الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما يحملون ويروون، وينقدون متن الحديث، فيعرضونه على الكتاب وما أشتهر من السنة واستفاضت به الأخبار، وما علم من هذا الدين بالضرورة فإن لم يخالفها بعد أن روى بسند متصل مكون من عدول كان مقبولاً، وإلا كان مردوداً، ونريد أن نهمس في أذن حضرة القس الرشيد بأن من أسباب ردهم لبعض الأحاديث ورفض نسبتها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام عدم موافقتها للعقل، فهل له أن يطبق ذلك النقد على أناجيله ورسائله؟ إنا ننصح له أن يفعل، لأنا نريد له الهدى، لا الضلال، والرشد لا الغي، وهي نية نحتسبها عند الله.
نظرة في الوحي في الإسلام والوحي في المسيحية:
64-
نريد أن نختم مناقشتنا لذلك القسيس بمناقشة كلمة ذكرها: وهي التفرقة بين الوحي في الإسلام والوحي في المسيحية. فيقول عن الوحي في الإسلام: "أن الوحي في الإسلام هو التجرد عن كل شيء إنساني، وتلاوة ما يسمونه اللوح المحفوظ، ولكن الوحي في المسيحية يجمع بين العنصر البشري والعنصر الإلهي، أي الملهمات الإلهية تتجسد في لباس لغوي بشري، لتكون مفهومة لدى الناس الذين تبلغ إليهم، فالكلمة المعلنة المكتوبة في الإنجيل هي رمز لكلمة الله، الوحي المعلن لنا حق الله.
من أجل هذا يعتقد المسيحيون أن الوحي بالروح القدس لا يحرم على الموحي إليهم استخدام الوسائل البشرية الاجتهادية الممكنة لديهم ولا يرفع من الكاتب مسئولية الاجتهاد، والتحقيق والتدقيق، هذا بخلاف الإعلانات المحتوى عليها كتاب الوحي التي لا تتدخل فيها مواهب الكاتب الطبيعية، بل هي من الله أولاً وأخراً، كالنبوات المتفرقة في كل أجزاء الكتاب المقدس، وسفر الرؤيا".
معنى الوحي:
هذه كلمته، ونريد قبل أن نتعرف من تلك الكلمة معنى الوحي في كتبهم أن نسارع إلى بيان وحي الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في الإسلام فنقول: إن وحي الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قسمان: قسم يوحى به على إنه كلام الله تعالت كلماته، ولهذا يكون المعنى والتعبير لله جلت قدرته، وذلك كما في القرآن الكريم الذي نزل به الروح الأمين.
القسم الثاني، الأمور الشرعية التي كان يوحي الله بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبينها للناس، فالمعنى فيها بوحي من الله تعالى والعبارة فيها للنبي صلى الله عليه وسلم.
وإذن فكلامه عن الوحي في الإسلام لم يكن صحيحاً في عمومه، وكان عليه أن يتحرى قبل أن يكتب، ولكنه لن يفعل.
ولننتقل إلى الوحي بالكتب عندهم، وهذا ما نريد أن نأخذ العلم به عنه، وعساه يهدينا إلى ما نعرف به محض الحق المبين.
هو يقول إن كلمات الإنجيل ليست هي كلمات الروح القدس، التي ألهمها رسلهم، سواء في ذلك كل كتبهم، فالعبارة فيها للكاتب، وليست الروح القدس الذي يلهم رسلهم بما يكتبون فيما يزعمون، ثم تنقسم كتبهم بعد ذلك إلى قسمين: قسم هو وحي لا تدخل فيه المواهب الطبيعية بالتصرف فيه بأي نوع من أنواع التصرف، وهو ما يسمى بالنبوات عندهم. والقسم الثاني تتصرف فيه مواهب الكاتب، وفي هذا القسم لا يرفع عن الكاتب ما يوجبه عليه التحقيق والتدقيق والاجتهاد.
ونظرة فاحصة إلى هذا القول ترينا أن الإلهام قد أخذ يضؤل أمره، وتتواضع دعواه، خصوصاً بالنسبة للأناجيل، لأنها ليست بكتب نبوة كالرؤيا، ولم يتخللها كلام الله، كنا يفعل بولس في رسائله، إذ كان يزعم أحياناً إنه يتكلم عن الله، وأحياناً يقول إنه يتكلم من عنده، فالأناجيل ليست فيها إذن تلك النبوات، وعلى ذلك يكون للمواهب الطبيعية البشرية دخل في كتابتها، ويتحملون تبعة الاجتهاد فيها والتدقيق والتمحيص. ومن يتحمل تبعة عمل ينسب إليه. وعلى ذلك قد يتوارد الخطأ على اجتهادهم وتدقيقهم وتمحيصهم، فيكون من أخبارهم ما صادف التحقيق فيه الصواب، وما عرض له الخطأ، وكيف تكون بعد ذلك بإلهام أو وحي؟ وكيف تكون مقدسة لا يأتيها الباطل من يديها ولا من خلفها؟ وإذن فقد أتوا على دعوى الإلهام بالنقض فلا إلهام في الأناجيل إذن.
هذه كلمتنا في كتبهم تحرينا فيها أن نكتبها كما كتبها المسيحيون، ونوجه من النقد ما وجهوا، وذلك لكي ننصف القوم.
ولقد القينا عليها نظرة فاحصة لنوائم بين أخبارها المختلفة، ونجمع
بين الأقوال المتضاربة، ونشير إلى حكم العقل المستقيم عليها، أهي صالحة لأن تكون مصدر دين بتدين به ألوف من البشر وأهل العلم، أم غير صالحة؟.
إن كتاب كل دين هو الأصل والدعامة والأساس، فإذا كان غير صحيح السند، أو غير مقبول لدى العقول كان ثبوت الدين فيه نظر، بل إنه انهار، وفقد أصله، ولم يعد شيئاً في الأديان مذكوراً.
ولننتقل بعد ذلك إلى عقيدة المسيحيين، وبعض شرائعهم كما جاءت بها تلك الكتب التي علمت أمرها.