الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التي تضمنت وصف عباد الرحمن والثناء عليهم، فبعد أن انتهت تلك الآيات جاءت هذه الآية تلتفت ثانية إلى الكفار الذين كانوا موضوع الكلام السابق وتأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم: إن الله لم يكن ليعتدّ بكم ويهتم لأمركم لولا دعاؤكم، وبالرغم من ذلك فقد كذّبتم بما جاءكم فاستحققتم العذاب وصار لازما عليكم لا معدى لكم عنه.
تعليق على تعبير لَوْلا دُعاؤُكُمْ
وأكثر المفسرين أوّلوا جملة لَوْلا دُعاؤُكُمْ بما يفيد أن الله تعالى ما كان ليكترث بكم ويهتم لأمركم لولا حرصه على دعوتكم إليه وإيمانكم به وعبادتكم له، وهو تأويل وجيه «1» . ومن المفسرين من أرجع ضمير المخاطب في دُعاؤُكُمْ إلى عباد الرحمن وأرجع الضمائر الأخرى في الآية إلى الكفار وهو غريب «2» .
ومما يتبادر لنا أن جملة لَوْلا دُعاؤُكُمْ هي بسبيل الإشارة إلى اعتراف المشركين بالله الخالق البارئ ربّ الأكوان ودعائهم إيّاه وحده حينما يصيبهم الضرّ مما حكته آيات عديدة مثل آية سورة الزخرف هذه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) وآية الزخرف هذه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وآيات سورة النحل هذه: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (53) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) وآية سورة العنكبوت هذه: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) أو بسبيل الإشارة إلى ما كانوا يتمنونه على الله ويدعونه بإرسال نذير بكتاب عربي ليؤمنوا به ويسيروا على هواه مما
(1) انظر تفسير الآية في الطبري وابن كثير والخازن والطبرسي.
(2)
انظر تفسيرها في تفسير ابن كثير والزمخشري.
حكته آية سورة فاطر هذه: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (42) وآيات سورة الأنعام هذه:
وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ «1» فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (157) ، وكون هذا وذاك هو الذي جعل الله سبحانه يعبأ بهم ويرسل إليهم رسولا وينزل عليه كتابا بلغتهم ليسيروا على هداه، وكأن الآية تقول لهم إنكم بعد أن كذّبتم بما جاءكم وتمرّدتم على الله وتصاممتم عن دعوته وناوأتم رسوله بعد أن تمنيتم ذلك وطلبتموه فقد صار العذاب لزاما عليكم، وكأنها تأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم ذلك مشهدا عليهم أنفسهم مخلصا لهم الإعذار والإنذار.
ولما كانت الفصول السابقة التي حكت أقوال الكفار ومواقفهم وردّت عليهم مقرعة مكذّبة منذرة من جهة، ومبرهنة على ربوبية الله عز وجل واستحقاقه وحده للعبادة من جهة، ومثنية على الذين استجابوا للدعوة واصفة ما كان من أثر ذلك في أخلاقهم من جهة هي بمثابة فصول حجاجية بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الكفار فتكون الآية قد جاءت إنهاء قويّا لهذه الفصول.
(1) لئلا تقولوا إننا لا نعرف لغة الكتب التي أنزلت على الطائفتين ولم ندرسها وإنه لو أنزل علينا كتاب بلغتنا لكنّا أهدى منهم حيث كانوا يرونهم في شقاق وخلاف وقتال شيعا وأحزابا.