الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسعها) :
وأفعال العباد خلق الله، وكسب من العباد:
ــ
تكليف، فهذا يجب عليه الحج في ذمته.
ومثل دخول وقت الصلاة يوجب الصلاة على المكلف، ويكون التنفيذ بحسب استطاعته، فالمريض يصلي قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب، فالصلاة تجب عليه على كل حال؛ لأنه في استطاعته ذلك، وهذه الاستطاعة قبل الفعل، أما التي مع الفعل قد تكون معدومة نهائياً، وقد تكون موجودة، ولكن ليست تامة، فيجب عليه على قدر استطاعته.
(فاتقوا الله ما استطعتم)[التغابن: 16]، (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) [البقرة: 286] .
وفيه فرق بين الاستطاعتين:
فالأولى يتعلق الخطاب بها، كما قال تعالى:(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)[البقرة: 286] ، والثانية يتعلق بها التنفيذ.
هذه المسألة حصل فيها نزاع ومزلة أقدام ومضلة أفهام، هل الأفعال مخلوقة لله أو هي من خلق العباد؟
القول الأول: قول الجبرية والجهمية: إن العبد مجبور، ليس له دخل في الأفعال، فهي محض خلق الله عز وجل، فصلاته التي يؤديها ليس باختياره، إنما هو مجبور وهؤلاء غلوا في إثبات قدرة الله.
وقولهم هذا ضلال مبين، ومعناه أن الله يظلمهم ويعذبهم على شيء
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ليس لهم فيه اختيار، وليس لهم فيه استطاعة، وإنما الله يعذب العبد على فعل غيره، ويثيبه على شيء لم يفعله، وهذا المذهب أخبث المذاهب.
القول الثاني: وهو مضاد للقول الأول تماماً، وهو قول المعتزلة، يقولون: الأفعال من إنتاج العبد وإرادته المطلقة ومشيئته، وليس لله تدخل فيها، وإنما العبد هو الذي يخلق فعل نفسه، فهؤلاء غالوا في إثبات قدرة العبد.
ويلزم من قولهم أن الله عاجز، وأن الله يشاركه غيره في الخلق والإيجاد، وهذا قول المجوس، ولذلك المعتزلة سُمُّوا: مجوس هذه الأمة (1)، فالمجوس يقولون: إن للكون خالقين، خالق للخير وخالق للشر، والمعتزلة زادوا عليهم وقالوا: كل يخلق فعل نفسه، فأثبتوا خالقين.
والمذهب التوسط مذهب أهل السنة والجماعة، على ضوء الكتاب والسنة، قالوا: أفعال العباد هي فعلهم بإرادتهم ومشيئتهم، وهي خلق الله عز وجل (والله خلقكم وما تعملون) [الصافات: 96]
(1) فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم"
…
أخرجه أبو داود (رقم4691) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل)[الزمر: 62](هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض)[فاطر: 3] فالله منفرد بالخلق والتقدير، والعبد له مشيئته وإرادته، وله فعل، فهو باختياره يذهب إلى المسجد، وباختياره يذهب إلى المسارح؛ لأن عنده قدرة، والإنسان الذي لم يعطه الله قدرة ولا استطاعة فهذا قد عذره الله، مثل المجنون والمكره، فليس عنده إرادة، وليس عنده قصد، أما من عنده إرادة وقصد، فهذا الذي يختار الفعل لنفسه، والعقاب والثواب يقع على فعله، وليس على فعل الله عز وجل.
قال الله تعالى: (إن الذين آمنوا)[البقرة: 62][النساء: 59]، (إن الذين كفروا) [آل عمران: 116] أسند الإيمان إليهم، وكذلك أسند الكفر (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) [النساء: 59] (ومن يطع الله ورسوله)[النور: 52] أسند الأفعال إلى العباد.
والدليل على أن العبد له إرادة وقصد: قوله تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً)[الإنسان: 30] ، فأثبت الله سبحانه له مشيئة وللعبد مشيئة، وجعل مشيئة العبد تحت مشيئته سبحانه (لمن شاء منكم أن يستقيم) [التكوير: 28] شاء،