الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
فرض عليك القرآن: أنزله عليك وأوجب عليك إبلاغه والسير وفقه.
(2)
لا يصدّنك: لا تدعهم يصرفونك.
الخطاب في الآيات موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فالذي أنزل عليه القرآن وأوجب عليه إبلاغه والسير وفقه رادّه ومعيده، وعليه أن يعلن للناس أن ربّه هو الأعلم والحكم بينه وبين الكفار في من هو على الحق والهدى ومن هو على الضلال الشديد، وأنه ما كان ليأمل أن ينزل عليه الكتاب، وأن الله تعالى لم يختره وينزله عليه إلّا رحمة منه وفضلا، وأن عليه ألّا يكون نصيرا للكافرين على نفسه، وألّا يدعهم يصرفونه عن أوامر ربّه وآياته بعد أن أنزلت عليه متأثرا بمواقف اللجاج التي يقفونها إزاءه، وأن يدعو إلى ربه وحده ولا يسلك سبيل المشركين وألا يدعو مع الله إلها آخر، فليس من إله غيره قط، وكل شيء هالك إلّا وجهه، وله الحكم والقضاء على خلقه، وهو مرجعهم أولا وآخرا.
تعليقات على الآيات الأخيرة الأربع من سورة القصص
ولقد تعددت التأويلات التي يرويها المفسرون عن ابن عباس وغيره لجملة لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ منها أنها بمعنى رادك إلى الجنة. ومنها أنها بمعنى رادك إلى الموت. ومنها أنها بمعنى رادك إلى يوم القيامة. ومنها أنها بمعنى رادك إلى مكة، وقد رويت رواية تفيد أن الآية التي فيها الجملة نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في طريق هجرته من مكة إلى المدينة في منزل يقال له الجحفة حيث حزّ في نفسه أن يخرج من وطنه على الوجه الذي خرج به فأنزل الله عليه الآية لتطمينه وتسليته وتوكيد كون الله عز وجل راده إلى مكة ثانية. وهذه الرواية قد تقوي إن صحت التأويل الأخير.
وتنبه على أن هذه الرواية رويت عن ابن عباس الذي روي عنه أيضا كون الجملة بمعنى «رادك إلى يوم القيامة» «1» .
وليس شيء من هذه الروايات واردا في كتب الأحاديث. ويلحظ أن الشطر التالي من الآية التي فيها الجملة يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعلن بأن ربه هو الأعلم بمن جاء بالهدى ومن هو في ضلال. وهذا يعني أن النبي كان في موقف حجاجي مع الكفار. وبين الآية والآيات التالية لها ترابط، ولهذا نشك في نزول الآية لحدتها أو نزولها في طريق الجحفة والنبي خارج إلى المدينة مهاجرا، ونرجح أن الآيات جميعها في صدد الموقف الحجاجي وأن الجملة تعني أن الله تعالى باعثه هو والكفار يوم القيامة وأنه سيحكم حينئذ بينه وبينهم وهو الأعلم بالمهتدي والضال منهم. وقد انطوى فيها هدف التطمين والتثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم، ومثل هذه الجملة ورد في آيات عديدة في مواقف الحجاج بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار مثل سورة الأنعام [117] والنحل [125] والقلم [7] .
ولم يرو المفسرون روايات في سبب نزول الآيات التالية لآية الأولى، وقد رووا عن ابن عباس أن الخطاب فيها وإن كان موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو لأمته، ومع أن هذا وارد ووجيه من ناحية ما احتوته الآيات من أوامر عليها طابع الشمول والتلقين المستمر، وهذا هو المقصود من قول ابن عباس المروي كما هو المتبادر.
فإن الذي يتبادر لنا من روح الآيات وفحواها أنها موجهة إلى النبي في مناسبة الموقف الذي بينه وبين الكفار الذي كان في صدد مبادئ الدعوة. وكان الكفار فيه أحيانا يحاولون مساومته وزحزحته عن شىء ما منها، وأنه بدا منه شىء ما من المسايرة رغبة في هدايتهم التي كان شديد الحرص عليها وبخاصة زعمائهم وإزالة العقبات القائمة في سبيل الدعوة. فنزلت الآيات لتنبهه إلى ما كان من فضل الله عليه ورحمته به في إنزال الكتاب عليه واختصاصه برسالة الله وتثبّته وتلقّنه خطورة
(1) انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والزمخشري والطبرسي. ورواية نزول الآية في الجحفة رواها المصحف الذي اعتمدناه أيضا.
المهمة التي انتدب إليها، وما توجبه من الثبات والصبر وعدم المسايرة في أي عمل أو قول يمكن أن يكون فيه أي تساهل في أساس الدعوة إلى الله وحده وفي الأسس المحكمة التي انطوت عليها الآيات القرآنية، وتهيب به ألا يكون منه فتور في الدعوة بسبب مواقف اللجاج أو المساومة التي يقفها الكفار.
ومن المحتمل أن يكون هذا الموقف بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الزعماء المعتدلين الذين كانوا يعتقدون بصدق دعوته ويخافون عواقب اتّباعه، على ما حكته الآية [57] ولعل ما كان من أخذ ورد بينهم وبينهم وبنيه هو في صدد الكعبة وتقاليدها حيث يرجّح هذا ما حكته عنهم الآية نفسها من مخاوف.
وهذا الذي نخمّن انطواءه في الآيات قد ذكر صراحة في آيات سورة الإسراء هذه وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا (74) ومن الجدير بالتنبيه أن سورة الإسراء هذه قد نزلت بعد سورة القصص حيث ينطوي في هذا صحة تخميننا وصوابه إن شاء الله. ومحاولات الكفار زحزحة النبي صلى الله عليه وسلم ليست جديدة بل بدأت من أوائل عهد الدعوة، على ما شرحناه في سياق تفسير سورة القلم.
على أن من الواجب أن ننبه إلى أنه لا ينبغي التوهم من ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مرّ عليه دور كان فيه مترددا في إيمانه بالله وحده أو ميّالا إلى مسايرة الكفار في زحزحته عن مبادئ الدعوة وأسسها. فهذا يناقض العصمة النبوية في هذا الصدد الذي يجب الإيمان بها، والتقريرات القرآنية التي مرّت أمثلة عديدة منها تجعله من هذه النواحي فوق كل مظنة ووهم وتصف استغراقه في الله والمهمة التي انتدب إليها بأروع الصفات وأقواها، وكل ما كان من أمر أن رغبته الشديدة في هدايتهم وحرصه القوي على نجاح الدعوة وانتشارها وشدة العقبات التي كانت تقوم في طريقها بسبب موقف كفار قريش، وبخاصة زعمائهم كان يجعله يفكر في مسايرتهم في أمور شكلية وثانوية مما كان غير الأولى في علم الله سبحانه، فكان وحي الله