الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا:
أن يُحدِّث الناس بما يعرفون:
ومما يلزم طالب العلم أن يتنبه له في دعوته لعامة الناس أن يخاطبهم بما يفهمون ويعقلون، ولا يخاطبهم بشيء لا تدركه عقولهم، ولا يفقهونه؛ لأن ذلك مدعاة لأن يفتتنوا في دينهم، وأن يفهموا الكلام على غير وجهه، فيضلوا من حيث لا يشعرون، ويكون سببًا في ضلالهم وغوايتهم
(1)
.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة»
(2)
.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله»
(3)
.
وقد بَوَّبَ البخاري على هذا الأثر: «باب مَن خَصَّ بالعلم قومًا دون قومٍ؛ كراهية أن لا يفهموا»
(4)
.
(5)
.
وقال ابن هُبَيْرَة رحمه الله: «في هذا الحديث من الفقه: أن العالم ينبغي أن يربي الناس بالعلم تربيةً، ويغذيهم إياه تغذيةً؛ فيربيهم بصغار العلم قبل كباره،
(1)
ينظر: العلم فضله طلبه للأمين الحاج محمد أحمد ص (159 - 161).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (1/ 11).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 37) رقم (127).
(4)
صحيح البخاري (1/ 37).
(5)
نقله ابن بطال عن المهلب في شرحه لصحيح البخاري (1/ 207).
فيكون ربانيًا كما جاء في الحديث الآخر، ويوضح ذلك أن الطفل لما كانت معدته لا تقوى على هضم الأطعمة الغليظة يسر الله له رزقه من ثدي أمه مدة طويلة يتدرج فيها إلى تناوله الأغذية الباقية على جهتها، فإن اللبن قد كان غذاء، ثم انقلب لبنًا فصار على نحو الشيء الصاعد فهو من ألطف الأغذية، فإذا قويت معدة الطفل غُذي بالأغذية القوية، فكذلك ينبغي للعالم أن يرفق بالناس في التعليم، فلا يُعَرِّض عقولَهم لسماع ما تنكره من قبل أن يتيقن قوة عقولهم لدفع الشبهة، وقبول الحجة، والكفر بالطاغوت، والإيمان بالله، وإلا عَرَّضَهم للتكذيب، كما قال علي رضي الله عنه:«أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟»
(1)
.
قال ابن حجر رحمه الله: «وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يُذْكَر عند العامة»
(2)
. وهذا هو منهج الصحابة رضي الله عنهم.
- فهذا أبو هريرة رضي الله عنه: جاء عنه أنه قال: «حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين: فأما أحدهما فبَثَثْتُهُ، وأما الآخر فلو بَثَثْتُهُ قُطِعَ هذا البلعوم»
(3)
، والمراد ما يقع من الفتن ونحوها.
- والحسن رحمه الله: أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين؛ لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي.
- وأبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة كره تحديث الناس بالغرائب.
- ومالك كره تحديث العوام بأحاديث الصفات
(4)
.
(1)
الإفصاح عن معاني الصحاح (1/ 268).
(2)
فتح الباري (1/ 225).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 35) رقم (120).
(4)
ينظر: فتح الباري لابن حجر (1/ 225).