الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسيحية: كما جاء بها المسيح عليه السلام
المسيحية في القرآن:
3-
قبل أن نخوض في المسيحية كما هي عند المسيحيين نتكلم في المسيحية التي جاء بها المسيح عليه السلام، وإنا إذا تصدينا للمسيحية التي جاء بها المسيح نجد التاريخ لا يسعفنا بها، إذ بعد العهد، واضطربت روايات التاريخ بالأحداث التي نزلت بالمسيحيين، ويجوز أن تكون قد عملت بد المحو والإثبات عملها، حتى اختلط الحابل بالنابل. وصار من العسير أن نميز الطيب من الخبيث، والحق من الباطل، والصحيح من غير الصحيح، وأننا معشر المسلمين لا نعرف مصدراً صحيحاً جديراً بالاعتماد والثقة من المسلم غير القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، فهما المصدران المعتمدان للمسلم في هذا، وما نكتب هذا لنلزم به المسيحيين، ولا على أنه هو المعتبر عندهم، ولكن نكتبه، ليتسق البحث، ولنتم السلسلة.
ينص القرآن الكريم على أن عقيدة المسيح هي التوحيد الكامل، التوحيد بكل شعبه، التوحيد في العبادة، فلا يعبد إلا الله، والتوحيد في التكون، فخالق السماء والأرض وما بينهما هو الله وحده لا شريك له، والتوحيد في الذات والصفات فليست ذاته بمركبة، وهي منزهة عن مشابهة الحوادث سبحانه وتعالى. فالقرآن الكريم يثبت أن عيسى ما دعا إلا إلى التوحيد الكامل، وهذا ما يقوله اللع تعالى عما يكون من عيسى يوم القيامة من مجاوبة بينه وبين ربه:{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} .
فهذا نص يفيد بصريحة أن عيسى ما دعا إلا إلى التوحيد، فغير التوحيد إذن دخل النصرانية من بعده، وما كان عيسى إلا رسول لله رب العالمين.
ولقد نزل على السيد المسيح عليه السلام كتاب هو الإنجيل، وهو مصدق للتوراة، ومحيى لشريعتها، ومؤيد للصحيح من أحكامها، وهو مبشر برسول يأتي من بعده اسمه أحمد، وهو مشتمل على هدى ونور وهو عظة للمتقين، وإنه كان على أهل الإنجيل أن يحكموا بما أنزل فيه، ولذلك قال الله تعالى:{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .
دعوة المسيح:
4-
ولقد كانت دعوة المسيح عليه السلام تقوم على أساس إنه لا توسط بين الخالق والمخلوق، ولا توسط بين العابد والمعبود، فالأخبار والرهبان لم تكن لهم الوساطة بين الله والناس، بل كل مسيحي يتصل بالله في عبادته بنفسه، من غير حاجة إلى توسط كاهن أو قسيس أو غيرهما، وليس شخص - مهما تكن منزلته أو قداسته أو تقواه - وسيطاً بين العبد والرب في عبادته، وتعرف أحكام شرعه مما أنزل الله على موسى من كتاب، وما أثر عنه من وصايا، وما اقترنت به بعثته من أقوال ومواعظ.
ودعوة عيسى عليه السلام كما ورد في بعض الآثار، وكما تضافرت عليه أقوال المؤرخين - تقوم على الزهادة والأخذ من أسباب الحياة بأقل قسط يكفي لأن تقوم عليه الحياة، وكان يحث على الإيمان باليوم الآخر، واعتبار الحياة الآخرة الغاية السامية لبني الإنسان في الدنيا، إذ الدنيا ليست إلا طريقاً غايته الآخرة، وابتداء نهايته تلك الحياة الأبدية.
ولماذا كانت دعاية المسيح عليه السلام إلى الزهادة في الدنيا، والابتعاد عن أسباب النزاع والعكوف على الحياة الروحية؟ الجواب عن ذلك أن اليهود الذين جاء المسيح مبشراً بهذه الديانة بينهم كان من يغلب عليهم النزعات المادية، وكان منهم من يفهم أن الحياة الدنيا هي غاية بني الإنسان، بل أن التوراة التي بأيديهم اليوم خلت من ذكر اليوم الآخر، ونعيمه أو جحيمه، ومن فرقهم من كان يعتقد أن عقاب الله الذي أوعد به العاصين، وثوابه الذي وعد به المتقين، إنما زمانه في الدنيا لا في الآخرة، وقد قال رينان الفيلسوف الفرنسي في كتابه المسيح: "الفلسفة اليهودية كان من مقتضاها السلطة الفعلية في نفس هذا العالم، فإنه يؤخذ من أقوال