الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأناجيل لم يملها المسيح ولم تنزل عليه:
26-
وهذه الأناجيل الأربعة لم يملها المسيح، ولم تنزل عليه هو بوحي أوحى إليه، ولكنها كتبت من بعده - كما رأيت - وتشتمل على أخبار يحيى (يوحنا المعمدان) والمسيح، وما كان منه، وما أحاط بولادته من عجائب وغرائب، وما كان يحدث منه من أمور خارقة للعادة، ولا تحدث من سواه من البشر، وما كان يحدث له من أحداث، وما كان يجرى بينه وبين اليهود، وما كان يلقيه من أقوال وخطب وأحاديث وأمثال ومواعظ، وفيها قليل من الشرائع التي تتعلق بالزواج والطلاق، ثم أخبار المؤامرة عليه، واتهامه والقبض عليه، ومحاكمته، سواء أكانت تلك المحاكمة أمام اليهود، ثم أمام الرومان، ثم فيها الحكم عليه بالموت صلباً، وصلبه بالفعل فيما يعتقدون، وفيها أيضاً قيامته من قبره، ومكوثه أربعين يوماً، ثم رفعه إلى السماء. وفي الجملة هي تشتمل على أخبار المسيح وصلواته. وأقواله وعجائبه، كم بدايته إلى نهايته في هذا العالم. وهذا - كما قلنا - لب المسيحية ومعناها، لأن فيها النواة الأولى لألوهية المسيح، وعقيدة النصارى فيه، ولنتكلم على كل إنجيل من هذه الأناجيل تبين تاريخ تدوينه، وتعرف بمؤلفه، ومكانته من المسيح.
إنجيل متى:
27-
وقد كتبه متى، وهو أحد تلاميذ المسيح الاثني عشر، ويسميهم المسيحيون رسلاً، وقد كان قبل اتصاله بالمسيح من جباة الضرائب، وكانوا يسمون في ذلك العهد عشارين، ولقد كان جابيا للرومان في كفر ناحوم من أعمال الجليل بفلسطين، وكان اليهود ينظرون للجباية نظر ازدراء، لأنها تحمل صاحبها على الظلم، أو على الأثل تحمله على العنف، والعمل فيها معين للدولة الرومانية المغتصبة التي تحكم البلاد بغير رضا أهلها، ولكن السيد المسيح اختاره تلميذاً من تلاميذه كما جاء في إنجيله، ففي الإصحاح التاسع منه: "وفيما يسوع يجتاز من هناك رأى إنساناً جالساً عند مكان الجباية، واسمه متى، فقال له: اتبعني، فقام وتبعه، وبينما هو متكئ في البيت إذا عشارون وخطاة كثيرون قد جاءوا، واتكئوا مع يسوع وتلاميذه.
فلما نظر الفريسيون قالوا لتلاميذه: لماذا يأكل معلمكم مع العشارين والخطاة؟ فلما سمع يسوع قال لهم: لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب، بل المرضى، فاذهبوا وتعلموا ما هو، إني أريد رحمة لا ذبيحة، لأني لم آت لأدعو أبراراً، بل خطاة إلى التوبة".
ولما صعد المسيح إلى ربه جال متى للتبشير بالمسيحية في بلاد كثيرة. ومات في سنة 70 ببلاد الحبشة على أثر ضرب مبرح أنوله به أحد أعوان ملك الحبشة. وفي رواية أخرى إنه طعن برمح في سنة 62 بالحبشة بعد أن قضى بها نحو ثلاث وعشرين سنة داعياً للمسيحية مبشراً بها، فموطن دعايته كما يروي مؤرخو المسيحية هو الحبشة.
إنجيل متى كتب بالعبرية ولن يعرف إلا باليونانية وجهل المترجم:
28-
وقد اتفق جمهورهم على إنه كتب إنجيله بالعبرية أو السريانية، كما اتفقوا على أن أقدم نسخة عرفت شائعة رائجة كانت باليونانية، ولكن موضع الخلاف في تاريخ تدوينه، ومن الذي ترجمه إلى اليونانية، فمن المتفق عليه منذ أكثرهم أن متى كتب إنجيله بالعبرانية، وذلك لأنه كتبه لليهود ببشر بالمسيحية بينهم، وليقرأه مؤمنوهم بها، قال جيروم:"أن متى كتب الإنجيل باللسان العبري في أرض يهودية للمؤمنين من اليهود" وقال غيره " أن متى كتب الإنجيل باللسان العبري. وهو الذي أنفرد باستعمال هذا في تحرير العهد الجديد".
