الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد أورد المفسرون أحاديث في صدد المستثنى من الفزع في جملة إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ يفيد بعضها أنهم كبار الملائكة ويفيد بعضها أنهم الشهداء. ويفيد بعضها أن الفزع هو كفاية عن الموت. والأحاديث لم ترد في كتب الصحاح، وتأويل الفزع بالموت غريب. وفي الآية [89] ما يفيد بصراحة بأن الاستثناء هو ل مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فلا يبقى محل لتأويل آخر. والمتبادر أن الاستثناء استهدف فيما استهدفه بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية بثّ الطمأنينة في قلوب المؤمنين المحسنين وتثبيتهم والحضّ على الإيمان والعمل الصالح. والصورة التي جاءت للكافرين مقابل ذلك قوية رهيبة حيث تكبّ وجوههم في النار، ويسألون سؤالا تقريعيّا عما إذا كانوا ينالون غير جزائهم الحق على أعمالهم الأثيمة. والمتبادر أن مما استهدف بذلك إثارة الرعب والفزع في قلوب هؤلاء وأمثالهم ليرتدعوا.
وفي الآيتين الأخيرتين توكيد للتقريرات القرآنية بأن الناس يكتسبون أعمالهم باختيارهم وأنهم يجزون عليها إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ حقّا وعدلا وأن القرآن يستهدف بذلك فيما يستهدف الحثّ على الأعمال الصالحة والتحذير من الأعمال السيئة.
[سورة النمل (27) : الآيات 91 الى 93]
إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)
(1)
البلدة الذي حرّمها: كناية عن مكة وتحريمها هو جعلها حرّما آمنا يأمن الناس فيها على دمائهم ويحرّم فيها القتال وسفك الدم والظلم على ما عليه جمهور المفسرين.
الآيات جاءت خاتمة للسورة. وعليها طابع الختام الذي يطبع كثيرا من السور. وأسلوبها يدل على أنها جاءت لإنهاء المواقف الحجاجية التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار في ظروف نزول السورة. وهي على الأرجح المواقف التي انطوت في الفصول السابقة وبخاصة منذ انتهاء السلسلة القصصية. وهي والحال هذه غير منفصلة عن السياق ومعقبة عليه.
وبدء الآية الأولى يوهم أن الكلام هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن ورود أمر وَقُلِ في الآيتين التاليتين يزيل الوهم ويفيد أنه أيضا مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله.
وهذا ما يقرره جمهور المفسرين أيضا.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الآيات بأن يعلن بأنه قد أمر بأن يعبد الله ربّ مكة المحرمة الذي هو ربّ كل شيء وأن يسلم نفسه له، وأن يتلوا القرآن على الناس، وأن يقول لهم إنما هو منذر ينذرهم ويبشرهم ويبين لهم طريق الحق والخير ويحذرهم من الكفر والباطل والفواحش، فمن اهتدى فيكون قد اختار لنفسه الخير ومن ضلّ فيكون قد اختار لنفسه الشرّ عن بيّنة وأن يقرر بعد هذا الحمد لله والثناء عليه وأن ينذر الكفار بأنهم سيرون آيات الله ووعيده الموعود رأي العين واليقين بعد أن سمعوها ولم يؤمنوا بها، وبأن الله ليس بغافل عما يعملون وإن بدا أنه يمهلهم ولا يستعجل عليهم.
والآيتان الأولى والثانية احتوتا ما جاء في آيات عديدة أخرى من شرح مهمة النبي وهي التبشير والدعوة والإرشاد والموعظة وبيان طرق الخير والحق والشر والباطل، ثم من تقرير قابلية الناس التي أودعها الله فيهم للاختيار والتمييز وتحميلهم تبعة اختيارهم.
ولعل الآية الثانية قد انطوت على تسلية النبي صلى الله عليه وسلم والتخفيف عنه مما يعتلج في نفسه من الحسرة والحزن من مواقف العناد والتكذيب التي يقفها قومه منه. وقد تكرر هذا في مطاوي آيات السورة السابقة وتكرر كثيرا في مطاوي السور السابقة.
والإنذار الذي ينطوي في الآية الأخيرة يحتمل أن يكون دنيويّا ويحتمل أن