الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفتنة في أرجائه. وبذلك يسهل عليهم تحقيق مآربهم في البيئة الإسلامية، من نقاط الضعف التي أوجدوا مداخلها. وإن السبيل الوحيد الذي يفسد عليهم عملهم، هو تحصن شباب الأمة بالعلم والإدراك وبث روح الوعي لما تنطوي عليه تعاليم الإسلام في النفوس، حتى تقوى على التصدي لكل ما يبث، وإدراك ما يراد بأمة الإسلام، فإذا عرف الداء، أمكن معرفة الدواء. وبذلك تتقارب النفوس، وتتحقق الألفة والمحبة بين فئات المجتمع.
9 -
النزعات العقائدية:
وهي مدخل دقيق من مداخل النفس وعواطفها، فالولاء العقدي جزء من أجزاء النفس المتأصلة، فكما أن النفس البشرية لا تستغني عن الهواء والماء، لأنهما أهم مقومات الحياة، فكذلك الارتباط العقدي، والولاء الوجداني من لوازم النفس. ومقومات كيانها.
والدارسون لخصائص النفوس، يدركون أهمية العقيدة، وحاجة النفس إليها. فالإنسان يأخذها منذ حداثة سنه ممن حوله بدءا بالأبوين، ثم بمن يرتبط به تعليما وتقليدا. وقد فطر الله الخلق على العقيدة الصافية. كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه، أو ينصرانه (1)» .
ويأتي التأثير في العقيدة للطفل، ثم الشباب اللذين هما كالصلصال القابل للتكيف على الشكل الذي يضعه فيه من يتصرف فيه - كل من يحيط بهما، ويؤثر فيهما -.
ولا وقاية تحمي الشاب من النزعات الموجهة إليه سواء كانت عقائد دينية، أو اتجاهات فكرية في شئون الحياة المختلفة إلا بتوفيق الأمة بإعطائه حصانة ضد هذه الأسلحة الموجهة إليه، كما يعطى الطفل تحصينات ضد
(1) رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقد أوسع ابن عبد البر الكلام على هذا الحديث في كتابه التقصي.
كثير من الأمراض في سن معينة من عمره، وتحصيناته تتم في حسن التوجيه والرعاية: في البيت والمجتمع والمدرسة.
وأعداء الإسلام يدخلون على أبنائه من طرق شتى، فيتحينون نقاط الضعف لينفذوا منها، كالشيطان الذي يحاول جذب الإنسان إلى منهجه بقدر ما يستطيع، فإذا عجز عن الدخول من طريق الإغواء إلى المعصية، دخل عن طريق الطاعات والعبادات، ليفسدها على صاحبها: مبالغة وإغواء وتشديدا، وتشكيكا ووسوسة، وغير هذا من الأعمال المفسدة لجواهر العبادة، وسلامة العمل.
والذين يكيدون للإسلام من الإنس، يحرصون على معرفة خصائص نفوس شباب الإسلام، باعتبارهم العمود الفقري للأمة، والوتد الذي يثبت به المبنى، فيحاولون دراسة نفسيته، وتقويم اتجاهاته، والتعمق في رغبات نفسه، لعلهم يجدون منفذا يدخلون معه، أو نقطة ضعف تسهل عليهم غايتهم.
ودراسة نفسية الفرد المسلم، والمؤثرات فيه، كانت متأصلة لدى الغرب نحو شباب المسلمين، في محاولة لمعرفة مواطن الضعف فيهم، والنفاذ منها لبواطن عقولهم، ثم تحريك ما يضر بهم، ويخدم أعداءهم حتى يجدوا لأنفسهم مستقرا في ديار الإسلام، وهيمنة ذات آثار قديمة قدم العداء بين الإسلام والكفر، لكن الحروب الصليبية زادتها رسوخا وإلحاحا، ذلك أنه لم يمتد مكث الصليبين في بلاد الشام إلا بعد إثارتهم للنزعات العقائدية. واتكائهم على فئات تنتمي للإسلام اسما وهي بعيدة عنه عمقا وعملا. بل تطعن الإسلام وأهله بخنجر مسموم.
