الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسيحية؟ ولعلهم يعتقدون أنه ليس في حاجة إلى التلقي، لأنه انتقل من مرتبة الكافر المناوئ إلى مرتبة الرسل في المسيحية، صار ملهماً ينطق بالوحي في اعتقادهم، فلم يكن في حاجة إلى التعلم والدراسة، لأن الوحي كفاه مؤونة الدرس وتعبه.
لقد أخذ بوليس في التطواف في الأقاليم ينشئ الكنائس، ويقوم بالدعاية ويلقي الخطب، وينشئ الرسائل، حتى كانت رسائله هي الرسائل التعليمية بما اشتملت عليه من مبادئ في الاعتقاد، وبعض الشرائع العملية، وقد قالوا أنه قتل في اضطهادات نيرون سنة 66 أو سنة 67 على الخلاف في ذلك.
صفات بولس:
50-
إن الذي يستخلص من أحوال وأقوال بولس التي دونت في رسائله وأعماله التي ذكرها سفر أعمال الرسل، يتبين له أنه أمتاز بثلاث صفات جعلته في الذروة من الدعاة إلى المبادئ والعقائد:
الصفة الأولى: إنه كان نشيطاً دائم الحركة ذا قوى لا تكل، وذا نفس لا تمل.
الصفة الثانية: إنه كان المعيا شديد الذكاء بارع الحيلة، قوي الفكر يدبر الأمور لما يريد بدهاء الألمعي، وذكاء الأروعي، يسند السهام لغاياته ومآربه فيصيبها.
الصفة الثالثة: إنه كان شديد التأثير في نفوس الجماهير، قوي السيطرة على أهوائهم، قديراً على انتزاع الثقة به ممن يتحدث إليه.
وبهذه الصفات الممتازة، وبهذه القدرة البارعة استطاع أن يجعل نفسه محور الدعاة للمسيحية، وقطبهم، وأن يفرض ما ارتآه على المسيحيين، فيعتنقوه ديناً، ويتخذوا قوله حجة زاعمين إنه رسالة أرسل بها، وبهذه الصفات الباهرة استطاع أن يحمل صديقه برنابا على أن يصدقه في رؤيته المسبح، واستطاع أن يحتل المنزلة الأولى بين التلاميذ، وقد كان بلاؤهم، وكيد الشيطان لهم. وبهذه الصفات التوبة استطاع أن يحملهم على نسيان ماضيه، وأن يندغموا في شخصه حتى يصير هو كل شيء،
وهم لا يستطيعون رد قوله في الجماهير، وحتى لقد صارت المسيحية الحاضرة مطبوعة بطابعه، منسوبه إليه، ولقد تعجب الذين أرسلوا الديانات وعرفوا أحوال رجالها، وأدوارهم، فيقولون: كيف ينتقل رجل من كفر بديانة إلى اعتقاد شديد بها طفرة، من غير سابق تمهيد، ولكن ذلك العجب يزول إن كان الانتقال مقصوراً على مجرد الانتقال من الكفر إلى الإيمان، فإن لذلك نظائر وأشباها، بل العجب كل العجب أن ينتقل شخص من الكفر المطلق بدين إلى الرسالة في الدين الذي كفر به، وناواه وعاداه، فإن ذلك ليس له نظير وليس له مشابه، ولم يعهد ذلك في أنبياء ورسل قط، وهذه توراة اليهود وأسفار العهد القديم التي يؤمن بها المسيحيون كما رووها، وكما قالوها ليذكروا لنا رسولاً بعث من غير أن يكون في حياته الأولى استعداد لتلقي الوحي، وصفاء نفس يجعله أهلاً للإلهام؟ ولا يجعل الاتهام والتكذيب يغلبان على رسالته، وإنه إذا لم يكن للرسالة أرهاصات قبل تلقيها، لا يكون على الأقل قبلها ما ينافيها ويناقضها. ولكن بولس أبو العجب استطاع أن يتغلب على ذلك العجب في عصره، وأن يفرض نفسه على المسيحيين من بعده، وأن يحملهم على نسيان العقل عندما يدرسون أقواله وآراءه وتعاليمه.
بيد أن العقل يخترق بنوره الحجب، ويزيل بضوئه كل أسداف الظلم، ولو قاوم في سبيل ذلك براعة بولس وذكاءه، ولذل وجد في العصور المسيحية من كانوا يثيرون مناقشات قوية حول أقوال بولس منكرين لها مبطلين، ونسارع فنقول مقالة القس عبد الأحد: "إن بولس يبجل ويعظم رجلاً اسمه عيسى أميت ومات. وحيى فقط، وإن خمس عشرة رسالة من كتب العهد الجديد تحمل اسم الرسول المشار إليه، فلا محمل للحيرة إذا قلت أن المؤسس الحقيقي للمسيحية الحاضرة هو بولس، فإن شاول الشاب الطرسوسي من سبط بنامين. ومن مذهب الفريسيين وتلميذ أحد علماء الدهر عضو مجلس صانهدرين المدعو عمانيل
…
الذي كان يجتهد اسم عيسى وأتباعه من الأرض، والذي رأى عدوه الناصرى في السماء لامعاً داخل الأنوار وقت الظهر أمام دمشق. اهتدى وسمى باسم بولس.
وهو الذي وضع أساس العيسوية". والقسم الأعظم من أعمال الرسل يبحث من سباحات بولس الطويلة وجهوده ومتاعبه،