الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لهم من قوة ومال وبنين مثل آية سورة سبأ هذه وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) ومثل آيات سورة الهمزة هذه وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3) فالله الذي لم يعجزه أولئك وهم أقوى منهم وأكثر أموالا وأولادا فأهلكم لا يعجزه هؤلاء من باب أولى. وثالثا أن القصص القرآنية المتكرر ورودها تحتوي في كل مرة تفاصيل وعبر ومواعظ جديدة حيث ينطوي في هذا صورة من صور التنويع في الأسلوب والنظم القرآني في المناسبات المختلفة بسبيل استكمال نواحي المقارنة والمماثلة وإحكام الحجة وتحقيق الهدف الجوهري من القصص وهو العظة والتذكير والتمثيل والإنذار والتسلية والتطمين والتثبيت.
[سورة الشعراء (26) : الآيات 192 الى 197]
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (197)
. (1) الروح الأمين: جبريل عليه السلام على ما يجمع عليه المفسرون.
(2)
زبر الأولين: كتب الرسل الأولين المنزلة من الله.
(3)
آية: هنا بمعنى برهان أو علامة.
تعليق على آيات وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ وما بعدها إلى آخر آية أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ
جاءت هذه الآيات بمثابة التعقيب على سلسلة القصص وهي متصلة بالسياق من هذه الناحية. وقد احتوت توكيدا بأن القرآن الذي يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم والذي يحتوي هذه القصص وغيرها من مبادئ الدعوة والإنذار والتبشير هو تنزيل من الله تعالى أنزله على قلب نبيه بواسطة الروح الأمين لينذر به الناس، وأنه أنزله بلسان عربي
مبين واضح ومفهوم لئلا يكون حجة للعرب الذين هم أول المخاطبين به بعدم الفهم والعجز عن الإدراك، وإنه فيما احتواه من مبادئ وأهداف وتدعيمات متطابق مع ما في الكتب المنزلة الأولى. وقد انتهت الآيات بسؤال استنكاري يتضمن التقرير الإيجابي عما إذا لم يكن للكافرين برهان على أنه كذلك فيما كان من علم علماء بني إسرائيل بأمره وشهادتهم على صحته.
ولقد احتوى القرآن المكي فضلا عن المدني آيات كثيرة حكت ما كان من شهادة أهل الكتاب وأهل العلم بصحة وصدق القرآن ونزوله من عند الله وإيمانهم به وصحة وصدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وأوصافه التي يجدونها مكتوبة عندهم في التوراة والإنجيل وكونهم يعرفون ذلك كما يعرفون أبناءهم. وقد أوردنا كثيرا منها في مناسبات سابقة وخاصة في مناسبة تفسير آية سورة الأعراف [157] مما يجعل الحجة التي تضمنتها الآية الأخيرة [197] دامغة.
كذلك فإن هذه الآية والآيات التي تستشهد أهل العلم وأهل الكتاب على صحة صلة القرآن بالله تعالى وصحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم مما أوردنا كثيرا منها في المناسبات السابقة تلهم أن العرب كانوا يثقون في علم أهل الكتاب وعلماء بني إسرائيل واطلاعهم فاستحكمتهم الآيات بالحجة والإفحام والتنديد حيث يظلون مكابرين معاندين بالرغم من شهادة هؤلاء الذين يزكونهم ويثقون بهم. ومن المحتمل جدّا أن يكون بعض علماء بني إسرائيل قد شهدوا شهادتهم في مجلس علني حضره فريق من المسلمين وآخر من الكفار.
ولقد ذكر المصحف الذي اعتمدناه أن الآية [197] مدنية وذكر ذلك الزمخشري في مطلع تفسير السورة أيضا. وقال المفسرون إنها تعني علماء بني إسرائيل الذين أسلموا في المدينة كعبد الله بن سلام «1» . ونلاحظ أن الآية منسجمة كل الانسجام سبكا وموضوعا وسياقا مع ما قبلها وما بعدها. ومحتوية إفحاما جدليّا إزاء عناد الكفار الذي كان مسرحه الأول مكة لا المدينة، وفي سياق آيات لا
(1) انظر تفسير الطبري وابن كثير والزمخشري والطبرسي والخازن. [.....]
خلاف على مكيتها. ولذلك نشك في الرواية. ونرجح أن بعض علماء بني إسرائيل اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكة في مجلس من مجالسه وشهدوا على مسمع كثير من الشاهدين بصحة الرسالة النبوية والقرآن، فذكرت ذلك هذه الآية في معرض الإفحام والإثبات. وفي سورة الأحقاف آية تذكر شيئا مثل ذلك بصراحة وهي قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)«1» .
وفي الآيات نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) حجة قاطعة مؤكدة للحجج الأخرى على أن القرآن كان مفهوما مألوف اللغة من العرب الذين يسمعونه، كما أن فيها دليلا على أن الوحي القرآني الذي كان ينزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل بالألفاظ التي دونت وليس بالمعنى كما ذهب إليه بعض العلماء.
وفي هذه الآيات دليل مؤيد لما ذهب إليه جمهور العلماء من عدم إجزاء قراءة القرآن في الصلاة مترجما بلغة أخرى لأن ذلك لا يمكن أن يبقى على صفة (القرآن) الواجب قراءته كركن من أركان الصلاة. خلافا لبعض من قال بجواز ذلك. والعبارة هنا قوية الدلالة على صحة الرأي الأول إلى درجة تكاد أن تكون حاسمة فيما نعتقد «2» . والله أعلم.
وهناك قولان في ضمير وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ واحد بأن ضمير (وإنه) راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكون الجملة معنى أن البشارة به وصفاته مكتوبة في كتب الله السابقة. وثان إنه راجع إلى القرآن فتكون الجملة بمعنى إن ما في القرآن متطابق في الأسس مع ما في الكتب السابقة. والقولان وجيهان. ولكنا نرجح الثاني لأنه المذكور في الآيات السابقة. والآية معطوفة عليها. وقد يكون في آية سورة طه هذه
(1) نعرف أن هناك رواية تذكر أن هذه الآية مدنية أيضا غير أن هذه الآية تخاطب الكفار في مكة على ما يفيده سياقها السابق واللاحق مما يجعل الشك في الرواية أقوى ولا يكاد أن يتحمل كلاما.
(2)
للسيد رشيد رضا في هذا الموضوع فصل طويل في سياق تفسيره سورة الأعراف الجزء التاسع من تفسير المنار فيه توثيق قوي لهذا الرأي وتفنيد قوي لخلافه.