الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(5)
نافلة: زيادة فوق الواجب أو الفرض.
(6)
مدخل صدق ومخرج صدق: الصدق هنا بمعنى الاستقامة والكرامة والشرف والرضاء أيضا.
(7)
زهق: اضمحل وحبط.
المتبادر أن الآيات غير منفصلة عن سابقاتها وأنها جاءت بمثابة تعقيب عليها وبسبيل تطمين النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيته والإهابة به إلى عدم الحزن والغم مما يبدو من الكفار من عداء وعناد وإزعاج وخداع وإغراء حيث تأمره بأن يتفرغ لعبادة الله تعالى وذكره والصلاة له في الليل والنهار، فيقيم الصلوات في أوقاتها المفروضة منذ الزوال إلى ظلمة الليل وفي الفجر ثم بالتهجد في الليل أيضا وأن يدعو ربه لييسر له الكرامة والسلامة والثبات والنصر والتأييد في مواقفه وتصرفاته ومداخله ومخارجه، فذلك أحرى أن ينيله ما يرغب فيه وأن يقرّ عينه بالمقام المحمود وعليه كذلك أن يهتف بالناس أن قد جاء الحق واضمحل الباطل لأنه مضمحل بطبيعته أمام الحق.
والآيات قوية التلقين والتطمين. ومن شأنها بثّ الرّوح والراحة والقوة في النفوس والقلوب سواء أفي الظرف الذي نزلت فيه والقصد الذي قصدت إليه بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم أم في غيره من الظروف.
تعليق على الآية أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ
…
والآيات الثلاث التالية لها
يلفت النظر بخاصة إلى قوة الحثّ على التهجد في الليل وصلاة الفجر وقرآنه. والمتبادر أن هذا متصل بما يكون في ذلك من مظهر الإخلاص التام لله عز وجل، وما تشعر به النفس من سكينة وطمأنينة وقوة روح.
والخطاب وإن كان موجها في الآيات إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن كل ما فيها من حثّ ووعد وتطمين يصح أن يعتبر موجها لجميع المؤمنين الذين أمروا أن يكون لهم في
رسول الله الأسوة الحسنة كما هو المتبادر. ولقد كان ذلك واقعا في زمن النبي وفي العهدين المكي والمدني، بقرينة آيات الذاريات كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وآية المزمل الأخيرة التي مرّ تفسيرها.
ولقد روى المصحف الذي اعتمدناه أن الآيات الأولى أي [78- 80] مع [73- 77] مدنيات. ولقد روى الترمذي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بالهجرة من مكة أنزل الله عليه وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (80)«1» ولقد توقفنا في رواية مدنية الآيات السابقة لأن وحدة السياق والموضوع والنظم جامعة بينها وبين ما قبلها. وهذا هو الحال أيضا بالنسبة لهذه الآيات. ولذلك نحن نتوقف في رواية مدنيتها كذلك. ومن العجيب أن رواية مدنية الآيات لم تشمل الآية [81] في حين أنها جزء غير منفصل عن السياق. وهذا مما يدعم صواب توقفنا. وحديث الترمذي لا يجعلنا نغيّر رأينا، ولا سيما أن مقتضاه أن تكون الآية [80] نزلت لحدتها للمناسبة المذكورة فيه مع أنها جزء من سياق تام سبكا وموضوعا. ويظهر أن الطبري لم يأخذ بالحديث أو لم يثبت عنده حيث قال إن الآية متصلة بما قبلها وإنها بسبيل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء بأن ييسر له المخرج الصدق والمدخل الصدق والسلطان الذي ينتصر به على الكفار الذين يحاولون استفزازه ليخرجوه من الأرض وهو قول وجيه سديد.
وعلى كل حال فالمتبادر من روح الآيات جملة أن الأمر القرآني هو بقصد بثّ الروح والقوة في نفس النبي صلى الله عليه وسلم وجعله يأمل ويلتمس من الله النصر والتأييد والعزة وحسن المصير في مواقفه ومداخله ومخارجه عامة في مناسبة ما كان من اشتداد مناوأة زعماء الكفار وإزعاجهم.
ولقد أورد البغوي في سياق الآيات أحاديث عن تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في
(1) التاج ج 4 ص 144 و 145.
الليل وما كان من اهتمامه الشديد لذلك «1» . ولا شك أن هذا من تلقين آيات سورة المزمل الأولى التي مر تفسيرها، وقد شاءت حكمة التنزيل أن تكرر الأمر له بذلك في الآيات التي نحن في صددها وأن تزيد فتؤمله بالمقام المحمود. ولقد ذكر المقام المحمود في أحاديث نبوية عديدة منها ما فيه توضيح له. رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبيّ يومئذ- آدم فمن سواه- إلا تحت لوائي فيأتيني الناس فأنطلق معهم إلى أن قال فأخرّ ساجدا فيلهمني الله من الثناء والحمد فيقال لي ارفع رأسك سل تعط واشفع تشفّع، وقل يسمع قولك. وهو المقام المحمود الذي قال الله عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79) » «2» وهناك حديث رواه البخاري عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أمر للمؤمنين بدعاء الله بأن يؤتي رسوله المقام المحمود هذا نصه «من قال حين يسمع النّداء (الأذان) اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامة والصّلاة القائمة آت سيّدنا محمّدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلّت له شفاعتي يوم القيامة» «3» .
والخطاب في الآية موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفيه تأميل رباني له بأن يبعثه الله مقاما محمودا. وما دام هناك حدث صحيح في توضيح مدى المقام المحمود يجب الوقوف عنده الإيمان بما فيه مع استئناف الحكمة منه. ويتبادر لنا من روح العبارة القرآنية وفحواها أن التنويه بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبث الروح والقوة فيه إزاء موقف الكفار وحثه على عبادة الله في كل وقت وبخاصة في الليل وبيان ما في ذلك من أسباب السكينة والطمأنينة والبشرى بما يكون له من نصر وسلطان ومقام محمود عند الله، كل ذلك من تلك الحكمة بالإضافة إلى ما شاءت عناية الله ورحمته من اختصاصه يوم القيامة بالشفاعة العظمى دون الأنبياء وهو المقام المحمود حقا وصدقا.
(1) هناك أحاديث وردت في الصحاح في فضل قيام الليل وشدة اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وحثه عليه انظر التاج ج 1 ص 290- 292.
(2)
التاج ج 4 ص 144.
(3)
المصدر نفسه.