الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتوى رقم 1644 وتاريخ 10/ 8 / 1397 هـ
السؤال الأول: إني قد جادلت بعض الذين يفتون بإباحة
الصلاة في المقبرة وفي المسجد الذي فيه قبر
أو قبور فدحضت شبههم بالقنابل الذرية - الأحاديث الصحيحة الصريحة - غير أنهم قالوا: أين كانت عائشة رضي الله عنها تصلي بعد أن دفن في بيتها رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره في داخل بيتها أم خارجه. وقالوا أيضا: كيف وقد صلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المسجد الحرام وقد دفن فيه هاجر زوجة إبراهيم عليه السلام وبعض الأنبياء. وعلى هذا فإني ألتمس منك يا فضيلة الشيخ أن تخبرني هل صحيح ما ذكروا من وجود هاجر في البيت الحرام وبعض الأنبياء؟ وهل صحيح أن عائشة كان تصلي في بيتها بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وأن تدلني على بعض الكتب التي تتكلم عن هذا؟
الجواب: ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض موته الذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1)» قالت عائشة رضي الله عنها: ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن خشي أن يتخذ مسجدا. وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قبل أن يموت بخمس: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (2)» . وفي صحيح مسلم أيضا أنه قال: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها (3)» ، «ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يجصص القبر وأن يبنى عليه وأن يقعد عليه (4)». فلعن اليهود والنصارى لكونهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ونهى صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد وعن الصلاة إليها والبناء عليها حماية لجناب التوحيد وسدا
(1) صحيح البخاري الجنائز (1390)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531)، سنن النسائي المساجد (703)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 121)، سنن الدارمي الصلاة (1403).
(2)
صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532).
(3)
صحيح مسلم الجنائز (972)، سنن الترمذي الجنائز (1050)، سنن النسائي القبلة (760)، سنن أبو داود الجنائز (3229)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 135).
(4)
صحيح مسلم الجنائز (970)، سنن الترمذي الجنائز (1052)، سنن النسائي الجنائز (2027)، سنن أبو داود الجنائز (3225)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 339).
لذرائع الشرك. وبهذا يعلم أن المساجد المبنية على القبور لا تجوز الصلاة فيها وبناؤها محرم.
وأما ما جاء في السؤال من قول السائل أين كانت عائشة رضي الله تعالى عنها تصلي بعد أن دفن في بيتها رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره في داخل بيتها أم خارجه. فإن عائشة رضي الله عنها ممن روى الأحاديث الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في النهي عن اتخاذ القبور مساجد وهذا من حكمة الله جل وعلا. وبهذا يعلم أنها ما كانت تصلي في الحجرة التي فيها القبور لأنها لو كانت تصلي فيها لكانت مخالفة للأحاديث التي روتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لا يليق بها. وإنما تصلي في بقية بيتها. وأما كون هاجر مدفونة بالمسجد الحرام أو غيرها من الأنبياء فلا نعلم دليلا يدل على ذلك وأما من زعم ذلك من المؤرخين فلا يعتمد على قوله لعدم الدليل الدال على صحته.
السؤال الثاني: ما حكم الشريعة في الذي يقول لزوجته إذا أتاك الحيض ثم طهرت فأنت طالق - وفعلا قصد الطلاق ولكن ظهر له بعد ذلك وقبل إتيان الحيض أن يمسكها فهل يعد ذلك طلقة أم لا؟ وهل يعد طلقة كذلك إذا لم يبد له إمساكها إلا بعد الطهر المعلق عليه؟
الجواب: هذا طلاق معلق على شرط محض لا يقصد به حث ولا منع فيقع الطلاق بوجود الشرط وهو الطهر بعد الحيض ورجوعه عن هذا التعليق بعد حصوله منه لا يصح.