وأصحاب النزعات المتعددة هم العضد المساند لأعداء الإسلام في كل وقت وزمان، وهم الذين ثبتوا أقدام الاستعمار في كل بلد إسلامي، أو بلد به فئات كبيرة من المسلمين في أنحاء المعمورة. والتاريخ خير شاهد
على ذلك، فقد ذكر ابن تيمية رحمه الله دور أصحاب النزعات في خدمة النصارى في بلاد الشام، ومساندتهم لهم (1). كما ذكر ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية شيئا عمن خدموا التتار في دخول بغداد. وتقويض الخلافة الإسلامية العباسية، والزحف على ديار الإسلام قتلا وتدميرا، وفي سقوط الأندلس وإقصاء الإسلام من تلك البلاد، كان للمتعاطفين مع الإفرنج من أصحاب النزعات أثر في فتح باب التعاون والتساهل، ثم التخاذل بعدما مكنوهم من رقاب المسلمين، كما جاء في كتب المؤرخين الغربيين، الذين نقل عنهم بول ديورانت في كتابه قصته، وكما نقل أطرافا من ذلك محمد عبد الله عنان في كتابيه نهاية الأندلس، ودولة الإسلام في الأندلس. وغير هذا كثير في سجلات التاريخ.
ولذا فإن الاستعمار في القرن الحاضر وما قبله، قد وجد في أصحاب المعتقدات الشاذة عن منهج الإسلام سندا قويا، فأرضى لديهم نزعة حب العلو، وأمدهم بقوته، فمهدوا له السبيل للبقاء، وكانوا شوكة في جنب الإسلام، يحركهم العدو في الاتجاه، الذي يريده ليحقق بهم غرضه، ويطعن بهم أبناء الإسلام، ويحارب بهم مبادئ هذا الدين وشريعته.
ومع انتهاء الاستعمار العسكري جاء الاستعمار الفكري، فكانت دراساتهم تخدم ذوي النزعات العقدية، وتسهل لهم الإثارة، لأنهم أدركوا من مضمون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«سألت ربي ثلاثا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة، فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق، فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها (2)» . وفي رواية مالك في الموطأ بدل الغرق: «أن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم (3)» .
(1) راجع فتاواه الأجزاء الخاصة بالتوحيد والعقيدة.
(2)
صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (2890)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 182).
(3)
أخرجه الترمذي ومسلم عن خباب بن الأرت رضي الله عنه.
ومن تحريك النزعات: سواء كانت عقدية أو قبلية، أو طائفية تشتعل فتيلة البأس، وتتوقد نار الفتنة النائمة، فيجدها أعداء إسلام في تحريك الأمر من وراء ستار لتكبير الصغير، وتوسيع الخرق الضيق.
وفي هذا شق لعصا الجماعة، وخروج على أوامر الإسلام الذي يدعو للاعتصام والتماسك. فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن عصبية الجاهلية، وعن التفاخر بالأحساب والأنساب ليجمعهم حول الإسلام ومكانته في تأليف القلوب، وتوحيد الصفوف، والانصهار تحت قيادة واحدة، والسمع والطاعة لهذه القيادة، ضمن الإطار الإسلامي وفي بوتقته.
أما تحريك النزعات العقدية، فهي من الدعوات الجاهلية التي يغتنمها أعداء الأمة عندما تطغى الأثرة، وتضعف مكانة الإسلام في القلوب: عقيدة وفهما. ويضعف الوازع الديني بتغليب رغبات النفس على تعاليم الدين، وتقديم العاطفة والمصلحة الذاتية، على ما شرع الله، عند ذلك يصبح الإنسان سريع التأثر، لأنه فتح على نفسه بابا يسهل الولوج معه، وثغرة تجد الأفكار والآراء طريقا للنفاذ معها.
10 -
أما التيارات الفكرية المتنوعة، ونشرها وتمجيدها، فإن مما لا شك فيه أن كل أمة من الأمم لها فكر ينبعث من عقيدتها، وما تدعو إليه من مبادئ، ووجهات نظر، وهذه الأفكار تتنوع بحسب الاتجاه الذي ينزع إليه الداعون، ولعل أهم تلك التيارات ما يرتبط بالعقيدة، وما يمس الدين الإسلامي، وخاصة لدى أبناء المسلمين الذين درسوا في بلاد الشرق والغرب، الذين يحرص مدرسوهم على شحن أذهانهم بأفكار تشكك في قدرة إسلام ومناخه في التقديم العلمي والتكنولوجي، وأن خصائص النمو الاقتصادي، لا تتلاءم مع الفكر الإسلامي، وأن السياسة والحكم، وما ينجم عن ذلك من أسس ينتظم بها المجتمع، وتساس بها الرعية، وتكافح بها الجريمة، يجب أن تكون بعيدة عن نظرة الإسلام
وقيوداته، التي تتسم بالقسوة فيما فرض من حدود. وما يطبق على الجاني من عقوبات كقطع يد السارق، ورجم الزاني المحصن، وإتلاف كل ما حرم في الإسلام، يتأثر بها بعض الشباب، أو تفرض على الشباب في تعليمه أو بوسائل الإعلام المختلفة، قبل أن تتحصن نفسه بما يعينه على مجابهة الموقف، والتصدي لمثل هذه التيارات.
