الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونحب أهل العدل والأمانة، ونبغض أهل الجور والخيانة:
ــ
"إن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة"(1) ، حتى الحديث إن ورد عن طريق وسند صحيح، لكن فيه مخالفة لما هو أصح منه؛ فيسمى حديثاً شاذاً عند المحدثين.
فيجب التثبت في هذه الأمور، ولا ننبش في أقوال وأفعال مهجورة ونؤلف فيها ونشوش على الناس أمور دينهم، والشذوذ: مخالفة ما عليه جماعة المسلمين، والخلاف ضد الاتفاق، والفرقة ضد الاجتماع، والشذوذ ضد الائتلاف، أما أن نبحث عن الشاذ، فهذا تضليل للأئمة وتجهيل لهم، وهل أنت أوتيت علماً أكثر من علمهم، وخصصت بعلم لم يصلوا إليه؟ وما آل إليه بعض الناس من هذه الأمور في العصور المتأخرة التي يفشو فيها الجهل، وأغلب ما يصدر ذلك عن واحد متعالم وليس بعالم، ولم يدرس العقيدة الصحيحة والفقه، إنما تفقه على نفسه وصار يضيف إلى دين الله ما ليس منه، وهذه مصيبة، فالعلم ليس بفوضى، إنه يحتاج إلى ضوابط وفقه ودراية.
المحبة عمل قلبي، والمحبة على قسمين:
أولاً: محبة طبيعية، كمحبة الإنسان لأهله وزوجته وأولاده، ومحبته لأصدقائه، ومحبته للأكل والشرب، فهذه المحبة لا تدخل
(1) أخرجه الترمذي (رقم2172) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في أمر العبادة.
ثانياً: محبة دينية، وهذه على نوعين:
النوع الأول: محبة الله سبحانه وتعالى، وهي أعظم أنواع العبادة، يقول ابن القيم:
وعبادة الرحمن غاية حبه *** مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر *** ما دار حتى قامت القطبان
عبادة الرحمن غاية حبه، أي: منتهى حبه، وتدور عليها أمور العبادات كلها، فهي نوع عظيم من أنواع العبادة، لا يجوز أن يُحب أحد مع الله (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله) [البقرة: 165] هذا شرك في المحبة، التي هي أعظم أنواع العبادة، ولذلك قال:(والذين آمنوا أشد حباً لله)[البقرة: 165] فالمؤمنون لا يحبون إلا الله، ومحبتهم أشد من محبة أهل الأصنام لأصنامهم؛ لأن محبة الله لا تنقطع في الدنيا ولا في الآخرة، أما محبة غيره من المعبودين فتنقطع في الآخرة، وتحصل العداوة بين من عبد من دون الله ومن عبده (وإذا حُشر الناس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين) [الأحقاف: 6] ، (إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة والدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار) [العنكبوت: 25] .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النوع الثاني: المحبة في الله ولأجل الله، وذلك بأن تحب ما يحبه الله من الأعمال والأشخاص، وتحب أهل الإيمان والتقوى، (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) [البقرة: 222] ، (إن الله يحب المحسنين) [البقر: 195] ، فأنت تحبهم؛ لأن الله يحبهم، وفي مقدمة هؤلاء: الملائكة، والأنبياء والرسل، والأولياء والصالحون، وجميع المؤمنين.
وهذه تسمى المحبة في الله، وهي أوثق عرى الإيمان، كما جاء في الحديث:"أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله"(1)، وقال عليه الصلاة والسلام:"ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان" ذكر منها: "أن يحب المرء لا يحبه إلا لله"(2) .
فتحب أولياء الله لأن الله يحبهم، وتبغض أعداء الله لأن الله يبغضهم، فيكون الحب والبغض من أجل الله، وليس طمعاً في الدنيا، فلا يجد العبد حلاوة الإيمان حتى يحب في الله ويبغض في الله، ويوالي ويعادي الله.
(1) أخرجه الطبراني في معجمه الكبير (11/215رقم11537) .
(2)
أخرجه البخاري (رقم16) ومسلم (رقم43) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً".
وهذه المحبة تبقى في الدنيا والآخرة، وأما محبة الدنيا فتنقطع، وتكون عداوة في الآخرة (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) [الزخرف: 67] .
وتبغض الشخص من أجل الله، وليس من أجل أنه أساء إليك؛ بل تبغضه؛ لأنه عدو لله، وهذه ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام: الحب والبغض في الله، (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده) [الممتحنة: 4] .
ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله "رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه"(1) فالحب في الله والبغض في الله أمره عظيم؛ لأنه فرقان بين الحق والباطل (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً)[الأنفال: 29] ، فالمؤمن يكون عنده فرقان، يفرق بين هذا وهذا.
(1) أخرجه البخاري (رقم660) ومسلم (رقم1031) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد ذكر العلماء أن الناس في المحبة على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: منهم من يحب محبة خالصة ليس معها بغضاء، وهم الملائكة والرسل عليه الصلاة والسلام، وخُلّص المؤمنين كالصحابة (ربنا اغفر لنا ولإخوننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا) [الحشر: 10] وكذلك السلف الصالح وأهل السنة والجماعة؛ لصفاء ما هم عليه من العقيدة وما هم عليه من الحق؛ لطاعتهم لله ورسوله.
القسم الثاني: من يبغض بغضاً خالصاً ليس معه محبة، وهم الكفار، أعداء الله (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) [الممتحنة: 1] أي: أحباء تحبونهم وتوالونهم وتناصرونهم، وتدافعون عنهم، بل الواجب التبرؤ منهم؛ لأنهم أعداء الله (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أوأبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار) [المجادلة: 22] والمقصود بالروح هنا: قوة الإيمان.