السؤال الثالث: إذا كان الأب محافظا على الصلوات الخمس وأركان الإسلام ولكنه يعتقد جواز النذر والذبح للمقبورين في الأضرحة والمشاهد. فهل لابنه الموجود أن يأخذ من ماله ما يبني به مستقبله أو أن يرثه بعد موته أم لا؟
الجواب: من اعتقد من المكلفين المسلمين جواز النذر والذبح
للمقبورين، فاعتقاده هذا شرك أكبر مخرج من الملة يستتاب صاحبه ثلاثة أيام ويضيق عليه فإن تاب وإلا قتل. أما أخذ ابنه من ماله ما يبني به مستقبله وكونه يرثه بعد موته في نفس المسألة المسئول عنها فإن هذا مبني على معرفة حقيقة واقع الأب ومعرفة الحال التي يموت عليها فإذا كان أبوه مات على هذه العقيدة لا يعلم أنه تاب فإنه لا يرثه لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم (1)» ويجوز لابنه أن يأخذ من ماله في حياته ما طابت به نفسه له.
السؤال الرابع: هل يجوز للولد أن يأكل من مال أبيه المرابي؟
الجواب: الربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع وإذا كان والدك مرابيا، فالواجب عليك نصحه ببيان الربا وحكمه وما أعد الله لأهله من العذاب ولا يجوز لك أن تأخذ من مال أبيك ما تعلم أنه يدخل إلى ملكه من طريق التعامل بالربا.
وعليك أن تطلب الرزق من الله جل وعلا وتبذل الأسباب الشرعية التي وضعها الله لطلب الرزق.
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (2){وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (3).
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (4).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب رئيس اللجنة
…
رئيس اللجنة
عبد الله بن قعود
…
عبد الله بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
(1) صحيح البخاري الفرائض (6764)، صحيح مسلم الفرائض (1614)، سنن الترمذي الفرائض (2107)، سنن أبو داود الفرائض (2909)، سنن ابن ماجه الفرائض (2730)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 208)، موطأ مالك الفرائض (1104)، سنن الدارمي الفرائض (2998).
(2)
سورة الطلاق الآية 2
(3)
سورة الطلاق الآية 3
(4)
سورة الطلاق الآية 4
فتوى برقم 2363 وتاريخ 29/ 11 / 1398 هـ
السؤال الأول: أنا كنت ألزم المعتمرين بطواف الوداع عند خروجهم من البلد الحرام، وقد سمعت من سماحتكم في درسكم بالحرم أنه لا وداع لهم، فأرجو زيادة البيان في هذا الموضوع:
الجواب: يجب طواف الوداع على من حج بيت الله الحرام عند سفره لقول ابن عباس رضي الله عنهما: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض (1)» . متفق عليه - ولقوله: «كان الناس ينصرفون من كل وجهة - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينصرف أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت (2)» - رواه أحمد ومسلم، وهذا أمر للحجاج بقرينة الحال، فإنه صلى الله عليه وسلم قاله عند الفراغ من الحج إرشادا للحجاج. أما المعتمر فلا يجب عليه طواف الوداع، لكن يسن له أن يطوفه عند سفره، لعدم الدليل على الوجوب، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يطف للوداع عند خروجه من مكة بعد عمرة القضاء فيما علمنا من سنته في ذلك.
السؤال الثاني: قال بعض أهل البدع الذين يدعون أهل القبور قال: كيف تقولون الميت لا ينفع وقد نفعنا موسى عليه السلام حيث كان السبب في تخفيف الصلاة من خمسين إلى خمس وقال بعضهم كيف تقولون كل بدعة ضلالة فماذا تقولون في شكل القرآن ونقطه كل ذلك حدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبماذا نجيبهم؟
الجواب: أولا: الأصل في الأموات أنهم لا يسمعون نداء من ناداهم من الناس ولا يستجيبون دعاء من دعاهم، ولا يتكلمون مع الأحياء من البشر ولو كانوا أنبياء، بل انقطع عملهم بموتهم، لقول الله تعالى:
(1) صحيح البخاري الحج (1755)، صحيح مسلم الحج (1328)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 431).
