الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني
نبذة عن علوم الشريعة
العلوم الشرعية هي العلوم المستمدة من الشرع الإسلامي ومن مصدريه الأساسين: القرآن الكريم، والسنة الشريفة، وهي تطلق على التفسير وعلوم القرآن، والحديث النبوي وعلومه، وعلم العقيدة، والفقه وأصوله وقواعده.
وهذه العلوم الشرعية أشرف العلوم على الإطلاق، لشرف ارتباطها بالوحيين الكتاب والسنة، وهي أحق ما يصرف فيه الأوقات والأموال والجهود.
ولا يخفى على كلِّ ذي لبٍّ أنَّ تحصيل هذه العلوم واجب على كل مكلف بما يكفل له عبادةَ الله سبحانه وتعالى على الوجه الذي شرع، وهو ما يعرف بالعلم الضروريُّ الذي بواسطته تُعرف الأحكامُ ويُعمل بها، سواءٌ للذكر أوالأنثى، إذ حاجة المرء لإصلاح دينه وتزكية روحه ليست أقلَّ من حاجته إلى الطعام والشراب وغيرهما من لوازم الحياة.
ومما لا شك فيه أن العلم شرف ونور وفضيلة، كما أن الجهل شر وبلاء ورذيلة، والعلم النافع مصدر الفضائل وينبوعها، والجهل مكمن الرذائل وطريقها، ولذا كان أرفع الناس قدراً، وأعظمهم شأناً، وأعلاهم منزلةً أهل العلم بالله ورسوله:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11].
فكان أولى ما يتنافس فيه المتنافسون، وأحرى ما يتسابق إليه المتسابقون، ما كان بسعادة العبد في معاشه ومعاده كفيلا، وعلى طريق هذه السعادة دليلا، وذلك هو العلم النافع والعمل الصالح اللذان لا سعادة للعبد إلا بهما، ولا نجاة له إلا بالتعلق بسببهما، فمن رُزق العلم والعمل فقد فاز وغنم، ومن حُرم العلم والعمل فالخير كله حرم.
ولذا شرف الله أهل العلم وأشهدهم على وحدانيته وتفرده بالعبادة والأُلوهية كما قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18]، وأهل العلم يسلك الله بهم إلى الجنة أسهل الطرق ويستغفر لهم أهل السماء والأرض حتى الحيتان في البحر كما ثبت من حديث أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ الله بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الجنَّةِ، وَإِنَّ الملَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الماءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ»
(1)
.
وبالعلم تُعرف الشرائع والأحكام، ويتميز الحلال من الحرام، فالعلم إمام والعمل مأموم، وهو قائد والعمل تابع، مذاكرة العلم تسبيح، والبحث عنه جهاد، وطلبه قربة إلى الله تعالى، وبذله صدقة، ومدارسة العلم تُعدل بالصيام والقيام، والحاجة إليه أعظم منها إلى الشراب والطعام.
قال الإمام أحمد رحمه الله: «الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يُحْتَاج إليه في اليوم مرتين أو ثلاثًا، والعلم يُحْتَاج إليه
(1)
أخرجه أبو داود في سننه (3/ 317) رقم (3641)، والترمذي في جامعه (5/ 48) رقم (2682)، وقال:«ولا نعرف هذا الحديث إلا من حديث عاصم بن رجاء بن حيوة، وليس هو عندي بمتصل، هكذا حدثنا محمود بن خداش بهذا الإسناد، وإنما يُرْوَى هذا الحديث عن عاصم بن رجاء بن حيوة، عن الوليد بن جميل، عن كثير بن قيس، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أصح من حديث محمود بن خداش، ورأي محمد بن إسماعيل هذا أصح» .
كل وقت»
(1)
.
ولهذا كان من أوجب الواجبات على العباد معرفة العلم والعمل، والذي به نجاتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
ولابد من تنبيه مهم جدًا لطالب العلم وهو أن العلم أعظم عبادة، وأنه ما عبد الله بشيء أعظم من العلم، وأن العمل بالعلم هو الثمرة من العلم والمعرفة، فالعلم بمنزلة الشجرة وثمرته العمل به، فمن عمل بما علم أورثه الله تعالى علم ما لم يعلم، كما قال تعالى:{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء:66 - 68].
فمن أراد الله به الخير والسعادة والنجاة ورفعة المنزلة في الدنيا والآخرة يسَّر له العلم النافع والعمل الصالح كما ثبت في الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»
(2)
.
قال ابن حجر رحمه الله: «ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع فقد حُرم الخير؛ لأن من لم يعرف أمور دينه لا يكون فقيهًا ولا طالب فقه، فيصح أن يوصف بأنه ما
(1)
إعلام الموقعين (2/ 182).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 25) رقم (71)، ومسلم في صحيحه (2/ 719) رقم (1037).
أريد به خيرًا. وفي ذلك بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس، ولفضل التفقه في الدين على سائر العلوم»
(1)
.
وإليك يا طالب العلم نبذة عن علوم الشريعة وأصنافها وأبرز مصطلحات كُلِّ فن:
(1)
فتح الباري (1/ 165).