الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البطريرك بطرس الذي أمر بنفيه: "أن السيد الكسيح لمن أريوس هذا فاحذروه، فإني رأيت المسيح في النوم مشقوق الثوب، فقلت له يا سيدي من شق ثوبك؟ فقال لي: أريوس، فاحذروا أن تدخلوه معكم".
ولم يجد النفي وإعلان الرؤى والأحلام في القضاء على رأي أريوس وجمع الناس حول قوة الكنيسة، حتى إذا ولي أمر الكنيسة البطريرك إسكندر أخذ يعالج المسألة بنوع من الحيلة والصبر، فكتب إلى أريوس وزعماء هذا الرأي يدعوهم إلى رأي كنيسة الإسكندرية، ولكن محاولته لم تجد أيضاً، فعقد مجمعاً في كنيسته بالإسكندرية وحكم على أريوس بالحرمان منها فلم يخضع لهذا ولم يخنع، وغادر الإسكندرية إلى فلسطين.
وقد كان مذهب عدم أُلوهية المسيح ذائعاً منتشراً، وكان أسقف مقدونية على مذهب أريوس أيضاً، ويعظ على أساسه، وفي الحق أننا نجد أن أسقف مقدونية وأسقف فلسطين، وكنيسة أسيوط، كل أولئك على رأي أريوس، وكنيسة الإسكندرية وحدها هي التي تحاربه، فالخلاف محصور إذن بين أريوس، ومعه أسيوط وفلسطين، ومقدونية وبين بطريرك الإسكندرية.
تدخل قسطنطين وجمع مجمع نيقيا:
81-
وقد تدخل قسطنطين إمبراطور الرومان في الأمر. فأرسل كتاباً إلى أريوس والإسكندر يدعوهما إلى الوفاق، ثم جمع بينهما، ولكنهما لم يتفقا، فجمع مجمع نيقية سنة 325.
ويقول ابن البطريق المسيحي في وصف المجتمعين وعددهم ما نصه: "بعث الملك قسطنطين إلى جميع البلدان، فجمع البطاركة والأساقفة فأجتمع في مدينة نيقية ثمانية وأربعون وألفان من الأساقفة. وكانوا مختلفين في الآراء والأديان، فمنهم من كان يقول أن المسيح وأمه إلهان من دون الله، وهم البربرانية، ويسمون المريميين، ومنهم من كان يقول أن المسيح من الأب بمنزلة شعلة نار انفصلت من شعلة نار، فلم تنقص الأولى بانفصال الثانية منها، وهي مقالة سابليوس وشيعته، ومنهم من كان يقول: لم تحبل به مريم تسعة أشهر، وإنما مر في بطنها كما يمر الماء في الميزاب، لأن الكلمة دخلت في أذنها، وخرجت من حيث يخرج الولد من ساعتها، وهي مقالة البيان وأشياعه".
ومنهم من كان يقول أن المسيح إنسان خلق من اللاهوت كواحد منا في جوهره، وإن ابتداء الابن من مريم، وإنه اصطفى ليكون مخلصاً للجوهر الإنسي صحبته النعمة الإلهية، وحلت فيه بالمحبة والمشيئة، ولذلك سمى ابن الله، ويقولون: الله جوهر قديم واحد، وأقنوم واحد، ويسمونه بثلاثة أسماء، ولا يؤمنون بالكلمة ولا بروح القدس، وهي مقالة بولس الشمشاطي بطريرك أنطاكية وأشياعه، وهم البوليقانيون.
ومنهم من كان يقول أنهم ثلاثة آلهة لم تزل: صالح، وطالح، وعدل بينهما، وهي مقالة مرقيون اللعين وأصحابه، وزعموا أن مرقيون رئيس الحواريين، وأنكروا بطرس، ومنهم من كان يقول بأُلوهية المسيح وهي مقالة بولس الرسول ومقالة الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفاً" أ. هـ. المراد منه.
موقف قسطنطين من المتناظرين:
اجتمع أولئك المختلفون، وسمع قسطنطين مثال كل فرقة من ممثليها، فعجب أشد العجب مما رأي وسمع، فأمرهم أن يتناظروا لينظر الدين الصحيح مع من، وأخلى داراً للمناظرة، ولكنه جنح أخيراً إلى رأي بولس، وعقد مجلساً خاصاً للأساقفة الذين يمثلون هذا الرأي وكانت عدتهم ثمانية عشر وثلاثمائة.
انحيازه لرأي مؤلهي المسيح مع إنهم ليسوا الكثرة:
ويقول في ذلك ابن البطريق: "وضع الملك للثلاثمائة والثمانية عشر أسقفاً مجلساً خاصاً عظيماً، وجلس في وسطهم وأخذ خاتمه، وسيفه، وقضيبه. فدفعه إليهم وقال لهم: قد سلطتكم اليوم على مملكتي، لتصنعوا ما ينبغي لكم أن تصنعوا مما فيه قوام الدين، وصلاح المؤمنين، فباركوا الملك، وقلدوه سيفه، وقالوا له: أظهر دين النصرانية، وذب عنه، ووضعوا له أربعين كتاباً فيها السنن والشرائع، منها ما يصلح للملك أن يعلمه ويعمل به، ومنها ما يصلح للأساقفة أن يعملوا به".
العقيدة التي فرضها المجمع:
وضع هذا المجمع المحدود من الأساقفة قرارات في العقدية والشرائع، ليقيدوا بها المسيحيين، ولا يهمنا إلا بيان العقيدة التي قررها المجمع وفرضها على المسيحيين.