وأخطر من ذلك أن يحملها شباب المسلمين لديارهم ليقنعوا بها غيرهم: فكرا مقلدا، أو ينشروها بين أضرابهم كشيء جديد وافد ليرفع المجتمع، ويعلي مكانة الأمة، وليبث ذلك كله منسوخا من البيئة المصدرة، كأي بضاعة ذات نفع في شئون الحياة.
ولذا فإن على المهتمين بأمور الشباب، أن يسلحوهم بما يعينهم لفهم الحقيقة، وإدراك كمال الإسلام، وشمول تعاليمه لما يصلح أحوال الناس في معاشهم ومعادهم، وأن تكامل العقيدة، مما يسمو بالنفس البشرية، على الإدراك المتكامل لما في الإسلام من حل لجميع القضايا المطروحة، إذ قصور البعض عن تخطي العقبات المجسمة، لم يكن من نقص في تعاليم الإسلام، ولكنه قصور في المعرفة، وضعف في التطبيق. ذلك أن هدف الإسلام النزوع إلى الحق، والإرشاد إلى الطرق المؤدية إليه.
ولو مثلنا لذلك بالحالة الاقتصادية، المبنية في المجتمع الغربي على الربا، والأرباح المركبة. فإن المسلم يستطيع أن يرد عليهم عن سبب تحريمه، واعتباره محاربة لله عز وجل، ورسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، لما فيه احتكار للمال، وإضرار بالمجتمع، وتضييق على الفقير، وزيادة فقره فقرا، وبطر للغني وزيادة غناه غنى.
ذلك أن المال الذي ينتشر في المجتمع، ويوسع فيه على المحتاج: إحسانا
وصدقة، وإنظارا لمن أعسر، وتشغيلا بالأجرة والعوض وغير هذا من الأمور التي شرعها الإسلام في التعامل، لما يجعل في المجتمع حركة، ويزيد فرص العمل، ويدخل السعادة على أسر هي في أمس الحاجة إلى التماس الطريق الشريف لكسب لقمة العيش.
وهذا ما ينظر إليه الإسلام ويهتم به لأنه من التعاون والترابط الاجتماعي، ومن عدم نقمة الفقير على الغني، كما قال تعالى:{وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (1).
فالمال مال الله، والبشر مؤتمنون عليه، وجاءت شريعة الإسلام لترسم للنفس طريقة الأمانة للتصرف في هذا المال، أخذا وعطاء، ورأفة بالعباد، وأداء لحق الله فيه.
ولأن المال هو عصب الحياة، وشريانها النابض، كما يقول المختصون في هذا المجال، فإنه يجب أن يرسخ في أذهان الشباب، ركائز الإسلام في تمكين قواعد التوجيه فيه، واختلاف منهجه عن نظرة الماديين، وأصحاب المبادئ الأخرى والإبانة عن وسطية الإسلام في تسيير المال لشئون الحياة بين المذهبين المتحكمين عالميا اليوم: الرأسمالية والاشتراكية. وأن تسخير المال، وتوزيعه في البيئة الإسلامية، لم يكن خاضعا لأنظمة بشرية، تخطئ أكثر مما تصيب، ولكنه توجيه من رب العالمين، الذي يعلم ما يصلح أحوال الناس وما يتلاءم مع متطلبات حياتهم، أو تنتظم به معيشتهم.
وما يقال عن المال، يقال مثله عن حاجة المجتمعات إلى الأمن، وعقوبة الإسلام الشديدة والرادعة، لمن يزعزع راحة المجتمعات، أو يتعدى على الممتلكات والحرمات، إذ الرخاء والاستقرار، واتساع الحضارة، وانتظام المعيشة وغير هذا من شئون الحياة المتعددة، لا يهدأ وضعها، ولا يفسح
(1) سورة الزخرف الآية 32