الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كله في أن يحافظ على مركز البابا وقداسته، حريصاً على ألا ينال أحد منهما، وإلا يخلط دعاة الإصلاح بين إصلاح الكنيسة ومراكز رجالها، وما يستحقون من إجلال وتقديس، فهو يرى أن الإصلاح واجب على أن تقوم به الكنيسة في داخلها، أو يعاونها الحكام على إصلاح نفسها، ولذلك عندما رأى ثورة لوثر العنيفة، وما أدت إليه من مس سلطان الكنيسة ونقص ما لها من قداسة، نبذ آراءه ولم يعاونه.
وظهر كذلك في هذا الإبان تومس مور من 1478 إلى 1535، وقد ظهر بإنجلترا، ودعا إلى إصلاح الكنيسة أيضاً بالطريق السلمي، ولذلك دعا بنفسه إلى وجوب احترام سيادة البابا، وأن يكون له السلطان الديني على الجميع.
النقد العنيف:
119-
ولكن دعوات أولئك السلمية لم تفد فائدتها، ولم تنتج ثمراتها، وإن شئت فقل أنة تحول الأفكار وانتقال الفكرة إلى الشعوب، واصطدام الكنيسة بالمفكرين وبعض الأمراء جعل نقد الكنيسة عنيفاً، وجعل خطوات الدعاة أسرع مما يريد أولئك السلميون.
وأشد من ظهر من أولئك تأثيراً وأقوالهم نفوذاً: مارتن لوثر وزونجلي، وكلفن، ولنتكلم عن كل واحد من هؤلاء بكلمة موجزة.
لوثر:
أما مارتن لوثر، فقد ولد سنة 1482 من أبوين فقيرين، ولكن أباه أجهد نفسه، وأراد أن يصل به إلا أقصى درجات الثقافة، ومكن له ليكون قانونياً، فأرسله إلى الجامعة، ولكنه عجز عن إتمام دراسته القانونية، وعكف على دراسة اللاهوت، وانصرف إليها لأنه أحس بنزعة دينية قوية تدفعه إلى الانقطاع لذلك، وقد كان شديد التورع، مبالغاً في تقدير سيئاته، قد سيطرت على مشاعره نفسه اللوامة، حتى لقد قال بنفسه إنه لن ينجو من عذاب الجحيم إلا برحمة الرب الرحيم، وكان لهذا الإحساس الديني الدقيق، وذلك النزوع اللاهوتي موضع رعاية رجال الكنيسة، حتى لقد أوصوا به خيراً أولى الأمر من رجال الدنيا، فعين مدرساً للفلسفة، وظل عاكفاً على هذه الدراسة التي كان يشك
في صلاحيتها، إذ كان يدرس فلسفة أرسطو، وما كان في نظره إلا من عبدة الأوثان، ويجب أن يلاحظ أن دراسة الفلسفة في ذلك العصر كانت تحت ظل الدين، وفي خدمته، ويقوم بها رجال الدين أنفسهم، ولذلك لم تكن دراسته الفلسفية مبعدة عن دراسته الدينية، بل كانت تتميماً لها.
ولقد دفعته نزعته الدينية الخالصة، وإجلاله للكنيسة ورجالها إلى أن يحج إلى روما، ليتيمن بلقاء رجال الدين، ولكي تحل عليه بركات روما موطن المسيحية ومقر الكنيسة المقدسة، ولكنه ما أن وطنت قدماه أرض روما حتى رأى ما صدم حسه، وأزعج نفسه، لقد توقع أن يرى النسك والعبادة والزهادة، فوجد مدينة لاهية عابثة، ووجد رجال الدين قد دنست بعضهم المفاسد، وحاطت بهم الريب، وظنت بهم الظنون، وجد جرأة على الخطايا، واستهانة بأحكام الدين. ووجد الذين تخيلهم قديسين صالحين، وإنهم ملائكة الله تسير على الأرض، قد انغمسوا في الرذيلة، ورتعوا في حماها زاعمين أن سحائب الرضوان قد نزلت عليهم، وغفر لهم سابق ذنوبهم ولاحقها، وأن بيدهم مفاتيح الملكوت في السماوات والأرض وسر التوبة، وأبواب الغفران، يغفرون لمن شاءوا ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
رأى لوثر كل هذا وه مرهف الحس الديني، ذو النفس اللوامة، الذي يرى أن خطايا الإنسان أكبر من أن يمحوها هو، وإنه لا سبيل لغفرانها ألا أن تسعها رحمة الله.
لذلك شدة من هول ما رأي، وتحير بين ما تخيله في رجال الدين من زهادة، والواقع المستقر الذي صدمه صدمة عنيفة، ولكنه لم يلبث إلا قليلاً حتى أنتقل من الحيرة إلى الاستنكار، لذلك عاد إلى ألمانيا حانقاً مستنكراً بعد أن ذهب راضياً مقدساً.
ولقد أخذ يعلن من ذلك الإبان أن التبرك بالمقدسات، والحج إليها وتكرار الصلاة لا يجدي العاصي، ولا يغنيه عن توبة نصوح، وقدم مطهر، ورجاء رحمة الرحيم، وأن أحداً من الخلق مهما تكن قدسيته لا يملك لأحد غفراناً، ولا يستطيع أن يستر ذنباً قد ارتكب.