنيهات المصرية تم بسعر اليوم الذي يتقدم فيه الطالب.
والإجارة فهي تمكين المستأجر (الطالب للتحويل) من أخذ المقدار المساوي لنقده في المكان الذي يرغبه في مصر في مثالنا.
والوكالة فإنها ذات جانبين وكالة من المصرف للطالب ووكالة من المصرف القابض إلى المصرف الدافع والإشكال الوارد على العملية هو التقابض هل يتم باستلام الشيك أم لا؟
لقد ذهب كثير من الباحثين المعاصرين إلى أن استلام الشيك قبض لمحتواه وبالتالي يعتبر الصرف صحيحا لتوفر شرطه.
وإنما يعتبر قبض الشيك قبضا لمحتواه لأنه يحاط بضمانات وضوابط تجعل القابض له مالكا لمحتواه ويستطيع أن يتصرف فيه فيبيع به ويشتري
ويهب ويستطيع أن يظهر الشيك إلى آخر إذا مارس أي عملية من بيع أو شراء ونحوها.
كما أن من الضوابط التي تدعم الثقة بالشيك ما يلي:
أ-اعتبار إصداره من غير رصيد جريمة يعاقب عليها.
ب-كون الشيك غير مؤجل بل يتم صرفه بمجرد تقديمه بخلاف الأوراق التجارية الأخرى فإن الأجل لازم لها ومن طبيعتها غالبا.
وذلك لا يمنع من دخول الأجل في الشيك أو انتقائه في الأوراق التجارية الأخرى ولكن يجب أن لا يدخل الأجل في الشيك - إلا الأجل الذي لا بد منه لانتقال المستفيد إلى البلد الذي يرغب تحويل النقد إليه - إذا ترجح هذا الحكم لأن الأجل يدخل العملية في ربا النسيئة.
ويدعي ما ذهب إليه هؤلاء الباحثون أن الأوراق النقدية كانت في بداية نشأتها سندات لحاملها حتى شاعت بين الناس وكان يدفع للراغب في استبدالها ذهبا أو فضة حسب الغطاء ولكن ذلك تلاشى شيئا فشيئا مع انتشارها ورواجها وثقة الناس بها.
وبذلك تقترب الأوراق التجارية من الأوراق النقدية خاصة الشيكات - والسياحية منها خاصة - إذ هي تحرر على شكل فئات معينة ومتساوية أما بقية الأوراق التجارية فتحرر على أرقام متفاوتة حسب ما تقتضيه المعاملة التي استدعت تحريرها.
وقد اشترط بعض العلماء في اقتران الصرف بالحوالة ثبوت الدين قبل الحوالة واعتبروه شرط صحة لها قال بعض الفقهاء في تبريره: (احترز به بثبوت دين لازم - في صرف دينار بدراهم وأحال غريمه عليها فلا تصح لعدم المناجزة في الصرف وهو يوجب فسخه فالدراهم لم تلزم المحال عليه وهذه تشبه الصورة الجارية في البنوك ولكن هذا الفريق من
العلماء فسروا ثبوت الدين بما يستفاد منه أن المصرف المستقبل للشيك لا يضره عدم مديونيته المباشرة عن طريق وجود حساب للمصرف المرسل بالشيك بل يكفي في ذلك ثبوت الدين ببينة أو إقرار.
ما يرد على هذا التخريج ومناقشته:
وما سبق من القول بأن الشيك يكفي قبضه عن قبض محتواه لصحة عقد الصرف يرد عليه بعض الإيرادات أهمها:
1 -
أن قبض الشيك في قوة قبض محتواه وذلك لأن المتصرف الذي يملكه من قبض محتوى الشيك هو نهائي بينما يمارس من قبض الشيك بعض التصرفات وهي موقوفة على الوفاء الفعلي إذ قد يكون الشيك لا رصيد له وبذلك صار هذا وجه فرق بين المسألتين ولكن يمكن الرد عليه بأن هذا الفرق لا يؤثر في الإلحاق لأن قبض المحتوى هو الآخر ليس نهائيا إذا نظرنا إليه من جهة أخرى وهو كون النقد مزورا أو معيبا ونحو ذلك من العيوب لكن النقد المزور لا يمكن معرفة أول من زوره لأنه يتداول بالمناولة بينما الشيكات تتداول بطريق يمكن معرفة من انتقلت إليه وبالتالي يسهل ضبط العيب إذا ظهر قريبا، هو من هذه الناحية أسهل ولكن يعوض هذا في الأوراق النقدية مراقبة ولي الأمر ومعاقبته لمن زور النقد فهذا يحد من التزوير في النقود كما يحد من التزوير في الشيكات الضوابط الكثيرة - كالرصيد ومعاقبته من يصدر الشيك بدون رصيد - والتضامن ونحوها ويمكن القول بأن مسئولية مصدر الشيك عن صدق محتواه مع ما يحتف به من ضوابط أخرى تعزز الثقة في الشيك فتشبه ضمان الدولة عن الأوراق النقدية التي تصدرها غاية ما هناك أن الأوراق النقدية شيكات لحاملها والأوراق التجارية - الشيك - اسمية وما بينهما من