الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلّا الله والله أكبر» «1» . ومن ذلك قول روي في صيغ عديدة عن أبي بكر وعثمان وغيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها الصلوات الخمس. أو الصلاة مطلقا.
وساق الطبري حديثا رواه بطرق عن أبي مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«جعلت الصلوات كفارات لما بينهن فإن الله قال إن الحسنات يذهبن السيئات» .
والقول إنها الصلاة أوجه من القول الأول. ومجيء الجملة بعد الأمر بإقامة الصلاة قرينة حاسمة على كونه الأوجه.
تعليق على آية وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ
المصحف الذي اعتمدنا عليه يذكر أن هذه الآية مدنية، ويروي المفسرون في سياقها أحاديث نبوية عديدة منها ما ورد في الصحاح. ومن ذلك حديث رواه الشيخان والترمذي عن ابن مسعود جاء فيه:«أنّ رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فأنزلت الآية. فقال الرجل ألي هذه قال لمن عمل بها من أمّتي» «2» . وحديث رواه الترمذي عن أبي اليسر قال: «أتتني امرأة تبتاع تمرا فقلت لها إنّ في البيت تمرا أطيب منه فدخلت معي فملت عليها فقبّلتها فسألت أبا بكر فقال استر على نفسك ولا تخبر أحدا وتب إلى الله فلم أصبر وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أخلفت غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا، حتى تمنّى أنه لم يكن أسلم إلّا تلك الساعة حتى ظنّ أنه من أهل النار. وأطرق رسول الله طويلا حتى أوحي إليه
(1) هذه الصيغة مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ليست على كونها تفسيرا للآية. وقد رواها الترمذي عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قلت يا رسول الله ما رياض الجنة؟ قال: المساجد، قلت: وما الرتع؟ قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» . التاج ج 5 ص 90.
(2)
التاج ج 4 ص 131- 132.
بالآية فقرأها فقال أصحابه: يا رسول الله ألهذا خاصة أم للناس عامة؟ قال: بل للناس عامة» «1» .
ومقتضى الحديثين أن الآية نزلت في العهد المدني. ويلحظ أنها منسجمة في السياق ومعطوفة على ما قبلها. وبينها وبين ما قبلها مماثلة في الصيغة فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ووَ أَقِمِ الصَّلاةَ حيث يبرر هذا الشك في مدنية الآية التي تبدو والجملة هذه مقحمة في سياق مكي.
وفي كتب تفسير الطبري والبغوي صيغ متعددة من باب الحديثين، منها ما يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا الآية على الرجل تلاوة. وأمره بالوضوء والصلاة والتوبة حيث يتبادر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الآية على سبيل التقوى وتطمين المذنب الذي جاء إليه معترفا بذنبه نادما تائبا وأن الذين رووا مدنيتها ونزولها في هذه المناسبة قد التبس الأمر عليهم.
ولقد أورد المفسرون في سياق الآية أحاديث أخرى في نفع الصلاة، منها حديث رواه أيضا مسلم والترمذي عن أبي هريرة قال:«قال النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر» «2» . ومنها حديث رواه الطبري بطرقه عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه: «إن النبي صلى الله عليه وسلم كان تحت شجرة فأخذ غصنا يابسا فهزّه حتى تحاتّ ورقه ثم قال لراوي الحديث ألا تسألني لم أفعل هذا يا سلمان؟ فقلت: ولم تفعله؟ فقال: إن المسلم إذ توضّأ فأحسن الوضوء ثم صلّى الصلوات الخمس تحاتّت خطاياه كما يتحاتّ هذا الورق ثم تلا هذه الآية: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ» «3» .
ويجب أن نستدرك أمرا فإن الربط بين الصلاة التي عدت حسنات وبين محو
(1) التاج ج 4 ص 131- 132.
(2)
التاج ج 1 ص 119.
(3)
هناك أحاديث أخرى أوردناها في تعليقنا على الصلاة في سورة العلق وعلى جملة وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ في سورة مريم فنكتفي بما أوردناه.
