الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تسبيح وتقديس وابتهال بلسان داود عليه السلام. ويتبادر منها أنها لم توح إلى داود مرة واحدة. وليس في اليد إنجيل منسوب إلى عيسى عليه السلام ولم يرو أحد أنه اطّلع على مثل ذلك. والأناجيل المتداولة هي ترجمة لحياته تضمّنت كثيرا من أقواله وتعاليمه التي عليها سمة الوحي. غير أنها كانت تمثل وقائع ومجالس مختلفة فلا يمكن أن تكون نزلت دفعة واحدة. وكل هذا هو شأن القرآن بطبيعة الحال.
ولقد عاد بعض المفسّرين «1» إلى القول في سياق هذه الآية إن الله تعالى قد أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا وأنه صار ينزل منجما على النبي من هذه السماء حسب الوقائع والحوادث. ولقد أوردنا هذا في سياق سورة القدر وعلّقنا عليه بما يغني عن التكرار.
هذا، ومع أن تعبير (القرآن) أصبح علما على جميع ما أوحى الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم من الفصول والمجموعات القرآنية المحكمة والمتشابهة فإن هذه الآية وأمثالها مما تكرر في القرآن ومن ذلك الآية السابقة [30] تؤيد ما قلناه في سياق تفسير سورة المزمل من أن أصل مفهوم القرآن هو السور والفصول المحكمة التي احتوت مبادئ الدعوة وتدعيماتها الرئيسية كما تؤيد أن هذا هو الذي فهمه العرب وأن ما جاء في سياق التدعيم والتأييد من قصص وأمثال وحجج وجدل وردود وحملات وحكاية أقوال الكفّار وتحدّياتهم ومشاهد الآخرة مما يصحّ أن يسمّى من المتشابهات لم يكن في الأصل مما عناه التعبير وفهمه العرب وأن شمول التعبير لكل ما احتواه المصحف من ذلك أيضا إنما كان بسبب أنه من وحي الله وتنزيله مثل ذلك الأصل وهو ما عنته آية آل عمران هذه: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ [7] .
[سورة الفرقان (25) : الآيات 35 الى 40]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (35) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (37) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (38) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (39)
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (40)
(1) انظر تفسير ابن كثير مثلا. [.....]
(1)
وزيرا: مؤازرا وعضدا.
(2)
دمرنا: حطمنا أو هدمنا.
(3)
تبّرنا: أهلكنا.
(4)
القرية التي أمطرت مطر السوء: كناية عن مساكن قوم لوط التي أرسل الله عليها رجوما وحاصبا وجعل عاليها سافلها كما وصف ذلك في آيات أخرى مرّت أمثلة منها.
(5)
نشورا: هنا أيضا بمعنى البعث بعد الموت.
احتوت الآيات إشارات مقتضبة إلى ما كان من إرسال الله الرسل إلى أقوامهم وإلى مواقف هذه الأقوام التكذيبية. وما كان من تدمير الله ونكاله فيهم بسبب هذه المواقف. وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. والأسماء التي ذكرت فيها قد ذكرت في مناسبات سابقة وعرّفناها بما لا حاجة إلى تكراره هنا.
وقد جاء هذا الفصل جريا على أسلوب النظم والتنزيل القرآني حيث يعقب حكاية مواقف كفّار العرب تذكير بما كان من أخبار الأمم السابقة استهدافا للارعواء والاعتبار والاتعاظ والإنذار. والآيات على هذا متصلة بالسياق وغير منفصلة عنه.
والضمير في وَلَقَدْ أَتَوْا عائد إلى الكفار السامعين، وفيه توكيد لهذا الاتصال بالآيات السابقة فهي تعني مساكن قوم لوط. وقد ذكرت آيات في سورة الصافات أن العرب كانوا يمرون ببلاد قوم لوط المدمّرة وهي هذه: وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (138) .