الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعليق على آية وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ وما بعدها
والآيات غير منقطعة عن السياق بل ومعطوفة عليه. وقد احتوت ردّا ثانيا على الكفار كما هو المتبادر. فالكفار كانوا يقولون إن الشياطين هم الذين ينزلون على النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن وإن النبي صلى الله عليه وسلم شاعر وإن القرآن شعر، مما حكته آيات عديدة مرّت أمثلة منها وبخاصة في سورة يس فردت الآيات السابقة على الزعم الكاذب الأول، واحتوت هذه الآيات ردّا على الزعم الكاذب الثاني. فالشعراء إنما يتبعهم الغاوون، وهم يقولون ما لا يفعلون، وفي كل واد يهيمون في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم يدعوا إلى الله وحده وإلى الحق والخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويفعل ما يقول، وتحلّى أتباعه بكل ما دعا إليه وأمر به ونهى عنه فصاروا الجماعة الفاضلة القوية بإيمانها وأخلاقها وأفعالها.
تعليق على استثناء المؤمنين من ذمّ الشعراء
ولقد احتوت الآية الأخيرة استثناء الشعراء المؤمنين الصالحين من الوصف الذي احتوته الآيات الأولى، وتنويها بهم. فهم ليسوا من تلك الطبقة حيث خرجوا عن طبيعتها فآمنوا بالله وحده وعملوا الصالحات، ساروا في طريق الخير والحق والصدق، وانتصروا مما وقع عليهم من الظلم. وقد انتهت الآية بوعيد للظالمين وإنذار بالعاقبة السيئة التي سيصيرون إليها.
والمتبادر أن المقصود بالانتصار هو ما كان ينظمه شعراء المسلمين من قصائد يردّون فيها على قصائد الهجو التي كان ينظمها شعراء الكفار.
وقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآيات الأربع مدنيات. وذكر ذلك الزمخشري في مطلع تفسير السورة. والحقيقة أن الطابع المدني ظاهر على الآية الأخيرة فقط. فالمسلمون إنما وقفوا موقف المنتصر من بعد الظلم والمدافع المنتقم بعد الهجرة ولم يكن في مكة مجال للتهاجي بين شعراء المسلمين والكفار،
لأن المسلمين كانوا قلة مستضعفة من جهة ولأن ما أهاج التهاجي هو الاحتكاك المسلح بين الفريقين الذي كان بعد الهجرة من جهة ثانية. ولذلك فالرواية تصح في اعتقادنا بالنسبة للآية الأخيرة فقط. أما الآيات الثلاث فالمتبادر أنها نزلت في صدد الردّ على نسبة الشاعرية إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونزول الشياطين عليه بالقرآن على ما كانت عليه عقيدة العرب وأنها متصلة بالآيات السابقة التي لا خلاف في مكيتها.
ولما اضطلع شعراء المسلمين بعد الهجرة بالردّ على شعراء الكفار اقتضت حكمة التنزيل استثناءهم من الوصف الذي وصف به الشعراء فنزلت الآية وألحقت بالآيات الثلاث للاستدراك والمناسبة الظاهرة، شأنها في هذا شأن الآية الأخيرة في سورة المزمل. ولقد ذكر المفسرون في سياق تفسير الآيات أن الآية المذكورة نزلت في حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك رضى الله عنهم الذين أمرهم النبي بهجو المشركين ردّا على هجو هؤلاء النبي والمؤمنين فذكروا له ما وصفت آيات الشعراء به الشعراء فأنزل الله الآية فتلاها عليهم وهو يقول لهم هؤلاء أنتم هؤلاء أنتم، فأخذوا منذئذ يردون على هجو الكفار.
والرواية محتملة الصحة جدا وإن لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة.
وفيها تأييد لما قلناه من أن الآيات الثلاث نزلت في مكة والآية الرابعة فقط هي التي نزلت في المدينة. ولقد روى المفسرون أن النبي كان يقول لحسان «اهجهم وجبريل معك. وإنّه لأشدّ عليهم من رشق النّبل» ولكعب بن مالك «إنّ المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه. والذي نفسي بيده لكأنّ ما ترمونهم به نضح النّبل» .
وواضح أن في الآية وما روي في سياقها تلقينا مستمر المدى في حقّ المسلم وواجبه في الدفاع عن الإسلام والمسلمين بمختلف أساليب الدفاع. وإن ما يمكن أن يكون في أصله مذموما يغدو في هذا السبيل ممدوحا مرغوبا فيه بل واحيا.
ومع ذلك ففي الاستثناء الذي تضمنته الآية تلقين جليل آخر وهو أن هذه الرخصة التي يرخصها الله ورسوله للمسلمين إنما هي للذين يكون موقفهم موقف المنتصر من الظلم الذي لا يتجاوز الحق.