الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
481 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم من يسخر بالذي يرفع يديه في صلاته، ويؤمن بجهر
، ويقرأ سورة الفاتحة خلف الإمام، ويصلي التراويح إحدى عشرة ركعة، وأن طلاق الثلاث واحدة، ويعامله معاملة عداوة، ولا يصلي خلفه، ويلقبه بأنه وهابي وأنه خارج عن أهل السنة والجماعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي يسخر بمن يقوم بهذه الأعمال المشروعة لا يخلو من حالين:
إما أن يسخر به لكونه طبق الأمر المشروع، ولهذا على خطر عظيم؛ لأنه إذا سخر به من أجل اتباع المشروع كان ساخراً بالمشروع نفسه، والسخرية بشرع الله كفر – والعياذ بالله – كما قال الله تعالى:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) .
وأما إن كان يسخر به لسوء فهم عنده، ولعدم معرفة بالشرع عنده، فإنه لا يكفر، لكنه يكون قد أتى معصية حيث احتقر أخاه المسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم"(1) .
فتبين أن السخرية بمن يقوم بشرائع الله تنقسم إلى هذين القسمين:
إن سخر به من أجل تطبيق ما يراه شرعاً فهو كافر؛ لأن
(1) رواه مسلم في البر باب 10 – تحريم ظلم المسلم 4/1986 ح 32 – (2564) وفي أوله: لا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً إلخ.
سخريته به سخرية بالشرع.
وإن سخر به معتقداً أنه ناقص الفهم، قليل العلم، حيث خالف رأي أئمة عنده، فهذا لا يكفر، لكنه يكون فاعلاً لمعصية عظيمة، عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، ولا ينبغي أن يكون مثل هذا الخلاف سبباً للعداوة والبغضاء بين المسلمين، فإن هذه الأمور من الأمور الاجتهادية التي إذا بذل الإنسان فيها الجهد بقصد الوصول للحق من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم أخطأ فيها فإن له أجراً واحداً، وإن أصاب فإن له أجرين، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا اجتهد الحاكم فحكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران"(1) .
وأما تلقيب من فعل هذه السنن وهذه الأمور المشروعة بأنه مبتدع، وأنه وهابي، وأنه خارج عن السنة والجماعة، فإن هذا منكر وذلك لأن الذي يفعل الأمور المشروعة التي ثبتت بها السنة أقرب إلى الحق ممن يعتمد على تقليد فلان وفلان ممن هم عرضة للخطأ، ومن العجب أن هؤلاء المقلدين يضللون من خالفهم في تقليدهم وهم يتناقضون، فإننا إذا أبحنا لمن يقلد واحداً من الأئمة الأربعة أن يقدح بمن يقلد الإمام الثاني، فإننا نبيح لمن يقلد الإمام أن يقدح بمن يقلدون الإمام الأول، وهكذا يعرف المسلمون كلهم لا يعرفون إلا بقدح بعضهم لبعض، ومثل هذا لا تأتي به الشريعة أبداً، وليس أبو حنيفة بأولى بالصواب من مالك، ولا مالك بأولى بالصواب من
(1) متفق عليه، رواه البخاري في الاعتصام باب 21 – أجر الحاكم إذا اجتهد. ح (7352) ، ورواه مسلم في القضاء (الأقضية) باب 6 – بيان أجر الحاكم 3/1342 ح15 (1716) .