وإذا انتقلنا إلى تاريخ تدوين هذا الإنجيل وترجمته نرى ميدان الخلاف فسيحاً، فنجد ابن البطريق يذكر إنه دون في عهد قلوذيوس قيصر الرومان من غير أن يعين السنة التي كتب فيها.
ويذكر أن الذي ترجمه يوحنا، فيقول في ذلك:"في عصر قلوديوس كتب متاوس (متى) إنجيله بالعبرانية في بيت المقدس. وفسره من العبرانية إلى اليونانية يوحنا صاحب الإنجيل".
وهنا نجده لم يعين السنة التي كتب فيها الإنجيل، بل عين الملك الذي كتب في عهده، وهذا الملك لم يكن هو الذي عاصر المسيح، ولا الذي يليه. بل الذي عاصر المسيح وصلب - على زعمهم - في عهده طيباريوس،
وولي من بعده غابيوس، وملك أربع سنين وثلاثة أشهر، ثم جاء من بعده قلوديوس وملك أربع عشرة سنة، فيحتمل تدوين هذا الإنجيل أن يكون في آخر العشرة الرابعة من ميلاد المسيح، ويحتمل أن يكون في أول أو آخر العشرة الخامسة أو أوائل السادسة. فكلام ابن البطريق يحتمل كل هذا، وقال جرجس زوين اللبناني فيما ترجمه عن الفرنسية، "أن متى كتب مشارته في أورشليم في سنة 39 للمسيح على ما ذهب إليه القديس أيونيموس، والسبب في ذلك على ما ذهب إليه القديس ابيفانيوس أنه كتبه إما إجابة لليهود الذين آمنوا بالمسيح، أو إجابة لأمر الرسل، ولم يكتب إنجيله باليونانية بل العبرانية على زعم اوسيبيوس في تاريخه، وقد وافق اسيبيوس القديس ايرنيموس، إذ أن بانتيوس قد ذهب ليكرز بالإيمان المسيحي في الهند، فوجد إنجيلاً لمتى الرسول مكتوباً بالعبرانية، فجاء به إلى الإسكندرية، وبقى محفوظاً في مكتبه قيصرية إلى أيامه، لكن هذه النسخة العبرانية قد فقدت، وبعد فقدها ظهرت ترجمتها في اليونانية" أهـ. وفي هذا يعين الكاتب تاريخ السنة الذي دون فيها الإنجيل، ولكن لا يعين المترجم. بل يذكر إنه غير معروف، بينما نرى ابن البطريق يعين إنه يوحنا صاحب الإنجيل المسمى باسمه.
ويقول بالنسبة لتاريخ التدوين صاحب كتاب (مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين) : "أن متى بموجب اعتقاد جمهور المسيحيين كتب إنجيله قبل مرقس ولوقا ويوحنا، ومرقس ولوقا كتبا إنجيلهما قبل خراب أورشليم. ولكن لا يمكن الجزم في أية سنة كتب كل منهم بعد صعود المخلص، لأنه ليس عندنا نص إلهي على ذلك".
وقال صاحب ذخيرة الألباب: "أن القديس متى كتب إنجيله في السنة 41 للمسيح باللغة المتعارفة يومئذ في فلسطين، وهي العبرانية أو السبروكلدانية
…
ثم ما عتم هذا الإنجيل أن ترجم إلى اليونانية. ثم تغلب استعمال الترجمة على الأصل الذي لعبت به أيدي النساخ الأيونيين ومسخته بحيث أضحى ذلك الأصل خاملاً، بل فقيداً، وذلك منذ القرن الحادي عشر".
وقال الدكتور بوست في قاموس الكتاب المقدس، مخالفاً جمهور المتقدمين في إنه بالعبرانية أو السربانية: "أن هناك من يقول إنه كتب