(2)
صحيح البخاري الحج (1755)، صحيح مسلم الحج (1327)، سنن أبو داود المناسك (2002)، سنن ابن ماجه المناسك (3070)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 222)، سنن الدارمي المناسك (1932).
{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (1){إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (2). وقوله: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (3).
وقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} (4){وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (5).
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وولد صالح يدعو له وعلم ينتفع به (6)» رواه مسلم في صحيحه. ويستثنى من هذا الأصل ما ثبت بدليل صحيح كسماع أهل القليب من الكفار كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب غزوة بدر، وكصلاته بالأنبياء ليلة الإسراء، وحديثه مع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في السماوات حينما عرج به إليها، ومن ذلك نصح موسى لنبينا عليهما الصلاة والسلام أن يسأل الله التخفيف مما افترضه عليه وعلى أمته من الصلوات فراجع نبينا صلى الله عليه وسلم ربه في ذلك حتى صارت خمس صلوات في كل يوم وليلة، وهذا من المعجزات وخوارق العادات فيقتصر فيه على ما ورد، ولا يقاس عليه به غيره مما هو داخل في عموم الأصل، لأن بقاءه في الأصل أقوى من خروجه عنه بالقياس على خوارق العادات علما بأن القياس على المستثنيات من الأصول ممنوع خاصة إذا لم تعلم العلة، والعلة في هذه المسألة غير معروفة، لأنها من الأمور الغيبية التي لا تعلم
(1) سورة فاطر الآية 13
(2)
سورة فاطر الآية 14
(3)
سورة فاطر الآية 22
(4)
سورة الأحقاف الآية 5
(5)
سورة الأحقاف الآية 6
(6)
صحيح مسلم الوصية (1631)، سنن الترمذي الأحكام (1376)، سنن النسائي الوصايا (3651)، سنن أبو داود الوصايا (2880)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 372)، سنن الدارمي المقدمة (559).
إلا بالتوقيف من الشرع ولم يثبت فيها توقيف فيما نعلم، فوجب الوقوف بها مع الأصل.
ثانيا: الأمة مأمورة بحفظ القرآن كتابة وتلاوة، وبقراءته على الكيفية التي علمهم إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كانت لغة الصحابة رضي الله عنهم عربية سليمة، لقلة الأعاجم بينهم وعنايتهم بتلاوته كما أنزل علهيم. واستمر ذلك في عهد الخلفاء الراشدين، فلم يخش عليهم اللحن في قراءة القرآن، ولم يشق عليهم قراءته من المصحف بلا نقط ولا شكل، فلما كانت خلافة عبد الملك بن مروان وكثر المسلمون من الأعاجم واختلطوا بالمسلمين من العرب خشي عليهم اللحن في التلاوة وشق عليهم القراءة من المصحف بلا نقط ولا شكل، فأمر عبد الملك بن مروان بنقط المصحف وشكله وقام بذلك الحسن البصري ويحيى بن يعمر رحمهما الله وهما من أتقى التابعين وأعلمهم وأوثقهم محافظة على القرآن، وصيانة له من أن يناله تحريف، وتسهيلا لتلاوته وتعليمه وتعلمه كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبهذا يتبين أن كلا من نقط القرآن وشكله وإن لم يكن موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فهو داخل في عموم الأمر بحفظه وتعليمه وتعلمه على النحو الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ليتم البلاغ ويعم التشريع ويستمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها وعلى هذا لا يكون من البدع، لأن البدعة ما أحدث مما لم يدل عليه دليل خاص به أو عام له ولغيره. وقد يسمي مثل هذا بعض من تكلم في السنن والبدع مصلحة مرسلة لا بدعة، وقد يسمى هذا بدعة من جهة اللغة لكونه ليس على مثال سابق لا من جهة الشرع، لدخوله تحت عموم الأدلة الدالة على وجوب حفظ القرآن وإتقانه تلاوة وتعلما وتعليما ومن هذا قول عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على إمام واحد في التراويح:(نعمت البدعة هذه). والظاهر