الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الثانية والثالثة والرابعة حكاية ما سوف يكون من أمر الكفار والمكذبين حينما تقوم الساعة حيث يأمر الله تعالى بحشر المكذبين بآياته من كل أمة وسوقهم إليه فيسألهم سؤال التأنيب والتقريع عن تكذيبهم بآياته بدون علم وعما كانوا يفعلونه في دنياهم، وحينئذ يبهتون لأن الحجة قد قامت عليهم بظلمهم وبغيهم ولا يجدون ما يدفعون به عن أنفسهم.
أما الآية الخامسة ففيها لفت نظر الكفار إلى مشهد من مشاهد قدرة الله ونواميسه في كونه، فهو الذي دبر أمر الليل والنهار ليكون الأول للناس سكنا وراحة والآخر مضيئا يقضون فيه حاجاتهم وشؤون معايشهم، وقد انتهت الآية بتقرير كون ذلك دليلا كافيا لمن حسنت نيته واستجاب إلى الدعوة وآمن بالله وآياته على قدرة الله على كل شيء ومن الجملة على البعث، والآيات غير منفصلة عن السياق حيث استؤنف فيها حكاية مواقف الجاحدين بالآخرة ومصائرهم.
ومن تحصيل الحاصل أن نقول إن الآية الخامسة لم ترد أن تقول إن دليل الليل والنهار هو الوحيد على قدرة الله. وإنما ذلك أسلوب من أساليب النظم القرآني وقد مرّ منه أمثلة كثيرة.
تعليق على الدابة المذكورة في الآية [82]
في كتب التفسير «1» والحديث أحاديث عديدة معزوة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صدد الدابة وأوصافها وظروف خروجها وهول أثرها. ومن هذه الأحاديث ما ورد في كتب الأحاديث الخمسة الأولى «2» ومنها ما لم يرد. ومما ذكر في الأحاديث أن اسم الدابة هو الجسّاسة. وأنها تخرج من منطقة الحرم المكي وأنها ذات شعر ووبر كثيفين وأنها سريعة الجري وأنها تخرج في آخر الزمان كعلامة من علامات الساعة وحينما يترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتبكت الناس وتدمغ
(1) انظر كتب تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن.
(2)
انظر كتاب التاج ج 4 ص 176 وج 5 ص 304- 305.
جباههم فيعرف بذلك المؤمن منهم من الكافر. وأن تميما الداري أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآها في جزيرة وأخبرته أن المسيح مقيد بسلاسل من الحديد في دير الجزيرة ينتظر الإذن بالخروج. وعلى كل حال ففي القرآن صراحة بخروج دابة من الأرض بأمر الله إذا ما حق القول على الكافرين بعدم إيقانهم بآياته لتكلمهم أو تبكتهم.
ومثل هذه الصراحة موجودة بصورة ما في الأحاديث الصحيحة. والإيمان بذلك واجب على المسلم مثل الإيمان بالأمور المغيبة والخارقة التي أخبر بها القرآن أو ثبت خبرها في أحاديث صحيحة. وإن لم يدرك العقل كنهها مع القول إن ذكر ذلك لا بد له من حكمة ويلمح في الآيات والأحاديث ما يسوغ القول إن إنذار الكفار وتخويفهم من هذه الحكمة لعلهم يرعوون ويرتدعون.
على أن في الأحاديث ونظم الآية ما يسوّغ إيراد بعض الملاحظات.
فالأحاديث الصحيحة لا تربط بين الآية وبين خروج الدابة. وتدور في نطاق خروج الدابة في آخر الزمن كعلامة من علامات الساعة. والأحاديث التي تربط بينهما ليست من الصحاح. والضمير في جملة وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ عائد كما هو المتبادر إلى الكفار السامعين للقرآن الذين وصفوا قبل الآية [82] بالموتى والصمّ والعمي. وهذا يقتضي أن يكون الضمير في (تكلمهم) راجع إليهم أيضا. وكثير منهم بل أكثرهم أسلموا والذين ظلوا على كفرهم هلكوا وسيمضي على هلاكهم إلى قيام الساعة دهر لا تحصى أعوامه. ولم تذكر الأحاديث أن الله تعالى سوف يحيي الجاحدين من السابق للقرآن موضوع الخطاب لتكلمهم الدابة. حيث يبدو من هذا أن الوعيد الموجه إليهم لا يتحقق بالنسبة لأشخاصهم. وهذا يسوّغ القول إن دابة آخر الزمن التي ذكرت في الأحاديث الصحيحة غير الدابة التي ورد الوعيد بها في الآية القرآنية. وإن الربط بينهما هو من الرواة. وإن الوعيد القرآني قد قصد به بالإضافة إلى ما تضمنه الخبر الإيماني إثارة الرعب في نفوس السامعين وإيذانهم بأنهم إذا استمروا على جحودهم فيكونون من صنف الحيوانات التي لا يصح أن يكلمها إلّا دابة مثلها ما دام لم ينفعهم إنذار الله المبلغ بواسطة رسوله. ولقد وصف الكافرون المصرون على الجحود في آيات أخرى بوصف الْأَنْعامِ