الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الأول: أدب طالب العلم مع نفسه:
هناك آدابٌ جمةٌ ينبغي لطالب العلم أن يتأدب بها مع نفسه التي بين جنبيه، وكثير منها متعلق بواجباته الدينية، التي هي حقوق لله تعالى، وإنما نُسِبَت إليه؛ لأنه يُطالب أن يقيمها في نفسه، ويتحلى بها في أقواله وأفعاله، وسمته وهديه، ومن أهمها:
(أولاً:
إخلاص النية لله عز وجل:
اعلم يا طالب العلم أن الإخلاص سِرٌّ بين العبد وربه لا يعلمه مَلَكٌ فيكتبه، ولا بشر فيفسده، ولا هوًى فيميله؛ فإن قصدت بطلب العلم وجه الله والأجر والثواب منه ورفع الجهل عن نفسك وعن إخوانك المسلمين؛ فاعلم أن ذلك توفيقٌ إلهيٌّ، وعطاءٌ رباني فاحمد الله على ذلك، وداوم النظر في قلبك، وجاهد نفسك في مراقبة الإخلاص.
قال الحسن البصري رحمه الله: «لَا يَزَالُ الْعَبْدُ بِخَيْر؛ ٍ إِذَا قَالَ قَالَ لله، وَإِذَا عَمِلَ يَعْمَلُ لله عز وجل»
(1)
؛ ولهذا ينبغي أن تكون مقاصد الطلب كما يلي:
1 -
إصلاح القلب والعمل بالعلم:
من أجمل ثمرات العلم أنه يصلح القلب والباطن، وهذا الإمام ابن جماعة رحمه الله يرشدك ويهمس في أذنيك ويقول: «حُسْنُ النِّيَّةِ في طَلَبِ العِلْمِ بِأَنْ يَقْصِدَ بِهِ وَجْهَ الله تَعَالى، وَالعَمَلَ بِهِ، وَتَنْوِِيرَ قَلْبِهِ، وَتَحْلِيَةَ بَاطِنِهِ،
(1)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (2/ 17)، و ابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 196).
وَالْقُرْبَ مِنْ الله تَعَالى يَوْمَ القِيَامَةِ، وَالتَّعَرُّضَ لِمَا أَعَدَّ اللهُ لأَهْلِهِ مِنْ رِضْوَانِهِ وَعَظِيمِ فَضْلِهِ»
(1)
.
فهذه من أعظم مقاصد الطلب، والمقصود أن التقرب إلى الله بالعلم من أزكى العبادات وأحبها إلى الله.
2 -
رفع الجهل عن النفس:
3 -
نشر العلم ونفع الغير والإحسان إلى عباد الله:
بهدايتهم وتعليمهم الدين فهذا من أعظم أنواع الإحسان، وقد قال تعالى:{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195].
4 -
الدفاع عن الشريعة من خلال بث العلم ورد شبه المبطلين:
هذه المقاصد الأربعة هي ثمرة العلم، ومن أخذها بحقها أحبه الله، وجعل له القبول والهيبة بين الناس، قال ابن عباس رضي الله عنها:«لو أَنَّ حَمَلَة العلم أخذوه بحقه وما ينبغي؛ لأحبهم الله وملائكته والصالحون، ولهابهم الناس، ولكن طلبوا به الدنيا؛ فأبغضهم الله، وهانوا على الناس»
(2)
.
يقصد بذلك: من جَرَّدَ نيته لغير الله، وأراد بطلب العلم الدنيا، أما من قصد بالعلم مقصدًا من المقاصد الأربعة السابقة، أو أراد بذلك الحصول على منصبٍ يخدم من خلاله المسلمين أو أراد بالعلم عملًا يُغني به نفسه عن سؤال الناس، ويؤدي به النفقة الواجبة لأهله، فلا يدخل في مقام الذم، وإن فاته مقصود العلم الأعظم.
(1)
المصدر السابق ص (112).
(2)
أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (1/ 655) رقم (1136).
وعن أبي يوسف رحمه الله قال: «يا قوم أريدوا بعلمكم الله؛ فإني لم أجلس مجلسًا قط أنوي فيه أن أتواضع، إلا لم أقم حتى أعْلُوهم، ولم أجلس مجلسًا قط أنوي فيه أن أعْلُوهم، إلا لم أقم حتى أفتضح»
(1)
.
معالجة النية:
مما اتفق عليه المخلصون أن النية لا تستقيم للعبد إلا بطول تعاهد وكثرة مجاهدة.
قال سفيان الثوري رحمه الله: «ما عالجتُ شيئًا أشد علي من نيتي؛ إنها تتَقَلَّبُ عليَّ»
(2)
.
وليس معنى ذلك أن يعزف طالب العلم عن الطلب وينقطع عنه؛ بحجة أن نيته غير خالصة، فهذا مدخلٌ من مداخل الشيطان ليصرف العبد عن العلم الشرعي، بل الواجب على طالب العلم أن يمضي في طريق الطلب، ويتدرج في سلم العلم، ويجاهد نفسه في تصحيح النية في أول الطلب وأثناء الطلب، بل في جميع مراحل الطلب، وهذه المجاهدة تعين الطالب على الإخلاص وإرادة وجه الله عز وجل.
ومع دوام المجاهدة والاجتهاد في طلب الإخلاص يوفق العبد للنية الصالحة وحسن العمل؛ لأن العلم بطبيعته يربي على الإخلاص:
قال إسحاق بن راهويه رحمه الله: «سألتُ وكيعًا عن الرجل يطلب العلم، ومن نيته أن يذاكر به ويحدث به أو نحو ذلك، أتراه يأثم في ذلك؟ قال: لا
(1)
المجموع شرح المهذب (1/ 28)
(2)
أخرجه الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/ 317) رقم (692).
يا ابن أخي، حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: طلبنا هذا العلم، وما لنا فيه نية، ثم جاءت النية والعمل بعد»
(1)
.
عقوبة من طلب العلم لغير الله:
من طلب العلم رياءً وسمعةً وشهرةً، أو لينال به غرضًا من عرض الدنيا فهو متوعد بالعذاب، بل ورد أنه من أول من تسعر به النار يوم القيامة:
(2)
.
(1)
أخرجه الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 267) رقم (1818).
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1513) رقم (1905).