الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
افتتاحية الطبعة الأولى
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى ابن مريم من النبيين الصديقين، ومن عباد الصالحين وأولى العزم من الرسل.
أما بعد. فقد عهد إلي تدريس تاريخ الديانات بقسم الدعوة والإرشاد من كلية أصول الدين فألقيت محاضرات في النصرانية، هذه خلاصتها، وتلك لبابها، ولقد عنيت ببيانها في أدوارها المختلفة متبعاً في بيان المسيحية الحاضرة سلسلة إسنادها المتصلة. فكان أول السلسلة مجمع نيتيه المنعقد سنة 325، وتنتهي بعصرنا الحاضر، هذا مبدأ السند وهذا منتهاه، فالسند إذن ينقطع بين المسيح عليه السلام، والمجمع الأول من المجامع المقدسة، وأن انقطاع السند في هذه الفترة الطويلة سببه الاضطهاد الذي لحق النصارى فيها، حتى كانوا يستخفون ويتعبدون في السر. فلا يعلنون دينهم الذي ارتضوا، ويفرون به فراراً إن كشف أمرهم، قد ينطقون بكلمة الكفر يتقون بها حد السيف أو نار العذاب، وقد اعترف بقطع السند مجادلوهم واختاروا ذلك السبب علة لهذا القطع.
وأنا إزاء العجز أو عدم توافر أسباب العلم ابتدأنا بحثنا في دينهم بكتبهم التي ألزم المسيحيون بها بعد قرار المجامع بالإلزام، ثم تتبعنا في البحث سير المجامع. نسير في مسارها، ونتجه في اتجاهاتها، ولكنا لا نكتفي بدراية قرارات مجمع من المجامع، بل ندرس البواعث التي بعثت إلى انعقاده ونفصل بعض التفصيل الخلاف الذي سبقه، والذي جاء المجمع لحسمه، ثم انتهى إلى تشعيبه وتوسيع زاويته.
وإن عنايتنا بتفصيل البواعث التي أدت إلى انعقاد المجمع الأول، وبيان قراراته، وكيف تأتي جمهور المسيحيين، وخاصة رجال الدين تلك القرارات، قد أزالت الستار عما أكفته غياهب التاريخ في الفترة التي
كانت بين المسيح وهذا المجمع، بل إن تلك العناية جعلتنا نخترق حجب الظلام التاريخي لنصل إلى ضوء نعشو إليه لنعرف حقيقة دعوة المسيح في عصر الاستخفاء أو عصر الاضطهاد، ولقد ساعدنا على الاستفادة بذلك الضوء موازنات تصدينا لها وازنا فيها بين المسيحية الحاضرة وفلسفة الرومان واليونان في تلك الفترة، وما حاولنا أن نفرض ما استنبطنا على القارئ أو نسبقه إلى الاستنباط، بل القينا إليه بالمقدمات، وتركنا له استخراج نتائجها، ليشاركنا فيما وصلنا إليه باقتناعه، ولكيلا نملأ عقله، وهو خال، فينقص تقديره للدليل ويضعف وزنه للبرهان.
ولقد كانت عنايتنا متجهة إلى بيان العقيدة، فجلينا أدوراها، وبينا ما قام حولها من مناقشات وخلافات. وبينا كل فرقة ومنبعثها، والمجمع الذي انبعثت من بعده. وما أحصينا فوقهم عدا، ولا فصلنا آراء كل فرقة تفصيلا، بل عنينا بالفرق الكبرى، وعنينا بتفصيل العقيدة دون سواها.
وعلم الله أني لبست رداء الباحث المنصف ونظرت بالنظر غير المتحيز، وتخليت عن كل شيء سواه، لأصل إلى الحق وصول المجتهد الحر، لا المقلد التابع المأسور بسابق فكره، والمأخوذ بسابق اعتقاده، ولكني انتهيت كما ابتدأت، مؤمناً بالله الواحد الأحد، الذي ليس له والد ولا ولد.
وإني لأهدي كتابي هذا إلى كل مسيحي طالب للحقيقة يسير في مسالكها لا أبغي به غلباً في جدال، ولا سبقاً في نزال، ولكن أبغي به الحق المجرد {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}
محمد أبو زهرة