الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأراد السجود وما زال واقفاً، هل يكبر ثم يسجد؟ أو يسجد ثم يكبر؟ أو يكبر وهو نازل للسجود؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: التكبير للانتقال في الصلاة من ركن إلى آخر، يكون فيما بين الركنين، فإذا أراد السجود فليكبر ما بين القيام والسجود، وإذا أراد القيام من السجود فليكبر ما بين السجود والقيام، هذا هو الأفضل.
وإن قدر أنه ابتدأ التكبير قبل أن يهوي إلى السجود وكمله في حال الهبوط فلا بأس، وكذلك لو ابتدأ في حال الهبوط ولم يكمله إلا وهو ساجد فلا بأس.
512 سئل فضيلة الشيخ: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سجد أحدكم فلا
يبرك كما يبرك البعير، وليبدأ بيديه قبل ركبتيه" (1) ؟
فأجاب بقوله: هذا الحديث معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يبرك الإنسان في سجوده كما يبرك البعير؛ لأن الله تعالى فضل بني آدم على الحيوانات، ولاسيما في العبادة التي هي من أجل العبادات وهي الصلاة، فتشبه الإنسان بالبهائم مخالف لمقصود الصلاة ومخالف للحقيقة التي عليها بنو آدم من التفضيل على البهائم والحيوانات، ولهذا لم يذكر الله تعالى مشابهة الإنسان للحيوان إلا
(1) رواه الإمام أحمد 2/381 وأبو داود في الصلاة/ باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه (840) ، والنسائي في التطبيق (الصلاة) باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده (1090) ، والبيهقي 2/98، وانظر زاد المعاد 1/230.
في مقام الذم كما في قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارا) . وكما في قوله تعالى: (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا) . وكما في قوله صلى الله عليه وسلم: "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً"(1) . وكقوله صلى الله عليه وسلم: "العائد في هبته كالكلب يقي ثم يعود في قيئه"(2) .
فالتشبيه بالحيوان في أداء العبادة يكون النهي عنه أشد وأعظم، والبعير إذا برك كما نشاهده يبدأ بيديه، فأول ما يثني يديه ويخر عليهما، ثم يتمم بروكه، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم الساجد أن يبرك كما يبرك البعير، وذلك بأن يقدم يديه قبل ركبتيه فإذا قدم يديه قبل ركبتيه في حال السجود فقد برك كما يبرك البعير وعلى هذا يكون المشروع: أن يبدأ بركبتيه قبل يديه، كما في حديث وائل بن حجر قال:"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبته قبل يديه"(3) ، وكما أن هذا هو الموافق للنزول باعتبار البدن فتنزل الأسافل أولاً بأول، كما ترتفع الأعالي أولاً بأول، ولهذا عند النهوض من السجود يبدأ بالجبهة والأنف، ثم باليدين، ثم بالركبتين، ففي
(1) رواه أحمد 3/475 (2033) .
(2)
رواه البخاري في الهبة باب 30- لا يحل لأحد أن يرجع في هبته (2621) و (2622) ، ومسلم في الهبات باب 2- تحريم الرجوع في الصدقة والهبة 3/1240 ح5- (1622) .
(3)
رواه أبو داود في الصلاة باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه (838) ، والترمذي في الصلاة باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود (268) ، والنسائي في التطبيق (الصلاة) باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده (1088) و (1153) .
النزول كذلك يبدأ بالأسفل الركبتين، ثم باليدين، ثم الجبهة، والأنف.
وأما قوله في الحديث: "وليبدأ بيديه قبل ركبتيه" فهذا مما انقلب على الراوي، كما حقق ذلك ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد (1) ، وكما هو ظاهر من اللفظ، لأنه لو قدر أن الحديث ليس فيه انقلاب، لكن آخره مخالفاً لأوله؛ لأنه إذا بدأ بيديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير، والنهي "لا يبرك كما يبرك البعير" مقدم على المثال لأن النهي محكم، والتمثيل قد يقع فيه الوهم من الراوي، وحينئذ نقول صواب الحديث:"وليبدأ بركبتيه قبل يديه" ليكون المثال مطابقاً للقاعدة، وهي: النهي عن البروك كما يبرك البعير.
فإن قال قائل: إن البعير يبرك على ركبتيه؛ لأن ركبتيه في يديه فإذا وضع الإنسان ركبتيه قبل يديه فقد برك على ما يبرك عليه البعير.
قلنا: نعم ركبتا البعير في يديه ولا إشكال في ذلك، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل:"فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير" حتى نقول إنك إذا بدأت بالركبتين عند السجود فقد بركت على ما يبرك عليه البعير، وهو الركبتان، وإنما قال صلى الله عليه وسلم:"كما يبرك البعير" فالنهي عن الكيفية والصفة، وليس عن العضو المسجود عليه، وبهذا يتبين جلياً أن حديث أبي هريرة رضي الله عنه في النهي عن بروك كبروك
(1) زاد المعاد 1/215 – 223.