الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وقد جاءت معترضة في السياق. وقد أوردناها لحدتها لأن من المحتمل أن تكون التسلية في صدد ما يثير نفس النبي صلى الله عليه وسلم من اتخاذ الكفار آلهة لهم غير الله والاستنصار بهم، أو في صدد نعتهم إياه بالشاعرية وتكذيبهم القرآن أو في صدد ما حكته الآيات التالية من تحدي بعض زعماء الكفار ومكابرتهم وتكذيبهم البعث الأخروي بعد أن يصبحوا رميما.
وقد تكرر مثل ذلك حيث اقتضته حكمة التنزيل بسبيل تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وتقويته إزاء ما كان يلقاه من قومه من مواقف ويسمعه من نعوت كانت تثيره وتحزنه.
[سورة يس (36) : الآيات 77 الى 83]
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَاّقُ الْعَلِيمُ (81)
إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)
. (1) خصيم مبين: مجادل عنيد.
(2)
رميم: بال.
(3)
يقول له كن فيكون: هذا التعبير أسلوبي أو مجازي بمعنى أن الله فيما يريد أن يتمّ ظهور شيء يتمّ فورا بمجرد تعلق إرادته به.
(4)
ملكوت: بمعنى الملك المطلق التام.
تساءلت الآية الأولى تساءل المستنكر المندد عما إذا كان الإنسان لم يعرف أن الله إنما خلقه من نطفة حتى ينقلب خصما عنيدا له. وحكت الثانية موقف هذا الإنسان الذي نسي كيفية نشوئه وخلقه المذكورة فتساءل عمن يمكن أن يحيي
العظام بعد أن تصبح رميما فتاتا متحدّيا بذلك ربّه العظيم الذي خلقه من تلك النطفة ومتجاهلا قدرته. واحتوت الآيات التالية أمرا ربانيا للنبي بالردّ على هذا الإنسان السائل المتحدي المتجاهل ردّا قويا فيه تنديد لاذع بعبارة واضحة موجهة إلى العقل والقلب وفيه تدليل هنا على قدرة الله على إعادة الخلق وعظمته بما لا يمكن المكابرة فيه مما يقع تحت المشاهدة.
وقد روى المفسرون «1» أن أبيّ بن خلف أو العاص بن وائل من زعماء الكفار أخذ في موقف جدل بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عظمة بالية وفتتها ثم قال له كيف تزعم أن ربّك يبعث الناس وقد صارت عظامهم رميما!.
والرواية محتملة الصحة. غير أننا نلاحظ أن السياق كلّه أي هذه الآيات وما قبلها منسجم يدلّ على الوحدة التقريرية والإلزامية والتنديدية. والذي يتبادر لنا من ذلك أن حكاية هذا الموقف قد جاءت كإشارة عرضية إلى بعض أسئلة الكفار ومواقفهم الساخرة بسبيل الردّ والتنديد مما تكرر كثيرا في النظم القرآني.
وأسلوب الآيات قويّ من شأنه أن يفحم المجادل المكابر وأن يقطع عليه نفس الكلام والمكابرة. وفيه من الإفحام ما يظلّ مستمد إلهام وقوة في صدد التدليل على قدرة الله عز وجل وعظمته كما هو المتبادر. ولقد كان السائلون يعترفون بالله عز وجل وكونه خالق الأكوان ومدبّرها ومالك كل شيء ومرجع كل شيء على ما نبهنا عليه وأوردنا شواهده القرآنية في مناسبات سابقة ومن هنا يأتي الإفحام لهم قويا ملزما. غير أن هذا يظلّ كذلك دائما لأن دلائل وجود الله وقدرته مائلة في كل شيء لا يكابر فيها إلّا مكابر أو جاهل.
(1) انظر تفسير الآيات في الطبري وابن كثير والطبرسي والخازن.