الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والرغبات والصادقة، وأن له فيهم الغناء والعزاء- قرائن قوية على ذلك أيضا.
تلقين الآيات الأولى من السورة
والآيات مصدر إلهام وتلقين مستمر المدى. سواء أفيما احتوته من ثناء وبشرى لذوي النفوس الطيبة والرغبات الصادقة أم في ما احتوته من حملة تنديدية شديدة على ذوي السرائر الخبيثة الذين يكون ديدنهم المكابرة في الحق والإيغال في الباطل أم في ما احتوته من تثبيت وتطمين يلهمان الدعاة والقادة والزعماء والمصلحين قوة يتغلبون بها على ما يلقونه في طريقهم من عقبات ومصاعب.
[سورة يس (36) : الآيات 13 الى 29]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَاّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَاّ تَكْذِبُونَ (15) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَما عَلَيْنا إِلَاّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17)
قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (18) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)
أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)
وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كانَتْ إِلَاّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (29)
. (1) عززنا: أيدنا.
(2)
أئن ذكرتم: سؤال استنكاري فيه ردّ على قولهم إنّا تطيرنا أي تشاءمنا بكم وبسبيل نفي كون التذكير بالله هو الذي جاء إليهم بالشؤم والنحس.
(3)
مسرفون: متجاوزو الحد في البغي والعناد.
(4)
فطرني: تكررت اشتقاقات فطر كثيرا في القرآن. وأكثر ما جاءت في معنى الإيجاد والخلق بدءا ولأول مرة. وهي هنا بهذا المعنى. وأصل معناها اللغوي شقّ وجاء بعض اشتقاقاتها بمعنى التشقق والتصدّع والشقوق. ومعنى شقّ لا يبعد كثيرا عن معنى الخلق والإيجاد لأول مرة.
الآيات معطوفة على سابقاتها والضمير في وَاضْرِبْ لَهُمْ عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة موقفهم من الدعوة كما هو المتبادر. وهكذا يكون هذا الفصل قد جاء معقبا على سابقه تعقيب تمثيل وتذكير، وفيه توثيق للتأويل الذي أوّلناه للآيات التي حكت موقف الجاحدين والتخمين الذي خمّنّاه بنزول الفصل السابق في ظرف أزمة من أزمات النبي صلى الله عليه وسلم النفسية لموقف مثير وقفه الكفار.
وعبارة الآيات واضحة لا تقتضي أداء آخر. وقد احتوت قصة رسل أرسلهم الله إلى إحدى المدن وموقف أهلها الجحودي منهم، سيقت لسامعي القرآن أو الكافرين منهم على ما هو المتبادر للتمثيل والتذكير.
ومما رواه المفسرون عزوا إلى علماء التابعين في صدد قصة الرسل التي حكتها الآيات أن المدينة التي أشير إليها باسم القرية هي أنطاكية الثغر الشامي في شمال سورية وأن الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون من حواريي عيسى عليه السلام أرسلهم للدعوة والتبشير، وأن الرجل المؤمن هو حبيب النجار. وقد أوردوا بيانات كثيرة عن رسالة الرسل ومحاولاتهم مع الوثنيين في المدينة ومعجزاتهم في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمه والأبرص، وقتل الوثنيين حبيبا وعنادهم مع الرسل إلخ «1» .
وأسلوب الآية الأولى وفحواها يلهمان أن المثل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ليس غريبا عن السامعين وأنهم أو أن منهم من كان يعرف القصة المذكورة فيه.
ولقد ورد في سفر أعمال الرسل من الأسفار الملحقة بالأناجيل أشياء كثيرة
(1) انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والزمخشري والخازن مثلا.