السيئات في الآية قائم على ما هو المتبادر على كون المرء الذي يبدر منه خطيئة حينما يقف أمام الله عز وجل يتذكر ما بدر منه فيشعر بالخجل والندم ويسوقه هذا إلى التكفير عن عمله والكف عنه. وفي الفقرة الأخيرة من الآية توضيح هذا المعنى أو قرينة عليه، ففي ذكر الله قوة رادعة عن الشر دافعة إلى الخير. والصلاة أقوى وسيلة إلى ذكر الله. ومن تحصيل الحاصل أن يقال إن الصلاة التي لا تؤدي إلى هذه النتيجة ليس من شأنها أن تمحو سيئة ما. وأن ما يتوهمه عوام الناس من أنهم يتلافون بقيامهم وركوعهم وسجودهم الآلي فقط نتائج ما يقترفونه من ذنوب في غير محله. فهدف الآية هو إصلاح النفس وإيقاظ الضمير بوسيلة الصلاة وذكر الله تعالى فيها. ولا يكون هذا مجديا إلّا إذا صلى المرء خاشعا شاعرا ذاكرا متأثرا نادما على ذنبه مصمما على توبته منه معتقدا ذلك فعلا. ومن الأحاديث النبوية التي وردت في هذا المعنى:«من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا» «1» و «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له» «2» .
وقد يتبادر مع ذلك أن كلمة (السيئات) في الآيات والأحاديث قد عنت الهفوات الصغيرة التي سميت في القرآن باللمم أيضا التي قد يغفرها الله تعالى للمسلم بحسنات صلاته إذا أداها على وجهها واجتهد في الوقت نفسه في تجنب الكبائر على ما شرحناه في سياق سورة النجم بما يغني عن التكرار. وفي أحد الأحاديث التي مر إيرادها «إن الصلاة كفارة لما قبلها ما لم تغش الكبائر» حيث ينطوي في هذا تأييد لما قلناه.
وجملة إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ جاءت بأسلوب مطلق، وهي في الوقت ذاته جملة تامة، وقد تبادر لنا من ذلك أنها تتضمن في ذاتها مبدأ عاما، وإن الصلاة على عظم خطورتها هي من الحسنات وليست كل الحسنات، فالصدقات المفروضة (الزكاة) والتطوعية حسنة، والجهاد حسنة، ومساعدة الضعفاء والذبّ عنهم حسنة، والبرّ بالوالدين حسنة، والتعاون على الحق والخير والصبر والأمر
(1) انظر تفسير آية سورة العنكبوت في تفسير ابن كثير.
(2)
انظر تفسير آية سورة العنكبوت في تفسير ابن كثير.
بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير حسنة إلخ
…
وكما تذهب الصلاة الصادقة السيئات فإن مقتضى هذا المبدأ أن تذهب هذه الحسنات السيئات إذا ندم مقترفها وتاب عنها، ومما يؤيد ذلك آية سورة الفرقان هذه: إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) التي جاءت عقب تعداد الجرائم الكبيرة التي يحرمها الله وينذر مقترفيها بالعذاب المضاعف والهوان المخلد، وآيات سورة التوبة هذه: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) وفي سورة النساء آية عظيمة في هذا الباب حيث تتضمن أن اجتناب المرء الكبائر مما يجعل الله عز وجل يغفر له الهفوات والسيئات وهي هذه: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً (31) . ولقد ورد في حديث نبوي رواه الإمام أحمد عن معاذ رضي الله عنه: «يا معاذ أتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن» «1» . وفي حديث آخر رواه الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه: «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن» «2» . والحديثان يؤيدان ما قلناه من عمومية المبدأ الذي احتوته الآية وإطلاقه.
وهكذا يفتح هذا المبدأ وما ورد في سياقه من أحاديث وما أيده من آيات أفقا واسعا أمام المؤمن، ويتضمن وسيلة عظمى من وسائل إصلاح المؤمن وحفزه على عمل الصالحات والحسنات إذا ما قارف ذنبا مهما بدا عظيما وندم عليه، وهو إن كان يشبه التوبة التي شرحنا مداها في سياق سورة الفرقان ففيه زيادة من حيث حفزه على الحسنات في سبيل محو السيئات.
هذا، ولقد تعددت الأقوال التي يرويها المفسرون عن أهل التأويل في مدى
(1) انظر تفسير الآية في ابن كثير والحديث الثاني رواه الترمذي انظر التاج ج 5 ص 57.
(2)
المصدر نفسه.