الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(عاشرًا:
رحابة الصدر في مسائل الخلاف:
من أروع الصفات التي تُزين العلم وتُجمل صاحبه أن يكون رحيب الصدر واسع البال في الحوار، هاديء النفس حين الاختلاف بلا غضب ولا تشنج ولا عصبية، وهنا أمور مهمة لا بد لطالب العلم أن يعيها جيدًا، ويراعيها:
1 -
الخلاف سنة كونية واقعة:
الخلاف سنة كونية واقعة، وسببه اختلاف المدارك والعقول والفهوم. فالسلف من الصحابة ومن بعدهم قد اختلفوا قديمًا، ومن بعدهم الخلف أيضًا، وقد يختلف العلماء في صحة النص أو فهمه، ودلالته على المقصود، وكذلك اختلافهم في القياس، وقول الصحابي، وسد الذرائع، وغيرها من الأدلة التي تكون سببًا لنشوء الاختلاف.
2 -
لا إنكار في مسائل الاجتهاد:
ينبغي لطالب العلم أن يعلم أنَّ من القواعد التي وضعها أهل العلم أنه «لا إنكار في مسائل الاجتهاد» ، فلا يسوغ لطالب العلم أن ينكر على أحد في مسألة من المسائل التي مبناها الاجتهاد، وأكثر مسائل أحكام الدين من هذا النوع؛ ولهذا تجد العالم الفقيه المطلع أوسع الناس صدرًا في مسائل الخلاف لعلمه أن مبناها الاجتهاد.
3 -
ألا يتصدر الفتوى ولا يتجرأ عليها:
وقد كان السلف من أورع الناس في الفتوى، وقد ضربوا لذلك أجمل النماذج، حتى صنف ابن الجوزي كتابًا أسماه (تعظيم الفتيا) ذكر فيه صورًا رائعة عن السلف في حذرهم من التصدر للفتوى.
وفي زماننا ربما تجشم الصغير الإفتاء في مسألة شائكة لو عُرِضَت على أكابر السلف لتورعوا عن الإجابة عنها.
عن أبي الحصين قال: «إن أحدهم ليفتي في المسألة لو وردت على (عُمَر) لجمع لها أهل بدر»
(1)
.
4 -
لا ينبغي لطالب العلم أن يَحملَ الناسَ على رأيه:
وقد قال أحمد في رواية المروَذِي: «لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه، ولا يُشدد عليهم»
(2)
.
ولذلك كان منهج السلف هو: «قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب»
(3)
، وهي قاعدة جميلة ترسم المنهج الصحيح في التعامل مع آراء الآخرين واجتهاداتهم. وهي قاعدة من سار عليها اتسع عقله في التعامل مع المواقف والآراء.
قال ابن عثيمين -وهو يعدد آداب طالب العلم-: «أن يكون صدره رحبًا في مواطن الخلاف الذي مصدره الاجتهاد؛ لأن مسائل الخلاف بين العلماء، إما أن تكون مما لا مجال للاجتهاد فيه ويكون الأمر فيها واضحًا فهذه لا يُعذر أحد بمخالفتها، وإما أن تكون مما للاجتهاد فيها مجال فهذه يُعذر فيها من خالفها، ولا يكون قولك حجة على من خالفك فيها؛ لأننا لو قبلنا ذلك لقلنا بالعكس قوله حجة عليك»
(4)
.
(1)
أخرجه ابن بطة في إبطال الحيل ص (62)، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى ص (434) رقم (803)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (38/ 410، 411).
(2)
الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 166).
(3)
ينظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص (330).
(4)
كتاب العلم ص (23، 24).
5 -
ألا يرتب على الخلاف تكفير أو تبديع أو تضليل:
فالمجتهد في العلم لا يُكَفَّر ولا يُضَلَّل ولا يُفَسَّق، لأنه دائرٌ بين الأجر والأجرين؛ فإن أصاب له أجران، وإن أخطأ له أجر واحد.
وهذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ»
(1)
.
6 -
إعذار الأئمة والعلماء المجتهدين:
وهذا مما يجب على الأمة تجاه علمائها الذين هم ورثة الأنبياء، ولهذا ألف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابًا ماتعًا بعنوان (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) بَيَّنَ فيه عذر الأئمة في مخالفتهم لبعض النصوص، وخطئهم في الاجتهاد.
ومن هذه الأعذار: أن يكون الحديث لم يبلغه، أو أن يكون الحديث لم يثبت عنده، أو أن يكون نسي الحديث، ومنها عدم معرفته بدلالة الحديث، إلى غير ذلك من الأعذار.
7 -
التزام الأدب في الخلاف مع العلماء ومن له قدم في الإسلام:
وذلك يكون بعدم تجريحهم والطعن فيهم، وذكرهم بالحسن والجميل وإن خالفوا الصواب، واختار خلاف قولهم
(2)
، و «لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة»
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري (9/ 108) رقم (7352)، ومسلم (3/ 1342) رقم (1716) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.
(2)
ينظر هذا الأدب باستفاضة في كتاب فقه الائتلاف لمحمود محمد الخنزدار.
(3)
تبيين كذب المفتري لابن عساكر ص (29).