الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اصْبِرْ عَلى مُرِّ الْجَفَا مِنْ مُعَلِّمٍ
…
فَإِنَّ رُسُوبَ الْعِلْمِ فِي نَفَرَاتِه
وَمَنْ لَمْ يَذُقْ مُرَّ التَّعَلُّمِ سَاعَةً
…
تَجَرَّعَ ذُلَّ الْجَهْلِ طُولَ حَيَاتِه
فمن لم يصبر على ذل التعلم بقي طول عمره في عمى الجهالة، ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الدنيا والآخرة.
وعن ابن عباس: ذللت طالبًا فعززت مطلوبًا.
رابعًا:
شكره على إحسانه إليه:
قال تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة:237]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا يَشْكُرُ الله مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ»
(1)
.
والواجب على المسلم أن يحفظ المعروف لمن أحسن إليه، ولا ينسى فضله كائنًا من كان فكيف بمن أحسن إليك بالعلم الذي هو من أجلِّ وجوه الإحسان.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: «وإذا كان الرجل قد علمه أستاذ عرف قدر إحسانه إليه وشكره»
(2)
.
(3)
.
(1)
أخرجه أبو داود (4/ 255) رقم (4811)، والترمذي (4/ 339) رقم (1954)، وقال:(حديث صحيح).
(2)
مجموع الفتاوى (28/ 17).
(3)
مجموع الفتاوى (28/ 13).
كما ينبغي للمتعلم أن يحمد الله إذ يسر له من يُعلمه من جهله، و يحييه من موته، و يوقظه من سِنَتِهِ، وينتهز الفرصة كل وقت في الأخذ عنه، ويكثر من الدعاء له حاضرًا أو غائبًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ»
(1)
، وأي معروف أعظم من معروف العلم، وكلُّ معروف ينقطع إلا معروف العلم والنصح والتربية.
فكل مسألة استفيدت عن الإنسان فما فوقها - حصل بها نفع لمتعلِّمها و غيره- فإنه معروف و حسنات تجري لصاحبها
(2)
.
ومن لطائف ما نُقِلَ عن السلف في هذا ما قاله يحيى بن سعيد القطان: «إني لأدعو الله عز وجل للشافعي في كل صلاة، أو في كل يوم» ، يعني: لما فتح الله عز وجل عليه من العلم، ووفقه للسداد فيه
(3)
.
عن محمد بن إسحاق بن راهويه قال: «قال أبي رحمه الله: قَلَّ ليلة إلا وأنا أدعو لمن كتب عنا ولمن كتبنا عنه»
(4)
.
خامسًا: أن ينسب الفضل إليه:
وهذا أدب ينبغي لطالب العلم أن يتحلى به، وأن يحفظ معروف شيخه وفضله عليه، قال شعبة رحمه الله:«كل من كتبت عنه حديثًا فأنا له عبد»
(5)
.
(1)
أخرجه أبو داود في سننه (2/ 128) رقم (1672)، والنسائي في سننه (5/ 82) رقم (2567)، وإسناده صحيح.
(2)
الفتاوى السعدية (ص:101، 102) بتصرف.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ومناقبه ص (31، 32)، وفي الجرح والتعديل (7/ 202).
(4)
أخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى ص (377) رقم (648).
(5)
أخرجه ابن الجعد في مسنده ص (20) رقم (12).
وقد نص العلماء على ذلك في كتبهم التي احتوت على مثل هذه الآداب:
قال الخطيب البغدادي رحمه الله: «وكذا يجب على المتعلم الاعتراف بفضل الفقيه، والإقرار بأن العلم من جهته اكتسبه، وعنه أخذه»
(1)
.
ولذلك كان هدي العلماء والأئمة أنهم ينسبون كل خير وفضل لمشايخهم وأئمتهم:
قال أحمد بن حنبل رحمه الله: «هذا الذي ترون كله أو عامته من الشافعي، وما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي»
(2)
.
قال السعدي رحمه الله في مقدمة منظومته في القواعد الفقهية:
فَهَذِهِ قَوَاعِدٌ نَظَمْتُهَا
…
مِنْ كُتْبِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدْ حَصَّلْتُهَا
جَزَاهُمُ الْمَوْلَى عَظِيمَ الأَجْرِ
…
وَالْعَفْوَ مَعْ غُفْرَانِهِ وَالْبِرّ
فهذا الإمام السعدي رحمه الله ينظم هذه المنظومة في القواعد الفقهية، ثم ينسب الفضل فيها إلى أهل العلم اعترافًا بعظيم فضلهم، وكريم منتهم عليه.
فما أجمل الاعتراف لأهل الفضل بالفضل، ورد المعروف لأهل المعروف.
•••
(1)
الفقيه والمتفقه (2/ 281).
(2)
أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (9/ 98).