الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
افتتاحية الطبعة الثالثة
الحمد لله رب العالمين، الذي بعث رسله ليكونوا حجة على الناس يوم لا تجزى نفس عن نفس شيئاً، والصلاة والسلام على النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة الذي بعث على فترة من الرسل، بعد أن ضلت الأفهام، وحرفت الحقائق وسيطرت الأوهام، وعلى آله وأصحابه الذين كانوا كالنجوم بين العالمين.
أما بعد
…
فهذه محاضراتي في النصرانية أعيد طبعها، بعد أن ألح الكثيرون في طلب الإعادة، إذ تعذر على مريدي قراءتها الحصول عليها، حتى أنها عندما قررت دراستها على طلبة معهد الدراسات الإسلامية لم يجد الدارسون ما يراجعون فيه، فلم يكن بد من أن يعيد المعهد طبعها ليعين الدارسين، ولينتشر تلك الحقائق، من غير تهجم على متدين، ولا مضايقة لغير مسلم، لأن البحث الذي يتبع فيه المنهاج العلمي السليم، لا يصح أن تضيق به الصدور، ولا أن تنزوي عنه العقول. وإذا كانت فيه ثغرات يرأبها النقد المنطقي المستقيم، ويعالجها البحث العلمي القويم من غير عوج في القول، ولا التواء في القصد.
لقد كتبنا تلك المحاضرات بروح المحقق الذي يجمع الحقائق، ويعرضها، وقد تماسك بعضها ببعض، ليتكون من ذلك مجموعة علمية تهدي ولا تضل. وما كنا نجهد التاريخ لنسيره، ولكنا خضعنا له، وهو الذي كان يسيرنا. . وكنا في ذلك كالقاضي العادل خضع للبيانات التي تكون بين يديه، وهي التي تحكم في الحكم الذي نسجله. لا نغير ولا نبدل، ولا ننحرف بها عن النتائج التي تؤدي إليها مقدماتها. فنسير حيث يسير بنا الدليل من غير انحراف ولا تجريف.
وما كانت البيانات التي بين أيدينا من مصادر إسلامية، أو من أعداء المسيحية. بل كانت من كتاب المسيحيين أنفسهم التي سجلوها في
تاريخها، كتبها المتقدمون، ورددها المتأخرون، فهي شهادات من أهلها استنطقناها، فنطقت، واستهديناها، فهدت، واسترشدنا بها فأرشدت، وما ضنت.
وإذا كان من إخواننا وعشرائنا من تململ من محاضراتنا. أو تبرم من مخالفتنا لما يؤمن به، فأنا - علم الله - ما قصدنا بكلامنا إحراجاً ولا إيلاماً، إنما أمانة العلم هي التي جعلتنا لا نقدم لتلاميذنا الذين نلقاهم، والذين لا نلقاهم بالخطاب، بل نلقاهم بالكتاب، إلا ما نعتقد أنه الحق الناصع، وقد وجه إلينا نقد من بعض المخلصين من إخواننا المسيحيين في مقالات متتابعة نشرتها إحدى المجلات المسيحية، فما ضاقت صدورنا، بل ذهبنا إلى الناقد في داره، وطلبنا إليه أن يطلعنا على كل الأعداد التي تشتمل على نقد لنا، لنصحح خطأ وقعنا فيه، أو لنبدل حكماً ما أنصفنا فيه، عملاً بقوله تعالى:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} .
ولنا لنحسب أنه ليس من بين إخواننا أقباط مصر من ظلموا، فما كان لنا إلا أن نتقبل النقد بقبول حسن، ونتبعه في كل ما وجه إلينا مستطيبين ذلك، حتى ما كان منه تهجم علينا. فإن المخلص يستمع، ولو كان في كلام مخالفه هجوم، أو تهجم بغير الحق.
وما وجدنا في النقد ما يغير حكماًً، ولقد أرسل إلينا بعض أبنائناً المسحيين رسائل نقد قدرناها، فقراناها، وكان كتابها يخرجون عن حد النقد أو الدفاع إلى ما لا يحسن من قول، فما ضاقت صدورنا، وحاولنا أن ننتفع منها، ولكنا ما وجدنا فيها أيضاً ما يبرر لنا تغيير حكم حكمنا به، وإلى هؤلاء وأولئك نعتذر.
ولا يصح أن يتبرم أحد من إخواننا وأبنائنا من كلام نسوته لطلابنا، معتقدين أنه الحق الذي لا ريب فيه، فلو كان أهل كل دين تضيق صدورهم بالبحث والدرس، لكان حقاً علينا معشر المشتغلين بالدراسات الإسلامية أن تذهب نفوسنا حسرات مما يكتبه بعض علماء أوروبا عن الإسلام، يفترون على حقائقه ولا يدرسونه دراسة موضوعيه، بل يدرسونه دراسة
ذاتية محرفين الكلم عن مواضعه، ومع ذلك ندرس كلامهم، ونضع الصواب منه في موضعه، ونضع الباطل في مكان سحيق، نأخذهم إلى المنطق ولا ننحرف معهم عن قصد السبيل.
وأخيراً نقول لإخواننا أننا نؤمن بالمسيح عليه السلام، ونؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وسائر النبيين {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} .
محمد أبو زهرة
27 من ذي القعدة سنة 1381
19 من مارس سنة 1966